الدفع بعدم التنفيذ و المقاصة
بواسطة : الدكتور فواز صالح
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
أجازت المادة 360 م.س. للمدين إجراء المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له قبل هذا الدائن ولو اختلف سبب الدينين،إذا كان موضوع كل منهما نقوداً أو مثليات متحدة في النوع والجودة وكان كل منهما خالياً من النزاع مستحق الأداء، صالحاً للمطالبة به قضاء. وبالتالي فأن الدفع بعدم التنفيذ يقترب من المقاصة عندما يكون موضوع التزامات الطرفين هو أداء مبلغ معين من النقود أو أشياء مثلية متحدة في النوع والجودة. ولكن على الرغم من ذلك فإن الدفع بعدم التنفيذ يتميز عن المقاصة من حيث مجال التطبيق والشروط والآثار القانونية.
1:- من حيث مجال التطبيق: إن مجال تطبيق المقاصة يبدو من ناحية أوسع من مجال تطبيق الدفع بعدم التنفيذ، ومن ناحية أخرى أضيق. لا تستلزم المقاصة الترابط بين الالتزامات المتبادلة، وبالتالي لا تشترط اتحاد المصدر بينهما، حيث يمكن أن يكون مصدر التزام أحد الطرفين العقد، ومصدر التزام الطرف الآخر الفعل الضار. وبالمقابل لا يمكن تطبيق الدفع بعدم التنفيذ إلا إذا اتحدت الالتزامات المتقابلة في المصدر، أي أنه يجب أن يكون هناك ترابط قانوني بين التزامات الطرفين الذي يجد مصدره في العقود الملزمة للجانبين. وفي هذه الناحية يبدو مجال تطبيق المقاصة أوسع من مجال تطبيق الدفع بعدم التنفيذ. ولا تطبق المقاصة إلا إذا كان موضوع الالتزامات المتبادلة نقوداً أو مثليات متحدة في النوع والجودة. في حين أنه يمكن تطبيق الدفع بعدم التنفيذ أياً كان موضوع الالتزامات المتقابلة ( نقود أو أشياء مثلية أو عمل أو الامتناع عن عمل).
2:- من حيث الشروط: يتميز الدفع بعدم التنفيذ عن المقاصة بما يأتي :
1ً- لا يجوز التمسك بالمقاصة إلا إذا كان كل من الدينين مستحق الأداء خالياً من النزاع ويمكن المطالبة به أمام القضاء. في حين أنه يكفي للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ أن تكون الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء.
2ً- لا يجوز التمسك بالمقاصة إلا إذا كان موضوع الالتزامات ينصب على مبلغ من المال أو على أشياء مثلية متحدة في النوع و الجودة. وتقع المقاصة ولو اختلف سبب الدينين، فلا يشترط أن تكون هناك رابطة بينهما. في حين أنه يجوز التمسك بالدفع بعدم التنفيذ أياً كان موضوع الالتزامات المتقابلة. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك رابطة قانونية بين الالتزامات المتقابلة.
3:- من حيث الآثار: يتميز الدفع بعدم التنفيذ عن المقاصة من حيث الآثار بما يأتي:
ً1- المقاصة هي سبب من أسباب انقضاء الالتزام، حيث إنها تؤدي إلى انقضاء الدينين بقدر الأقل منها. بينما الدفع بعدم التنفيذ يؤدي إلى وقف تنفيذ الالتزام لفترة مؤقتة، حيث يمتنع المتمسك بالدفع عن تنفيذ التزامه طالما أن الطرف الآخر لم ينفذ التزامه المقابل.
2ً- المقاصة هي وسيلة وفاء، في حين أن الدفع بعدم التنفيذ هو وسيلة إكــراه ووسيلة ضمان. وتجدر الإشارة إلى أن القانون ينص ، في كل من سوريا ومصر وفرنسا، على أن المقاصة لا تقع في أحوال عديدة منها مثلاً إذا كان أحد الدينين حقاً غير قابل للحجز ( المادة 362/ج م.س.). ومن جهة ثانية تخضع المقاصة لأحكام خاصة في حالة الإفلاس. ومن أجل التخلص من تطبيق هذه الأحكام، لجأ الفقه الفرنسي إلى ابتداع نوع خاص من المقاصة أسماه المقاصة بين الديون المترابطة ببعضها بعضاً ارتباطاً قانوناً
La compensation des dettes connexes.
وبعد ذلك كرسها المشرع الفرنسي في إطار الإجراءات المتعلقة بالمؤسسات التي تمر بصعوبات مالية. وفي الواقع هذه المقاصة هي تطبيق لقاعدة الدفع بعدم التنفيذ.
الفقرة-3- شروط التمسك بالدفع بعدم التنفيذ:
يشترط للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ زمرتان من الشروط : الأولى تتعلق بالأطراف، في حين أن الثانية تتعلق بالالتزامات المتقابلة.
أولاً:- الشرط المتعلقة بالالتزامات المتقابلة: وهذه الشروط هي الآتية:
يجب أن لا يكون الطرف الذي يطالب المتمسك بالدفع قد نفذ التزامه المقابل بخطأ منه، أي يجب أن يكون من يطالب المتمسك بالدفع مقصراً في تنفيذ التزامه. ويجب أن يكون عدم التنفيذ على درجة بالغة من الأهمية والجسامة. فإذا كان عدم التنفيذ كلياً جاز التمسك بالدفع. وكذلك الأمر إذا كان عدم التنفيذ جزئياً وعلى درجة بالغة من الجسامة. كما يجب أن لا يكون المتمسك بالدفع قد نفذ التزامه المقابل، وبالتالي يشترط أن يكون المتمسك بالدفع مديناً بالتزام مقابل مستحق الأداء، وغير منفذ بعد، ويجب أن يكون تنفيذه في المستقبل ممكناً. وأخيراً يجب أن تكون الالتزامات المتقابلة مستحقة الأداء، أي واجبة التنفيذ فوراً، وبالتالي لا يجوز التمسك بالدفع إذا كان التزام الطرف الآخر هو التزام طبيعي.
ثانياً:- الشروط المتعلقة بالأطراف: وهي الآتية:
– وجود رابطة قانونية بين الطرفين تكون مصدراً لالتزاماتهم المتقابلة والمترابطة، وفي أغلب الأحيان تكون العقود الملزمة للجانبين هي مصدر هذه الرابطة. والمادة 162 مدني سوري تعد هذه العقود المصدر الوحيد لهذه الرابطة.
– يجب أن لا يكون المتمسك بالدفع ملزماً بتنفيذ التزامه أولاً. فإذا كانت طبيعة العقد أو اتفاق الطرفين أو نص القانون يوجب على أحد الطرفين أن يبدأ أولاً بتنفيذ التزامه، فلا يحق له أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ. فإذا كان عقد البيع ينص على منح المشتري أجلاً وألزم البائع بالتسليم الفوري للمبيع، فلا يحق للبائع في مثل هذه الحال، إذا طالبه المشتري بالتسليم الفوري، أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ.
– يجب أن يكون المتمسك بالدفع حسن النية. ويقدر حسن النية وقت التمسك بالدفع. ولتقدير ذلك يجب على القاضي أن يأخذ بالحسبان ليس فقط الحالة النفسية للمتمسك بالدفع، وإنما أيضاً بعض الوقائع المادية. لذلك لا يجب أن يكون المتمسك بالدفع متعسفاً في استعمال حقه بالتمسك بالدفع بعدم التنفيذ. فإذا كان ما لم ينفذ من الالتزام المقابل ضئيلاً، فامتناع المتمسك بالدفع عن تنفيذ التزامه لا يتطابق مع مبادئ حسن النية في تنفيذ العقود التي تتطلب بعضاً من التسامح والأمانة والإخلاص في تنفيذ العقد.
الفقرة-4- آثار الدفع بعدم التنفيذ:
يترتب على المتمسك بالدفع بعدم التنفيذ نوعان من الآثار، وهما :
أولاً:- بين الأطراف : يرتب الدفع بعدم التنفيذ الآثار الآتية بين الأطراف :
1- يؤدي التمسك بالدفع بعدم إلى وقف تنفيذ الالتزام المقابل المترتب على عاتق المتمسك بالدفع، وبالتالي إلى وقف تنفيذ العقد. ولا يجب هنا الخلط بين النظرية العامة لوقف العقد وبين الدفع بعدم التنفيذ الذي يشكل سبباً من أسباب وقف تنفيذ العقد. ولكن قد تطول فترة الوقف والانتظار، وبالتالي فقد يمهد الدفع بعدم التنفيذ الطريق لفسخ العقد، فهل يعد الفسخ وبالتالي زوال العقد أثراً من آثار الدفع بعدم التنفيذ في مثل هذه الحال. يرى بعض الفقهاء أن الدفع بعدم التنفيذ لا يشكل دائماً وسيلة لتأمين احترام نظام تنفيذ الالتزامات المتقابلة، وإنما يمكن أن ينقلب إلى رفض نهائي لتنفيذ العقد. ويسوغ أصحاب هذا الرأي موقفهم بأن لا يمكن تأجيل تنفيذ بعض العقود، وبمعنى آخر لا يمكن وقف تنفيذ بعض العقود، ومثال ذلك إذا كان يتوجب على أحد الطرفين تنفيذ التزامه في تاريخ محدد، فلا يمكن هنا وقف تنفيذ الالتزام إذا لم ينفذ الطرف الآخر التزامه في ذلك التاريخ. وكذلك الحال بالنسبة للعقود المستمرة التي رفض فيها الطرف الآخر تنفيــذ التزامه المقابل. أضف إلى ذلك إلى أنه إذا كان موضوع التزام المتمسك بالدفع هو الامتناع عن فعل شيء ،فإذا امتنع عن تنفيذ التزامه، فيؤدي ذلك إلى فسخ العقد وليس إلى وقف تنفيذه.
في حين ترى أغلبية الفقه أن الفسخ في مثل هذه الحالات لا يكون أثراً للدفع بعدم التنفيذ، وإنما هو تطبيق لنظرية الفسخ، وذلك لأن غاية الدفع بعدم التنفيذ هي تحقيق التنفيذ التام للعقد، فلا يمكن أن يتصف رفض التنفيذ الذي يتمسك به من يثير الدفع بعدم التنفيذ بطابع نهائي.
2-يشكل الدفع بعدم التنفيذ وسيلة ضمان ووسيلة إكراه في الآن ذاته، فهو يضمن للمتمسك به وفاء حقه، وكذلك يسمح له ممارسة ضغوطات على إرادة الطرف الآخر حتى يمتثل لأحكام العقد وينفذ التزامه.فإذا كانت هذه الضغوطات مجدية، فالدفع بعدم التنفيذ يؤدي إلى تحقيق الغاية منه المتمثلة بالتنفيذ التام للعقد. أما إذا لم تكن تلك الضغوطات مجدية، فيمهد الدفع بعدم التنفيذ الطريق أمام تطبيق نظرية الفسخ، وبالتالي يفشل الدفع بعدم التنفيذ في الوصول إلى غايته النهائية.
ثانياً:- آثار الدفع بعدم التنفيذ تجاه الغير: الدفع بعدم التنفيذ كوسيلة ضمان لا يعد فعالاً إلا إذا كان بالإمكان التمسك به تجاه الغير. وفي الواقع يتمتع الدفع بعدم التنفيذ بحجية تجاه الغير، ولكن هذه الحجية ليست مطلقة وإنما هي نسبية. ويسوغ بعض الفقهاء هذه الحجية استناداً إلى القاعدة القائلة بأنه لا يمكن للشخص أن ينقل حقوقاً إلى الغير أكثر مما يملك. وبالتالي فإن الدفع بعدم التنفيذ يسري في حق الغير الذي كسب حقه بعد ثبوت الحق في التمسك بالدفع، أما الغير الذي كسب حقه قبل ثبوت الحق في التمسك بالدفع فلا يسري عليه الدفع بعدم التنفيذ.
في حين أن بعضهم الآخر يسوغ حجية الدفع بعدم التنفيذ تجاه الغير استناداً إلى تدخل الغير في العلاقة القانونية بين الطرفين. وبالتالي يسري الدفع على الغير إذا كانت دعواه تستند إلى تلك العلاقة القانونية التي تربط المتمسك بالدفع مع خصمه، ولا يسري الدفع على الغير الذي لا تقوم دعواه على تلك العلاقة.