الإسراف بالتوقيف وسلب الحريات نهج للفكر الشمولي
بعض قضاة التحقيق كانت لهم قراءة ثانية وأصبحوا يعتبرون أن المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته من يتحمل مسؤولية المعاناة التي تعرض لها هؤلاء الأبرياء؟ وأين يكمن الخلل في كل هذا الذي يحدث؟
يشكل التوقيف الخطأ، إحدى الهفوات التي لا يمكن السكوت عنها بالدول الديمقراطية، ولا تمررها مرور الكرام، بل تقف عندها كثيرا، وتفتح أبحاثا وحلولا للوقوف على مدى القصور في التحقق ، وتحديد المسبب ولأن الحرية شيء ثمين ومقدس بالنسبة إلى هذه الدول، فإنها تقرر التعويض في حالة الخطأ، لجبر الضرر المادي والمعنوي الذي نتج عن استعمال «الدولة» عبر موظفيها للقوة أوالخطا، اما في عراقنا لانزال نعمل بعقلية القرون الوسطى والفكر الشمولي مسيطر على عقل بعض القضاة ويعتبر التوقيف تاديبا ونروض خصومنا (اكسر خشمه) واتجهت بعض من محاكم التحقيق الي الاسراف بتوقيف الاشخاص ليقضوا الموقوفين شهورا قبل أن تقرر المحكمة الافراج عنهم من التهم الموجهة إليهم بداعي عدم توفر الادلة ليطرح سؤال حول دورمحكمة التحقيق في كل هذا الذي يحدث.
بالاطلاع على الاحصاءات المنشوره بكتاب يمثل نشاط السلطة القضائية العراقيه خلال عام 2011 بموقع السلطة القضائية (136ص) (منجزات مكاتب التحقيق القضائي لسنة 2011 ) والمتضمنه الارقام التالية (مجموع ما مسجل من الدعاوى (82757 )غلق منها (69456) واحيلت الى المحاكم (13301)، اما الاحصائيه المنشوره بعدد القضايا الارهابيه في طور المحاكمة بلغت (4255) والمحسوم منها(3837) ولم يوضح الحسم (حكم اوافراج) احصائية غير واضحه ولم توضح هذه الاحصائيه عن عدد الموقوفين وافرج عنهم بدور التحقيق، يتضح من الاحصاءات انفة الذكر ان عشرات الاف تم توقيفهم وافرج عنهم بدور التحقيق ولم نتعرف عن المدد التي قضوها في التوقيف اي نظام عداله يرتضي هذا التعسف ، غير أن بعض قضاة التحقيق كانت لهم قراءة ثانية وأصبحوا يعتبرون أن المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته من يتحمل مسؤولية المعاناة التي تعرض لها هؤلاء الأبرياء؟ وأين يكمن الخلل في كل هذا الذي يحدث؟ وهل يستخدم قاضي التحقيق جميع السلطات المخولة له؟
بالرجوع إلى القانون العراقي نجد أن الدولة العراقية غير مسؤولة عن الخطأ القضائي، وبالتالي فإن الذين كانوا ضحية هذه الأخطاء ما عليهم سوى أن يصبروا ويحمدوا الله على أن القضاء لم يساير ما جاء في محاضر الأوراق الحقيقية وقرار الإحالة، ومنحهم البراءة، وفي غياب مسؤولية التعويض يبقى سؤال من يقف وراء ارتكاب هذه الأخطاء (الزج بأبرياء في المواقف) قائما؟ أصابع الاتهام توجه هنا إلى محكمة قاضي التحقيق، بالنظر إلى أن المشرع خول إليها مجموعة من الآليات من أجل الوصول إلى الحقيقة، بدءا بالتحقيق الابتدائي الذي هو مجموعة من التحريات تستهدف استكمال جمع الادلة ، يحق لها في نهاية الأمر أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة المختصة وبعده ينتقل القاضي إلى التحقيق القضائي وقد خوله المشرع الوقت الكافي من أجل التحقيق مع المتهمين وإجراء مواجهات بينهم، بل خوله حق القيام بإنابة قضائية، وذلك حينما يتعذر عليه القيام بنفسه بإجراء التحقيق في جزء منه، لأسباب قد ترجع إلى كثرة القضايا المحالة عليه، أو ضرورة الانتقال إلى مكان لا يدخل في اختصاصه المكاني, وخول المشرع لقاضي التحقيق العديد من الصلاحيات الأخرى التي من شأنها أن تساعده على الوصول إلى حقيقة الأمور، وتفادي وضع متهمين رهن التوقيف, وحتى يكون تحقيق قاضي التحقيق شاملا ومستندا على دلائل وإثباتات قوية، فقد أجاز المشرع لقاضي التحقيق، في إطار جمعه للأدلة، غير أن الواقع يظهر أن بعض قضاة التحقيق لا يستعملون هذه الوسائل ويكتفون بمحاضر التي تعرض عليهم من الشرطة او المحقق القضائي ، لتكون النتيجة الزج بأبرياء في المواقف تتبعها مساومات يستفاد منها الطفيليين والفاسدين الطارئين
وقد عقد مجلس القضاء الأعلى يوم الأربعاء الموافق (10/ 10/ 2012) جلسته رقم (12) لعام 2012 التي ناقش فيها عددا من القضايا المدرجة على جدول أعماله، والمسائل المهمة فيما يتعلق بملف الموقوفين على ذمة التحقيق، (وتوصل الاجتماع الى وجوب تعاون الجهات التنفيذية في تنفيذ قرارات قضاة التحقيق وزيادة عدد قضاة التحقيق والمحققين القضائيين لانجاز القضايا باقرب وقت، وكذلك اختيار قضاة تحقيق من الصنفين الاول والثاني كلما أمكن ذلك، ورصد حالات خرق القانون في المواقف اذا حصلت واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين) .
الخلاصة :
الحلول يا سيدي ليست بزيادة عدد القضاة والمحققين القضائيين بل بإتباع اليات متوافقة مع العصر ولاسيما نحن بالالفيه الثالثة ونعمل بادوات القرون الوسطى بمعزل عن الزمن الحقيقي لماذا يلتجا القاضي الى توقيف المتهمين ؟ وهناك جواز قانوني في اغلب مواد قانون العقوبات بإطلاق سراحه بكفالة ضامنة ، لابد للمهنيين من تكريس هذا السلوك بالوسائل البديلة ما يزال ينظر الى توقيف المتهمين في مرجعية من يملك السلطة باستعمالها كأنها بمثابة جزاء غير مباشر أو وسيلة ردع قبل المحاكمة. وهذا السلوك يمارس حاليا، ويناقض قرينة البراءة. وكيف نجبر ضرر الموقوف التي تنتهي قضيته بقرار الإفراج أو البراءة أليس الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة؟ ان هذا الاتجاه يزرع الكراهية عند الاف من الأشخاص الذين لحقهم ضررا من الإجراءات التعسفية وهو اتجاه كان سائدا بالآمن العام (نعتذر جبناك بالخطأ) انتبهوا ولا تجعلوا من التعسف مبدأ ، كيف ينام قاضي التحقيق وبذمته مئات من الموقوفين ؟ ولم يدركوا السياسيين الجدد حجم الكارثة وأثارها على نظام العدالة ومستقبلها ام انهم متفرجون؟
اترك تعليقاً