بقلم ذ الخاميس فاضيلي
محام بهيئة الدار البيضاء وباحث في قانون الأعمال
إن التطور الذي عرفته التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت فرض تطوراً موازيا في وسائل الأداء للوفاء بثمن السلع أو الخدمات التي يتم التعاقد بشأنها، وبذلك أحدثت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال تغييراً حتى في كيان
المؤسسات البنكية والمالية، فأدت إلى ظهور مؤسسات مقرها الاجتماعي وجل طرق معاملتها تتم عبر شبكة الإنترنت، وظهر في النظام البنكي نوع متطور من البنوك تسمى البنوك الإلكترونية، كما أحدثت هذه الثورة تغييرا جذريا في النقود التي تعتبر الوسيلة أو العمود الفقري للمعاملات التجارية فكان من المنطقي أن تضمن التجارة الإلكترونية وسيلة لاستيفاء الدفع، وهذا ما تم استحداثه في إطار ما يعرف حاليا بالنقود الإلكترونية، حيث اختلفت الاتجاهات التي تعترف بحجيتها القانونية من عدمها.
شهدت دول العالم ثورة متتابعة في مجال العمل البنكي، حيث يتم الانتقال من البنوك التقليدية ذات الوجود المادي في شكل فروع ومعاملات تتبادل فيها المستندات والنقود المعدنية والورقية إلى البنوك الإفتراضية التي تعتمد على الركائز أو الوسائط الإلكترونية.
وإن ظهور البنوك الإلكترونية كمفهوم جديد أثر في الصناعة البنكية والعمل البنكي الإلكتروني، ذلك أن القانوني البنكي الجديد الصادر بتاريخ 24 ديسمبر 2014 أعطى الضوء الأخضر لانطلاق مفهوم النقود الإلكترونية كوسيلة للأداء عبر الشبكات المفتوحة توفرها البنوك الإلكترونية، فما المقصود بالبنوك الإلكترونية؟ وما هي الخدمات التي تقدمها لزبنائها؟ وما مدى توافر الحماية القانونية الفعّالة للزبناء والأطراف المتدخلين فيها من الاختراق غير المشروع ومن الجرائم المعلوماتية بصفة عامة؟.
لقد أعطيت للبنوك الإلكترونية تعاريف كثيرة، كما أن هذا المفهوم له عدة أشكال تؤدي من خلاله مؤسسات الائتمان وظائفها وخدماتها، إذ أن مفهوم البنوك الإلكترونية Banking)(Electronic أو بنوك الإنترنت (Internet Banking) هو تعبير متطور وشامل للمفاهيم التي ظهرت مع مطلع التسعينات كمفهوم الخدمات المالية عن بعد أو البنوك الإلكترونية عن بعدأو البنك المنزلي أو البنك على الخط أو الخدمات المالية الذاتية،
وجميعها تعبيرات تتصل بقيام الزبائن بإدارة حساباتهم وإنجاز أعمالهم المتصلة بالبنك من المنزل أو المكتب أو أي مكان آخر وفي الوقت الذي يريد الزبون، ويعبر عنه بعبارة (الخدمة المالية في كل وقت ومن أي مكان)، وقد كان الزبون عادة يتصل بحساباته لدى البنك، ويتمكن من الدخول إليها وإجراء ما تتيحه له الخدمة عن طريق خط خاص.
وتطور هذا المفهوم مع شيوع الإنترنت، لكن بقيت فكرة الخدمة المالية عن بعد تقوم على أساس وجود برامج معلوماتية مناسبة داخل نظام حاسوب الزبون، بمعنى أن البنك يزود جهاز العميلبحزمة البرمجيات إما مجانا أو مقابل مبالغ مالية أو عمولات، وهذه الخدمة تمكنه من تنفيذ عمليات معينة عن بعد (البنك المنزلي)، أو أن يحصل العميل على حزمة من البرمجيات اللازمة عبر شرائها من الجهات المزودة.
ومن ثمة فالبنوك الإلكترونية هي ليست كالبنوك التقليدية، فالبعض منها بنك قائم بذاته وليس لهواقع على الأرض وإنما هو موجود على شبكة الانترنت، بينما البعض الآخر ليس إلا فرعًا منفروع البنك التقليدي، وهذا المفهوم للخدمات المالية عن بعد هو الذي يعبر عنه واقعيا ببنك الحاسوب الشخصي، وهو مفهوم وشكل قائم ولا يزال الأكثر شيوعا في عالم العمل البنكي الإلكتروني، وبشكل عام فإن العمل البنكي عبر شبكة الإنترنت هو العمل البنكي الذي تكون فيه الإنترنت وسيلة الاتصال بين البنك والعميل، وبمساعدة أنظمة معلوماتية أخرى دون الحاجة للإتصال المباشر بموظفي البنك.
بل أن أحد أهم تحديات البنوك الإلكترونية هو أن مؤسسات مالية أضحت تقدم خدمات على الشبكة كانت إلى وقت قريب حكراً على البنوك بمعناها التقليدي، وعليه فإن البنك الإلكتروني يشير إلى النظام الذي يتيح للزبون الوصول إلى حساباته أو أية معلومات يريدها والحصول على مختلف الخدمات والمنتجات المصرفية من خلال شبكة معلومات يرتبط بها جهاز الحاسوب الخاص به أو أية وسيلة أخرى،
كما أنه ليس كل موقع لبنك على شبكة الانترنت يعني أنه بنك إلكتروني، وسيظل معيار تحديد البنك الإلكتروني مثار تساؤل إلى أن يتم تشريعيا تحديد معيار محدد في هذا المجال، ومن المهم التنبيه إلى أن للبنوك الإلكترونية ثلاث صور أساسية تؤدي من خلالها خدماتها البنكية وهي الموقع المعلوماتي، الموقع التفاعلي والموقع التبادلي، وهذا الأخير هو الذي يمكن أن نطلق عليه البنك الإلكتروني.
ويكتسي العمل البنكي الإلكتروني عبر الإنترنت أهمية قصوى بالنسبة للمؤسسات البنكية، وكذلك بالنسبة للعملاء إذ أن البنك الإلكتروني يقلل من كلفة المقر والموظفين والمصروفات ومن إنشاء الفروع والوكالات البنكية، كما أنه يسهل على العملاء القيام بأعمالهم بأقل جهد ووقت ممكنين ودون تكلف عناء التنقل والانتظار.
إن تطور البنوك الإلكترونية بما يؤديه من خدمات هو أمر مرتبط ارتباطا وثيقا بوجود التجارة الإلكترونية وازدهارها، ذلك أن البنوك الإلكترونية إنما قامت ونشأت في بيئة الأعمال الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، بحيث يمكن القول بأن هذه البيئة تمثل البنية التحتية الأساسية التي ترتكز عليها البنوك الإلكترونية، ذلك أن عدم توفر التقنيات التكنولوجية الكافية والمتطورة سيعيق البنك عن تطوير إستراتجية بنكية قائمة على الخدمة الذاتية للعميل.
ومن أجل ضمان تحقيق هذه الخدمات أهدافها يجب تنظيم التزامات البنوك الإلكترونية وفي مقدمة هذه الالتزامات استخدام معايير أمن وسلامة تبادل المعلومات وسريتها والحفاظ على خصوصية المشتركين، وكذلك توفير الإطار القانوني الذي يحدد التزامات المتدخلين في هذا النوع من التعاملات ومسؤولياتهم.
إن المؤسسات الإئتمانية عند دخولها إلى عالم البنوك الإلكترونية يجب أن تقوم باستخدام كافةالوسائل الإلكترونية لحماية أمن وحماية أموال و معلومات المودعين، باعتبار أن هذه البيانات تعتبر من الأمور السرية التي لا يجوز لأحد الاطلاع عليها، مما يستوجب على هذه المؤسساتاستخدام البرامج التي تساعدها على ذلك كالجدران النارية أو البرامج المضادة للفيروسات، وخلاف ذلك قد يؤدي الأمر إلى انعدام الحماية الكافية لخصوصية وأمن المعلومات، ومن ثم إحجام العملاء عن هذا النوع من الخدمات لغياب الأمن المعلوماتي.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة باي بال (Paypal) تعد من أكبر البنوك الإلكترونية العاملة في هذا المجال التي تستخدم النقود الإلكترونية في الأداء مقابل السلع والخدمات المقدمة عبر الإنترنت، إذ تقوم بتمكين المستهلكين والمؤسسات التجارية من استخدام البريد الإلكتروني لتبادل النقود الرقمية بسرعة وآمان وبتكلفة زهيدة، وتعتمد في عملها على البنية التحتية للمؤسسات المالية التي تدير الحسابات البنكية، والبطاقات البنكية، وتعتبر الخدمة التي تقدمها “باي بال” ملائمة جدا للشركات الصغيرة والمستهلكين الذين لا يتاح لهم التعامل بالبطاقات البنكية لقيود تنظيمية أو ارتفاع التكلفة.
وفي الأخير فإن الاتجاه السائد اليوم يسير هو استخدام النقود الإلكترونية بديلا عن النقودالورقية، مما يؤدي إلى اختلاف المفاهيم والقواعد والنظريات بين المتعاملين تدريجيًا لتصبحأكثر ملائمة مع المفاهيم الجديدة للنقود، وصولا إلى بناء قانوني يسهل على مؤسسات الائتمانالتعامل معه خاصة تلك التي تظهر من خلال مشاكل ووسائل الدفع والوفاء بالالتزامات وتقديموتنويع الخدمات، مع ضرورة مراعاة خصوصية العمليات البنكية الإلكترونية،
وأكبر دليل علىحجم هذه الإشكالات هو شيوع استخدام البطاقة البلاستيكية أو الذكية في التجارة الدولية وفي العمليات البنكية التي تتم من خلال البنوك الإلكترونية التي هي بحاجة إلى نظام قانوني شامل واضح المعالم يحقق الحماية الكافية والفعّالة لمستهلكي الخدمات البنكية الإلكترونية .
اترك تعليقاً