جريمة الرشوة الانتخابية والتشريعات الجنائية / القاضي ناصر عمران الموسوي
لا يمكن الوصول الى تعريف لجريمة الرشوة الانتخابية قبل التطرق إلى معنى الانتخاب وطبيعته، والانتخاب يعني : (تمكين المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية من المساهمة في اختيار الحكام), ويختلف فقهاء القانون بشأن طبيعة الانتخاب ، فبعضهم يراه حقا لكل فرد في المجتمع ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ (الاقتراع العام) واستنادا ًلهذا الرأي فمن حق كل فرد الإدلاء بصوته وممارسة حقه الانتخابي كما إن له أن يمتنع عن استخدام حقه ويهمل ممارسته ، وآخرون يرون بأن الانتخاب وظيفة اجتماعية وبما انه وظيفة اجتماعية فانه واستنادا ً لهذا الرأي فليس هناك حق للفرد أو الجماعة بالانتخاب وإنما يحصل أفراد معينون ضمن شروط قانونية على هذا الحق وهم حين يقومون بالتصويت إنما يمثلون الأمة ،وهناك إلزام قانوني بالتصويت والامتناع عنه يؤدي إلى فرض عقوبات معينة ، ويرى فريق آخر بأن الانتخاب ليس حقا ولا وظيفة اجتماعية وإنما هو سلطة قانونية مصدرها الأساس الدستور الذي ينظمها من اجل إشراك المواطنين في اختيار الحكام .
ومن خلال الدستور تنبثق القوانين التي تنظم العملية الانتخابية والتي هي : الممارسة الانتخابية للمواطنين باختيار من يمثلهم وفق القوانين التي تنظم الانتخابات ، ويسمى من يقوم بعملية الانتخاب بالناخب ومن يقوم بانتخابه بالمرشح وتسمى الجهة التي تنظم الانتخابات بالهيئة المشرفة على الانتخابات وهي في الغالب جهات مستقلة عن سيطرة السلطة التنفيذية .
والناخب حين يقوم بممارسة الانتخاب فانه يجسد الديمقراطية ، والديمقراطية مرتبطة كفكرة وكواقع بالحرية في ابسط وأصح تعريف لها وهو- حكم الشعب بالشعب – ويقوم النظام الديمقراطي بإدخال الحرية في العلاقات السياسية أي في العلاقة بين الحاكم الآمر والمحكوم الذي يطيع . وقد حسم دستور جمهورية العراق لسنة 2005 طبيعة الانتخاب في المادة (20) حيث اعتبر الانتخاب والتصويت والترشيح حقا للمواطنين رجالا ً ونساء ً.
إن الرشوة الانتخابية : هي جريمة تتصف بما تتصف فيه الجريمة الانتخابية والجريمة الانتخابية كما عرفها فيصل عبد الله الكندري في كتابه ” أحكام الجرائم الانتخابية ” بأنها : (كل عمل أو امتناع يترتب عليه اعتداء على العمليات الانتخابية ويقرر القانون على ارتكابه عقابا . بينما عرفها البعض الآخر : بأنها جريمة سياسية تستهدف النيل من سلامة السير الطبيعي والسليم لعملية الانتخاب التي هي مصدر سلطة المنتخبين بحيث اعتبرها كل فعل إيجابي أو سلبي يعاقب عليه القانون ويرمي إلى الاعتداء على حق سياسي من خلال استهداف المس بحرية أو شرعية أو سلامة أو سرية أو نزاهة الاستفتاءات أو الانتخابات قبل أو أثناء أو بعد الاقتراع . و
بالنتيجة نخلص إلى تعريف الرشوة الانتخابية بأنها جريمة انتخابية تستهدف التأثير على سلامة العملية الانتخابية وذلك عبر التأثير على إرادة الناخب باستخدام المال أو الإغراء أو العرض بالوعد أو الهبات أو أي عمل من شأنه المس بحرية الناخب والتأثير عليه بعوامل داخلية أو خارجية تحيده عن اختياره السليم . تجريم الرشوة الانتخابية رغم صعوبة إثباتها فان هناك شبه إجماع تشريعي على تجريم الرشوة الانتخابية كونها تخل بحرية العمليات الانتخابية ،لذلك كان الانكليز أول من جرم الرشوة الانتخابية في تشريع (1845) حيث استشرت ظاهرة الرشوة وشراء القوائم والأصوات منذ أن أجريت أول انتخابات في القرن الرابع عشر وتواصلت حتى صدور التشريع الذي تم ذكره . أما التشريع الفرنسي فقد جرمها لأول مرة بقانون 31 / آذار/ 1914 حيث اهتم المشرع الفرنسي في تجريم جميع صور التأثير المادي على إرادة الناخبين ،حيث تعددت المواد التي تناولت صور تجريم الرشوة الانتخابية حيث تقضي المادة (106/1) من هذا القانون بعقاب كل من يقدم هبات أو تبرعات نقدية أو عينية أو يقدم وعدا ً بتبرعات أو فوائد بصورة غير مباشرة أو بواسطة الغير، وكذلك عاقب القانون كل من يستعمل ذات الوسائل لكي يحمل أو يحاول أن يحمل واحدا ً أو جماعة على الامتناع عن التصويت ، وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مئة فرنك ، وإسباغا ًللحماية الجنائية على جماعات الناخبين وخاصة التي تتجمع في قطاع معين أو تربطها مصلحة واحدة أفرد القانون الفرنسي نصا ًلتجريم الرشوة الجماعية بالمادة (108/1) من قانون الانتخابات والتي تقرر بها عقاب (كل من يستهدف التأثير على جماعة انتخابية أو إحداث الشقاق بين أعضائها وذلك بتقديم أية هبات أو تبرعات أو وعود بتبرعات أو فوائد إدارية سواء لمنطقة ما أو لمجتمع أو أيا كان من المواطنين وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مائة فرنك فرنسي).
ولضمان عدم استخدام الوضع الوظيفي لخدمة أغراض خاصة بالعملية الانتخابية نص المشرع الفرنسي على ظرف لتشديد العقوبة بالمادة (109/1) من قانون الانتخابات الفرنسي والتي تقضي بمضاعفة العقوبة المقررة للجرائم المنصوص عليها بالمواد (108/1 ، 106/1) إذا كان الجاني موظفا عاما ً.
أما المشرع الجزائري فقد نص في المادة (207) من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات على أن : (تطبق العقوبات المنصوص عليها في المادة (129) من قانون العقوبات على كل من قدم هبات أو وصايا ، نقدا ًأو عينا , أو وعد بتقديمها ، وكذلك كل من وعد بوظائف عمومية أو خاصة أو بمزايا أخرى خاصة , قصد التأثير على ناخب او عدة ناخبين عند قيامهم بالتصويت ، وكل من حصل أو حاول الحصول على أصواتهم سواء مباشرة ًأو بواسطة الغير، وكل من حمل أو حاول أن يحمل ناخبا أو عدة ناخبين على الامتناع عن التصويت بنفس الوسائل. وتطبق نفس العقوبات على كل من قبل أو طلب الهبات أو الوصايا أو الوعود). كما ويحظر المشرع الجزائري على كل مرشح للانتخابات المحلية أن يتلقى هبات نقدية أو عينية من دول أجنبية أو شخص طبيعي أو معنوي من جنسية أجنبية ويعاقب المرشح الذي يخالف هذا الحظر بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة من خمسمائة دينار جزائري الى خمسة آلاف دينار. أما المشرع الانتخابي المصري فقد نص على الرشوة الانتخابية في قانون الانتخابات المصري رقم (73) لسنة 1956 حيث نصت (مادة 48) منه : أولا (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز خمسة آلاف جنيه) .
ثانياً : (كل من أعطى آخر أو عرض أو التزم بأن يعطيه فائدة لنفسه أو لغيره لكي يحمله على الامتناع عن إبداء الرأي أو إبدائه على وجه معين أو الامتناع عنه .
ثالثاً : كل من قبل أو طلب فائدة من هذا القبيل لنفسه أو لغيره ) .
ويرى الكثير من فقهاء القانون بأن المشرع الانتخابي المصري لم يكن بالدقة التي كان عليها المشرع العقابي في التعامل مع جريمة الرشوة الانتخابية ، حيث جاء النص عليها في قانون الانتخابات متناغما مع عموم النص العقابي في المادة (107) من قانون العقوبات المصري في حصر السلوك المادي المأثوم للراشي ومخاطبة المرتشي في فقرة أخرى ، وكان حريا بالمشرع الانتخابي أن ينص صراحة ًعلى تجريم فعل الوسيط الذي يتعاظم دوره على مسرح الرشوة وعادة ًما يعمد المرشح إلى وسيط للتأثير على إرادة الناخبين لأي سبب من الأسباب كالقرابة او العلاقة في العمل او الصداقة وغيرها.. ولا يرى الفقهاء بان التجريم لدور الوسيط يستفاد من عموم الألفاظ الواردة في المادة الانتخابية ، كما أن المشرع المصري لم يهتم بالحفاظ على حرية الناخبين بنفس القدر الذي التزم به المشرع الفرنسي ففي حين افرد المشرع الفرنسي خمس مواد في قانون الانتخابات في تنظيم تجريم الرشوة الانتخابية من ضمنها تجريم الرشوة الجماعية وضاعف العقوبة إذا كان الجاني موظفا ً، نرى ان القانون الانتخابي المصري رقم 73 لسنة 1956 أجمل ما يتعلق بالتأثير المباشر على إرادة الناخبين في مادة واحدة وهي المادة المذكورة أما المشرع العراقي فقد جرم الرشوة الانتخابية في انتخابات مجالس إلا قضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008 في المادة (39/ ثانيا) وكذلك في نظام الجرائم والعقوبات رقم (14) لسنة 2008.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً