إن التطور العلمي في مجال الطب خلال القرن العشرين أحدث نقله نوعية فريدة في مجال نقل وزرع الأعضاء البشرية حيث استطاع الجراحون استبدال أعضاء بشرية تالفة لا تؤدي وظيفتها بأعضاء بشرية سليمة منقولة من الأشخاص الأصحاء وهذه العمليات تعتبر من أحدث ما وصل إليه التقدم العلمي في صراعه الطويل إلا أن هذا القرن أوشك على الانتهاء ولا تزال البحوث والمؤتمرات والندوات مستمرة حول زراعة أعضاء الجسم البشري والجدل مستمر بين فقهاء الشريعة الإسلامية وعلماء القانون الوضعي ما بين مجيز التصرف فيه “سواء أكان بالبيع أو الهبة أو الوصية”
وما بين منكر لهذه التصرفات وقد أحدث هذا التطور الطبي في هذا العصر ضجة علمية حول مشروعية التصرف في هذا الجسم البشري وخصوصاً النجاح الكبير الذي حققته عمليات النقل لعضو من شخص سليم لشخص مريض أو من إنسان حي كما هو الحال في عمليات نقل الكلى وزر أصبع أو كبد إلى غير ذلك من العمليات غير المألوفة في النطاق الطبي المألوف.
وترجع أصل المشكلة إلى أن عمليات نقل الأعضاء البشرية تمس حقاً من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان وهو حقه في الحياة وفي تكامله الجسدي وتتولد هذه المشكلة في حالة مريض مصاب بأحد أعضاءه بإصابات خطيرة قد تؤدي بحياته، ولا يجدي معه وسائل العلاج التقليدي أو طرق الجراحة العالية ولا سبيل لإنقاذ حياته أو تخليصه من الألم المزمن إلا عن طريق استبدال العضو التالف بعضو سليم يستأصل من شخص حي سليم يسمى “المعطي أو الواهب”.
والمشكلة الحقيقية تثور بالنسبة لهذا المعطي أو الواهب أي الشخص السليم الذي تنازل عن عضو من جسمه لزرعه في جسد شخص آخر مريض فهذا التنازل لا يحقق له مصلحة علاجية، فسوف يصيبه بمرض خطير ودائم بسلامة جسده. والتي يحتاج فيها الطبيب الجراح إلى استخدام طعم وريدي أو شرياني الذي ينقله من نفس الإنسان المصاب لعلاج ذلك الانسداد القلبي أو التمزق الشرياني أو الوريدي، وقد تكون عملية النقل غير ضرورية أي لا يتوقف عليها حياة أو موت المريض إلاّ أنّ حاجتها ماسة، ومن ذلك جراحة الجلد المحترق أو جبر عظم من منطقة ما من الجسم بعظم أو غضروف آخر، وكلا من هاتين العمليتين يجوز للطبيب الجراح القيام بهما ولكن بشروط.
أي إذا كانت إزالة الأصل لإنقاذ النفس ودفع الضرر عنها دون الاستفادة من العضو المبتور جائزة، كانت الاستفادة منه جائزة أيضا، وخاصة إذا كان العضو المبتور متجدد في بعض الحالات كتجدد الجلد المنقول بجلد آخر.
إن الأعضاء القابلة للنقل أو الزرع في الأجساد: إما طبيعة واما صناعية فأعضاء الطبيعية القابلة للنقل أو الزرع إما من الأحياء أو من الحيوان أو من الأموات وقد قسم بعض علمائنا الأعضاء البشرية إلى ثلاثة أقسام وحتى نبين حكم كل عضو لابد من تحديد المقصود بالعضو البشري.
فقد عرف بعض الأطباء العضو بأنه جزء محدد من الجسم يقوم بأداء وظيفة معينة أو أكثر وقيل إن العضو عبارة عن مجموعة من الخلايا المتميزة في أداء وظيفة ما. فالعضو البشري أي جزء من الإنسان من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها سواء كان متصلا به أو منفصلا عنه، وان الدم يعتبر من الأجزاء المتجددة القابلة لنقل أو الغرس يوجد اشتراطات للحصول على “قرنية المتوفي”، منها أن تجرى عملية الحصول على القرنية في مستشفى حكومي مرخص ويوجد به بنك للقرنية، وأن تكون العملية بالمجان، ولا يجوز بيع القرنية لأماكن خاصة أو خروجها خارج مصر، بجانب الحصول على القشرة السطحية للقرنية بموافقة 3 من الأساتذة أعضاء هيئة التدريس إن قانون زراعة الأعضاء رقم 5 لسنة 2010 يجرم ويمنع نقل أي عضو أو جزء من العضو أو أنسجة من مريض أو متوفي إلا في حالة الضرورة القصوى، ويكون ذلك بوصية وعلم أهل المتوفي، أن أي قانون سابق هو لاغي بصدور القانون الأخير الذي ينظم هذه الحالة.
“من يتحدث عن نقل أي عضو أو جزء من عضو من المتوفي بدون علم أهله أو وصية لا يعلم عن القانون شيئاً ويعد التفافاً على القانون، ويُحاكم من يرتكب ذلك بالسجن لمدة لا تزيد عن 5 سنوات وبغرامة من 100 ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه”. لان التنظيم التشريعي لعمليات نقل الأعضاء في غاية الأهمية لأنه بمثابة التعبير عن التنازل عن الحق العام (الذي يعرف في الشرع بحق الله عز وجل) فمن المعروف ان هناك نوعان من الحقوق ترد على جسم الانسان حق خاص للفرد وحق عام (حق الله سبحانه وتعالي)
والتنازل عن الحق الخاص يتخذ شكل رضا صاحبه بينما التنازل عن الحق العام فيتخذ شكل صدور تنظيم لهذا الحق.
ويعتبر التنظيم التشريعي لعمليات نقل الأعضاء هو أساسي اباحتها باعتبارها من تطبيقات الحق للطبيب في ممارسة العمل الطبي. إن المسلك البشري وفق المعايير الأخلاقية والفكرية العامة متفقة بأن الحي أولى من الميت وإذا ما قال قائل الميت لـه حرمة في الشريعة فقد حرم التمثيل بالميت وأخذ عضو من أعضاء الميت تمثيل به وبالتالي يجب تحريم ذلك لكن إذا ما توقفت حياة شخص على الحصول على عضو من ميت وبالتالي عوده سليماً إلى المجتمع من باب الضرورات تبيح المحظورات بالتالي يمكن الحكم بجواز ذلك وهذا راي معظم رجال الشريعة والفقه
وبالطبع بإقرار المشرع المصري القانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم نقل الأعضاء البشرية 0أصبح لنقل الأعضاء أساس قانوني ومن ثم أصبح مباحا باعتباره استمالا للحق ذهب العلماء وهم الجمهور الأعظم من علماء الأمة إلى جواز التبرع بالأعضاء الآدمية والانتفاع بها ما دامت تحقق المصلحة وتنقذ حياة إنسان لقوله تعالى: ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ”
وما دام المنقول منه لا يضار وأيد هذا الرأي علماء لهم فتاوى فردية منضبطة ومجامع فقهية معتبره ولابد من ذكر أنه الثقافة الاجتماعية المنتشرة في الصين كونها أقل دولة مستهلكة للكحول غالبية الأكباد المتبرع بها سليمة صالحة للزراعة والاستفادة منها.
إن الضرورات تبيح المحظورات وما حرم على الإنسان أكله أو شربه أو تعاطيه بأية صورة يصح أن يتناوله أو يتعاطاه في حالة الضرورة كلحم الخنزير والخمر والعبادات لا تؤدى أو تؤدى قضاء في حال عدم القدرة على أداءها في وقتها والشريعة الإسلامية والقانون الوضعي متفقان في هذه المسألة لكن كل الاختلاف يرد بينهما في تقرير حالة الضرر المبيحة لفعل المحظور فالضرورة هي توقي الهلاك أو الخوف من الهلاك وإن لم يكن ذلك حقيقاً ونقل الأعضاء تدرك حالة الضرورة وحدودها تقدر بواسطة خبرة فنية طبية متخصصة لها تقديرها واحترامها والثقة بأمانتها في العموم.
لم يكتف التقدم العلمي عند هذا الحد بل تقدمه وتطور مازال سريعاً حتى أنه أصبح بالإمكان الاستفادة حتى من أمعاء المتوفى العظام البنكرياس وما يحصل اليوم الحصول على أنسجة المتوفى لزراعتها للأحياء والمحاولات الحديثة للعلماء الأمريكان بزرع الخلايا الإنسانية تتمتع بالقدرة على التحول والتكاثر والإفادة منها للحصول على نسج إنسانية مختلفة الأمر الذي يمهد لإنشاء بنك النسج الإنسانية.
والجدير بالذكر ان الصلة قوية بين الضوابط القانونية والطبية فكلاهما وجهان لعملة واحده ولا يمكن الاستغناء وما ذلك الا للطابع القانوني والطبي لهذه المسألة وقولي للطابع القانوني لهذه المسألة لا يعني اغفال للطابع الشرعي لها إذا تعتمد الضوابط القانونية على قواعد شرعية وقانونية
وبما أن الحكمة البشرية تعترف بأنه يمكن أن يتخلص الإنسان من عضو مريض لينقذ حياته كان هذا الاعتراف بداية انطلاق علم الجراحة وعلى هذا الأساس تم التبرير بسماح بتر الأعضاء المصابة بالغرغرينا وقد وافقت المرجعيات الدينية على هذا النوع من الجراحة تحت مبدأ يرجح خير الكل على خير الجزء هذه القضية القديمة كشفت مبدأين أخلاقيين أساسيين:
1-اعتبار سلامة الجسد البشري أمراً جوهرياً وحماية هذه السلامة واجبة بالضرورة وهذا يقتضي الحفاظ على سلامة الأعضاء.
2-الحياة البشرية لا تنهض وتستمر إلا حين يتمتع الإنسان بصحة جيدة وهي نعمة ثمينة من السماء وللحفاظ عليها يمكن أن نضحي بطرف مريض أو عضو يمكن الاستغناء عنه من أجل الغاية الفضلى وهي إنقاذ هذه الصحة لإنقاذ الحياة.
بقلم الدكتور عادل عامر
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً