طرق التنفيذ الجبري للأحكام والسندات التنفيذية (الإكراه البدني)
– تعريف الإكراه البدني:
عرف الفقهاء الإكراه البدني بأنه وسيلة ترمي الى اكراه المدين على تنفيذ تعهداته بحرمانه مؤقتا من حريته(1).وهو بهذا المعنى وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني الجبري وليس عقوبة جزائية(2).وذلك لحمل المدين على التنفيذ والضغط عليه.
والإكراه البدني بهذا المعني له صبغة خاصة فهو ليس عقوبة اصليا او إضافية يحكم بها الى جانب العقوبة الأصلية.
وتذهب التشريعات الحديثة الى تحريم فكرة الإكراه البدني ونبذها(3) وذلك لكونها تخالف المبادئ المدنية وتتنافى مع كرامة الإنسان، وآدميته باعتبار ان العلاقة بين الدائن والمدين هي علاقة بين ذمتين ماليتين ومن تم فان أموال المدين ضامنة لديونه ولا علاقة لها بشخصه(4) وباعتبار ان حبس المدين سيعطل من نشاطه وسيصبح في وضع يستحيل معه تنفيذ الالتزام.
الا ان هذا الاتجاه في نبذ فكرة الإكراه البدني منتقد وذلك لان المدين الذي امتنع من تنفيذ التزامه يكون قد أهدر كرامته بنفسه فلا محل لرعايته وحمايته، والمدين الذي يمتنع عن الوفاء وهو قادر عليها او الذي يقوم بتهريب أمواله يستحق العقاب في كثير من الصور(5).
اما في الشريعة الإسلامية فانه من المبادئ المقررة في هذه الشريعة تكريم الإنسان وتحريم كل ما يمس كرامته وآدميته وقد جاء في الآية الكريمة: { وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة} ( صورة البقرة الآية279) ومنا السلم به في فقه الشريعة الإسلامية ان حبس المدين المعسر من اجل الوفاء بدينه غير جائز(6).
التنفيذ عن طريق الإكراه البدني في التشريع المغربي
عرض المشرع المغربي لأحكام الإكراه البدني في الباب الخامس من الكتاب السادس المتعلق بتنفيذ المقررات القضائية في المواد675 الى غاية المادة687 من الظهير الشريف المحتوي على قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 10/2/1959.
وصدر ظهير شريف رقم 1.60.305 بشان استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية بتاريخ 20 يناير1961
ويتبين مما تقدم ان المشرع المغربي اخذ بفكرة الإكراه البدني وأجازها في المواد المدنية والجنائية.
وعليه فسنفرد الحديث عن أحكام الإكراه البدني في المواد الجنائية ثم الأحكام الخاصة في الميدان المدني.
الإكراه البدني في الميدان الجنائي
تنص المادة 675 من ظهير المسطرة الجنائية على انه يمكن ان تنفذ عن طريق الإكراه البدني … الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف…”
كما نصت المادة 676 من نفس القانون على انه: ” يتعين على كل محكمة زجرية عندما تصدر حكما بالغرامة او برد ما يلزم رده او بالتعويضات او المصاريف ان تحدد مدة الإكراه البدني…”(7).
وواضح من نص هذه المواد ان الإكراه البدني يشمل الأحكام الصادرة عن المحاكم الزجرية بالغرامة (amende) والرد restitution والتعويضات ( dommages intérêts) والمصاريف (frais) وتجدر الإشارة الى ان الاكراه البدني لا يعمل به الا بمقتضى من القضاء فالمحكمة المصدرة للحكم هي التي تأمر وتحدد مدته في الحكم القاضي بالعقوبة فالإكراه البدني لا يطبق بقوة القانون من غير النص عليه في الحكم (8).
مدة الإكراه البدني:
يحدد الفصل678 من قانون المسطرة الجنائية مدة الإكراه البدني حسب المبالغ الواجب تحصيلها ويبين في هذا التحديد الحد الأدنى والحد الاقصى الذي لا يمكن تجاوزه.
الا ان هذه المدة المحكوم بها يمكن لمن حكم عليه ان يطلب تخفيضها الى النصف إذا أثبت عسره بمقتضى شهادة العوز يسلمها له العامل وشهادة عدم التقييد في كناش الضرائب.
كما ان للمحكوم عليه بالإكراه البدني ان يتجنبه او يوقف مفعوله اما بالأداء واما برضى الدائن الذي طلب اعتقاله.
الا انه اذا لم يثبت عسره حسب ما نص عليه الفصل679 فانه لا يمكنه التملص من المدة المحكوم بها عليه،او اذا لم ينفذ المدين الذي ادى الى إيقاف الإكراه البدني أمكن التنفيذ عليه من جديد بطريق الإكراه فيما يتعلق بالمبالغ التي لازالت بذمته.
السلطة التي تقرر الإكراه
لا يمكن تطبيق الإكراه البدني الا بمقتضى الحكم، فعلى المحكمة عندما تصدر حكما بالغرامة او بالرد او بالتعويض او بالمصاريف ان تحدد مدة الإكراه البدني (10).
وان الحكم القاضي بتحديد مدة الاكراه البدني لا ينفد تلقائيا بل لابد لمن يهمه الأمر من تقديم طلب طبقا لما نصت عليه المادة 680 وقانون المسطرة الجنائية.
وبعد التأكد من صحة الإجراءات يصدر السيد وكيل الملك امرا بإلقاء القبض على المحكوم عليه بالاكراه البدني طبقا للشروط المنصوص عليها في تنفيذ المقررات القضائية (11).
ويتبين من هذا ان الاكراه البدني له صبغة قضائية: ويجب توجيه إنذار مكتوب للمحكوم عليه قصد الاداء وانتظار مرور اكثر من عشرة ايام عليه ( الفصل 680 من ق. م.ج) .
وتجدر الاشارة انه بمقتضى ظهير شريف عدد 265.66 بتاريخ 19/1/70 يغير بموجبه الفصل681 من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بالامر الصادر في حق المعتقلين لإبقائهم بالسجن بعد انتهاء المدة المحكوم عليهم بها وذلك لتنفيذ مدة الاكراه البدني(12) فانه يتعين على النيابة العامة او الطرف المدني بمجرد ما يصبح الحكم نهائيا ان يبعث لمدير السجن بطلب يرمي الى توجيه إنذار مكتوب للمحكوم عليه قصد اداء ما بذمته.
ويجب ان يتضمن هذا الإنذار البيانات المنصوص عليها في الفقرة الاولى من المادة681 كما تم تغييرها، فينبغي ان يكون الطلب المقدم من طرف صاحب الحق المدني مصحوبا بنسخة من الحكم اما النيابة العامة فيكفيها ان تشير في طلبها للبيانات الضرورية ما لم تر انه من الأسرع تعويضها بملخص الحكم او القرار وبعد ذلك فالامر لا يخلو من حالتين:
فاما ان يؤدي المحكوم عليه دينه اثر ويخبر بذلك فورا كاتب الضبط بالمحكمة التي اصدرت الحكم وكذا ان يشعر ادارة المالية بالأداء وعلى كاتب الضبط ان يقوم بدوره بإشعار مصلحة السجل العدلي التي يهمها الامر عملا بالفصل702 من ق. م.ج.
ان يبدي عجزه عن الأداء وفي هذه الحالة يقوم مدير السجن بتحرير محضر يضمنه عدم قدرة المحكوم عليه على الوفاء ويوجهه في الحين الى وكيل الملك الذي يصدرا امرا بإبقاء المحكوم عليه معتقلا لتنفيذ مدة الاكراه البدني بعد قضاء العقوبة المحكوم بها عليه.
ونشير انه بمقتضى المادة687 من ق. م الجنائية فانه اذا انتهى أل إكراه البدني لسبب ما فانه لا يمكن المطالبة به لا من اجل نفس الدين ولا من اجل عقوبات أخرى صدرت قبل تنفيذه.
وهناك استثناءات ترد على هذه القاعدة:
اذا امتنع المدين من تنفيذ الالتزام الذي ادى الى إيقاف الاكراه البدني يمكن طلب التنفيذ عليه من جديد بالاكراه البدني بالنسبة للمبالغ الباقية.
اذا كانت هناك عقوبات صدرت قبل تنفيذ الإكراه وكان مجموع مبالغها يستلزم مدة أطول من المدة التي تم تنفيذها فيمكن اكراه المحكوم عليه من جديد على ان تخصم مدة الاعتقال الاولى من الإكراه الجديد.
وتجدر الإشارة الى ان القاعدة المنصوص عليها في المادة687 تسري على جميع الاكراهات مدينة كانت او جنائية وحتى بالنسبة للقوانين الخاصة(13).
نطاق تنفيذ الإكراه البدني
فمن حيث الجرائم فلا يمكن الحكم بالإكراه البدني او المطالبة بتطبيقه في قضايا الجرائم السياسية وكذا في العقوبات القاضية بالإعدام او السجن المؤبد(14).
ومن حيث الديون فلا بد للحكم بالإكراه البدني ان يتعلق الحكم بالغرامة او الرد او بالتعويضات او بالمصاريف.
ولابد ان يكون الدين قائما وقت طلب تطبيق الاكراه البدني فاذا انقضى الدين او سقط فلا يبقى هناك محل للمطالبة بتطبيق الإكراه البدني.
اما نطاق تنفيذ الإكراه البدني من حيث الاشخاص فيمكن بادئ ذي بدء ملاحظة ان الإكراه البدني له صفة شخصية فهو ينفذ ضد المحكوم عليه شخصيا ولا ينفذ ضد ورثته، كذلك فانه لا يمكن المطالبة بتنفيذ الاكراه البدني اذا بلغ المحكوم عليه65 سنة من عمره او اذا كان عمره يقل عن16 سنة يوم ارتكابه الجريمة- ولا ينفذ بين الأزواج (15) او الأصول او الفروع او الاخوة او الأخوات او الأعمام او الأخوال او العمات او الخالات او ابناء الأخ او ابناء الأخت او بنات الأخت او من تربطه به مصاهرة من نفس الدرجة وذلك للحفاظ على الروابط العائلية وصيانتها من الحقد.
ونشير الى ان الظهير الشريف الصادر بتاريخ 20/2/1961 بشان تطبيق الإكراه البدني في القضايا المدنية قد الغى الفقرة الخامسة من الفصل676 من ق. م. الجنائية واصبح بالامكان المطالبة بالاكراه البدني في حق المسؤول عن الحقوق المدنية او المطالب بالحق المدني المحكوم عليه بالمصاريف او التعويضات.
ونشير ايضا الى انه لا يمكن المطالبة بتطبيق الاكراه البدني في ان واحد ضد الزوج وزوجته عملا بالمادة 677 من ق. م. الجنائية.
المنازعة في صحة الإكراه البدني
ان سلطة وكيل الملك في تنفيذ الاكراه البدني تنحصر في التأكد من صحة الاجراءات المنصوص عليها في القانون ولا تمتد الى القول ما اذا كان الطلب في محله او في غير محله.
وقد نصت المادة 683 من ق. م الجنائية على انه:
” ان وقع نزاع احضر المحكوم عليه بالاكراه البدني الذي القي عليه القبض او الموجود في حالة اعتقال امام رئيس المحكمة الابتدائية او رئيس المحكمة الإقليمية المستقرة بمحل القبض او الاعتقال ….”
وعليه فان رئيس المحكمة الابتدائية لمحل القبض او الاعتقال هو المختص للبت في النزاع.
فالمحكوم عليه بالإكراه البدني اما ان ينازع في صحة إجراءات الاكراه البدني او يثير مسالة نزاعية عارضة تستلزم تأويلا.
فالمحكوم عليه في الحالة الاولى ينازع في صحة إجراءات الإكراه البدني فيتم إحضاره امام رئيس المحكمة الابتدائية الذي يبث بصفة استعجالية وينفذ حكمه رغم الطعن فيه بالاستئناف وصلاحية المحكمة الابتدائية للنظر في النزاعات المتعلقة بالإكراه البدني منحصرة في البت في الخلاف المتعلق بصحة إجراءات الاكراه البدني فله ان يصرح بصحة او عدم صحة الإجراءات وليس من اختصاصاته بهذه الصفة اطلاق سراح الملقى عليهم القبض من اجل تنفيذ الاكراه البدني (16).
ويذهب رأي في الفقه الى انتقاد ما قضى به المجلس الاعلى من ان النتيجة ان المحكوم عليه يبقى معتقلا بدون سند قانوني في حالة القول بعدم صحة إجراءات المسطرة (17).
ولوكيل الملك الحق في الطعن في هذا القرار بالاستئناف، كما ان للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ان يطلب نقض القرار الصادر عن المحكمة الاستئنافية.
وللمحكوم عليه آيا حق الطعن بالاستئناف او النقض في القرار الصادر بصحة الإجراءات.
اما الحالة الثانية فالمحكوم عليه يثير مسالة نزاعية عارضة تتعلق اما بالتنفيذ واما بمسالة عارضة في شان الحكم الصادر عن المحكمة.
وفي هذه الحالة فتطبق المقتضيات المنصوص عليها في الفصل647 من ق. م الجنائية.
الإكراه البدني في الميدان المدني
نصت المادة الثانية من الظهير الشريف رقم1.160.305 بشان استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية على انه:
” يستعمل الإكراه البدني في القضايا المدنية تبعا للقواعد والكيفيات المحددة في الفصل675 وما يليه الى غاية الفصل687 من الظهير الشريف الصادر في فاتح شعبان 1378 الموافق10 فبراير1959 المحتوى على قانون المسطرة الجنائية”.
وبمقتضى هذا الظهير اصبح الإكراه البدني يطبق في القضايا المدنية وتطبق فيه جميع الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية. وان ما قيل في تطبيق الاكراه البدني في المواد الجنائية يقال في المواد المدنية. فمن حيث المدة فتطبق المقتضيات المنصوص عليها في المادة678 من ق. م الجنائية.
ومن حيث السلطة التي تقرر الحبس فلا بد من التنصيص على مدة الإكراه البدني في صلب الحكم القاضي باداء مبلغ مالي ولا بد للحكم من ان يصبح نهائيا ماعدا اذا كان مشمولا بالتنفيذ المعجل. وانه يجوز للمحكوم له طلب تحديد مدة الاكراه بمقتضى مقال لاحق دون اداء الصائر. وتجدر الإشارة الى انه يتعين ان يكون محل الالتزام هو اداء مبلغ مالي(18).
وتطبق أيضا المقتضيات المنصوص عليها في الفصل676 من ق. م.ج، فلا يطبق ضد الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم 65 سنة او يقل عن16 سنة(16).
ونشير الى ان الإكراه البدني ليس جزاء لامتناع المدين عن تنفيذ التزاماته بل هو وسيلة للضغط عليه وإجباره على التنفيذ ومن ثمة فان المحكوم عليه بالإكراه البدني لا يمكن ان يتمسك بقضاء مدة الإكراه للتحلل من الالتزام ويمكن للدائن ان يطالب بالتنفيذ على أموال المدين متى ظهرت.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً