لقد ساهمت البنوك ومؤسسات الائتمان على مر العصورفي تقوية البنية التجارية لمختلف القطاعات الاقتصادية، وتعزيز أساليب الاستثمار بمواكبة حركية المشاريع والمنشآت حتى تنهض قائمة بدورها الريادي نحو بلوغ معدلات مريحة من النمو والازدهار، وخلق ثروة وطنية ترقى إلى مستوى تطلعات الاقتصاد العالمي.
هذه المؤسسات وبالنظر إلى دورها البارز في توجيه الاقتصاد الداخلي للدول، قد حظيت بتنظيم عملياتها وضبط أدائها من قبل مختلف التشريعات عبر تبيان الأحكام الخاصة بكل عقد بنكي على حدة وما يرتبه من أثار قانونية، ومن ضمن هذه التشريعات نجد القانون البنكي المغربي الذي أولى للعمليات البنكية وافر الاهتمام من خلال زخم النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة لها، وذلك من قبيل القانون رقم 12-103 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، والقانون الأساسي لبنك المغرب، فضلا عن المناشير والدوريات الصادرة باسم والي بنك المغرب، ثم العقود البنكية كما وقع تنظيمها في مدونة التجارة وغيرها من القوانين.
ومن أبرز المستجدات التي رخت بظلالها على القطاع البنكي مؤخرا، إحداث المشرع المغربي لصنف جديد من البنوك أطلق عليها تسمية (البنوك التشاركية) التي حظيت ب 17 مادة من حيث تنظيمها في القانون البنكي الجديد، وعهد إليها بأدوات مالية جديدة ذات صبغة إسلامية صرفة لتسيير عقود المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة والسلم والاستصناع من غير أن تترتب على هذه الأنشطة تحصيل أو دفع فائدة أو هما معا، خلافا لما دأبت عليه البنوك التقليدية في تعاملها بمنطق الفائدة المحرمة مع زبنائها، ما تأبى البنوك الإسلامية “التشاركية” العمل به.
وإذا كانت هذه الخطوة التي أقدم عليها المشرع المغربي قد تبدو في ظاهرها تقدم ملموس نحو ربط الصلة بأحكام الشريعة الإسلامية من خلال إحياء فقه المعاملات ودب الروح فيه من جديد، فإن مقتضيات القانون البنكي تنم عن جدلية عدم احترام مبدأ التخصص المفترض في المعاملات البنكية التشاركية، حيث خولت المادة 61 منه للبنوك وشركات التمويل وبعض المؤسسات المالية، صلاحية مزاولة كل أو بعض العمليات التي تباشرها البنوك التشاركية شريطة اعتمادها من طرف والي بنك المغرب وبعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان.
على ضوء هذه الإشكالية المحورية يحق لنا أن نتساءل، عن دواعي خروج القانون البنكي على مبدأ اختصاص البنوك التشاركية في تدبير العمليات البنكية البديلة؟ وما المراد بقاعدة استقلال الذمة المالية أو المحفظة الاستثمارية للبنوك التشاركية؟ وكيف كان موقف اللجنة الشرعية للمالية التشاركية حيال تطبيق مضمن المادة 61 من القانون المذكور؟
أولا: معضلة الاختصاص في تدبير العمليات البنكية التشاركية “الإسلامية”
تعد البنوك التشاركية كما في القانون 12-103 الجهة الأصل في تداول عقود المرابحة والمشاركة والإجارة.. مع زبنائها، فهي المؤسسة الوحيدة حسب المادة 54 المؤهلة لمزاولة الأنشطة التجارية والمالية والاستثمارية بعد الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى.
هذا، وينحصر من جهة أخرى اختصاص مؤسسات الائتمان، التي هي البنوك التقليدية وشركات التمويل بمفهومها الضيق في عمليات الائتمان وتلقي الأموال من الجمهور ووضع جميع وسائل الأداء رهن تصرف عملائها ومباشرة خدمات الاستثمار والصرف وكل الأنشطة الوارد تنظيمها على التوالي في المواد 1 و7 و16 من القانون البنكي، في ظل احترام تام للمناشير والدوريات الصادرة عن والي بنك المغرب في هذا الباب.
الملاحظ من خلال هذا البسط التشريعي أن لكل مؤسسة بنكية اختصاصها ونوع الأدوات التي تشتغل بها، فشتان بين العقود البنكية التي تحكمها ضوابط مدونة التجارة والمبادئ العامة في قانون الالتزامات والعقود، وتلك الخاضعة لأحكام القسم الثالث من القانون البنكي وكذا المذهب المالكي بما له من حمولة ثقيلة في ميزان إدارة البنك الإسلامي، حيث يعتبر المرجعية الأولى بعد القانون البنكي في معالجة أي إشكال قد يعترض عمل القاضي وهو يحاول تذليل نزاع ارتبط بعقد تشاركي معين.
وإذا كان الطرح التي أثاره سلفا الباحثين والمهنيين في القطاع البنكي، من كون أن إخراج البنوك الإسلامية “التشاركية” من العدم إلى الوجود، سيؤدي إلى تقليص نسبة التحفظ الواسع لفئة عريضة من المواطنين في التعامل مع البنوك التقليدية بفعل سطوة الفائدة وارتمائها الواسع على كل العقود البنكية إلا ما يستثنى منها، والاستثناء لا يشكل القاعدة، وبالتالي تكون هذه البادرة التشريعية مناطا لحلحلة أزمة فقدان الثقة في البنوك التقليدية إن لم نقل في القطاع البنكي المغربي بفعل الوازع والمرجعية الدينية التي ينطلق منها هؤلاء الزبناء لتبرير إحجامهم عن التعاقد مع هكذا بنوك.
غير أن واقع القانون البنكي الحالي، قد يعصف بالثقة المأمول بلوغها لدى جمهور المتحفظين من خدمات البنوك التقليدية، فإذا ما استحضرنا نص المادة 61 من قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، سنجدها تمنح البنوك التقليدية التي تتخذ من الفائدة منطلقا لها للربح والزيادة إمكانية مزاولة عمليات المرابحة والمشاركة والإجارة…فهذه العقود يغيب فيها بالطبع مفهوم الفائدة والزيادة بل التعاون والمشاركة، فكيف يتصور أن تكون ردة فعل زبناء هذه المؤسسات عندما يزال عنهم ستار البنك التشاركي الظاهر محل المعاملة، بكونه امتداد وفرع لا غير لبنك تقليدي تحَصل على ترخيص لمباشرة تلكم الأنشطة، أكيد ستكون القطيعة والتراجع في التعاقد مع هذه البنوك بل وأيضا مع البنوك التشاركية الخالصة.
ألم يكن من الأجدر على المشرع المغربي أن يحترم مبدأ تخصص كل من البنوك التقليدية والبنوك التشاركية، دونما فتح المجال لبنك حتى يتطاول على مجال اختصاص البنك الأخر، سيان وأن طبيعة الموضوع حساسة وترتبط بقناعات إسلامية راسخة غير قابلة للنقاش والمساومة.
ألم يتنبه مشرعنا لخطورة هذا المقتضى القانوني، الذي أحسبه قد يعيق مشروع الرفع من نسبة البنكرة، بل ستظل كما هي إن لم تنخفض في المستقبل القريب، وإن كانت هذه النتيجة تتصل بوعي الزبناء ومدى إدراكهم لحدة التضارب بين اختصاص البنوك التقليدية ونظيرتها التشاركية.
ومما ينبغي الإشارة إليه والوقوف عند مدلوله ونحن نحاول تفكيك هذا الإشكال، هي بروز قاعدة فقهية كانت وما تزال محل نقاش حاد بين فقهاء الشريعة الإسلامية قديما والباحثين في القانون البنكي حديثا، و الأمر يتعلق باستقلال الذمة المالية للبنك التشاركي التابع للبنك التقليدي الأم الذي ينبثق منه هذا البنك التشاركي، راصدا له سيولة مالية كافية لمباشرة عملياته وأنشطته المحددة في الترخيص الممنوح له، فهذه القاعدة هي التي استند عليها مشرع القانون البنكي الجديد عند تنصيصه بسواغية مزاولة البنوك التقليدية للعمليات التشاركية، بغض النظر عن الاتجاه الفقهي المعارض لها، بدعوى مخالفتها للقاعدة التي تقضي بأن ما بني على باطل فهو باطل، وأن التابع تابع، في إشارة صريحة إلى حرمة التعامل بالفائدة وما ينبري بمنتوجها في إحداث منشآت والمساهمة في الاستثمارات.
ثانيا: استقلال الذمة المالية مدخل لشرعنة فروع البنوك التشاركية “الإسلامية”:
لقد ارتبط ظهور البنوك الإسلامية في أول عهد لها بنقاش محتدم حول إمكانية مزاولة البنوك التقليدية (أي تلك التي تتعامل بالفائدة) للعمليات التي تختص فيها أصلا البنوك الإسلامية، حيث تم طرح مجموعة من الاستدلالات الشرعية والفقهية للقول إما بحلية (بكسر الحاء) هذا الترخيص أو بحرمته، فبرز حينها اتجاهين اثنين، اتجاه مناصر لفكرة فروع البنوك الإسلامية واتجاه أخر معارض له، مستشهدا بحجج وتبريرات ترمي بالأساس إلى دحض أطروحة البنك التابع وتقزيم نظريته، خاصة فيما يتعلق بالدفع باستقلال الذمة المالية لفروع البنوك الإسلامية.
ويراد بهذه القاعدة أن البنك التقليدي الذي يرغب في إحداث بنك إسلامي تشاركي، ينبغي عليه أن يخصص سيولة مالية أو محفظة استثمارية مستقلة تمام الإستقلال عن رأسماله واحتياطه، بأن يكون المقصد من هذا التخصيص هو ضمان انطلاقة ناجعة ومريحة لهذا الفرع، بالاطمئنان على وضعه المستقبلي والحيلولة دون وقوعه في أزمات وصعوبات مالية قد تفوت عليه فرصة استقطاب فئة عريضة من الزبناء ممن يترددون في التعامل مع البنوك التقليدية تحوطا من تسلل شبح الفائدة لإحدى معاملاتهم البنكية.
وقد ذهب الاتجاه المؤيد لفكرة الفروع الإسلامية في إطار تعزيز موقفه من الإشكال المطروح إلى الاستشهاد بمجموعة من الاستدلالات من أهمها:
1- أن الفروع التشاركية للبنوك التقليدية تبقى هي الحل الأنسب لتقليص حجم التعامل بالفائدة المحرمة، وأنها وإن لم تستطع محاربتها بالمرة فإنها على الأقل ستوفر أداة منافسة لها في السوق المالي عبر إعتماد خاصية الربح عوض الفائدة ;
2- أن الفروع التشاركية للبنوك التقليدية ستؤدي إلى التدرج نحو إعتماد بنوك تشاركية خالصة ;
3- أن هذه الفروع قد تستهوي البنوك التقليدية بمميزاتها وحسناتها ما يدفعها إلى التحول التام إلى بنك تشاركي غير تابع.
وردا على هذه الاستدلالات، تبنى الاتجاه المعارض زمرة من المنطلقات يمكن تلخيص أبرزها في الآتي:
1- أن الفرع التشاركي هو تابع لا محالة للبنك التقليدي وأن القاعدة الفقهية “التابع تابع” تجر إلى تطبيق الحكم الذي يخضع له البنك الأصل إلى البنك الفرع ;
2- أن الفصل التام بين أموال البنك الفرع عن البنك الأصل هو ضرب من ضروب المستحيل، بل هو في غاية الصعوبة، سيما وأن الواقع العملي قد أثبت ممارسة بنوكية تكمن في إرجاع فائض السيولة الخاص بالبنك الفرع إلى صندوق البنك الأصل ;
3- أن نظام البنك التشاركي التابع لا يعدو أن يكون مجرد وسيلة تسعى من وراءها البنوك التقليدية كسب مواقع جديدة داخل السوق البنكية.
بناءا على هذه التبريرات العلمية، نستنتج أن فرضية إنشاء بنك تشاركي “إسلامي” تابع لبنك تقليدي تبقى مسألة خلافية لم يتم الحسم فيها بعد، بل هي النقطة الجوهرية التي أعاقت سبيل تنزيل مشروع البنوك التشاركية في المغرب طوال العشر السنين الماضية إلى غاية الانفراج النسبي مع صدور القانون البنكي الجديد، علما أن التجربة المغربية فيما يخص البنوك الإسلامية قد انطلقت منذ بدايتها عبر نظام البنوك الفرعية أو نوافذ الخدمات الإسلامية داخل البنوك التقليدية، والشاهد على ذلك، ما عرفته الساحة البنكية مباشرة بعد صدور توصية بنك المغرب رقم 2007/33 حول الترخيص في تداول منتوجات المرابحة والإجارة والمشاركة من ظهور نماذج بنكية تجسد نظام الفرع للأصل، حيث تم تأسيس بنك دار الصفاء الإسلامي التابع للتجاري وفا بنك وأيضا مؤسسة البديل الشعبي التابعة للبنك الشعبي.
وبإمعان النظر في القانون رقم 12-103 بمثابة القانون البنكي الجديد، نلاحظه قد تبنى نظام الفروع التشاركية من خلال نص المادة 61 منه التي منحت لمؤسسات الائتمان صلاحية مباشرة العمليات التي تشرف على تدبيرها أصلا البنوك التشاركية بعد إعتمادها من قبل بنك المغرب واستطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان وبعد الحصول على الرأي بالمطابقة من المجلس العلمي الأعلى. فكيف كان موقف هذا المجلس بعدما أحيل عليه منشور والي بنك المغرب المتعلق بتحديد شروط وكيفيات مزاولة البنوك للأنشطة والعمليات التي تزاولها البنوك التشاركية؟
ثالثا: موقف المجلس العلمي الأعلى مقيد بشروط معتبرة:
إن النقاش الذي أثارته المادة 61 من القانون البنكي المغربي حول مزاولة البنوك التقليدية للعمليات التي تختص فيها بداية البنوك التشاركية، لم يبقى حبيس المناظرات والمنازلات العلمية فيما بين دارسي وفقهاء المالية الإسلامية ولا المهنيين في القطاع البنكي، بل عرض هذا الإشكال تطبيقا لنص المادة المذكورة على المجلس العلمي الأعلى من قبل والي بنك المغرب عبر منشوره تحت عدد 146/ و /16 وذلك بتاريخ 17 يونيو 2016 قصد إدلاء المجلس برأيه وإعداد تقرير في الموضوع، يخلص فيه إما لموافقته الصريحة بتمكين البنوك التقليدية من هذه الرخصة بعد إصدار الرأي بمطابقة عملياته ونظامه لأحكام الشريعة الإسلامية، أو برفضه ذلك بعد تقديمه لتعليل يبرز من خلاله قناعته الشرعية والقانونية التي دفعته إلى القول بالرفض.
وقد جاء منشور والي بنك المغرب متكونا من 14 مادة حددت الشروط والكيفيات التي يتعين على البنوك أن تزاول وفقها الأنشطة التي تباشرها البنوك التشاركية وهي كما يلي:
1- أن تكون معتمدة من قبل بنك المغرب طبقا لأحكام القانون رقم 12-103,
2- أن تحدث بنية خاصة لتصريف الأنشطة والعمليات المذكورة بشكل مستقل عن باقي العمليات الأخرى التي تقوم بها,
3- أن توفر الموارد المالية والتقنية والبشرية الكافية ما يمكنها من حسن تدبير العقود التشاركية محل الترخيص,
4- ألا تزاول أية عملية تشاركية كيفما كانت طالما لم يصدر في شأنها الرأي بمطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها,
5- وجوب إحداث هذه البنوك لنافذة أو وحدة داخلية يعهد إليها من أجل السهر على ضمان مطابقة عملياتها للآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى,
6- ألا تعرض واجهات الوكالات التابعة هوية بصرية مختلفة عن الهوية البصرية للبنك الأصل.
الملاحظ من خلال هذه الشروط والمعايير التي تقدم بها بنك المغرب إلى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، أنها وإن كانت قد تبنت قاعدة استقلال الذمة المالية للبنك التابع في شرطها الثالث، فإنها لم تدقق البناء اللغوي الموسوم لها، بأن أغفلت ربط المبدأ هذا مع خاصية دوام الاستقلالية في توفير السيولة المالية، فقد ورد الشرط بالحرف (أن توفر الموارد المالية…) ما يجعلنا نعتقد وبصورة تلقائية بفرضية أن البنك التقليدي سيضل هو الممول والداعم المالي الرئيس للبنك التشاركي التابع، والحال أنه لو استبدلت بالعبارة التالية (أن توفر الموارد المالية…مقابل استقلال ذمتها المالية مستقبلا) لكانت أقوى في الدلالة وأفصح في الصياغة.
إن الظاهر من هذا الشرط يوحي لنا بأن مقصوده ومفاده يكمن في محاولة بنك المغرب إرساء قاعدة استقلال الذمة المالية للبنك التشاركي التابع عن ذمة البنك التقليدي الأصل (أو البنك الأم)، من غير أن تدمج هذه الذمم المالية في بنية واحدة ما قد يزيد من صعوبة وغضاضة التمييز بين الأموال المتأتية من العمليات التشاركية وتلك الخاصة بنتاج عمليات البنوك التقليدية، احتراما بالدرجة الأولى لوحدة النظام القانوني لكل مؤسسة، وتكريسا لأحكام الفقه الإسلامي لاسيما قواعد المذهب المالكي منه، التي أكدت في مجموعة من مواطن الخلاف بين المعارضين والمؤيدين لفكرة البنك الإسلامي ضرورة ووجوب الفصل التام للذمة المالية، حيث اعتبرت ذلك مخرجا وحلا وسطا قد يمهد لتليين الإشكال المطروح دونما الخروج عن أحكام الشريعة الإسلامية ولا الزيادة عليها.
وكما كان متوقعا منذ صدور القانون البنكي الجديد رقم 12-103 أن يتوجه المجلس العلمي الأعلى في إطار تفعيل نص المادة 61 منه إلى تبني أطروحة استقلال الذمة المالية للبنك التابع، فهي كقاعدة فقهية جرى التأسيس لها في فقه المعاملات وفق منظور المذهب المالكي الذي يعد المذهب الرسمي للبلاد، فلم يكن غريبا أن يأتي رأي اللجنة الشرعية للمالية الإسلامية فيما يخص منشور والي بنك المغرب في تحصيل رخصة مزاولة البنوك التقليدية للعمليات التشاركية بالإيجاب، حيث ورد في رأيها بالمطابقة (إن اللجنة الشرعية للمالية الإسلامية قد تبين لها من شروط منشور بنك المغرب أن مقتضياتها تستند إلى قاعدة عامة تقضي بأن ما يجري من قواعد وشروط على البنوك التشاركية يجري كذلك على النوافذ البنكية المفتوحة من قبل البنوك، والكل مع ضرورة مراعاة شرط استقلال هذه النوافذ فيما يخص ذمتها المالية ومحفظتها الاستثمارية ونظام محاسبتها) وبالتالي فإن المجلس العلمي الأعلى يكون قد وضع حدا نوعيا لهذا الإشكال، بتقييد مزاولة البنوك التقليدية للعمليات التشاركية بجملة من الشروط المعتبرة، والتي من شأنها أن تضبط أداء البنك التقليدي من جهة، ونافذته التشاركية من جهة ثانية، ثم أنشطة البنوك التشاركية من جهة ثالثة.
وصفوة القول أن مفهوم استقلال الذمة المالية للبنك التابع وما ارتبط به من صعوبات على مستوى استيعاب مغزاه والفائدة من اعتماده وإدراجه في الحقل البنكي المغربي، قد ساهم ولو بنسبة ضئيلة في ملامسة واقع العمليات البنكية الإسلامية “التشاركية”، والتعرف عن قرب على طبيعة أداء النوافذ البنكية التشاركية، ومدى التزامها بضوابط الشريعة الإسلامية ومقاصدها في ظل العجز المسجل بخصوص إحداث بنوك تشاركية خالصة ومستقلة ماليا ومؤسساتيا.