لم يكن في القانون المدني العراقي وكذلك في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969، نص يعالج الإقرار غير القضائي، في حين عرفته المادة (59) من قانون الاثبات العراقي بأنه (الذي يقع خارج المحكمة أو امام المحكمة غير الدعوى التي اقيمت بالواقعة المقر بها)(1). وبذلك فان الإقرارين (القضائي وغير القضائي) متفقان في الطبيعة القانونية والخصائص، فكل منها عمل اخباري يصدر عن ارادة منفردة ويعد عملا من أعمال التصرف وحجة قاصرة على المقر (2)، واثبات الإقرار غير القضائي يتم وفقا للقواعد العامة وان على من يتمسك به ان يثبته (3)، وقد نصت المادة (70) من قانون الاثبات على ان الإقرار غير القضائي واقعة يعود تقديرها للقاضي ويجب اثباته وفقا للقواعد العامة في الاثبات. ولما كان الإقرار غير القضائي يعد بمنزلة التصرف القانوني (4). لذلك وجب ان يكون اثباته بالكتابة اذا كانت قيمة المقر به تتجاوز نصاب الشهادة وهو خمسة الاف دينارا في القانون العراقي. او اذا كان المقر به شيئا غير محدد القيمة سواء كانت هذه الكتابة هي التي افرغ فيها الإقرار منذ صدوره، وان كانت كتابة حررت بعد صدوره لتكون دليلا عليه (5).
ولا يجوز اثبات الإقرار غير القضائي من طريق الشهادة والقرائن الا اذا وجد احد المسوغات التي تسوغ الاثبات بالشهادة فيما يجب اثباته بالكتابة ولا يجوز اثباته من طريق توجيه اليمين الى الخصم على انه لم يقر خارج مجلس القضاء (6)، واذا ورد الإقرار غير القضائي على واقعة مادية متنازع عليها فيجوز اثباته بطرق الاثبات كافة (7). وفيما يتعلق بالأقوال المسجلة باعتبارها اقرار غير قضائي، مع ملاحظة امكانية التلاعب في الشريط المسجل بأساليب وطرق فنية، كما ان الحصول على التسجيل الصوتي بطريقة غير مشروعة كأن يكون الخصم تحت تأثير مخدر او مسكر اثناء تسجيل صوته، ففي هذه الحالة لا يصلح للأخذ بهذا الإقرار ويفقد قيمه في الاثبات (8). وثار خلاف حول الآثار المترتبة على الإقرار غير القضائي.
الرأي الأول : الإقرار غير القضائي ليست آثار الإقرار القضائي، فلا تتوفر فيه حجية الإقرار القضائي ويخضع للسلطة التقديرية للقاضي الذي له الأخذ به او عدم الأخذ به، بحسب ما يراه فيه من دلالة في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها (9). واذا كان الإقرار غير القضائي مكتوبا، فللمحكمة ان تعده مبدأ ثبوت بالكتابة، اي دليلا ناقصا يجب تعزيزه بالشهادة او القرائن (10).
الرأي الثاني : ان الإقرار القضائي وغير القضائي من حقيقة واحدة، وهي الاخبار عن حق سابق او واقعة سابقة، وان الفارق بينهما لا يمس طبيعتهما وانما يتعلق بالظروف التي صدر فيها كل منهما، وهذا هو الرأي الاصح في الفقه (11).
فالفرق بين الإقرارين يكمن فقط في اثبات حصول الإقرار، ففي حين لا تثور مسألة اثبات الإقرار القضائي لصدوره امام المحكمة ذاتها التي تفصل في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها، فان الإقرار غير القضائي يحتاج الى اثبات امام المحكمة التي تنظر النزاع المتعلق بتلك الواقعة، ولكن متى ثبت حصول هذا الإقرار حجة قاطعة ولا يجوز الرجوع عنه ولا تجوز تجزئته، واستقر القضاء العراقي على اعطاء الإقرار غير القضائي ذات القوة التي تعود للاقرار القضائي في الاثبات، عندما يصدر الإقرار في دعوى اخرى غير الدعوى المنظورة المتمسك فيها بهذا الإقرار، وكذلك الإقرار الصادر امام المحكمة غير مختصة اختصاصاً متعلقاً بالنظام العام (12).
__________________
1-انظر (م 95) بينات سوري و (م46) بينات اردني واصبح نص المادة (59) من قانون الاثبات العراقي بعد التعديل على النحو الآتي و(الإقرار غير القضائي هو الذي يقع خارج المحكمة).
2-مرقس. اصول الاثبات فقرة 194 ص561.
3-السنهوري، فقرة 246 ص477.
4-الصدة، 413.
5-مرقس. من طرق الاثبات ج2 ص82.
6-الاستاذ ضياء شيت خطاب. شرح. ص305.
7-د. محمد لبيب شنب. دروس في نظرية الالتزام، فقرة 77 ص87.
8-قيس. الإقرار ص 287 – 288.
9-محمد عبد اللطيف فقرة 313 ص270 – 271.
10-شنب فقرة 87 ص 88 وانظر الطعن رقم 511 لسنة 41 ق جلسة 27 / 1 / 1976 الموسوعة الذهبية ص226 وانظر كذلك ص222.
11-مرقس. اصول الاثبات فقرة 196 ص 567 وفقرة 197 فتحي والي. قانون القضاء المدني اللبناني فقرة 360 ص775. شنب، فقرة 78 ص89.
12-القرار التمييزي المرقم 380/ ح3 / 1970 النشرة القضائية. العدد الثاني، السنة الأولى ص22 والقرار المرقم 711 / م3 / 1971 النشرة القضائية. العدد الثالث، السنة الثانية ص16 والقرار المرقم 575 / م2/ 1973 في 20 / 1 / 1974 النشرة القضائية. العدد الأول، السنة الخامسة ص29 وقرار محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية المرقم 416 / ح / 1979 في 1 / 12 / 1979 مجلة الوقائع العدلية. العدد (13) 1980 ص142 – 143.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً