الأسس القانونية لمبدأ المساواة في الالتحاق بالوظيفة العامة :
بداية نشير إلى أن حق المساواة بوجه عام ليس وليد الدساتير الحديثة سواء ماتعلق منها بالدول الرأسمالية أو بالدول الاشتراكية . فقد عرفته الأنظمة القديمة ومنها الأنظمة التي عرفها قدماء الإغريق . حيث قاموا بتطبيق هذا المبدأ على المواطنين وبوجه خاص في مجال تولية الوظائف العامة والقضاء ، ولم يتناول الأجانب والأرقاء فاعتبروا في مركز غير متساو مع المواطنين .كما أن النظام الإسلامي كان يطبقه بصفة مطلقة بين كافة الأفراد (1) ومن خلال ما سيأتي في الفروع اللاحقة لن نتناول بالتحليل مبدأ المساواة بوجه عام وإنما سنقتصر على هذا المبدأ في مجال شغل الوظائف العامة .
والذي نصت عليه وثيقة إعلان حقوق الإنسان في المادة ( 6) منه ” جميع الموظفين متساوون في الالتحاق بالوظائف العامة ولا فضل إلا بقدر ما يتمتع به من قدرات ومواهب “.
كما أن المادة ( 21 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 نصت على أنه ” لكل فرد الحق في الالتحاق بالوظائف العامة في دولته وذلك في إطار الشروط والظروف الخاصة بالمساواة ” .كما تناولته أيضا مواثيق وإعلانات المنظمات الدولية الإقليمية * .
ونزولا عند ذلك التزمت مختلف الدساتير الجزائرية بهذا المبدأ . حيث تبناه المشرع الجزائري دون تحفظ في دستور 1963 ، فالمادة ( 10 ) منه نصت على أنه من المهام الرئيسية للجمهورية الجزائرية “… مقاومة كل نوع من التمييز…” .
والمادة ( 11 ) منه تضمنت منح الدولة الجزائرية موافقتها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم نصت في المادة ( 12 ) على مساواة كل الجزائريين في الحقوق والواجبات .
وجاء في نص المادة ( 16 ) ” اعتراف الجمهورية بحق كل فرد في العمل والحياة اللائقة والتوزيع العادل للدخل الوطني “. أما دستور 1976 الذي تناول مجموعة كبيرة من الحقوق الأساسية للمواطن جاء في نص المادة ( 44 ) منه ” وظائف الدولة والمؤسسات التابعة لها متاحة لكل المواطنين وهي في متناولهم بالتساوي وبدون أي شروط ما عدا الشروط المتعلقة بالاستحقاق والأهلية “.
ودستور 1989 الذي جاء في مرحلة الانفراج السياسي وانتعاش الحقوق الأساسية نص في المادة ( 48/1) ” يتساوى جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة ، دون أية شروط أخرى غير الشروط التي يحددها القانون ” *. وبذلك سعت جميع النصوص القانونية المتعلقة بالوظيفة العامة إلى العمل بهذا المبدأ فجاء في الأمر رقم 66 -133 المؤرخ في 13/6/ 1966 والمتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية في بيان الأسباب تحت عنوان ” مبدأ الدخول المتساوي في الوظيفة العمومية ” . ” يسود النظام الحقوقي للوظيفة العمومية مبدأ هام وهو مساواة دخول جميع الجزائريين إليها ” .
كما نصت المادة 7/2 من القانون رقم 78-12 المورخ في 5/8/1978 والمتضمن القانون الأساسي العام للعامل باعتباره أنه كان يطبق على كل القطاعات بما فيها الوظيفة العامة على أن ” … العمال سواسية في الحقوق والواجبات يتقاضون عن العمل الواحد أجورا متماثلة وينتفعون بمزايا واحدة ، إذا تساووا في التأهيل والمردود “.
كما كرس المرسوم رقم 85- 59 المورخ في 23/3/1985 والمتضمن القانون الأساسي النموذجي الخاص بعمال المؤسسات والإدارات العمومية .هذا المبدأ في المادة ( 34 ) منه فجعل الالتحاق بالوظائف العامة يتوقف أصلا على المسابقة وأحال محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة في المادة ( 36 ) منه إلى الإطار القانوني الذي يحدد كيفيات تنظيم وإجراء هذه المسابقات التي تعكس العمل بمبدأ المساواة في التوظيف .
___________________
1- محمد السيد محمد ، الدماجي ، ” الحقوق الدستورية في المجال الوظيفي : حق المساواة في شغل الوظائف العامة .” مجلة العلوم الإدارية ، (العدد الثاني 1973 )، ص 95 وما بعدها .
* ومنها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المصادق عليه في نيروبي 1981 في المادة 13/2
* تقابلها المادة 51 /1 من دستور 1996 المعدل والمتمم لدستور 1989 .
إستثنئات مبدأ المساواة في التوظيف :
على الرغم من أن مبدأ المساواة في التوظيف من أهم الحقوق الدستورية في المجال الوظيفي إلا أن هذه المساواة ليست مطلقة بل ترد عليها بعض الاستثناءات تتعلق بفئات معينة من الأشخاص نجملها في النقاط التالية :
1- إدماج قدماء المجاهدين في السلم الإداري وذلك بتمكينهم بعدما ساهموا بنشاط في كفاح التحرير الوطني من أن يواصلوا بنفس هذا الكفاح لأجل بناء دولة جديدة . وهذا ما أكدته المادة ( 27 ) من القانون الأساسي للوظيفة العمومية لسنة 1966 ما يلاحظ على هذا الاستثناء أن جلّ قوانين الوظيفة العامة في الدول تأخذ به حيث يعتبر مكافئة لهم على المجهودات التي بذلوها من أجل مصالح الوطن . لكن تطبيق هذا الاستثناء عرف خروجا عن مبدأ المساواة في التوظيف . حيث انطوى تحت هذا الاستثناء مجموعة من الأفراد وهذا يعد مساسا بمبدأ المساواة في التوظيف من جهة ، ومن جهة أخرى عرف التعيين في الوظائف العامة طغيانا للطابع السياسي الحزبي بالدرجة الأولى . وهذا ما أكده الميثاق الوطني صراحة فجاء فيه ” … إن اختيار الإطارات المؤهلة يعني الاعتماد بالدرجة الأولى على الالتزام ، مما يتطلب توافر معايير إيديولوجية وسياسية محددة تتطابق مع اختيارات ومبادئ الميثاق الوطني ” . إذن هناك إشارة إلى ضرورة الولاء الحزبي الذي يتناقض مع الحياد المفروض تحققه في ظل اعتماد مبدأ المساواة في التوظيف.
2- الوظائف المحجوزة: وهي وظائف معينة لا تحتاج إلى تخصص دقيق أو إلى مستوى عال من الكفاءة تحجز لفئة معينة لها ظروف اجتماعية خاصة. أمثالها فئة المعوّقين ومعطوبي الحرب فتوظيفهم يتم على أساس اعتبارات إنسانية.وهذا يحمل من المشرّع معنى الوفاء لأفراد تحملوا تضحيات عالية في سبيل الدفاع عن الوطن (1) كما أن هذا النوع من الوظائف يعرف خروجا عن الإطار العام الذي يحكم توليه الوظائف العامة والمتمثل في عنصر الصلاحية فيتم في هذه الوظائف تغليب الاعتبارات الإنسانية على حساب بعض جوانب الصلاحية دون إلغائها كلية . ونتفق هنا مع الرأي الذي يرى أن هذا الاستثناء الذي يستهدف تحقيق رعاية مميزة لهذه الفئات من الأفراد لا يعتبر خروجا عن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة بل الأغلب الأعم أن تتكفل التشريعات بإقرار مثل هذه الأفضلية بنصوص صريحة (2).
3- الوظائف العليا : وكما جاء في بيان الأسباب لقانون الوظيفة العمومية لسنة 1966 في المادة ( 9) منه ، وكذا المادة( 126 ) من القانون الأساسي العام للعامل هي وظائف يعرف التعيين فيها تدخل السلطة السياسية .
حيث يختار هؤلاء الموظفين لتقنيتهم أو لاعتبارات راجعة إلى قيمتهم الأخلاقية آولشعورهم بمصالح الثورة فهم يمارسون مسؤوليات عليا لدى هيئات الحزب والدولة . علما أن السلطة السياسية وفي ظل الحزب الواحد وغياب الفصل بين السلطات لم تكن تقتصر على الحكومة فقط بل كانت تشمل الحزب كذلك . كما أن الواجبات المفروضة على أصحاب هذه الوظائف من كفاءة والتزام ونزاهة والتي كانت على أسوأ حال من الانحراف ، انتفى معها إمكانية ضمان حياد هاته الفئة من الموظفين .
فشرط الالتزام الذي نصت عليه المادة ( 4) من المرسوم رقم 85- 214 المؤرخ في 20/8/ 1985 المتضمن حقوق وواجبات الإطارات العليا والذي يقتضي التطابق مع برنامج الحكومة أستخدم لاستبعاد أشخاص معينين دون أسباب موضوعية تبرر ذلك هذا من جهة . وتصفية النظام من وجود أية معارضة داخل الجهازالإداري ولو كانت مشروعة من جهة أخرى .
أما شرط الكفاءة الذي نصت عليه المادة ( 5/ 2) من نفس المرسوم لم يراع في كثير من الأحيان . كما أن شرط النزاهة الذي نصت عليه المادة( 19 )من نفس المرسوم كان أسوأ الشروط حظا في الواقع فالاختلاس والارتشاء والانحراف الأخلاقي كان من نصيب حاملي هذا الشعار فضلا عمن يختارهم (3)
_______________________
1- محمد السيد محمد ، الدماجي ، ” الحقوق الدستورية في المجال الوظيفي : نظام حجز الوظائف ” ، مجلة العلوم الإدارية ، (العدد 1973 ، 03 ) ، ص 08 وما بعدها .
2- سامي، جمال الدين، “التنظيم الإداري للوظيفة العامة”،(الإسكندرية : دار الجامعة الجديدة للنشر، 1990 )، ص 141 .
3- حمود، حمبلي ،” المساواة في تولي الوظائف العامة في القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية ” ،(دكتوراه دولة في القانون ، معهد الحقوق والعلوم الإدارية : جامعة الجزائر 1993 ) ، ص ص 208
المؤلف : فيرم فاطمة الزهراء
الكتاب أو المصدر : الموظف العمومي ومبدأ حياد الادارة في الجزائر
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً