التحريض على خراب البيوت الزوجية من أكثر القضايا لجوئاً للمحاكم
ترديد أمثلة “المرأة ليس لها إلا لقمتها ولبسها” أو “اضرب المرأة تعتدل”.. من التخبيب والإفساد بين الزوجين.
للزوج شرعاً الحق في تأديب كل من تحاول أن تخبب زوجته وتفسدها عليه.
“المخبب والمخببة” شخصان ضعيفا الإيمان قليلا المروءة ظالميْن لنفسيهما معتديان على غيرهما.
“القراش”: التخبيب يقع فيه الرجل والمرأة سواء وهدفه إفساد الأسرة.
“الغامدي”: الشخصية المحرّضة تشعر بنشوة عند تحقيق هدفها.
“السعيدي”: تحريض الأم لابنتها ضد زوجها من التخبيب.
“الروقي”: قضايا التخبيب بين الأزواج من أكثر القضايا المنتشرة بين أروقة المحاكم.
ريم سليمان- سبق- جدة: “ليس منا مَن خَبّب امرأة على زوجها”؛ هكذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف؛ بَيْد أن الكثيرين لا يدركون خطورته، وأنه من كبائر الذنوب، وعادة ما تجد الشخصيات المحرّضة في المجالس النسائية مرتعاً لبث سمومها من أجل خراب البيوت، ومن المؤسف أن الأب والأم -وربما الأخ أو الأخت- يقعون في التخبيب، ويكونون سبباً في إفساد حياة ابنتهم أو ابنهم.. ويشار إلى تزايد حالات “التخبيب”، آخرها حُكم المحكمة الجزئية في جدة أخيراً على امرأة خبّبت صديقتها ضد زوجها، بدفع غرامة مالية والتعهد بعدم التعرض ثانياً.
صديقتي تحرضني
حكت إحدى السيدات عن تجربة حقيقية حدثت معها من أقرب الصديقات؛ “حيث بدأت في تحريضي على زوجي والتهويل من أي مشكلة تحدث بيني وبين زوجي، إلى أن ازدادت المشاكل بيننا، ووصلت إلى حد الطلاق، وكنت أستجيب لها ولحديثها باعتبارها الأقرب إلى قلبي؛ بَيْد أني فوجئت بعد فترة بزوجي يُخبرني أن صديقة عمري على اتصال دائم معه، وتقوم بنفس الدور الذي قامت به معي، وشاهدتُ رسائلها وحديثها معه على “الواتساب”، وأدركت الخطأ الكبير الذي وقعتُ فيه؛ مما جعلني أفضحها في المجلس النسائي، وأبتعد عنها نهائياً”.
أمي سبب طلاقي
واعترفت لـ”سبق” إحدى المطلقات “س – أ”، بأن والدتها كانت هي السبب في طلاقها، وقالت: “إنها دائماً ما كانت تُكَرّهُني في زوجي، وتقارن بين زوجي وزوج أختي وما يقدمه زوج أختي لها من هدايا؛ مما جعلني أشعر بنوع من الكراهية والرفض الداخلي له، ومن وقتها والمشاكل بدأت تزداد بيننا، إلى أن انتهت بالطلاق وبطفل لم يتعدَّ أعوامه الأولى”.
تجنب مجالس الفتنة
وأوضح المستشار الأسري عبدالرحمن القراش، أن التخبيب يقع فيه الرجل والمرأة؛ سواء كان القصد التفريق بينهما لتشتيت الأسرة لهدف مادي أو اجتماعي، أو بقصد الزواج بأحدهما؛ بَيْدَ أن أكثر مَن يقع فيه هم النساء؛ وذلك من خلال مجالسهن؛ سواء بالتعميم في سب الرجال، أو التخصيص؛ كأن تعلم بحال أختها أو جارتها أو صديقتها؛ فتخببها على زوجها بنصحها.
وضرب مثلاً بتخبيب الزوجة، قائلاً: “أن تُحَمّل زوجها فوق طاقته بالطلبات، أو تتعمد الرد بالألفاظ السيئة عليه والتفتيش خلفه دون مبرر”؛ لافتاً إلى أن تنفيذ نصائح الأم للسيطرة على زوجها نوع من التخبيب.
ورداً على خطورة التحريض داخل الأسرة الواحدة، أجاب: “تخلق العداء بين الزوجين، وقد يكون السبب دخول المرأة مجلساً، واستماعها لامرأة مخببة بالسوء بقصد طلاقها أو غيرة، أو حتى إفساد حياة المستمعة”. وعن صور تخبيب الرجل، قال: “هناك بعض الرجال يستمع لمن يردد أن المرأة ليس لها إلا لقمتها ولبسها، أو: اضرب المرأة تعتدل”؛ لافتاً إلى أن تَكْرِيه أحد الوالدين الزوجة في عين زوجها -سواء بسببها أو بأمره- وتطليقها بدون سبب؛ مما يؤدي إلى نفور المرأة ويدعوها للهيجان في منزلها، وافتعال المشاكل وطلب الطلاق”.
وأوضح “القراش” أنه في كثير من الأحيان يكون الهدف من تخبيب الزوج، الظفر بتلك الزوجة بعد الطلاق، ومنهم من يغار من واقع الزوج السعيد، ويحاول إنهاءه بتحريضه، كما أن هناك الكثير في مجالس الرجال يسبّ ويشتم في النساء؛ مما يفضي إلى تغيير قناعات البعض تجاه زوجته.
ونصح المستشار الأسري، الزوجين بتجنب مجالس الفتنة، والابتعاد عن أصدقاء السوء الذين يؤججون نار الفتنة، كما يجب أن يدرك الزوجان أن المفسد شخص ضعيف الإيمان، قليل المروءة، ظالم لنفسه، معتدٍ على غيره، محقق لمراد الشيطان، والله سائله يوم القيامة عن جرمه.
الحقد والحسد
من جهته، اعتبر الاستشاري النفسي ومدير مركز رشاد الدكتور حاتم الغامدي، أن هناك أسباباً عديدة قد تكون سبباً في تخبيب الزوجات؛ من أهمها الغيرة؛ موضحاً أن الشخصية المحرّضة عادة ما تكون محبطة ومرت بتجربة قاسية جداً، وتسعى إلى تعميم تجربتها على غيرها؛ فتفسد الآخرين، وقال: “المحبط يُسقط واقعه على الآخرين حتى يثبت لنفسها أنه الصواب”.
ولفت إلى أن الحقد والحسد سببان مهمان في تخبيب الزوجات؛ حيث ترفض الشخصية المحرّضة أن يعيش أحد حياة سعيدة، وأوضح أن الشخصيات المحرضة السيكوباتية قد تصل إلى اضطراد الشخصية المضادة للمجتمع؛ مما يجعلها تشعر بنوع من النشوة إذا قامت بتخبيب زوجة على زوجها.
وحذّر من كثرة كلام المرأة على زوجها؛ مشيراً إلى وجود كثير من النساء يشعرن أنهن شخصية مضطهدة، ويترسخ في ذهنهن تسلط الرجل وصورة “سي السيد”؛ حيث يظهر ذلك في جلسات النساء الخاصة، وتبدأ المرأة في بث شكواها وحديثها؛ مما يؤجج النفسيات، وتنتاب حالة من الانتقاد للرجل”.
ظاهرة مرضية
ورداً على وجود مثل هذه الشخصيات أم لا، أجاب: “النماذج موجودة بشكل كبير، وقد تصل في كثير من الأحيان إلى الناحية المرضية، وتظهر عليهن علامات التوتر والغضب والاكتئاب؛ بَيْدَ أن هناك صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه الحالات بسبب رفضهن الاعتراف بالمشكله؛ موضحاً أن العلاج يكون برفع درجة الاستبصار ومعرفة المشكلة، ومحاولة الوصول إلى السلوك السوي، واكتساب مهارات التواصل الإيجابي مع المجتمع”.
ونادى بضرورة تجنب الشخصيات المحرضة التي دائماً تكون ضد مفهوم السعادة الزوجية، وعلى المرأة أن تعلم ألا تعمم تجربة الآخرين على حياتها، وتبحث دائماً عن الصحبة الإيجابية التي تسعى إلى البناء والتعمير، لا الخراب والفساد.
كبائر الذنوب
أما أستاذ أصول الفقة في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي؛ فبدأ حديثه لـ”سبق” مُعَرّفاً بالتخبيب: “هو إفساد الزوجة على زوجها أو العكس؛ مؤكداً أنه يُعَدّ من المحرمات ومن كبائر الذنوب؛ مُحذّراً من انتشار تلك الظواهر السلبية التي بموجبها ينتشر التحاسد والكراهية والتباغض بين أفراد المجتمع”. ورأى أن التخبيب يؤثر على نظام أسرة ويُسقط أمانها، وقد يصل الأمر إلى انعزال الأسرة وخوفها من التواصل الاجتماعي مع الآخرين. واعتبر “السعيدي” تدخل الأم السلبي في حياة ابنتها لإفسادها نوعاً من التخبيب؛ حيث تقوم الأم في بعض الأحيان بتحريض ابنتها على زوجها دون علمها بخطورة ذلك، وبأنه من أنواع التخبيب التي نهى عنها الشرع، وقال: “كثرت بشكل لافت حالات الطلاق التي يكون تدخل الأسرة والتحريض هو السبب الرئيس فيها”.
قضية جنائية غير حدية
وقال المحامي والمستشار القانوني الدولي بدر بن فرحان الروقي: “إن قضايا التخبيب من القضايا التي تنشب بين الأزواج؛ حيث يكون الغرض منها التفرقة بين الزوجين، وهي منتشرة بين أروقة المحاكم، وقد تكون من أكثر القضايا الزوجية الرائجة؛ فقد ذكرها الشرع في كتابه الكريم قال تعالى: {وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
وعرّف التخبيب بأنه: “إفساد قلب المرأة على زوجها والعبد على سيده”؛ مستشهداً بالحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من خبّب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده”.
وعن طرق إثباته، قال “الروقي”: “أولاً: الإقرار، وثانياً: الشهادة، وثالثاً: طرق الإثبات الإلكترونية والتسجيلية؛ حيث يكون جزاء الجاني التعزير حسب درجة التخبيب وثباته والغرض منه، وتختص المحكمة الجزائية بهذا النوع من القضايا؛ لاعتبارها قضية جنائية غير حدّية، كما يحق للزوج تأديب كل من تحاول أن تخبب زوجته، شرعاً”.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً