البصمة الوراثية
المحامي زامل شبيب الركاض
رغم التطورات العلمية المتلاحقة في علم الوراثة الذي لا يزال يخطوا نحو اكتشاف ما يعرف بأساس الحياة، فإن البصمة الوراثية تعرف بأنها البُنية الجينية أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه، وتؤخذ من خلية بشرية سواء مـن الدم أو اللعاب أو المني أو غيره، وتستخدم البصمة الوراثية في قضية إثبات النسب حيث جاءت بالمشاهدة الحقيقية للصفات الوراثية القطعية، دونما كشف للعورة، أو مشاهدة لعملية الجماع بين الزوجين، ودونما تشكّك في ذمم الشهود أو المقرين أو القافة، لأن الأمر يرجع إلى كشف آلي مطبوع مسجل عليه صورة واقعية حقيقية للصفات الوراثية للإنسان، والتي تتطابق في نصفها مع الأم الحقيقية، ونصفها الآخر مع الأب الطبيعي.
والبصمة الوراثية من الناحية العلمية تمتاز بالدقة خاصة في قضايا الطب الشرعي والقضايا الجنائية حيث يتم إسناد العينة من الدم أو المني أو اللعاب التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها بشكل قطعي ما لم يكن هنالك تلوث في العينة أو خطأ مهني في أجراء الفحص. وفي هذا الصدد قرر مجمع الفقه الإسلامي: بأنه لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص، لخبر: (ادرأوا الحدود بالشبهات)، وإن يحاط استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب بمنتهى الحذر والسرية، وألا يقدم على النصوص والقواعد الشرعية. وأنه لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان. كذلك يجب على الجهات المختصة منع استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم.
وكذلك قرر مجمع الفقه الإسلامي أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في حالات التنازع على مجهول النسب وحالات الاشتباه في المواليد وضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
كما قرر مجمع الفقه الإسلامي عدم جواز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب، أو لفرد، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة، لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد. ويوصي مجمع الفقه الإسلامي: بأن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات الجهات المختصة فقط منعا للمخاطر، وكذلك تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون للإشراف على نتائج البصمة الوراثية، واعتماد نتائجها. وأن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ومنع التلوث في مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج دقيقة ومطابقة للواقع، وأن يكون عدد الجينات المستعملة للفحص كافية.
ونخلص إلى إن استخدام البصمة الوراثية يعتبر الوسيلة الأكثر فاعلية في إثبات البراءة أو الإدانة بشكل عام مالم يكن هنالك أساءة لأستخدام السلطة أثناء إجراءات التحقيق وجمع الأدلة أو فحص العينة، ونعتقد بضرورة عدم تقديم البصمة الوراثية في قضايا إثبات النسب على النصوص الشرعية التي تحصر أسباب النسب في الإسلام في أصلين هما النكاح والاستيلاد لقوله تعالى (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) حيث انه لا يثبت نسب الابن إلا إذا كان من صلب الرجل في إطار العلاقة الشرعية، أما غير ذلك فلا يعتد به من جهة الرجل وينسب إلى المرأة كل ما تلده لقوله تعالى (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) وقوله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وذلك منعا للتوسع في استخدام البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات الزوجية بقصد الهروب من المسؤولية والعقوبة في العلاقات المحرمة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً