البيع للنفس او البيع بأسم مستعار في القانون المدني العراقي
أن للفرد حرية التصرف في أمواله بنفسه، فله أن يبرم ما يشاء من عقود في حدود ما تسمح به قواعد النظام العام أو الآداب. ولكن قد توجد ظروف معينة تجعل مباشرة الفرد لهذه التصرفات بنفسه أمرا مرهقاً أو مستحيلاً في بعض الأحيان، لذلك قد يلجأ الفرد إلى إبرام التصرفات القانونية عن طريق الوكالة. وفيها يقوم الوكيل بعمل قانوني لحساب الموكل، وإذا كان الوكيل يعمل دائماً لحساب الموكل فليس من الضروري أن يعمل باسمه أي باسم الموكل فقد يعمل الوكيل باسمه الشخصي وهو ما يصطلح على دعوته بالاسم المستعار ويلجأ الموكل إلى اتخاذه اسماً مستعاراً تحقيقاً لأغراض متعددة منها ما هو مشروع متمثلاً بنجاح التعاقد وتمامه ومنها ما هو غير مشروع متمثلاً بالتحايل على أحكام القانون. ولا يكفي لئن نكون إزاء تعاقد باسم مستعار أن يكون المتعاقد مع الغير وكيلاً يعمل لحساب موكله وباسمه الشخصي بل يشترط أيضا أن يكون الغير جاهلاً بصفة الوكيل، وبهذه الشروط يمكن أن نميز بين التعاقد باسم مستعار وأوضاع قانونية أخرى تختلط معه في المفهوم بحيث يصعب التمييز بينهما كالتقرير بالشراء عن الغير والصورية بطريق التسخير.وإذا كان الاسم المستعار وكيل كسائر الوكلاء في علاقته مع الموكل فانه يتميز بأحكام خاصة في علاقته مع الغير لأنه أصيلا في مواجهة الغير لا وكيلاً يعمل لحساب الموكل ،الأمر الذي يثير مشكلات متعددة في الواقع العملي أهمها مدى التزام الوكيل تجاه الغير ومدى حق الغير الذي يجهل صفة الوكيل في الرجوع على الموكل، مدى التزام الوكيل بنقل أثار التصرف إلى الموكل، واثر امتناع الوكيل بتنفيذ هذا الالتزام وما هو حق الموكل في حالة تصرف الوكيل بالحق الذي آل أليه بالتعاقد باسم مستعار إلى الغير. هذا فضلاً عما يثيره الموضوع من مشكلات أخرى لاسيما إذا كان القصد من استتار الموكل باسم مستعار هو التحايل على أحكام القانون كما هو الحال في بيع الوكلاء وشراءهم لأنفسهم دون إجازة الموكل وشراء عمال القضاء والمحامين للحقوق المتنازع فيها وتعامل المحامين بهذه الحقوق بأسماء مستعارة، فكل من ذلك يحتاج إلى نصوص قانونية تتضمن الحلول المناسبة لها إلا أن المشرع لم ينظم إلا بعضاً منها بأحكام المادة 943 الواردة في باب الوكالة والمواد 592، 595، 596 الواردة في باب البيع، فلأهمية الموضوع العملية والقصور التشريعي بشأنه ارتأينا أن نبحث هذا الموضوع في مبحثين نخصص الأول منهما لمفهوم التعاقد باسم مستعار والثاني لأحكام التعاقد باسم مستعار وسنكرس له مطلبين نوضح في الأول أحكام التعاقد المشروع باسم مستعار ونتحدث في الثاني عن : أحكام التطبيقات التشريعية للمنع من التعاقد باسم مستعار.
: بخاتمة الموضوع وصلنا إلى عدة نتائج نجملها بالاتي
1-التعاقد باسم مستعار هو وكالة مستترة تتجرد عن النيابة وتفرض على الوكيل أن يعمل باسمه الشخصي وان كان يعمل لحساب الموكل بناءً على تفويض من الأخير، لذا لا يكفي لئن نكون إزاء تعاقد باسم مستعار أن يعمل الوكيل لحساب الموكل وباسمه الشخصي بل يشترط أيضا جهل الغير بعقد الوكالة المستتر وهذا ما أتجه إليه القضاء العراقي تطبيقاً لحكم المادة 943 من القانون المدني العراقي وهو أيضا ما يستفاد نص المادة 106 من القانون المدني المصري ، في حين أن قانون الموجبات والعقود اللبناني في المادة 799 لم تعد جهل الغير بعقد الوكالة المستتر شرطاً للتعاقد باسم مستعار مكتفياً بعمل الوكيل لحساب الموكل وباسمه الشخصي.
2-نظمت القوانين المدنية كالقانون المدني العراقي والمصري والسوري واللبناني والفرنسي، بعض أحكام التعاقد باسم مستعار في نصوص متفرقة لا تجمعها وحدة الموضوع فبينما نجد نصاً في باب النيابة أو الوكالة يستشف منه ضمناً حكم علاقة الوكيل بالغير في جوانب منها، نجد نصوصاً أخرى في باب البيع تطرق فيها المشرع إلى بعض تطبيقات التعاقد باسم مستعار بمناسبة تنظيم أنواع خاصة من البيوع، مما يعد قصوراً تشريعياً كان الأجدر بالمشرع تلافيه بإيراد أحكاما خاصة بالتعاقد باسم مستعار لاسيما وان أهمية هذا الموضوع تتزايد بتزايد ما يثيره من مشكلات في الواقع العملي خاصة تلك المشكلات التي تثار بسبب تعدد العلاقات الناشئة عن التعاقد المشروع باسم مستعار، وهي علاقة الوكيل المسخر بالموكل المستتر وعلاقة الوكيل بالغير وعلاقة الموكل بالغير، وتلك الناشئة عن استتار الموكل باسم الوكيل تحايلاً على أحكام القانون.
3-يضاف اثر العقد إلى الوكيل دائناً أو مديناً ولا يضاف إلى الموكل لان الوكيل يكون بمثابة الأصيل في مواجهة الغير لا بل في مواجهة الاغيار أيضا وهم كل من كسب حقاً شخصياً أو عينياً في مواجهة الموكل يؤثر فيه صحة العقد أو بطلانه، وذلك رغبةً من المشرع في تمييز الاسم المستعار عن سائر الوكلاء بأحكام خاصة في نطاق علاقته مع الغير.
4-يضاف إلى التزامات الوكيل المسخر التي يرتبها عقد الوكالة التزامه بنقل الحقوق التي كسبها باسمه إلى الموكل، إلا أن المشرع العراقي لم ينص على هذا الالتزام بالرغم من أهميته في العلاقة بين الوكيل المسخر والموكل المستتر، فكان الأجدر بالمشرع أن ينص على هذا الالتزام ولا سيما انه ينص على ما يقابله من التزام الموكل بإبراء ذمة الوكيل مما عقده باسمه من التزامات في سبيل تنفيذ الوكالة، ولا يكون لنقل الحقوق والالتزامات من الوكيل إلى الموكل اثر رجعي، فيعتبر النقل قد تم من وقت حصوله بين الوكيل والموكل لا من وقت اتفاق الوكيل مع الغير ولا يصبح تنفيذ التزام الوكيل بنقل الحقوق إلى الموكل متعذراً إلا إذا تصرف الوكيل بالحق إلى الغير الحسن النية. ويقصر حق الموكل في مواجهة الغير على الطعن بدعوى عدم نفاذ التصرف وذلك وفقاً لما تقضي به الفقرتين الأولى والثانية من المادة 264 من القانون المدني العراقي.
5-أن القضاء العراقي قد تبنى اتجاهين مختلفين في تفسير نطاق منع الوكلاء في شراء الأموال الموكلين ببيعها باسم مستعار الوارد في المادة /592 من القانون المدني، فتارة نراه يتوسع في نطاق المنع فيجعله يشمل كل تعاقد يتوقع فيه إيثار المصلحة الشخصية على مصلحة الموكل وان لم يلحق الموكل أي ضرر من جراء هذا التعاقد أي بمجرد تعاقد الوكيل مع احد أولاده أو زوجه أو أقرباء زوجه أو احد أصدقائه وبعبارة اعم مع كل من يعمل لمصلحته ، وتارة أخرى نراه يُضيق من نطاق المنع فيتطلب تحقق الضرر في جهة الموكل وإلا لا نكون إزاء تعاقد باسم مستعار حتى وان كان التعاقد مع احد أولاد الوكيل أو زوجه أو اقر بائه ……، وإزاء هذا التباين في موقف القضاء العراقي نقترح تبني الاتجاه الأول لأنه ينئ بالوكيل عن الشبهة والظنية في التعامل هذا من جهة ومن جهة أخرى أن إثبات الضرر من جهة الموكل أمرا ليس سهلاً وميسوراً في كل الأحوال وحسن فعل المشرع اللبناني في المادة 381 من قانون الموجبات والعقود إذ أقام قرينة قانونية على أن الشراء باسم الزوجة أو باسم الأولاد ولو كانوا راشدين هو شراء باسم مستعار ولو وجد مثل هذا النص في القانون المدني العراقي لكان القضاء العراقي بمنأى عن الخلاف.
6-أن نص المادة 596 من القانون المدني أضيق من نص المادة 595 من ناحية وأوسع من ناحية أخرى فهي أضيق لأنها تشترط أن يكون المحامي وكيلاً في الحق المتنازع فيه المراد شراءه أي هو من يتولى الدفاع عن هذا الحق وهي أوسع لأنها تقضي بأنه متى ما كان المحامي وكيلاً في الحق المتنازع فيه فكل ضروب التعامل في هذا الحق محرمة عليه وليس الشراء باسم مستعار فحسب إلا أن حكم النصين واحداً وهو بطلان الشراء والتعامل بالحق المتنازع فيه ويستوي أن يكون واقعاً على كل الحق أو وافقاً على جزءاً منه كما يستوي أن يشتري – عامل القضاء الحق المتنازع فيه باسمه الشخصي أو باسم مستعار أي باسم كل من يعمل لمصلحته فيستشف من تصرفه هذا التحايل على أحكام القانون.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً