ثمة نظرية قديمة تقليدية، يمكن أن يُطلق عليها النظرية اللاتينية، تقول بأن الإرادة المنفردة لا تنشئ الالتزام، وهي النظرية التي لا زال القانون الفرنسي يسير عليها في مجموعها إلى الآن، من حيث التأصيل القانوني على الأقل، وثمة نظرية أخرى جديدة نسبيًا يتزعمها الفكر القانوني الألماني تبشر بأنه يوجد في منطق القانون ما يمنع من أن ينشأ الالتزام بإرادة المدين المنفردة. وهاتان النظريتان، تبدوان متغايرتان كل التغاير، ولكنهما تقتربان إلى حد كبير بالنسبة إلى النتائج التطبيقية التي وصل إليها الفكر القانوني في مجال إعمال كل منهما، بحيث يكاد أن يكون الفارق بينهما نظريًا لا يتجاوز مجرد التأصيل القانوني.
فالنظرية الألمانية، وإن لم ترَ ثمة مانعًا من أن ينشأ الالتزام عن التصرف الصادر من جانب واحد، إلا أن القانون الألماني نفسه لا يقر هذا الأثر إلا في الأحوال الخاصة التي يصرح بها القانون (المادة 305). وفي الجانب الآخر، نجد أنه بالنسبة إلى أهم التطبيقات العملية التي تعزى فيها نشأة الالتزام للإرادة المنفردة، يسير الفكر القانوني الفرنسي أيضًا على نشأة الالتزام فيها، وإن عمد إلى ردها تارة إلى العقد وتارة أخرى إلى المسؤولية التقصيرية.
وقد عمد المشروع إلى أن يقر للإرادة المنفردة قوة إنشاء الالتزام، ولكن في مجال محدود مقصور على الحالات الخاصة التي يأذن لها فيها القانون بإنشائه، وهكذا فالإرادة المنفردة، إذا اعتُبرت مصدرًا منشئًا للالتزام، فلا تكون إلا مصدرًا مقيدًا محدودًا. وهي، بهذه المثابة، تتميز عن العقد والعمل غير المشروع والكسب دون سبب، التي هي مصادر منطلقة من شأنها أن تولد الالتزام على نحو عام وشامل.
وبعد أن يُقر المشروع للإرادة المنفردة قوة إنشاء الالتزام في مجالها المقيد الضيق المحدود، يعمد إلى تنظيم أحد أهم تطبيقاتها العملية، وهو الوعد بالجائزة الموجه للجمهور، تاركًا التطبيقات الأخرى ليأتي الحكم فيها مع أحكام الأنظمة التي تخصها.
وتُرسي المادة (220)، في فقرتها الأولى، المبدأ الأساسي في خصوص الإرادة المنفردة، ومقتضاه أن التصرف القانوني الصادر بها، أو التصرف القانوني الصادر من جانب واحد كما يغلب أن يقال، لا ينشئ الالتزام ولا يعدله ولا ينهيه، إلا في الحالات الخاصة التي يأذن له فيها القانون بذلك.
وتجيء الفقرة الثانية لتضع الأساس الذي يراعى في حكم التصرف القانوني الصادر من جانب واحد، حينما يأذن له القانون بإنشاء الالتزام أو بتعديله أو بإنهائه، مقررة إخضاعه لما يخضع له العقد بوجه عام من أحكام القانون، إلا ما كان من هذه الأحكام متعارضًا مع قيامه على الإرادة الواحدة، وعلى الأخص ما تعلق منها بتوافق الإرادتين.
وقد استوحى المشروع حكم المادة (220) من القانون الألماني (المادة 305)، ومن القانون العراقي (المادة 94) ومن القانون الأردني (المادة 251).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً