الحماية الجنائية من التحرش الجنسي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يطرح مفهوم التحرش الجنسي صعوبة كبيرة في تحديده وذلك بسبب اختلاف المؤشرات الدالة عليه لتعدد الأفعال التي يمكن إدراجها ضمن هذا التعبير وأيضا بسبب تنوع مظاهره حسب الأوساط والتقافات ، كما أن إحساس المتحرش بها يدخل كعنصر يحدد في اعتبار سلوك التحرش الجنسي ، نظرا لطابع الذاتية في الإقرار بشعور الإهانة والمضايقة والمس بالكرامة بالنسبة للمتحرش به [1]
وقد عرفت اتفاقية منع التمييز ضد المرأة التحرش الجنسي بأنه كل سلوك لا أخلاقي يرمي إلى استهداف جسد المرأة في تنكر تام لرغبتها ورضاها وباستغلال السلطة الذكورية
كما عرفته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بأنه كل سلوك يتضمن إيحاءات جنسية مباشرة أو ضمنية تستهدف الإيقاع بالطرف الآخر سواء كان ذكرا أو أنثى رغما عن إرادته في ممارسة جنسية مستغلا بذلك سلطته ونفوذه [2].
من خلال هذين التعريفين يتبين أن مفهوم الاستغلال الجنسي هو الطابع المهيمن على هذه الظاهرة.
إذ يبقى الغرض هو الوصول إلى الجنس دون اعتبار لرضا أو رغبة الطرف الآخر وتجدر الإشارة إلى أن استعمال السلطة والنفوذ من الأساليب الأساسية للتحرش الجنسي وبذلك يكون التحرش الجنسي هو كل السلوكات أللا أخلاقية الهادفة للوصول إلى أغراض جنسية في تنكر تام لرضا ورغبة المتحرش بها جنسيا وتكون السلطة والنفوذ من مكوناته [3].
وقد أصبحت ظاهرة التحرش الجنسي منتشرة بشكل كبير سواء في الشارع المدرسة أو مقرات العمل، على الرغم من غياب إحصائيات دقيقة تعكس الحجم الحقيقي للظاهرة باستثناء بعض الإحصائيات الجزئية التي قامت بها بعض الجمعيات.
ومن بين الأبحاث التي أجريت في هذا الموضوع دراسة أنجزتها الجمعية الديمقراطية لحقوق النساء والتي شملت 500 طالبة و 500 تلميذة إضافة إلى 45 مقابلة فردية معمقة مع بعض ضحايا التحرش الجنسي، صرحت 52.9 % منهن أنه مجرد صدور سلوك يؤدي إلى مضايقة الفتاة وإزعاجها هو بمثابة تحرش جنسي في حين أكدت 57.7 % منهن أنه الفعل هو الذي يمكن اعتباره تحرشا جنسيا حقيقيا وبالنظر إلى الأرقام فإن حجم الظاهرة في تفاقم حيث أن 96.2 % من الفتيات صرحن بأن التحرش الجنسي موجود داخل الأوساط التعليمية و 35.8 % منهن تعرضن له داخل المحيط الدراسي، حيث أن 83.8 % منهن تعرضن لتحرش جنسي شفوي 58.8 % عبر النظرات أما نسبة 28 % فتمثل تحرشات جنسية جسدية وتؤكد التلميذات أنهن تعرضن لهذا النوع من التحرش في أماكن مختلفة ومعزولة عن الأعين حيث أكدت 45.8 % منهن بتعرضهن للتحرش الجنسي داخل الفضاءات التعليمية و 53.5 % بالقاعات الرياضية و 26.6 % حددت المقررات الإدارية و 24.5 % بقاعات الدروس والباقي أكدت وجود الظاهرة بالأماكن العامة مثل وسائل النقل العمومي أو بجوار المؤسسات التعليمية [4]
وقد اعتبرت جل المستجدات بنسبة 84.5 % أن للتحرش الجنسي أثار جد سيئة وخطرة على الصحة النفسية و 78.2 % اعترفت بتأثيره على الحياة الاجتماعية و 56.5 % أكدت تأثيره على الحياة العائلية في حين أكدت 57.1 % تأثيره على الصحة الجسمية ، كما أن 57.1 % من المستجوبات أكدت على تأثير التحرش الجنسي على حياتهن الدراسية إن تحليل هذه الأرقام يعكس بالملموس خطورة الظاهرة التي أصبحت منتشرة بشكل كبير خاصة ضد الأطفال وما يزيد الأمر خطورة هو أن المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها لم تسلم من هذه الظاهرة الأمر الذي يؤثر سلبا على مردودية التلاميذ المتحرشين بهم ، بل قد يتسبب ذلك في بعض الأحيان انقطاعهم عن الدراسة أو على الأقل تغيير المؤسسة خاصة إذا كان المتحرش يتقنع بصفة مدرس أو إطار من أطر الإدارة التربوية لسلطتهم المعنوية على التلاميذ [5]
ونظرا لخطورة التحرش الجنسي على الراشد عموما وعلى الطفل على وجه الخصوص فقد دعت العديد من فعاليات المجتمع المدني والباحثين إلى تجريم التحرش الجنسي وهو ما استجاب له المشرع المغربي مؤخرا حيث نص على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين آلف درهم من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستعملا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية [6]
إن حماية العمال من التحرش الجنسي من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة ضد الأجير المؤدية إلى الحق في التعويض [7] عن الفصل التعسفي إلا أن الشكل الذي تم به التنصيص على التحرش الجنسي طرح عدة إشكالات قد تتحول إلى منزلقات خطيرة إذا لم يتم تداركها والقيام بالتعديلات اللازمة حيث تم تغييب تعريف التحرش الجنسي ولم يتم التنصيص على كيفية إثباته ، كما لم تنص مدونة الشغل على عقوبات رادعة للتحرش الجنسي كما أنها ألقت عبء إثبات واقعة التحرش الجنسي على من يدعيه الشيء الذي يمكن اعتباره شبه مستحيل بالنسبة للمتضرر خاصة بالنسبة للأطفال العاملين [8]
يتبين أن تجريم المشرع للتحرش الجنسي، أنه لم ينص على مقتضيات حمائية خاصة للطفل تقضي بتشديد عقوبة الجاني متى كان المتحرش به طفلا، بسبب عدم نضجه العقلي والعاطفي مما قد يجعله يتأثر نفسيا بشكل كبير من سلوكيات التحرش الجنسي التي قد تدفعه إلى الانطواء والعزلة وبالتالي المساس بحياته [9]
يتضح من الحماية الجنائية المقررة للإنسان من جريمة التحرش الجنسي يتضح وجود تغرات كبيرة تستدعي تدخل المشرع من جديد من أجل ضمان حماية حقيقية للطفل من هذه الجريمة التي تمس حياته وذلك عن طريق وضع نص يعرف التحرش الجنسي ويجب أن يكون هذا التعريف عاما ليشمل كافة حالات التحرش الجنسي كما يتعين التنصيص على وسائل إثباته [10] بالإضافة إلى ذلك فإنه على المشرع ان يأخذ بعين الاعتبار ما للتحرش من آثار سيئة على الطفل والفئات إذا ما قررت مع الراشد لذا يجب عليه اعتبار صفتيهما ظرفا من ظروف التشديد في هذه الجريمة خاصة وأنه يسهل عليهما إيقاعهما في براثين الفساد وبالتالي القضاء على حياتهما.
____________________________
[1] الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء التحرش الجنسي جريمة ” سلسلة لنحرك الصمت” مطبعة النجاح الجديدة أبريل 2001 ص 27.
[2] – الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، التحرش الجنسي في المغرب ” مطبعة النجاح الجديدة 2001 ص 39.
[3] – خديجة أبو مهدي الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الحاص ، كلية الحقوق فاس ، 2002-2003 ص 137.
[4] – إحصائيات صادرة عن الجمعية الديمقراطية للدفاع عن حقوق النساء سنة 2001 أوردها مراد دودوش ص 160 في رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي جانحا وضحية
[5] – محمد مرزوكي ، السياسة الجنائية في مجال الأسرة والأحداث ومساعدة الضحايا ” ندوة السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق ، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية ص 400.
[6] – الفصل 1- 503 من القانون الجنائي
[7] -خديجة أبو مهدي ، الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية ص 141
[8] – أحمد أجوييد، الموجز في شرح القانون الجنائي الخاص المغربي ، الجزء الثاني ،ص 55
[9] -الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب التحرش الجنسي في المغرب ، مطبعة النجاح ص 40
[10] – أحمد الخمليشي القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني ، مكتبة المعارف الطبعة الأولى ، الرباط، 1982 ص 173.
اترك تعليقاً