– كسب الملكية ابتداءً (الاستيلاء):
بدأ المشروع في المادة (875) بوضع القاعدة العامة في التملك بالاستيلاء وهو لكسب ملكية الأشياء المباحة فور حيازتها (أو إحرازها أو وضع اليد عليها)، وقد آثر المشروع مصطلح (منقولاً مباحًا)، وهو مصطلح فقهاء الشريعة الإسلامية، على عبارة (منقولاً لا مالك له) التي استخدمها المشرع المصري (8700) ومن بعده بعض التشريعات العربية السوري (828)، والليبي (م 874)، الصومالي (م 719)، السوداني (م 727)، التونسي (م 24) إذ لا يكفي أن يكون المنقول لا مالك له حتى يصبح مباحًا يتملكه من يحوزه، ولذلك نجد القانون الألماني، بعد أن وضع القاعدة في أن من يحوز منقولاً لا مالك له بنية تملكه يصبح مالكًا له، ينص في الفقرة الثانية على أن الملكية لا تكسب إذا كان التملك ممنوعًا بحكم القانون أو كانت الحيازة قد تمت بالمخالفة لحق الغير في التملك، وفي تعبير منقول مباح الذي أخذه النص من الفقه الإسلامي ما يغني عن هذين القيدين، وبناءً على ذلك إذا منعت الدولة صيد نوع من الطيور أو الحيوانات فلا تعتبر من المباحات وبالتالي لا يتملك من يصيد برغم المنع ما يصيده، وإذا كانت هناك أرض مملوكة لشخص ومنع الغير من الدخول فيها للصيد، فلا يتملك من يصيد فيها برغم هذا المنع.
كما أن المشروع لم يرَ الأخذ بما ذهبت إليه بعض التشريعات من القول (منقولاً مباحًا لا مالك له) (العراقي م 1098، الأردني م 1076) مكتفيًا بأن يكون المنقول مباحًا، إذ ليس ثمة ما يمنع من أن يكون المنقول مملوكًا ومباحًا في الوقت نفسه وبالتالي يمكن تملكه بالاستيلاء، كما لو كانت الدولة قد صرحت بالرعي أو الاحتطاب وتملك ما ينبت في أرضها من عشب أو أشجار إذ يكون العشب أو الأشجار قبل الاستيلاء ملكًا للدولة بالتبعية لملكيتها للأرض، وهذا المأخذ يؤخذ أيضًا على نصوص القوانين التي اكتفت بالنص على أن يكون المنقول لا مالك له.
ويشترط للتملك بالاستيلاء، سواء في فقه الشريعة الإسلامية أو في القوانين الوضعية، أن تكون الحيازة، أو الإحراز، بنية التملك وهو ما نص عليه المشروع.
وبعد أن وضع المشروع في المادة (875) القاعدة العامة في تملك المنقول المباح بحيازته، تناول في المادة (876) الحالات التي تحتاج إلى ضبط فيما يعتبر مباحًا من المنقولات، فنص في الفقرة الأولى على أن يصبح المنقول مباحًا إذا تخلى عنه مالكه بنية النزول عن ملكيته، وهذه منقولات كانت مملوكة فأصبحت مباحة يتخلى المالك عن حيازتها مع نية النزول عن ملكية، وتسمى الأشياء المتروكة، وهي غالبًا أشياء قليلة القيمة مثل فضلات الطعام والأدوات والملابس القديمة التي يرى المالك أنه ليس في حاجة إليها، ويجب التمييز بين الأشياء المتروكة هذه والأشياء الضائعة أو المفقودة التي لا تصبح مباحة بمجرد الضياع أو الفقد، وبالتالي فمن يعثر على شيء مفقود أو ضائع ويسمى عندئذٍ (اللقطة) لا يتملكه بالاستيلاء، وإنما يجب عليه أن يبلغ عنه الجهات المختصة وفقًا للقانون.
ثم عرضت الفقرة الثانية للحيوانات غير الأليفة، ومتى تعتبر مباحة أو غير مباحة، ولفظ الحيوانات يشمل الحيوانات بالمعنى الواسع لهذه الكلمة فيصدق على الحيوانات بالمعنى الضيق كما يشمل الطيور بأنواعها المختلفة والأسماك وهذه الحيوانات تعتبر مباحة ما دامت طليقة لم يحرزها أحد فيجوز تملكها بالاستيلاء عليها، هذا مع مراعاة أن الحيوان لا يعتبر مباحًا ولو كان طليقا، وفقًا لمفهوم فكرة الإباحة، كما سبق بيانها تعليقًا على نص المادة (875)، إلا إذا لم يوجد ما يمنع تملكه سواء كان المنع بنص القانون أو كان مستمدًا من قصر حق التملك على الغير، فإذا أحرز شخص حيوانًا بنية تملكه وبالتالي ملكه، ثم عاد الحيوان طليقًا، فإن كان ذلك بإرادة المالك الذي تخلى عنه بنية النزول عن ملكيته عاد مباحًا وفقًا للفقرة الأولى من النص، وإن كان بغير إرادة المالك فلا يصبح الحيوان مباحًا إلا إذا لم يبادر المالك إلى تتبعه لإعادته إلى حيازته أو إذا بدأ في تتبعه ثم كف عن ذلك.
وتعرض الفقرة الثالثة للحيوانات التي كانت غير أليفة، ثم أصبحت مملوكة وزيادة على ذلك ألف الحيوان الرجوع إلى المكان الذي خصصه له المالك، بحيث يمكن القول إنه أصبح أليفًا، وبالتالي لا يعتبر الحيوان مباحًا لمجرد كونه في وقت ما طليقًا، ولكن إذا فقد الحيوان عادة الرجوع إلى مكانه، اعتُبر غير أليف وبالتالي يصبح مباحًا ما دام طليقًا وكف صاحبه عن تتبعه.
وتعرض المادة (877) للكنز، وهو منقول يوجد مدفونًا أو مخبوءً ولا يعرف له مالك، والغالب أن يوجد الكنز في عقار، ولذلك ترد النصوص في أكثر القوانين على أساس أن الكنز يوجد في عقار، ولكن نظرًا إلى أنه من المتصور وجود الكنز في منقول، كما لو عثر شخص على أوراق نقدية أو أحجار ثمينة مخبأة في مكان سري في مكتب أو خزانة، فالشراح يقيسون هذه الحالة على حالة الكنز الذي يُعثر عليه في عقار، ولهذا آثر المشروع صياغة النص على نحو يتسع لما يُعثر عليه في عقار أو منقول، ويفرق فقهاء الشريعة الإسلامية بين نوعين من الكنز، الأول هو الكنز الجاهلي وهو ما وجد به شعار أو كتابة يدلان على أنه دفن في الأرض قبل الإسلام أو عُلم ذلك بأي طريق من الطرق، ولهم في حكمه آراء متعددة لا محل لذكرها لاستبعاد احتمال وجود هذا النوع من الكنز، وإن وجد فيعتبر من الآثار التي لا تسري عليها أحكام الكنز. والنوع الثاني هو الكنز الإسلامي، وهو ما يوجد ما يدل على أنه دفن في الأرض بعد ظهور الإسلام عليها، وقد اختلف في حكمه الفقهاء، فيرى الحنفية أنه مملوك لمالكه ملكًا محترمًا فلا يملكه واجده وإنما يعد لقطة فيجب تعريفها حتى يظهر صاحبها، فإن يئس من معرفته حُفظت أو تصدق بها، ومن العلماء من ذهب إلى أن الملكية تزول عنها في هذه الحال ويتملكها واجدها، وروي هذا عن عمر وعائشة وابن مسعود وقال به الشافعي وأحمد غير أنهما يلزمان واجده بأن يرده إلى صاحبه إن ظهر وهو موجود فإن لم يكن موجودًا رد إليه قيمته.
وقد اختلفت قوانين البلاد العربية في حكم الكنز، فمنها ما جعله لمالك العقار الذي وجد فيه أو مالك رقبته أو للواقف أو ورثته أن كان العقار وقفًا (المصري م 872)، ومنها ما أخذ بهذا الحكم ثم نص على أنه عُثر على الكنز في مال مملوك للغير اقتسمه من غير عليه مع هذا المالك مناصفة (الليبي م 876)، ومنها ما أخذ بما يوافق حكم القانون المصري فيما عدا حالة وجود الكنز في أرض موقوفة فتكون ملكيته لجهة الوقف (العراقي م 1101) ومنها ما جعل الخمس للدولة والخمس لمن عثر على الكنز والثلاثة أخماس لمالك العقار الذي وجد فيه الكنز (السوري م 830، واللبناني م 237، والتونسي م 25). وقد آثر المشروع الأخذ بحكم القانون السوداني فجعل الخمس لمن يعثر على الكنز والباقي لمالك الشيء الذي وجد فيه أو مالك رقبته أو للواقف ولورثته إن كان قد عُثر عليه في شيء موقوف.
ثم تحفظ النص في النهاية بوجوب مراعاة ما تقضي به المادة (879)، والمقصود هو ما تقضي به من أن الأشياء الأثرية تنظمها تشريعات خاصة.
وبعد أن عرض المشروع لتملك المباح بالاستيلاء عليه، نص في المادة (878) على أن كل عقار لا مالك له يكون ملكًا للدولة، وهذا يعني أنه لا توجد في الأصل عقارات مباحة يمكن تملكها بالاستيلاء ويسري هذا الحكم ليس فقط على الأراضي التي لم يسبق لأحد من الأفراد تملكها وإنما يسري كذلك على العقارات التي مات ملاكها وليس لهم ورثة، ولم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على عدم جواز تملك أراضي الدولة بغير إذن الدولة، فهذا الحكم مفهوم بالضرورة من كون الأرض مملوكة للدولة.
ويحيل نص المادة (879) فيما يتعلق بالحق في الصيد في البر وفي البحر، واللقطة وهي الأشياء المفقودة أو الضائعة عندما يعثر عليها شخص ما، وكذلك الأشياء الأثرية، وما يوجد في باطن الأرض من معادن يحيل في كل هذا إلى التشريعات الخاصة، لأن موضوع الأحكام الخاصة بذلك كله ليس هو مدونة القانون المدني.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً