الجرائم الاقتصادية وطرق مكافحتها.
تعرف الجريمة الاقتصادية بأنها «فعل او امتناع ضار له مظهر خارجي يخل بالنظام الاقتصادي والائتماني للدولة وبأهداف سياستها الاقتصادية، يحظره القانون ويفرض عليه عقاباً ويأتيه انسان اهل لتحمل المسئولية الجنائية «عوض، 1998م» وهناك من يرى انها كل فعل او امتناع من شأنه المساس بسلامة البنيان الاقتصادي، كما تعبر عنه القواعد الآمرة للنظام الاقتصادي المشمولة بالجزاء الجنائي «اليوسف، 1999م». وتفوق مخاطر الجرائم الاقتصادية اي نوع آخر من الجرائم وذلك لان آثارها قد تشمل اجيالاً وحياة آلاف من البشر فإنهاك اقتصاد الدولة او الشركات والمؤسسات الكبرى يؤدي الى كوارث مالية واجتماعية تهدد حياة العاملين فيها وضياع لمدخراتهم ومصادر دخلهم كما ان التلوث في البيئة البحرية والارضية يؤدي الى الاضرار بحياة الانسان والثروات النباتية والحيوانية فيؤدي الى موته او انتقال الامراض القاتلة اليه، ومن جانب آخر فان الممارسات غير المشروعة التي تقوم بها الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وسيطرتها على الاقتصاد الوطني والدولي زاد من خطورة الجرائم الاقتصادية مما حدا بكثير من الدول والمنظمات الى التنبيه والعمل علي التصدي ومكافحة الجرائم الاقتصادية بمختلف الوسائل والاساليب « السراج، 1996م».
أنواع الجرائم الاقتصادية تعد الجرائم الاقتصادية بأنواعها المختلفة اكثر تأثيراً واشد خطراً على برامج التنمية والتقدم الحضاري لأي مجتمع حيث إنها تقوض من تقدمه نحو النمو الاقتصادي وتضر بمصالحه ولاسيما في الوقت المعاصر حيث الانفتاح الاقتصادي والتقدم السريع لمناحي الحياة والثورة التكنولوجية التي بدورها زادت من انتشار التجارة الالكترونية وعولمة الاقتصاد وبالتالي عولمة النشاط الاجرامي. ولا شك ان هناك جرائم عادية لها آثار اقتصادية كالسرقة والاختلاس والتزوير والرشوة والابتزاز والنصب والاحتيال والغش والتدليس والتهرب الضريبي والسطو والمماطلة في سداد الديون وغيرها من صور الجرائم المالية، حيث يتأثر بها المجني عليه كسلب امواله فلا يحقق تقدماً ونمواً اقتصادياً يستفيد منها او يستفيد اقتصاد بلاده الا ان الجرائم الاقتصادية هي في المقام الاول موجهة للسياسة الاقتصادية للدولة وتضر بمصالحها المالية «عوض، 1996م». وهناك العديد من انواع الجرائم الاقتصادية التي تختلف من مجتمع لآخر باختلاف نظمه الاقتصادية وتطوره الحضاري الا انه مع التطور السريع الذي يمر به العالم، فان ذلك يؤدي الى استحداث انشطة جديدة وعولمة لانشطتها الاجرامية وظهور انواع جديدة الجرائم الاقتصادية، وهنا مكمن الخطر لاثر هذه الجرائم وتهديدها للنمو الاقتصادي الامر الذي يصعب حصر نتائجها وتحديدها لانها تشمل كل ما يلحق الضرر بعمليات الثروات والتوزيع والتجارة والتصنيع او تداول واستهلاك السلع والخدمات وتهدد الثروات البيئية من نبات وكنوز معدنية وثروات بحرية، فتشمل تخريب الاراضي الزراعية وتبويرها ودفن النفايات النووية في باطن الارض او البحر والتخلص من النفايات المؤينة الناتجة من استهلاك المصانع او الاستخدامات البشرية في الحياة اليومية، وكذلك انتاج وزراعة المخدرات الطبيعية على حساب الاراضي الزراعية او تصنيع المخدرات والمؤثرات بطرق كيميائية وكذلك التنافس غير المشروع كاغراق الاسواق وتقليد وتزوير المنتجات الاستهلاكية وتزوير العلامات التجارية واحتكار السلع، بالاضافة الى الجرائم المتعلقة بالحاسوب من برمجة عمليات وهمية او تزوير معلوماتها، وكذلك الاختراق او التجسس للحصول على معلومات بهدف التخريب او تحقيق ارباح مالية «عوض، 1996م». وفي ظل العولمة وهيمنة التجارة العالمية علي الاقطار كافة وبسبب عوامل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي يشدها العالم سيترتب عليها بلا ادنى شك انواع جديدة للجرائم الاقتصادية وستنشط الجريمة المنظمة التي تشمل انماطاً وانشطة منحرفة هي بحد ذاتها جرائم اقتصادية خطيرة، ففي المسح الذي اجرته الامم المتحدة عام 1994م عن اتجاهات الجريمة المنظمة تضمن عدداً من الجرائم الاقتصادية كغسيل الاموال وتهريب المخدرات واختراق قطاع الاعمال المشروع والافلاس بالتدليس والغش والفساد ورشوة الموظفين العموميين وجرائم الحاسب الآلي وسرقة الملكيات الفكرية والاتجار غير المشروع في الاسلحة وفي النساء والاطفال والاتجار غير المشروع في الاعضاء البشرية وسرقة المقتنيات الفنية والثقافية والغش في التأمين «احمد، 1999م» ومع التقدم السريع والثورة التكنولوجية الهائلة سوف تظهر انماط وصورة جديدة للجرائم الاقتصادية. الا ان ابرز انواع الجرائم الاقتصادية التي يمكن ان تشكل اخطاراً جسيمة في ظل العولمة هي:
1 جرائم غسيل الاموال: تعرف جرائم غسيل الاموال بأنها «اي نشاط او عملية من شأنها اخفاء المصدر غير المشروع الذي اكتسبت فيه الاموال» «عيد، 1999م» وذلك بهدف تمويه السلطات ليجعله يبدو وكأنه دخل مشروع، وفي البيان الذي القاه الامين العام لهيئة الامم المتحدة عام 1990م ذكر ان حجم الاموال التي يتم تبييضها او غسلها في العالم يقدر ب 500 مليار دولار «عيد، 1999» الامر الذي يوضح جلياً مدى تهديده للاقتصاد الوطني والقضاء على المشروعات الشريفة التي تعمل في المجتمع والقضاء على القيم الاخلاقية عن طريق الرشوة والفساد الاداري علاوة على ان اموال الاقتصاد الوطني تصبح ملوثة. وتتخذ جرائم غسيل الاموال طرقاً وانماطاً متعددة ومتشعبة لتغطية انشطتها الاجرامية وتزداد خطورتها بعد استغلالها للتقنيات الحديثة من شبكة الانترنت والحاسب الآلي الذي سهل انتقال الاموال وحركة البيع والشراء دون رقابة الاجهزة الامنية والمصرفية.
2 جرائم البيئة والإخلال بتوازنها:تعرف الجريمة البيئية بأنها «ذلك السلوك الذي يخالف به مرتكبه تكليفاً يحميه المشرع بجزاء جنائي الذي يحدث تغيراً في خواص البيئة يؤدي الى الاضرار بالكائنات والموارد الحية او غير الحية مما يؤثر على ممارسة الانسان لحياته الطبيعية «فرحات، 1996م»، ولجرائم البيئة والاخلال بتوازنها صور وانماط تشمل تلويث الهواء والماء والارض وتهديد الثروات البحرية والحيوانية التي بدورها تؤثر على حياة الانسان الذي هو محور التنمية وهدفها، فما يحدث من إفراغ للنفايات النووية والمواد الكيميائية يؤدي الى القضاء على حياة البشر واصابتهم بالامراض المزمنة والفتاكة التي تعطل تقدم الشعوب ونموها.
2 الجرائم الالكترونية ان التقدم الالكتروني الذي تحقق في العقد الاخير من القرن السابق جعل العالم قرية كونية صغيرة وتجاوز بقدراته وامكاناته اجهزة الدول الرقابية واضعف من قدراتها في انفاذ قوانينها واصبح يهدد امنها وتتعدد انواع الجرائم الالكترونية وتتخذ اشكالاً مختلفة من تجسس ونشر مواد اباحية وقرصنة معلومات واتصالات ومؤامرات اجرامية مستترة وتخريب وارهاب، وجرائم اقتصادية مختلفة تتم عبر الحاسوب التي من المتوقع ان يتفاقم دورها في الوقت الحاضر ومن ابرز هذه الجرائم الغش في التسويق ونقل الاموال بالوسائل الالكترونية وغسيل الاموال والتهرب الضريبي حيث تساعد التحويلات الالكترونية في اخفاء عائدات الجريمة ونقلها واخفاء الارباح المشبوهة عبر الايداع ببطاقات الائتمان مباشرة. كما تتيح التجارة الالكترونية فرصاً للغش في البيع من سندات واسهم مزورة واستثمارات كاذبة، وكذلك الاعتراض واختراق سرية البنوك وسرقة الارصدة وتحويلها الي حسابات اخري ودعم هذه الاموال في تحويل انشطة اجرامية اخرى «Corabosdy, 2001». ولا شك ان التقدم التكنولوجي وانخفاض تكلفته والانفتاح الاقتصادي الذي اصبح وشيكاً عبر منظمة التجارة العالمية واعتماد معظم المتغيرات الحياتية من اتصالات وخدمات على الانترنت والاجهزة الالكترونية في عصر العولمة سيجعل الامر اكثر صعوبة على مكافحة الجرائم الاقتصادية التي تعتبر الجرائم الالكترونية الابرز فيها حيث تسهل كل انواع واشكال الجرائم الاقتصادية وتسهم في حدوثها بكل يسر وسهولة حيث الحدود مفتوحة فيتم نقل المعلومات المحظورة من خطط تخريبية وصور سرية بدون رقابة مع امكانية ظهور انماط وصور جديدة للجرائم الاقتصادية قد تظهر في المستقبل نتيجة للعولمة واعتمادها على التقدم الالكتروني
اترك تعليقاً