تشكلت محكمة البداءة في الكرادة بتاريخ 6/3/2012 برئاسة القاضي السيد سالم روضان الموسوي المأذون بالقضاء باسم الشعب وأصدرت قرارها الآتي:
المدعي / رئيس هيئة النزاهة ـ إضافة لوظيفته ـ وكيله الموظف الحقوقي رحمن موحان عبدالله
المدعى عليهم / 1ـ غ
2ـ ج ، س ، ـ وكيله المحامي فهد الياس
القرار
لدعوى المدعي وللمرافعة الحضورية العلنية حيث ادعى بان محكمة جنح الكرادة أصدرت قرار الحكم العدد 544/ج/2010 في 6/3/2011 الذي قضى بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة بحق كل واحد من المدعى عليهم بعد إدانتهم على وفق حكم المادة (292) عقوبات واكتسب القرار أعلاه الدرجة القطعية بعد تصديقه من محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية، وحيث ان المدعى عليهم ترتب بذمتهم أموال تعود لدائرة المدعي ومقدارها (1,401,000) مليون وأربعمائة وواحد ألف دينار أعطيت لهم كمقدمة بقصد ضبطهم متلبسين بالجريمة المشهودة وحيث إنهم لم يعيدوا تلك الأموال، لذلك يطلب الحكم بإلزامهم بإعادتها مع احتساب الفائدة القانونية وتحميلهم الرسوم والمصاريف وأتعاب محاماة،
وبعد المرافعة استمعت المحكمة الى الطرفين واطلعت على اللوائح القانونية المتبادلة بينهم وأنكر المدعى عليهم استلام المبلغ المدعى به وطلبوا رد الدعوى، ثم اطلعت المحكمة على اضبارة محكمة الجنح العدد 544/ج/2010 ولاحظت قرار الإدانة العدد 544/ج/2010 في 6/3/2011 الذي قضى بإدانة المدعى عليهم على وفق حكم المادة (292) عقوبات كما لاحظت قرار الحكم بالعقوبة وفيه فرض عقوبة الحبس البسيط لمدة سنة بحق كل واحد من المدعى عليهم وإعادة المبالغ المضبوطة الى هيئة النزاهة ومنح الجهة المشتكية الحق بالمطالبة بالتعويض . ثم اطلعت على إفادات المدعى عليهم المدونة أمام قاضي التحقيق وأمام محكمة الجنح بصفة متهمين كما وجدت المحكمة في الأوراق التحقيقية محضر (انتقال) نظمته شعبة العمليات الخاصة في هيئة النزاهة مؤرخ في 25/5/2010 ومذيل بتوقيع المخبر السري والمواطن (و) ومحقق هيئة النزاهة وفيه شرح عن انتقال المجموعة الى مكان يتواجد فيه المدعو ابو فرح لغرض الاتفاق معه على تزوير وثيقة دراسية وفيه إشارة إلى تسليمه مبلغ مقداره (1000) الف دولار أمريكي والمبلغ أعلاه تم صرفه من المال الخاص لمحقق النزاهة محمد علي عبد الحسين بعد اخذ الموافقة الشفوية لرئيس هيئة النزاهة ،
وورد في المحضر أعلاه إن المدعو ( ف) يمتهن تزوير الوثائق الدراسية ولم تجد المحكمة أي موافقة او قرار من قاضي التحقيق يتعلق بالإذن في التعامل معه بالكيفية أعلاه . كما ان المحقق كان قد نظم عدد من المحاضر بتاريخ 6/6/2010حول ورود الإخبار وكذلك إفادة المخبر السري دون علم او موافقة قاضي التحقيق المختص في نظر قضايا النزاهة، ولاحظت المحكمة قرار قاضي التحقيق المسطر على اصل المطالعة المؤرخ في 15/6/2010 وجاء فيه الاتي (اطلعت ويتم اجراء الكمين لضبط كل من له علاقة متلبسا بالجرم المشهود وضبط كل ماله علاقة بالحادث) ثم اطلعت المحكمة على محضر ضبط الوثيقة المزورة ومبالغ مالية مقدارها (ثلاثة ملايين وخمسمائة وخمسة وخمسون الف دينار عراقي) .
ووجدت المحكمة إن الهيئة استلمت المبلغ أعلاه بموجب قرار قاضي التحقيق المؤرخ في 6/10/2010 . ثم بين وكيل المدعي ان المبلغ المطالب به لا يدخل ضمن المبالغ المضبوطة وإنما تم تسليمه إلى المدعى عليه الأول قبل مرحلة الضبط وعلى وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 7/2/2012 واطلعت المحكمة على مطالعة شعبة العمليات الخاصة في الكرخ المرفوعة إلى رئيس هيئة النزاهة وفيها طلب صرف المبالغ التي صرفها المحقق (م) ووضح فيها بان هذه المبالغ صرفت من ماله الخاص لضرورات ضبط المتهمين بالجرم المشهود والمطالعة مؤرخة في 4/7/2010 كما لاحظت سند صرف بمبالغ متعددة وبأرقام مختلفة ولوحظ في المطالبة ان بعض المبالغ المصروفة يزعم صرفها إلى المدعى عليه الأول (بصفته متهم) .
ومن خلال التحقيقات التي أجرتها المحكمة لم تجد أي وصل استلام أو إقرار قضائي لأي من المدعى عليهم باستلام المبلغ المطالب به كما لم يقدم المدعي أي دليل إثبات يشير إلى استلام المدعى عليهم المبلغ المذكور أعلاه وان كل ما تقدم به وما قدمه للإثبات لا تعدوا عن مطالعات رفعها محقق في دائرة المدعى عليه إلى رئيس الهيئة وحيث ان تلك المطالعات وان كانت منظمة من موظف رسمي ومكلف بخدمة عامة ،إلا إنها تعد سعي من المدعي لصنع الدليل لنفسه. إذ لا تعد من المحررات أو البينات الرسمية التي نظمت من موظف المشار إليها في حكم المادة (21) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل التي جاء في الفقرة (أولا) منها الآتي (السندات الرسمية، هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة طبقا للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ما تم على يديه أو ما أدلى به ذوو الشأن في حضوره. ) حيث إن محقق الهيئة لم يثبت ما تم على يديه من أوضاع قانونية فضلا عن الهيئة لم تكن في موضع تقديم الخدمة للمواطن على وفق الوضوح المتوفر عليه بان تلك الدائرة لديها صلاحية تقديم الخدمة بموجب القانون وإنما كانت الهيئة تنظم هذه المحاضر بقصد استغفال المدعى عليهم لضبطهم في الجرم المشهود على حد زعم محقق الهيئة وتجد هذه المحاضر حضور باعتبارها قرينة للمحكمة جواز الأخذ بها عند التصدي للموضوع بجانبه الجزائي حصرا وعلى وفق حكم المادة (213) أصول جزائية.
وهذه المحاضر لم تتم على وفق مقتضى القانون لأنها لم تكن حين تنظيمها أو ممارسة الهيئة لنشاطها مغطاة بقرارات قضائية وإنما كانت على وفق اجتهاد شخصي من الموظف وقبول من رئيس الهيئة، وبذلك لا يمكن أن يكون إطلاع قاضي التحقيق على التصرف الذي أجراه موظف الهيئة لاحقا، بمثابة إضفاء المشروعية عليه وان القرار أعلاه المؤرخ في 6/10/2010 كان يتعلق بضبط المتهم بالجرم المشهود فقط . لذلك تجد هذه المحكمة ان سلطتها التقديرية تمنحها حق إهدار تلك المحاضر وان لا تعتد بها لانعدام قيمتها القانونية، فضلا عن محاضر الضبط المنوه عنها لم تكن تتعلق بالمبالغ المطالب بها في هذه الدعوى وإنما بالمبالغ المضبوطة والتي استرجعتها الهيئة وعلى وفق ما أفاد به وكيل المدعي المسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 7/2/2012 .
أما عن تبرير محقق هيئة النزاهة بان دفع المبالغ المزعومة لغرض ضبط المتهم في الجرم المشهود فان المحكمة ترى بأنه لا يتوفر على أسبابه القانونية لان مفهوم الجريمة المشهودة يدل على إنها تلك التي تشاهد عند وقوعها أو يقبض على فاعلها أثناء أو فور ارتكابه لها، أو يلاحق فيها بناءً على صراخ الناس، أو الجريمة التي تكتشف فور الانتهاء من ارتكابها في وقت تدلّ آثارها عليها بشكل واضح، أو يضبط فيها مع شخص أو أكثر أشياء أو أسلحة أو أوراق تدل على أنه مرتكبها وعلى وفق حكم الفقرة (ب) من المادة (1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل، وهذا يعني إن المحاضر التي ينظمها عضو الضبط القضائي هي التي يباشر بها عند مباشرته لمهامه بعد وقوع الفعل الجرمي أو الشروع فيه وليس في مرحلة التخطيط والمساهمة مع الجاني في ارتكاب الفعل الجرمي،
كما إن التصنت على المدعى عليهم دون موافقة القضاء يعد خرق لحق الإنسان في الخصوصية التي أقرتها المادة (44) من دستور العراق لعام 2005 مما لا يرتب معه ذلك الإجراء أي اثر تجاه المواطن سواء كان المدعى عليهم أو غيرهم، وتجد المحكمة ان تصرف المدعي بواسطة موظفيه لم يكن سعي للضبط بالجرم المشهود وإنما يدخل ضمن المساهمة الجنائية لأنه دفع الجاني إلى ارتكاب الفعل وحصل الجرم بناء على ذلك الدفع والذي يندرج ضمن منطوق الفقرة (1) من المادة (48) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل وان كان القائم بفعل التحريض موظف حكومي أو مخول بسلطة ومن أعضاء الضبط القضائي إذ يرى بعض من فقهاء القانون الجنائي ان التحريض بعدة صور 0قاعل معنوي أو محرض صوري أو محرض اصلي ) بالتحريض الصوري الذي يقوم به رجال السلطة كوسيلة لضبط الجناة وتجد المحكمة أن هذه الوسيلة غير مشروعة لان هذا التحريض خلق فكرة ارتكاب الجريمة في ذهن الجاني وتمت بناء على هذا التصور لان مهمة السلطة العامة الكشف عن الجريمة وإماطة اللثام عن مرتكبيها وعليها ان تبذل قصارى جهدها في ذلك لا ان تهدر كرامة المواطن بحمله على ارتكاب جريمة مما يعدم الاستقرار الاجتماعي والأمني في المجتمع وهذا ما ذكره القاضي اللبناني مصطفى العوجى في كتابه الموسوم ( القانون الجنائي العام ـ المسؤولية والجزاء ـ طبعة بيروت عام 1985 ـ مؤسسة نوفل ـ ج2ـ ص 215) وحيث ان هيئة النزاهة بمحققيها أسهمت في خلق الجريمة فتكون مسؤوليتها متحققة تجاه تبديد الأموال العامة دون مراعاة القواعد القانونية في تنفيذ واجباتها ، فضلا عن صلاحيات المحقق في هيئة النزاهة هي ذاتها الممنوحة إلى المحقق القضائي المشار اليها في المواد (49 ـ 69) أصول جزائية مع ما له من خصوصية على وفق حكم الفقرة (5) من القسم (4)من أمر سلطة الائتلاف (55) الملغى، والذي كان نافذا وقت وقوع الحادث المزعوم محل بحث هذه الدعوى،
وتجد المحكمة من كل ما تقدم ان المدعي لم يوفر الدليل المعتبر قانونا لإثبات الادعاء باستلام المدعى عليهم للمبلغ المطالب به في هذه الدعوى، فضلا عن التصرف المزعوم على فرض صحته يعد تصرف شخصي لا يستند إلى نص في القانون أو قرار قضائي ويكون فاقد لشرعيته ، كما وجدت المحكمة ان قرار محكمة جنح الكرادة الذي أسس عليه المدعى لدعواه لا علاقة له بموضوع المبالغ المطلب بها لان مادة الإدانة (292) عقوبات تتعلق بمن توصل بانتحال اسم كاذب او شخصية كاذبة إلى الحصول على أية رخصة رسمية او تذكرة هوية او تذكرة انتخاب عام او تصريح نقل او انتقال او مرور داخل البلاد، وبذلك فان المحكمة وجدت إن الدعوى خالية من الأسباب القانونية للمطالبة تجاه المدعى عليهم وتكون واجبة الرد من هذه الجهة ومما تقدم وبالطلب قرر الحكم برد دعوى المدعي رئيس هيئة النزاهة إضافة لوظيفته وتحميله الرسوم والمصاريف وأتعاب محاماة لوكيل المدعى عليه الثاني المحامي فهد الياس مبلغ مقداره (150,000) مئة وخمسون ألف دينار استنادا لأحكام المواد 21 ، 25 ، 59 إثبات 161 ، 163 ، 166 مرافعات 63 محاماة حكما حضوريا قابلا للاستئناف والتمييز وافهم علنا في 6/3/2012 الموافق 12/ربيع الثاني/1433 هـ .
القاضي
سالم روضان الموسوي
اترك تعليقاً