واقع التجارة الإلكترونية والآفاق المستقبلية
د. محمد عرفة
عندما ظهرت التجارة الإلكترونية في الربع الأخير من القرن المنصرم اعتبرت نقلة نوعية في مجال التجارة الدولية, وتساءل الكثيرون عن مستقبلها: هل ستُصبح هي المهيمنة على التجارة العالمية في القرن الحادي والعشرين؟ والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب معرفة عوامل نجاح هذا النوع الجديد من التجارة والفوائد التي يحققها والمعوقات التي تعترض سبيلها, فضلاً عن دراسة الإحصائيات الحقيقية للتجارة الإلكترونية وتحليلها في ضوء المعطيات الدولية التي تحكمها. إذ إن مختلف دول العالم قد دخلت في منافسة غير مسبوقة في هذا المجال للاستفادة من التقنية بأقصى حد ممكن وتوظيفها لخدمة قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها, وبالفعل بدأت شركات عديدة تقدم خدماتها في هذا المجال.
ولم يقتصر تطور التجارة الدولية الإلكترونية على الجانب الكمي (من حيث تدفق البضائع من مختلف الدول الصناعية بكميات كبيرة إلى المستهلكين في جميع مناطق العالم)، بل تناول كذلك الجانب الكيفي (من حيث استخدام أساليب أكثر سهولة في وضع السلعة الإلكترونية تحت تصرف المستهلك بأسرع وقت ممكن، مع تسهيل طرق سداد أثمانها بهدف إغرائه بشرائها)، واستخدمت أعمال وأساليب قانونية في عمليات التجارة الإلكترونية تختلف عن تلك التي تستخدم في غيرها من العمليات, وشهدت طرق الإثبات القانونية تطوراً ملحوظاً، فظهرت اتجاهات تنادي بإمكانية قبول المستند الصادر من الكمبيوتر ومن الإنترنت في الإثبات.
فمنذ عدة سنوات كانت هذه التجارة تسير في إطار قانوني مغلق إلى حد ما، إذ كانت تعتمد على الأخذ بالأسلوب التعاقدي التقليدي في المسائل المتعلقة بالشكل والإثبات.
ومما لا شك فيه أن نجاح التجارة الإلكترونية ورواجها من الآن فصاعداً وتحقيقها الأهداف والغايات المعقودة عليها يتطلب ضرورة وجود بنية أساسية L`Infrastructure تتمثل في أجهزة الاتصالات والمهارات والكفاءات البشرية الفنية الخاصة من الأشخاص المؤهلين للتعامل في هذا المجال, كما تتطلب وجود قواعد قانونية تنظم عمليات التجارة الإلكترونية وتضع الضمانات القانونية التي تكفل حماية المتعاملين عبر السوق الإلكترونية, إذ لا يشترط بالضرورة أن يرتبط الطرفان (البائع والمشتري، أو المصدر والمستورد) برابطة تعاقدية يتم إعدادها مسبقاً في شكل معين.
وحتى إذا وجدت مثل هذه الرابطة التعاقدية فيجب أن تتحرر كثيراً من القيود الشكلية، استجابة لحاجة التجارة الدولية وما تتطلبه من سرعة في إنجازها وتحقيق الربح من خلال صفقات ضخمة، بل إن بعض المتعاملين في هذه التجارة ينادون بالتحرر الكامل من كل الشكليات. وتتطلب أيضاً وجود أنظمة أمنية تضبط عمليات التعامل مع الإنترنت سواء أكانت نظماً أمنية أم كانت نظماً تقنية. ومع ذلك فإن واقع التجارة الإلكترونية على المستوى العربي ما زال يكتنفه العديد من الصعوبات. فلقد أشارت دراسات عديدة حول التجارة الإلكترونية منها دراسة أجرتها في أوائل عام 1999م مجموعة WEFA للدراسات والاستشارات الاقتصادية بتكليف من “فيزا إنترناشيونال”, وصدر تقرير عن المراقب الأوروبي لتقنية المعلومات في أيار (مايو) عام 2002 أن حجم التجارة الإلكترونية عالمياً قد ارتفع إلى 200 مليار دولار أمريكي, وتوقع هذا التقرير وصوله إلى 105 تريليونات دولار أمريكي عام 2002. وأن عدد مستخدمي شبكة الإنترنت ارتفع خلال هذا العام إلى 160 مليون مستخدم, أي بواقع 6 في المائة من إجمالي عدد السكان في العالم. وتوقع التقرير كذلك أن ترتفع هذه النسبة إلى 18 في المائة في عام 2005.
كما توقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 6 في المائة في عام 2005. وأشار إلى أن حجم التجارة الإلكترونية العربية قد وصل خلال ثلاث سنوات (من عام 2000 – 2002) إلى 280 مليون دولار أمريكي, ومن المتوقع أن تحتل الترتيب الرابع عالمياً في عام 2005. ومع ذلك نُلاحظ أن اللغة العربية لا تشكل سوى 1 في المائة من مجمل اللغات المستخدمة على شبكة الإنترنت؛ كما أن الشفافية في هذا المجال تكاد تكون مفقودة, إذ إنه لا توجد بيانات واضحة وأرقام صحيحة تشير بدقة إلى حجم النشاط الرقمي في المنطقة العربية وذلك بسبب امتناع عدد كبير من الشركات والمؤسسات العربية عن الإفصاح عن حجم نشاطاتها التجارية الرقمية بصورة مفصلة خاصة البنوك والمؤسسات المصرفية أيا كانت الأسباب التي تدعوها إلى ذلك.
كما نُلاحظ أن هناك نقصاً واضحاً في القوانين المنظمة للمعاملات التجارية التي تتم عبر الإنترنت, فيما يتعلق بمسألة الاعتراف بالتوقيع الإلكتروني وغيرها من المسائل ذات الصلة بحجية الوثيقة الإلكترونية في الإثبات, والقواعد التي تكفل حماية المستهلك الذي يتعامل عبر شبكة الإنترنت من الغش التجاري.
ولقد شهدت المملكة نمواً كبيراً في مجال انتشار تقنية المعلومات حيث تحتل الترتيب الخامس على المستوى العالمي من حيث معدل نمو عدد أجهزة الحاسب الآلي المستخدمة, هي أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط في أعداد الأجهزة المستخدمة, وتقدر نسبة النمو في قطاع الإنترنت في السوق السعودية بأكثر من 275 في المائة. ويجري توقيع العديد من العقود التجارية الدولية عبر الإنترنت مع جهات داخل المملكة وخارجها دون وجود نظام قانوني يحكم هذه العقود يمكن إعمال أحكامه. فهل من المتوقع أن يجد مثل هذا التنظيم الذي يطمح إليه المتعاملون في هذا الحقل المهم؟
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً