التطوير القضائي وأثره في التنمية الاقتصادية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا الهادى محمد . وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وسلم ..
فإن أصدق الحــديث كــتاب الله تعالى و خير الهدي هديُ سيـدنا محمد صلى الله عليه و سلم ..
و شر الأمور محدثــاتها و كل محـدثة بدعة و كل بدعـة ظـلالة و كل ظـلالة فــي النار ..
فاللــهم أجــرنا و قــنا عذابــها برحمتــك يا أرحــم الراحميــن ..
أما بعد ..
حين تعمل الدول على تطوير أي مرفق من المرافق الحكومية فهي تهدف بالطبع إلى تقديم الخدمة بسهولة ويسر وبأقل ما يمكن من التكلفة وبأعلى ما يمكن من الكفاءة, سعيا إلى إصلاح العملية التنموية على مستوى الفرد والمجتمع اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ومن ثم توفير العيش الكريم, ولا شك أن هذا من أولويات السياسات على مستوى الخطط الحكومية, فإذا كان هذا التطوير يمس قطاعا حيويا من القطاعات المؤثرة في حياة الفرد والمجتمع ولا يمكن أن ينفك عنه – سواء كان هذا التأثير مباشرا أم غير مباشر – فالتطوير يكون من أوجب الواجبات, ويكون أثره – في حال تم التطبيق الفعلي والكامل لهذا التطوير – فاعلا وإيجابيا ومحققا للطموحات المرادة.
وفي هذا الإطار فقد صدر في المملكة التطوير المرتقب للجهاز القضائي, والذي كان يعمل عليه عدد من الفرق المتخصصة ومر بالكثير من الوزارات والهيئات واللجان ذات العلاقة ابتداء من لجنة التنظيم الإداري ومرورا بهيئة الخبراء الصانع لهذه الأنظمة وانتهاء بمجلس الشورى الأمر الذي أكسبها الكثير من الفحص والتدقيق وتوج ذلك بصدور المرسوم الملكي رقم 78/ م وتاريخ 19/9/1428هـ والذي يقضي بالموافقة على نظام القضاء ونظام ديوان المظالم بالصيغة الجديدة وآلية العمل التنفيذية لهما, كما تزامن مع ذلك تخصيص ميزانية خاصة لهذا المشروع تبلغ سبعة مليارات في إطار مشروع متكامل يطلق عليه اسم (مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء), وذلك لتحقيق كل ما يتطلبه هذا التطوير من تهيئة الكوادر وتوفير الوظائف والتجهيزات ومباني المحاكم والمتطلبات اللازمة لتحقيق الأهداف والغايات من إصدار هذين النظامين.
والحديث عن هذه النقلة النوعية في مجال القضاء حديث طويل إلا أنني أعتقد أنه أفضل تطوير مر على العملية القضائية في المملكة منذ بدأت, كما أنه أهم ما صدر من السلطة التنظيمية بعد صدور النظام الأساسي للحكم وذلك لطبيعة العملية التي ينظمها وخطورتها من جهة ولما تضمنه من أحكام تحقق المبادئ العامة للقضاء الكفء.
أبرز ما قرره النظام الجديد في أحكامه هو إكمال استقلال القضاء وتكريسه من خلال حصر الشؤون الوظيفية للقضاة في المجلس الأعلى للقضاء, وإلحاق اللجان ذات الاختصاص القضائي بالسلطة القضائية, ومن المعلوم ما يحققه ذلك من أثر في البيئة العدلية بصورة عامة وما ينتج عنه من إحقاق للحقوق وتوفير للأمن, وأثر مباشر في التنمية الاقتصادية, وهذا من الأمور المستقرة حيث أصبح هناك إجماع دولي اليوم على أنه لتحقيق التنمية الاقتصادية، لابد من توفير قضاء مستقل. وقد تحرك البنك الدولي بمبادرة بدأت عام 1992 نحو تطوير الجهاز القضائي وإصلاحه في الدول الأعضاء من خلال برنامج أطلق عليه “الأهداف التنموية للألفية الجديدة”، وذلك إدراكاً من البنك بأن إصلاح الجهاز القضائي يترك آثارا حاسمة على عملية اتخاذ القرار الاقتصادي للأفراد والشركات، وبالتبعية يؤدي إلى زيادة الاستثمار وخلق الثروات وتوزيع أكثر عدالة للموارد. وقد بلغت مساعدات البنك الدولي لأكثر من 25 دولة أكثر من 400 مليون دولار, وتركز المشروعات الحالية للبنك الدولي على مسألة استقلال القضاء من خلال تطوير آليات التعيين والتمويل والإجراءات التنظيمية. كما أن من أبرز ما تضمنته الأنظمة الجديدة الأخذ بالتخصص القضائي بشكل أكبر حيث تم تخصيص محاكم تجارية وعمالية وأحوال شخصية وجزائية وعامة, كما أنه في داخل هذه المحاكم هناك دوائر متخصصة في بعض القضايا المهمة , ولا شك أن ذلك رافد مهم للعملية القضائية وسبب لتركيز الخبرات وتراكمها في أنواع معينة من القضايا , والذي بدوره ينعكس إيجابا على الإنجاز والجودة في الأحكام , وسيكون للمحكمة التجارية دور بارز في دفع التنمية الاقتصادية في البلد ولاسيما أن الآلية التنفيذية تضمنت نقل قضاة الدوائر التجارية – الابتدائية والتدقيقية- إلى المحاكم التجارية والذي سيحقق استقرار الأحكام والمبادئ القضائية , وفي حين لم ينص النظام على إنشاء المحاكم العقارية وهي مهمة في رأيي – كما بينته في مقال مستقل – إلا أنه جعل للمجلس الأعلى للقضاء بعد موافقة الملك إنشاء محاكم متخصصة كما تنص عليه المادة التاسعة .
صدر الأهم وبقي المهم, ومن ذلك: تعديل الأنظمة الإجرائية – المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية والمرافعات أمام الديوان والتحكيم وغيرها – بأسرع وقت, وإصدار المدونات الموضوعية – المعاملات المالية والعقوبات والأحوال الشخصية -, وتأهيل وتدريب العاملين في البيئة القضائية من القضاة وكتاب العدل والمدعين العامين والمحامين ومعاوني القضاة, وهو ما أشار إليه بيان الديوان الملكي على اعتبار أنه جزء من مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء..ومن ثم فلا عذر.
اترك تعليقاً