دراسة وبحث قاوني هام عن التحديات الأمينة المصاحبة لوسائل الاتصال الجديدة
المقدمة
الحقيقة البسيطة، والثابتة تقول بأن وسائل الاتصال لم تخترع الجريمة، بل كانت ضحية لها في معظم الأحوال حيث أن هذه الوسائل تعرضت لسووء الاستغلال من قبل كثيرين عبر التاريخ، ومن الثابت أيضاً أن المجرمين وظفوا الاتصال تارخياً – ضمن أدواتهم المختلفة – لخدمة النشاطات الإجرامية التي يقومون بها. أما الجريمة فهي ذاتها الجريمة في قديم التاريخ، وحديثه، لا يختلف على بشاعتها، وخطرها على المجتمع الإنساني أحد، ولذلك اتفق على مواجهتها، ومن أجلها أقيمت المحاكم، وسنت العقوبات، تستوي في النظرة إليها -كسلوك شاذ – كل الشرائع السماوية، والقوانين الموضوعة. وعبر حقب التاريخ المختلفة كانت الظاهرة الإجرامية مرادفة للتجمع الإنساني، تعكس في أساليبها، وأنماطها، أحوال وتطورات المجتمع في مختلف النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها. وفي عصر التقنية، وثورة الاتصالات الحديثة تعقدت الجريمة، وتنوعت أساليبها مستفيدة من التطور التقني في كافة مناحي الحياة، حيث وظف المجرمون هذه المستحدثات التقنية الحديثة في تطوير أساليبهم، بل حتى التقنية ذاتها لم تسلم من الجريمة فمنذ بداياتها ظهر معها ما يعرف بجرائم التقنية، أو الجرائم الإلكترونية التي أخذت أبعاداً جديدة مع بداية ثمانينات القرن العشرين – تحديداً – بعد انتشار الحاسبات الشخصية، وتطبيقاتها بشكل جماهيري في مختلف أرجاء العالم. ومع مطلع التسعينات من القرن الماضي ظهرت أنماط حديثة أخرى من الجريمة صاحبت انتشار شبكة المعلومات العالمية الإنترنت) التي برزت كأسرع وسائل الاتصال الجماهيري نمواً في تاريخ وسائل الاتصال بعدد مستخدمين تجاوز 600 مليون مستخدم مع بداية عام 2003م.
وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول بأن ميزة شبكة الإنترنت أنها أظهرت “كوسيلة الوسائل” ممكنة من خلال تطبيقاتها – وسائل الاتصال الجماهيري الأخرى التلفزيون، الراديو، الصحف من الظهور من خلالها. وهي أيضاً سوق تجاري، ومكتبة عالمية، ومجتمع اتصالي مفتوح العضوية، وهي أيضاً ناد للباحثين، والعلماء، وفي ذات الوقت يمكن أن تعد هذه الميزة بطاقة دعوة مفتوحة لأصحاب النشاط الإجرامي لممارسة الجريمة، بطول العالم وعرضه. ومن هنا ظهرت التأثيرات الاجتماعية للحاسبات في حياتنا روسنبرج، 2000 ومعها العديد من التحديات الأمنية التي جلبتها الشبكة التي تتسم بأن لا أحد نظرياً يتحكم فيها، ولا يطبق عليها قانون متفق عليه، مما شجع على انتشار جرائم النشر، والجرائم الأخلاقية، وارتفعت مؤشرات، وإحصائيات النشاط الإجرامي بشكل واضح سعيد، 1998 حيث فتح الباب لجرائم جديدة كانت شبكة الإنترنت ميدانها، ووسيلتها في أحيان، أو أن تكون الشبكة، أو إحدى تطبيقاتها ضحية في أحيان أخرى.
المبحث الأول
المقدمة المنهجية
موضوع البحث وأهميته :
تتحدد أهمية دراسة موضوع التحديات الأمنية المصاحبة لوسائل الاتصال الجديدة، وشبكة الإنترنت تحديداً في أن الشبكة أثبتت نفسها – اليوم – كوسيلة اتصال جماهيرية عالمية لا يمكن تجاهلها، وبسبب شعبيتها، وانتشارها أصبحت شبكة المعلومات العالمية هذه جزءاً مهماً من النشاط اليومي لملايين الأفراد في مجتمعات ما بات يعرف بعصر المعلومات.
وقد طالت تطبيقات الشبكة في السنوات الأخيرة مختلف أوجه النشاط الإنساني في التجارة، وبرامج التعليم، والترفيه، وبرزت تأثيراتها بشكل أوضح في مجال الاتصال، وتبادل المعلومات، والأخبار بشكل ألغى الحدود الرقابية، الجغرافية، والزمنية التقليدية مما حتم على الباحثين إعادة النظر في تعريف نمط العلاقات الاتصالية عبر الإنترنت، وتطبيقاتها المختلفة. وفي الجانب العلمي بدت جماهيرية تطبيقات الشبكة، وطبيعتها الاتصالية، وكأنها قد قلبت الكثير من المفاهيم العلمية للاتصال، ونظرياته التقليدية، ممهدة لثورة جديدة في المفاهيم النظرية، والممارسات المهنية على حد سواء.
وفي خضم هذا النشاط الإنساني عبر شبكة الإنترنت – درة وسائل الاتصال الجديدة – ظهرت الأنشطة الإجرامية عبر، وعلى الشبكة وتطبيقاتها المختلفة. من هنا برزت أهمية هذا البحث التي يؤمل أن يسهم في استكمال جانب من الجهود العلمية التي تحاول تأصيل المفاهيم العلمية المرتبطة بوسائل الاتصال الجديدة بالتركيز – تحديداً – على رصد، وتحليل، أبرز ملامح الظاهرة الإجرامية المصاحبة لشبكة الإنترنت.
حدود البحث :
نظراً لتشعب موضوع جرائم الإنترنت، وارتباطها بالعديد من العناصر البشرية والمادية، ولتسارع التقنية الحديثة سواء في مجال ارتكاب الجريمة التقنية، أو في مجال المكافحة، يسعى هذا البحث في جانبه الموضوعي، إلى تقديم صورة عامة عن مجمل التحديات الأمنية المصاحبة لوسائل الاتصال الجديدة بالتركيز على الطبيعة الاتصالية للشبكة، ولذا فلن يكون هدف البحث تقديم رصد تقريري يحصي الظواهر الإجرامية على الشبكة. كما لن يعني هذا البحث كثيراً بالجوانب الفنية المتخصصة إلا بما يقتضيه طبيعةطبيعة، وترتيب عناصر الموضوع. كما أن البحث في سعيه لتأصيل بعض المفاهيم المرتبطة بظاهرة الإنترنت – وسيلة كانت، أم هدفاً للجرائم الحديثة – سيركز على البعد الإنساني حيث أن الإنسان هو الضحية غالباً في جرائم الحاسب والإنترنت، وهو أيضاً بطل المكافحة في ذات الوقت، بالنظر إلى أدواره الاجتماعية، والسلوكية المختلفة.
مشكلة البحث :
يحاول هذا البحث بشكل مجمل تقديم صورة عامة لأبرز التحديات الأمنية المصاحبة لشبكة الإنترنت، وفق منهجية تطمح إلى تقديم نظرة تأصيلية للظاهرة الإجرامية على الشبكة، تتناول من خلالها خصائص وأنماط جرائم الإنترنت وكيف نمت هذه الظواهر، ليتبين من خلالها مدى علاقة هذه النشاطات بالواقع الاتصالي لشبكة الإنترنت.
كما يعرض البحث لمجمل التهديدات الأمنية الأكثر وضوحاً على الإنترنت مثل التحدي الحضاري، والثقافي، والتحديات العلمية، والجنائية مستعرضاً بعض الجرائم الأخلاقية التي تروجها بعض العناصر الإجرامية عبر الإنترنت مثل توزيع الصور الخليعة، والترويج للدعارة. إضافة إلى ذلك يتناول البحث ضمن عرضه لمظاهر التحدي الأمني للشبكة بعض جرائم النشر على الشبكة، مثل التشهير، والقذف، وجرائم الابتزاز، وانتحال الشخصية ونحو ذلك.
أهداف البحث :
يسعى هذا البحث إلى تحقيق هدفه الرئيس المتمثل في محاولة تقديم دراسة تأصيلية تكشف عن أهم التحديات الأمنية المصاحبة لوسائل الاتصال الجديدة وذلك عبر رصد جوانب مختلفة من ملامح الظاهرة الإجرامية على شبكة الإنترنت. ولتحقيق هذا الهدف ستحاول الدراسة التعرف على عدد من المفاهيم المرتبطة بهذه الظاهرة وعلاقتها بعدد من المتغيرات ذات الصلة وذلك على النحو التالي :
– تحديد أبرز ملامح الظاهرة الإجرامية في عصر التقنية.
– التعرف على الطبيعة الاتصالية لشبكة الإنترنت.
– التعرف على طبيعة التهديدات الأمنية المصاحبة لشبكة الإنترنت.
– التعرف على الصور الأكثر شيوعاً لأنماط الجريمة عبر شبكة الإنترنت.
– التعرف على أبرز الجهود التشريعية في مجال مكافحة جرائم الإنترنت.
أسئلة البحث :
يهدف البحث الحالي إلى الإجابة على التساؤلات الآتية:
· ما أبرز ملامح الظاهرة الإجرامية في عصر التقنية؟
· ما أبرز الخصائص الاتصالية لشبكة الإنترنت؟
· ما التهديدات الأمنية الأكثر وضوحاً عبر شبكة الإنترنت؟
· ما أبرز الأنماط الأكثر شيوعاً للجريمة باستخدام شبكة الإنترنت؟
· ما أبرز الجهود الدولية المتخذة في مجال مكافحة جرائم الإنترنت؟
منهج البحث وأدواته الرئيسية :
نظراً لطبيعة الموضوع، وغايته المتمثلة في محاولة تأصيل المفاهيم المرتبطة بالظاهرة محل البحث، فقد اعتمد الباحث على المنهج الوصفي الوثائقي، المستند على التراث المكتوب كمصدر رئيس للمعلومات، ومن خلال هذه المنهجية يسعى البحث إلى رصد، وفهم، وتحليل الظاهرة محل البحث بدقة، وإضافة إلى وصف الظاهرة، يعني البحث بالوقوف على الخصائص المميزة لهذه الظاهرة، ويقتضي العناصر المحيطة بها.
وفي سبيل جمع المعلومات، رجع الباحث للعديد من الدراسات السابقة في هذا المجال، كما تمت زيارة مواقع مهمة تخصصت في رصد، وتتبع الظاهرة الإجرامية على الشبكة، والاستفادة من حداثة المعلومات المقدمة، وطرق عرض، وتحليل هذه المواقع الجرائم الحاسب، والإنترنت ومن هذه المواقع. موقع وزارة العدل الأمريكية usdoj.go، وموقع المباحث الفيدرالية fbi.gov وموقع منظمة الإنتربول Interpol.int والمجلس الأوروبي، coe.gov وغيرها من المواقع الأجنبية، بينما لم يعثر الباحث على موقع عربي واحد متخصص في جرائم التقنية والإنترنت. للاطلاع على مزيد من المواقع التي تم مراجعتها بهذا الشأن أنظر ملحق (1).
الدراسات السابقة:
بدأت الدراسات العربية في مجال جرائم الإنترنت، والحاسبات متأخرة بما هو عليه الحال في الدراسات الأجنبية التي رافقت مسيرة انتشار الحاسبات، ومن ثم ثورة الإنترنت، منذ بداياتها الأولى. وربما يعود سبب ذلك بشكل رئيس إلى تأخر تبني التقنية الحديثة في معظم البلدان العربية، لأسباب اقتصادية، وثقافية مختلفة، وعندما انتشرت الحاسبات الشخصية، وتطبيقات الإنترنت في العالم كان ولا زال نموه في العالم العربي محدوداً، قياساً بعدد السكان([1]) يضاف إلى ذلك أن معظم الباحثين العرب المتمرسين لم يعاصروا هذه التقنيات بشكل يجعلهم يستوعبون المتغيرات المؤثرة، والمتأثرة، والظواهر المصاحبة لها، ليولوها الاهتمام العلمي الذي يستحقه. وبالنسبة للدراسات العربية في مجال التحديات الأمنية لشبكة الإنترنت فلا زالت الدراسات في بداياتها الأولى. ويمكن الإشارة إلى بعض الجهود العربية في مجال الدراسات الأمنية لشبكة الإنترنت، وعلاقتها بالجريمة على النحو التالي :
الدراسة الأولى: دراسة عبد الرحمن بحر بعنوان “معوقات التحقيق في جرائم الإنترنت” وفي هذه الدراسة ركز الباحث على موضوع التحقيق في جرائم الإنترنت، والمعوقات المختلفة التي تعترض المحققين أثناء التحقيق في هذه الجرائم. وقد خلصت الدراسة إلى أن أبز المعوقات هي تلك المعوقات الفنية، والإدارية، التي لا توفر للمحقق مستلزمات التحقيق، وكل ما يساعد على تحديث معلوماته مثل إلحاقه بدورات متخصصة، تلك المعوقات الشخصية لدى المحققين في الشركة من حيث نقص المهارات الفنية، والتهيب من استخدام الحاسب والإنترنت وكان آخر تلك المعوقات ضعف، أو غياب التشريعات التي تجرم مرتكبي جرائم الحاسب بشكل مفصل .
الدراسة الثانية : قدمها مزيد بن مزيد النفيعي، وتناول فيها موضوع الانحراف إلى الجريمة بين مرتادي مقاهي الإنترنت. ويكشف الباحث في نتائجه العامة عن وجود علاقة بين كثرة استخدام الشبكة، والانحراف السلوكي، كما وجد أن الشبكة تشجع بشكل أو بآخر العلاقات غير السوية وتؤدي إلى عواقب أخلاقية خطيرة، كما كشفت الدراسة أيضاً أن صغار السن هم الفئة الأكثر تأثراً بالظاهر السلبية للشبكة، وأن التعرض للشبكة بكثرة يؤدي إلى التأثر ببعض الأفكار المخالفة للشريعة الإسلامية.
الدراسة الثالثة : لم تتعمق كثيراً في قضايا الإنترنت والظاهرة الإجرامية ولكنها سجلت نقاطاً مهمة من حيث أنها لمست في وقت مبكر (1998) بعض ملامح الظاهرة الأمنية على شبكة الإنترنت. ويسجل للباحث اللواء د. قدري الشهاوي في مقالته العلمية “المنظومة الأمنية والآثار السلبية والإيجابية لشبكة الإنترنت” ريادته في لفت انتباه الباحثين إلى القضايا الأمنية المرتبطة بشبكة الإنترنت، وتوضح الدراسة بشكل موجز إشارات مهمة إلى بعض الآثار الإيجابية لشبكة الإنترنت، وكذلك الآثار السلبية خاصة في مجال توظيف العصابات والإرهابيين لها، كما ألمح البحث إلى مظاهر استغلال الشبكة في مجال التجسس والجريمة المنظمة والدعاية السياسية.
الدراسة الرابعة: والقريبة الصلة من هذه الدراسة من ناحية التركيز على البعد الاتصالي للشبكة هي الدراسة التي قدمها الباحث الشهري، 1422) بعنوان “استخدامات شبكة الإنترنت في مجال الإعلام الأمني العربي “وتعد هذه الدراسة أول عمل علمي في مجال التطبيقات الإعلامية لشبكة الإنترنت في المجال الأمني. وقد أصَّلت الدراسة للجانب التطبيقي لشبكة الإنترنت www في مجال التوظيف الإعلامي للمواقع الأمنية على الشبكة، حيث استهدفت دراسة وتحليل المواقع التابعة لأجهزة الأمن العربية على شبكة الإنترنت. كما تطرقت إلى العديد من المحاذير، والتحديات الأمنية المصاحبة لانتشار الشبكة تحديداً، واستعرضت مجالات توظيف الإنترنت في مجال الإعلام الأمني، وفق طبيعتها الاتصالية، وخلصت الدراسة إلى اقتراح بعض القواعد العامة، لشكل، ومحتوى المواقع الإعلامية الأمنية، في ضوء المتاح من خدمات الإنترنت وأكدت الدراسة على أهمية الفصل بين الخدمات الأمنية لمواقع أجهزة الأمن والرسالة الإعلامية المناطة بهذه المواقع.
المبحث الثاني
الطبيعة الاتصالية لشبكة الإنترنت
ظهرت الإنترنت بشكل جماهيري في مختلف دول العالم بصورة غير مسبوقة، وفي زمن قياسي، وقد صاحبت هذه المرحلة السريعة للشبكة العديد من الأسئلة حول خصائصها الاتصالية، وتساءل الباحثون، وعلماء الاتصال عن طبيعة هذه الوسيلة الجديدة، وظهرت آراء تجادل في مدى إمكانية ضمها لوسائل الاتصال الجماهيري المعروفة كالتلفزيون والصحافة Morris & ogan.1996.
أما شبكة الإنترنت فلم تنتظر نتيجة هذا الجدل وواصلت طريقها منتشرة في كل مكان لتصل إلى ما يزيد 600 مليون إنسان مع بداية عام 2003م، وبذلك حققت في غضون عقد إلى ما يزيد عن 600 مليون إنسان مع بداية عام 2003م، وبذلك حققت في غضون عقد ونيف من الزمان ما لم تحققه أي وسيلة اتصال أخرى، من حيث عدد الجماهير التي وصلت إليهم في هذا الزمان القصير، مسجلة نفسها كوسيلة اتصال جماهيرية لا تقبل الشك stengel,2001 فبينما احتاج الراديو إلى 38 سنة للوصول إلى عدد 50 مليون إنسان في الولايات المتحدة، واحتاج التلفزيون إلى 13 سنة، وصلت الإنترنت إلى هذا العدد من الناس في غضون أربع سنوات Brides. 1998: Alshehri 2000.
وبهذا استحقت شبكة الإنترنت قيادة الثورة السادسة في مجال الاتصالات 1997، Fang كقناة معلومات عالمية حققت التكامل والاندماج التقني، بين العديد من وسائل الاتصال، وبحسب fang فإن تاريخ الاتصال مرَّ بست مراحل تطورية
اترك تعليقاً