الطعن 1996 لسنة 52 ق جلسة 26 / 11 / 1986 مكتب فني 37 ج 2 ق 181 ص 875
جلسة 26 من نوفمبر سنة 1986
برئاسة السيد المستشار: سيد عبد الباقي سيف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد المنصف هاشم، أحمد إبراهيم شلبي نائبي رئيس المحكمة، محمد جمال الدين شلقاني وصلاح محمود عويس.
————
(181)
الطعن رقم 1996 لسنة 52 القضائية
(1)اختصاص “الاختصاص القضائي الدولي”. معاهدات.
الحصانة القضائية للدولة التي لا تخضعها لولاية القضاء في دولة أخرى. مقتضاها. امتناع القضاء في حقها أو حق ممثليها وممثلي سلطاتها العامة من محاكم دولة أخرى بالنسبة لأعمال السيادة دون التصرفات العادية وأعمال التجارة. أثره.
التزام المحاكم بأن تقضي من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها بنظر المنازعات المتعلقة بأعمال السيادة ما لم تتنازل الدولة عن تلك الحصانة فتقبل ولاية قضاء دولة أخرى.
(2)حكم “تسبيب الحكم: التناقض”. بطلان “بطلان الأحكام”.
التناقض المبطل للحكم. ماهيته. اشتمال الحكم على أسباب تبرر قضاءه. النعي عليه بالتناقض. لا محل له.
————-
1 – تقوم الحصانة القضائية – التي لا تخضع الدولة بموجبها لولاية القضاء في دولة أخرى – أساساً على مبدأ استقلال الدولة وسيادتها في المجتمع الدولي، فهو من المبادئ المسلمة في القانون الدولي العام، ومن مقتضاه أن يمتنع على محاكم دولة أن تقضي في حق دولة أخرى بالنسبة للأعمال التي تصدر منها وهي تباشر سلطتها بصفتها صاحبة السلطان، دون التصرفات العادية وأعمال التجارة، لأن حق الدولة في القضاء في المنازعات التي تتعلق بتلك الأعمال – هو حق لصيق بسيادتها لا تستطيع دولة أخرى مباشرته عنها، وإذا انعدمت ولاية القضاء في الدولة بالنسبة لدولة أخرى كشخص قانوني مستقل ذي سيادة – فهي تنعدم بالنسبة لممثلي هذه الدولة وممثلي سلطاتها العامة الذين يعبرون عنها داخلياً وخارجياً أو من يقاضون عنها أي شأن من شئونها العامة لأن خضوعهم لقضاء غير القضاء الوطني بالنسبة إليهم يعني خضوع الدولة بأسرها لذلك القضاء بما في ذلك من مساس بسلطة الدولة وسيادتها واستقلالها، وعلى المحكمة أن تقضي في هذه الحالة بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها ما لم تتنازل الدولة عن تلك الحصانة فتقبل ولاية قضاء دولة أخرى.
2 – التناقض الذي يفسد الأحكام هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – الذي تتماحى به الأسباب ولا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه، بحيث لا يمكن أن يفهم منه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به، أما إذا اشتمل الحكم على أسباب تكفي لحمله وتبرر وجه قضائه فلا محل للنعي عليه بالتناقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر… والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 362 سنة 1980 مدني أسيوط الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون عليهم وآخر متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 30376800 دولاراً، وقال بياناً لها إنه كان يقيم مع أشقائه في ليبيا وتملكوا مساحة من الأرض البور مبينة بالأوراق وقاموا باستصلاحها وزراعتها بالحدائق وأنشأوا على جزء منها مزرعة دواجن، وبعد أن قامت ثورة الفاتح من سبتمبر سنة 1969 بقيادة المطعون عليه الأول آلت تلك الأرض بما عليها من منشآت ثابتة ومنقولة ومنتجات زراعية وحيوانية – على الدولة الليبية بموجب القانون رقم 135 لسنة 1970، ثم قامت الحكومة الليبية بطردهم ولم تعوضهم عما تم الاستيلاء عليه الذي يقدر نصيبه فيه بالمبلغ المطالب به، وبتاريخ 26/ 4/ 1980 حكمت المحكمة بإلزام المطعون عليهم متضامنين بأن يدفعوا إلى الطاعن مبلغ 26032500 دولاراً.
استأنف المطعون عليهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 225 سنة 56 ق مدني، وبتاريخ 6/ 5/ 1982 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الدفع المبدى من المطعون عليهم بعد اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى لانعدام ولايته – هو في حقيقته دفع بعدم قبول الدعوى لقيام الحصانة القضائية، ذلك أن الاختصاص بنظر النزاع انعقد للقضاء المصري باتخاذ المطعون عليهم مكتب محاميهم محلاً مختاراً لهم واستئنافهم الحكم الصادر ضدهم من محكمة أول درجة طالبين من باب الاحتياط الكلي إلغاءه ورفض الدعوى، غير أن الحكم المطعون فيه قضى بالرغم من ذلك بعدم اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى فخلط بين مبدأ السيادة والحصانة القضائية وبين واجبات الدولة التي يجعلها القانون الدولي مسئولة عن الأفعال التي تقع من أي من سلطتها وعن إخلالها بما تبرمه من عقود سواء بصفتها سلطة عامة أم شخصاً معنوياً، وخلط أيضاً بين حق الدولة في إصدار القوانين وبين الحق في المطالبة بالتعويض، ولم يفطن إلى أن موافقة الحكومة الليبية على اتفاقية التكامل بينها وبين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، تنطوي على إقرار منها بالتنازل عن الحصانة القضائية وحق الأفراد في مقاضاتها، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الحصانة القضائية التي لا تخضع بموجبها الدولة لولاية القضاء في دولة أخرى أساساً على مبدأ استقلال الدولة وسيادتها في المجتمع الدولي، وهو من المبادئ المسلمة في القانون الدولي العام ومن مقتضاه أن يمتنع على محاكم دولة أن تقضي في حق دولة أخرى بالنسبة للأعمال التي تصدر منها وهي تباشر سلطتها بصفتها صاحبة السلطان، دون التصرفات العادية وأعمال التجارة لأن حق الدولة في القضاء في المنازعات التي تتعلق بتلك الأعمال هو حق لصيق بسيادتها لا تستطيع دولة أخرى مباشرته عنها وإذا انعدمت ولاية القضاء في الدولة بالنسبة لدولة أخرى كشخص قانوني مستقل ذي سيادة – فهي تنعدم بالنسبة لممثلي هذه الدولة وممثلي سلطاتها العامة الذين يعبرون عنها داخلياً وخارجياً أو من يقاضون عنها أي شأن من شئونها العامة، لأن خضوعهم لقضاء غير القضاء الوطني بالنسبة إليهم يعني خضوع الدولة بأسرها لذلك القضاء بما في ذلك من مساس بسلطة الدولة وسيادتها واستقلالها، وعلى المحكمة أن تقضي في هذه الحالة بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها ما لم تتنازل الدولة عن تلك الحصانة فتقبل ولاية قضاء دولة أخرى، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن النزاع الذي كان مطروحاً أساسه القانون رقم 135 لسنة 1970 الذي أصدرته الحكومة الليبية بصفتها صاحبة السيادة والسلطان بأن تؤول إلى الدولة الليبية ما يملكه الأشخاص المبينة أسماؤهم بالكشف المرافق له عن أراض زراعية وكان اتخاذ ممثلي تلك الدولة مكتب محاميهم محلاً مختاراً لهم واستئنافهم الحكم الصادر من محكمة أول درجة وطلبهم من باب الاحتياط الكلي إلغاء هذا الحكم ورفض الدعوى لا يفيد قبولهم اختصاص القضاء المصري بالفصل فيها خاصة وقد طلبوا الحكم أصلياً بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى، وكانت اتفاقية التكامل بين الحكومة الليبية وجمهورية مصر العربية وجمهورية السودان – على ما يبين من مطالعة نصوصها – قد خلت من كل ما يفيد إقرار أطرافها بالتنازل عن الحصانة القضائية المقررة لكل منهم فإن القضاء المصري يكون غير مختص بنظر النزاع المطروح لتوافر شروط الحصانة القضائية المقررة وفق أحكام القانون الدولي العام، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويكون هذا النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان الشق الأول منه يقول إن الحكم المطعون فيه بقضائه بعدم اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى حجب نفسه عن القضاء بالتعويض طبقاً لنص المادة 18 من القانون المدني المصري ونص المادة الثانية من القانون رقم 135 لسنة 1970 سالف الإشارة، وفي بيان الشق الثاني يقول إنه خالف نص المادة 28 من القانون المدني المصري عندما قرر أن من حق الدولة الليبية إصدار القانون رقم 4 لسنة 1981 بإلغاء مهنة المحاماة لما يترتب على ذلك من عدم إمكانه اللجوء إلى القضاء في ليبيا للمطالبة بحقوقه، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالف القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول، ذلك أن عدم تصدي الحكم لبحث حق الطاعن في التعويض سواء طبقاً لنص المادة 18 من القانون المدني المصري أو نص المادة الثانية من القانون الليبي رقم 135 لسنة 1970 – هو نتيجة لازمة لقضائه بعدم اختصاص القضاء المصري بنظر النزاع، فإذا وقف الحكم عند هذا القضاء ولم يلج فيما أثاره الطاعن بشأن حقه في التعويض فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويكون هذا الشق من النعي في غير محله، وفي شقة الثاني غير مقبول، ذلك أن ما استرسل إليه الحكم عن حق الدولة الليبية قي إصدار القانون رقم 4 لسنة 1981 بإلغاء مهنة المحاماة لا يعدو أن يكون تزيداً يستقيم الحكم بدونه، فالنص عليه في هذا الصدد يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه التناقض، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه بعد أن أقام قضاءه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى على تمتع المطعون عليهم بالحصانة القضائية وعلى حق الدولة الليبية في إصدار القانونين رقمي 135 لسنة 1970 و4 لسنة 1981 استناداً إلى مبدأ السيادة – عاد وقرر أن حق السيادة غير مطلق إذا كان تصرف الدولة خارجاً عن نطاقه، وأن من حقه اللجوء إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 135 لسنة 1970 للمطالبة بالتعويض وهو ما يعيبه بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن التناقض الذي يفسد الأحكام هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – الذي تتماحى به الأسباب ولا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه بحيث لا يمكن أن يفهم منه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به، أما إذا اشتمل الحكم على أسباب تكفي لحمله وتبرر وجه قضائه فلا محل للنعي عليه بالتناقض، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على ما يبين من الرد على السببين الأولين لهذا الطعن – على توافر شروط الحصانة القضائية بالنسبة للمطعون عليهم باعتبارهم ممثلين لدولة مستقلة ذات سيادة، وكانت هذه الأسباب كافية لحمل قضائه، فإن ما أورده الحكم بعد ذلك بشأن ما كفله القانون رقم 135 لسنة 1970 للطاعن من اقتضاء التعويض المستحق له بالالتجاء إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون – لا يعيب الحكم إذ أنه يستقيم بدونه فلا يمثل تناقضاً مع باقي أسبابه، ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً