التعريف القانوني للدخل من الجانب الضريبي والاقتصادي والمحاسبي
المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي
مفهوم الدخل من الناحية الضريبية
كثر الجدل والنقاش حول مفهوم الدخل من الناحية الضريبية . والسبب في ذلك في رأي بعض الكتاب هو عدم توافر فوارق واضحة لتمييز الدخل من رأس المال ، فمن ناحية أولى ، قد يعتبر نفس المال دخلاً في وقت ما ورأسمال في وقت آخر ، كما هو في حالة ادخار الدخل وإعادة استثماره ، ومن ناحية ثانية ، قد يعتبر نفس المال دخلاً بالنسبة ألى شخص ما ورأس مال بالنسبة إلى شخص آخر ، كما لو قامت إحدى الشركات المساهمة بتوزيع أرباح صورية على المساهمين فتعتبر هذه التوزيعات رأسمالية بالنسبة إلى الشركة لأنها تمثل اقتطاعاً من رأسمالها ، كما تعتبر دخلاً بالنسبة إلى المساهمين لأنها تمثل زيادة في دخولهم . الأمر الذي أثار كثيراً من الاختلاف في الرأي لدى كل من الفقه المالي والقضاء . وإن تحديد مفهوم الدخل مسألة ضرورية بالنسبة إلى الدراسات الضريبية لسببين(1):
أ-حتى لا تشمل الضريبة بعض الأموال التي لا تعد من قبيل الدخول .
ب-عدم تهرب بعض العناصر التي تعد من قبيل الدخول .
ويسود الفكر المالي وهو بصدد تحديد مفهوم الدخل من الناحية الضريبية نظريتان(2). هما:-
– نظرية المصدر – المنبع – النظرية التقليدية
– نظرية الاثراء – الزيادة في القيمة الإيجابية – الحديثة
أولاً – نظرية المصدر :-
وتعرف هذه النظرية الدخل الضريبي بأنه القيمة النقدية أو القابلة للتقدير بالنقود التي تحقق بصفة دورية من مصدر يتمتع بدرجة معينة من الثبات والاستقرار النسبي خلال مدة معينة من الزمن سنة على الأغلب وعلى ذلك اجتمعت النظرية التقليدية على ان الإيراد يتصف بميزات هي الدورية – وجود مصدر قابل للبقاء – استغلال المصدر – القابلية للتقييم نقداً وعنصر المدة.
1-الدورية :-
الدورية خاصية ظاهرة من نفس كلمة REVENY وهو ما يقابل العودة والمجيء مرة بعد أخرى مثال ذلك ثمار الأشجار فالكلمة تتضمن عودة الإيراد أو على الأقل احتمال عودته وتكراره(3) . ويترتب على هذا الشرط أن الأرباح والمكاسب التي يحصل عليها المكلف بصورة عارضة لا تعتبر دخلاً ومن ثم فلا تخضع للضريبة . وقد تعرض شرط الدورية للنقد من كتاب علم المالية نذكر منهم (Seligman) إذ ذهب الى أن فكرة دورية الدخل وانتظامه على وشك الزوال وإن كانت آثارها لا تزال باقية ففي الولايات المتحدة لا يستغرب الناس إخضاع الدخول المتأتية من أرباح عرضية لضريبة الدخل لذلك فإن كل دخل نقدي أو يمكن تقديره بالنقود ولو كان الحصول عليه بصورة عرضية ، لابد أن يخضع للضريبة(4) .وفي نفس الإتجاه يقول (Fisher) إنه من الحماقة أن نقول إن الدخل يتصف بالدورية والإنتظام ونحن نعلم أنه لا يتصف بذلك(5) .ونرى أن الدورية بوصفها شرطاً من شروط خضوع الدخل للضريبة لا وجود لها ولا يمكن الاحتجاج بأن التشريعات الضريبية تفرض الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية بشكل دوري كل سنة . إذ أن ذلك لا يتعلق بخضوع الدخل للضريبة أو عدمه وإنما ترى التشريعات أن مرور السنة هو أنسب مدة زمنية لتحصيل ضريبة الأرباح التجارية والصناعية والدليل على صحة ما نقوله هو ليس هناك تشريع ضريبي واحد يعفي الدخل لمجرد عدم مرور سنة عليه(6).
2- وجود مصدر قابل للبقاء :-
تتطلب الدورية أن يكون المصدر باقياً إذ يقول د. عادل الحياري أنه يترتب على شرط الدورية نتيجة رئيسة وهي أن يكون مصدر الدخل على درجة من الثبات تكون له القدرة على إمداد دخل دوري منظم ، ولا يعني الثبات هنا الدوام المطلق إذ ليس من شيء ثابت ثباتاً مطلقاً في حياتنا البشرية ، بل المراد هنا الثبات النسبي أي قابلية الدخل على البقاء مدة محدودة(7) . وتختلف صفة الثبات والدوام تبعاً لاختلاف مصادر الدخل وهي (العمل ، رأس المال، مختلط) وإن هذا الاختلاف يسوغ لنا اختلاف المعاملة الضريبية لها وخاصة في اختيار سعر الضريبة (تخفيض الضريبة على الدخل المتولد من مصدر العمل كون عمره أقل وتشديدها على الدخل المتولد من رأس المال بسبب أن عمره أطول) .
3- استغلال المصدر :-
للحصول على الإيراد يجب العمل على صيانة المصدر واستغلاله استغلالاً ملائماً له حتى نضمن له دورية الانتاج إذ أن تحقق الإيراد يحتاج الى انفاق مصاريف معينة مقدماً وإن هذه المصاريف تختلط بالإيراد ، لذلك يجب استبعاد هذه التكاليف عند تحديد الإيراد .
2- القابلية للتقييم نقداً :-
إن إمكانية تقييم المنفعة التي يتم الحصول عليها بالنقود شرط أساسي لاعتبار هذه المنفعة دخلاً ، أما المنافع التي لا تقدر بالنقود فانها لا تعتبر من قبيل الدخل ، ومن ثم فلا تخضع للضريبة ، فعناية ربات البيوت ببيوتهن لا تعتبر دخلاً(8).
3- عنصر المدة :-
لكي يعتبر الإيراد دخلاً لابد أن يحصل عليه المكلف خلال مدة زمنية معينة وتحدد عادةً بسنة كاملة(9). وعنصر (الزمن) يعتبر من أهم خصائص الدخل لأنه هو الذي يميز الدخل من رأس المال فالدخل يمثل تدفقاً من المنافع خلال مدة زمنية معينة بينما رأس المال ثروة متجمعة ينظر اليها في لحظة معينة .
نخلص من هذا كله الى أن نظرية المصدر أو المنبع تحدد الدخل الخاضع للضريبة في أضيق الحدود ، نظراً لأنها تُخرج المكاسب والخسائر الرأسمالية من الخضوع للضريبة ومن ثم فان هذه النظرية تلقى ترحيباً كبيراً من جانب المكلفين . وقد استند أصحاب نظرية المصدر أو المنبع في عدم إخضاع المكاسب والخسائر الرأسمالية للضريبة الى الاعتبارات الآتية(10) .
1-إن المكاسب الرأسمالية لا تعتبر من الدخل لعدم اتصافها بالدورية ولأن مضمون رأس المال ينصرف الى القوى الانتاجية وليس الى تغير قيمته النقدية .
2-ان إخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة قد يؤدي الى ازدواج ضريبي ذلك إن الضريبة تفرض أولاً على الزيادة في قيمة رأس المال ، ثم تفرض ثانياً على الدخل المتزايد عند تحققه فيما بعد .
3-إن إخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة قد يجافي مبدأ العدالة ، ذلك إن هذه المكاسب قد تكون غير حقيقية إذا نتجت عن التغير في قيمة النقود ، ومن ثم تصبح الضريبة أداة لمصادرة رأس المال .
4-إن إخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة يؤثر في الأحوال الاقتصادية تأثيراً سيئاً ، ففي حالة الانكماش قد يندفع أصحاب رؤوس الأموال إلى التخلص منها بهدف خصم ما يحققونه من خسارة رأسمالية من وعاء الضريبة المستحقة عليهم ، فيؤدي ذلك الى زيادة حدة تدهور الأسعار إن المكاسب الرأسمالية تتكون عادةً خلال عدة سنوات ، ومن ثم فإن إخضاعها لضريبة الدخل ، باعتبار أن هذا الدخل هو حصيلة سنة معينة لا يساير العدالة .
إن حصيلة الضريبة على المكاسب الرأسمالية حصيلة محدودة .
ثانياً – نظرية الاثراء :-
وتقابل هذه النظرية نظرية الميزانية في علم المحاسبة .
وتتوسع هذه النظرية في مفهوم الدخل فتعتبره الزيادة الايجابية في ذمة الشخص (المعنوي أو الطبيعي) خلال مدة زمنية معينة . يستوي في ذلك حصول الشخص على الدخل بصورة دورية أو غير منتظمة بصرف النظر عن أن يتأتى الدخل من أي مصدر ، إذ المهم أن يكون الشخص في نهاية السنة المالية بمركز مالي أفضل مما كان عليه في بدايتها . وبمعنى آخر يشمل الربح . وفقاً لنظرية الاثراء– كل ثروة حققتها المنشأة مهما كان مصدرها حتى لو تحققت مصادفة بلا مجهود أو سعي بصرف النظر عن مداها أي لو تحققت مرة واحدة(11) .ومن الواضح أن منطلق هذه النظرية يؤدي الى اطلاق صفة الدخل على أية زيادة ايجابية تطرأ على ذمة الشخص من مدة زمنية الى اخرى وهو ما يؤدي الى الخلط من الناحية الفنية بين فكرة الدخل في ذاتها وفكرة رأس المال في ذاته ، فإذا ما طرأت زيادة ايجابية في ذمة الشخص لها طبيعة رأس المال لا يمكن أن تعتبر هذه الزيادة من قبيل الدخل . وينتج عن ذلك أن هذه النظرية توسعت في مفهوم الدخل الخاضع للضريبة بحيث شملت فضلاً عن الدخول التي تتوافر فيها عناصر الدورية وقابلية التقويم بالنقود المكاسب الرأسمالية . وقد استند أصحاب هذه النظرية في اخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة الى الاعتبارات الآتية(12):-
إن ارتباط الدخل بفكرة الدورية والانتظام نتج عن الأخذ بالأساس العيني وكان هذا الاساس يناسب المجتمعات الزراعية إذ كانت الملكية العقارية تمثل الجانب الأهم من ثروة الانسان ، أما في الزمن الحديث فقد أزدادت أهمية رؤوس الأموال المنقولة ، وهذا يستدعي تطبيق الأساس النقدي ، أي أن تقدر قيمة الأموال لقيمتها النقدية ، لأن قيمة هذه الأموال هي التي تؤثر وتحدد القوة الاقتصادية للانسان .
نظراً لأن المكاسب الرأسمالية ، تعمل على زيادة قدرة الشخص على الادخار فإنه يجب أن تعامل مثل الدخول الدورية ، لأن كليهما يزيدا الطاقة الضريبية للشخص ، ومن ثم ليس من العدالة عدم خضوع المكاسب الرأسمالية للضريبة .
5-إن إخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة يؤدي الى تقليل فرص التهرب الضريبي ، ذلك أن بعض الشركات قد تعمد الى عدم توزيع الأرباح على حملة الأسهم عن طريق ترحيلها الى الاحتياطات ، وذلك بقصد التهرب من الضريبة التي تفرض على توزيعاتها الدورية . ويؤدي تراكم الاحتياطيات لدى هذه الشركات الى ارتفاع القيمة السوقية لأسهم هذه الشركات في سوق الأوراق المالية (البورصة) ، ومن ثم فإن أصحاب الأسهم إذا ما عمدوا الى بيعها فإنهم سوف يحصلون على قيمة مرتفعة للأسهم ترتفع كثيراً عن سعر الإصدار ويحصلون على قيمة ما يوزع من الأرباح من خلال عدة سنوات دون أن تخضع هذه المكاسب الرأسمالية للضريبة .
6- إن الكثير من المكاسب الرأسمالية ينتج عن نجاح الشركة في نشاطها ، وليس نتيجة تدهور القوة الشرائية للنقود أو التضخم وارتفاع الأسعار …الخ وعلى ذلك فإن هذه المكاسب الرأسمالية يجب أن تعامل معاملة الأرباح الدورية المنتظمة ويخضع كلاهما للضريبة .
7-ليس صحيحاً أن إخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة يؤدي الى الحد من تداول الأموال في الأسواق ، ذلك لأن المكلف يتصرف في أمواله عندما يتأكد أن هذا التصرف يحقق له مكاسب ، بغض النظر عن خضوع هذه المكاسب للضريبة أو عدمه .
8-ليس صحيحاً أيضاً أن إخضاع المكاسب الرأسمالية للضريبة يعمل على الحد من تشجيع تمويل المشروعات الجديدة . والسبب في ذلك هو ضعف حساسية المستثمر تجاه هذه الضريبة نظراً لعدم سريانها في المدى القصير ، ونظراً لأن مايهم المستثمر في هذه المدة هو خضوع دخوله الدورية للضريبة .
9-ليس صحيحاً أن كلاً من المكاسب والخسائر الرأسمالية يلغي أثر كل منهما الآخر بالنسبة إلى كل مكلف على حدة .
________________________
[1]- د. عادل فليح العلي ود. طلال كداوي (اقتصاديات المالية العامة) الكتاب الثاني ، مصدر سابق ، ص109.
2- للتفصيل حول هاتين النظريتين راجع :-
– د. أعاد حمود القيسي (المالية العامة والتشريع الضريبي) ط3 ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2000 ، ص131 وما بعدها .
– د. عبد العال الصـگـبان (مقدمة في علم المالية والمالية العامة في العراق) مصدر سابق ، ص236 وما بعدها .
– د. محمد سعيد فرهود ود. كمال حسين ابراهيم (نظام الزكاة وضريبة الدخل) مصدر سابق ، ص21 وما بعدها .
– د. وائل ابراهيم الراشد (المدخل الى الضرائب والزكاة في الكويت) الطبعة الأولى ، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت ، الكويت ، 2000 ، ص53 وما بعدها .
– فؤاد توفيق ياسين وأحمد عبد الله درويش (المحاسبة الضريبية) دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع ، 1996 ، ص36 ومابعدها .
3- د. كمال الجرف (الضريبة العامة على الإيراد) مكتبة حقوق عين شمس ، 1951 ، ص73 .
-4 Seligman (E) Studies in public finance N.Y، 1927 ، P1120 .
-5 Fisher The nature of copital and Income OP-cit ، p 10
6- فعلى سبيل المثال : على الرغم من أن المشرع الضريبي العراقي أخذ بمبدأ السنوية في فرض الضريبة أخضع كل دخل حصل عليه المكلف ولو مرة واحدة إذ لم يكن هناك نص في القانون يعفي هذا الدخل .
7- د. عادل الحياري (الضريبة على الدخل) مصدر سابق ، ص17 .
8- الاستاذ محمد لبيب شقير (المالية العامة) مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1975 ، ص123 .
9- الفقرة (3) من المادة (1) من قانون ضريبة الدخل العراقي المرقم 113 لسنة 1982 المعدل .
0[1]- يونس البطريق (أصول النظم الضريبة) مصدر سابق ، ص135 وما بعدها .
1[1]- د. زين العابدين بن ناصر (المالية العامة والتشريع الضريبي) مكتبة جامعة عين شمس ، 1974 ، ص212 .
2[1]- د. محمد سعيد فرهود ود. كمال حسين ابراهيم (نظام الزكاة وضريبة الدخل) ، مصدر سابق ، ص28.
مفهوم الدخل من الناحية المحاسبية
لاتولي المحاسبة أهمية كبيرة للدخل الشخصي للفرد إنما ينصب الاهتمام فيها على دخل المشروع بوصفه وحدة محاسبية ولو كان هذا المشروع منشأة فردية وذلك انطلاقاً من فرض الشخصية المعنوية . والإيراد لدى المحاسبين هو إنتاج المنشأة ، كما أنه الجانب الموجب في تحديد نتيجة أعمال المشروع من ربح أو خسارة . وعرف (Finney) الدخل بأنه (عبارة عن الزيادة في الاصول التي تنتج عن مبيعات أو تأدية خدمات لعملائها)(1).
وهذا التعريف مشابه لتعريف جمعية المحاسبين الامريكية وإنها عرفت الدخل بأنه (التغير النقدي لمجموع المنتجات أو الخدمات التي انتقلت من المشروع الى عملائه خلال فترة زمنية محددة)(2). ونرى أن التعريف الأخير أكثر دقة وتحديداً ، إذ أن الإيراد هو المفهوم الإجمالي ، إذ يعنينا إجمالي الإيراد فقط . ويمكن تحديد مفهوم الإيراد في الفكر المحاسبي في شكل نظريتين هما(3) :-
أولاً – نظرية الإستغلال :-
يتحدد الربح طبقاً لهذه النظرية بالفرق بين عمليات المتاجرة والإستغلال العادي من جهة ، وبين تكاليف استغلال المشروع من جهة أخرى . فالإيرادات تشمل المبيعات وأجور الخدمات التي أديت ، كما تشمل المصروفات ثمن المبيعات وسائر التكاليف المتعلقة بمزاولة النشاط .
ثانياً – نظرية الميزانية :-
يتحدد الربح طبقاً لهذه النظرية بزيادة قيمة موجودات المنشأة عن مطلوباتها في أول المدة التجارية ونهايتها فنطاق الأرباح التجارية طبقاً لهذه النظرية أوسع مدى من نطاق الربح وفقاً لنظرية حساب الاستغلال ، فالربح يشمل كلاً من الإيرادات الإيرادية والرأسمالية.
____________________
-1 Finny ، E، miller Herbort principils of Accounting – N،owjerse Hall – 1962 ، pp، 171 – 172 .
-2 Finny ، IBID ، P172 .
3- د. محمد حسن الجزيري (ضرائب الدخل) مكتبة عين شمس ، القاهرة ، 1972 ، ص287 وما بعدها .
مفهوم الدخل من الناحية الاقتصادية
ذكر كثير من الكتاب الاقتصاديين تعريفات عديدة للدخل ، إذ عرفه الأستاذ (Hicks) بأنه ( أقصى ما يحصل عليه الشخص من قيمة السلع والخدمات الاستهلاكية خلال فترة معينة بحيث يكون هذا الشخص في نهاية هذه الفترة بنفس اليسار الذي كان عليه في بدايتها )(1)، كما عرفه آخرون بأنه ( مجموع ما يكسبه الفرد من الخدمات الإنتاجية الجارية التي يؤديها هو بنفسه أو بواسطة ما يمتلكه من عناصر الانتاج الاخرى خلال فترة زمنية معينة)(2). ومن الاقتصاديين الذين تناولوا تعريف الدخل أيضاً (Marshal) فهو عنده (ذلك النهر المتدفق من السلع الاقتصادية خلال فترة زمنية محددة)(3).
فيشمل الدخل عنده الاستهلاك مضافاً اليه الإدخار فهو يتضمن العناصر الجديدة للثروة مضافاً اليها المنافع المتحققة من استخدام تلك الثروة بالإضافة الى المنافع الأخرى التي لها قيمة سوقية ولكن مستمدة من مصادر قد لاتعتبر ثروة(4). ويعتقد بعض الاقتصاديين أن المال يعتبر دخلاً أو رأس مالٍ بحسب نية صاحبه فتكون الثروة رأس مالٍ إذا استعملها صاحبها رأسمال ، وتكون دخلاً إذا استعملها دخلاً ، فقد اتجه هؤلاء الى تحديد الدخل على اسس شخصية بحتة وفقاً للإرادة الانسانية التي لا تتفق مع القواعد العلمية للضريبة وعلى رأس هؤلاء الاقتصاديين (Caston Jeze)(5). أما الاقتصادي الامريكي (I.Fisher) فقد عرف رأس المال بأنه (عبارة عن مجموعة الثروة الموجودة في لحظة معينة) ، وعرف الدخل بأنه (تيار من الإشباعات تستهلك خلال فترة زمنية معينة)(6).
وتوضيحاً لذلك فان الرغيف يعتبر رأس مال والتغذية التي يعطيها لصاحبه هي الدخل، والصورة المعلقة على الحائط تعتبر رأس مال ، والبهجة والسرور اللذان تعطيهما لصاحبها كلما نظر إليها تعتبر دخلاً(7). وبناء على ذلك فإن الدخل الخاضع للضريبة حسب نظرية (Fisher) . يتألف من قيمة ما استهلكهُ المكلف من السلع والخدمات سواء أكانت معمرة أم غير معمرة وكذلك الأعمال التي يقوم بها المكلف أو أحد أفراد عائلته وتزيد من راحته ورفاهيته ويحصل عليها مجاناً . ويقاس هذا الدخل عند (Fisher) بالنقود نظراً لأن القيم تقاس بالنقود في الاقتصاد الحديث ، ومع ذلك فإن الدخل ليس هو النقود نفسها ، وهي سلعة مادية ، بل هو المنفعة المجردة التي يمكن أن يحصل عليها عن طريق النقود(8) .
وقد انتقد تعريف (Fisher) للدخل من جوانب عديدة(9) :
أولاً – ان هذا التعريف قاصر ، لأنه يؤدي الى خروج أجزاء كبيرة من أصحاب الدخول المرتفعة من الخضوع للضريبة ، لأنها تدخر ولا تستهلك ، مع أنها تزيد مقدرتهم على الدفع .
ثانياً – ان تطبيق هذا التعريف يعني فرض الضريبة على الانفاق الإستهلاكي وليس على الدخل .
ثالثاً – ان اعتماد التعريف على المنفعة الشخصية يؤدي الى وجود بعض الصعوبات نظراً لأن هذه المنفعة الشخصية تختلف من شخص الى آخر ، ولأنه يصعب معرفة القيمة النقدية السنوية لكثير من هذه المنافع . أما الاقتصادي (Carl Plehn) فقد عرف الدخل بأنه (الإيرادات المحتملة التكرار والقابلة للاستهلاك) وبناء على هذا التعريف فإنه يدخل في دائرة الدخل كل من الأجور والرواتب والفوائد والإيجارات والمعاشات التقاعدية .
وكذلك فإنه تستبعد من دائرة الدخل الإيرادات غير المحتملة التكرار كأرباح العمليات الرأسمالية والمواريث والوصايا والهبات ، لأنه في رأيه ليس من الحكمة انفاق هذه العائدات(10) . وقد انتقد أيضاً تعريف (Plehn) بأنه غير جامع ولا مانع ، لأنه قد استبعد من الدخـل الإيرادات غير محتملة التكرار – لم يخضع للدخل إيرادات تؤدي الى الزيادة الإيجابية في ثروة المكلف ، ومن ثم فإنها تزيد من المقدرة الضريبية لدى المكلف(11). ونحن بدورنا لا نتفق مع تعريف (Plehn) بسبب أعتقادنا بصحة الانتقادات الموجهة اليه التي تهدف الى تحقيق العدالة . كما نرى أن تعريف (Fisher) بالرغم من أنه أفضل من تعريف (Plehn) للدخل ، فإن الانتقادات الموجهة اليه تعتبر صحيحة ويجب الأخذ بها فضلاً عن أن الأمثلة التي ضربها لتوضيح مفهوم الدخل لم تكن دقيقة لأن بعضها لا يمكن تقويمه بالنقود أو يصعب هذا التقويم كالبهجة والسرور . مما تقدم يتضح اتساع مجال الدراسة عند الاقتصاديين مما يفسر لنا تعدد مفاهيم الدخل فالاقتصادي يهتم بدخل الاشخاص والمشاريع والمجتمع كما أنهُ يهتم بمشكلة توزيع الدخل بين عوامل الانتاج (الأجور ، الربح ، الفائدة ، الريع) .
الدخل النقدي والدخل الحقيقي(12) :-
يفرق الاقتصاديون بين الدخل النقدي والدخل الحقيقي ، فالدخل النقدي هو كمية المبالغ النقدية الصافية التي يحصل عليها الشخص بعد استبعاد جميع التكاليف التي أنفقت في سبيل الحصول عليه ، أما الدخل الحقيقي فهو يشمل الدخل النقدي والدخل العيني الذي يمكن أن يحصل عليه أيضاً(13) . وتأسياً على ما تقدم فان قيمة كل من الدخل النقدي والدخل الحقيقي تتعادل إذا لم يكن هناك دخل عيني لدى المكلف ، كما ويترتب على ذلك أن الدخل الحقيقي أكثر شمولاً من الدخل النقدي وأكثر تعبيراً عن المقدرة الضريبية للمكلف فضلاً عن أنه يقرر الصفة الحقيقية للنقود باعتبارها أداة للتبادل والتقويم(14).
______________________
[1]- د. عبد المنعم فوزي ( المالية العامة والسياسة المالية ) دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ، 1972 ، ص124 .
2- د. عصام يوسف عاشور ( الدخل والتطور الاقتصادي في البلاد العربية ) ، معهد الدراسات العربية العالية ، القاهرة ، 1962 ، ص ص5-6 .
3- د. أحمد حافظ الجعويني ( اقتصاديات المالية العامة ) ط1 ، دار العهد الجديد ، القاهرة ، 1967 ، ص175 .
4- المصدر نفسه ، ص175 .
5- د. يونس أحمد البطريق (أصول الأنظمة الضريبية) المكتب المصري الحديث ، الاسكندرية ، 1966 ، ص73 .
6- د. عبد المنعم فوزي (المالية العامة والسياسة المالية) مصدر سابق ، ص124 ؛ د. باهر محمد عتلم (المالية العامة – أدواتها الفنية وآثارها الاقتصادية) الطبعة الخامسة ، مكتبة الآداب ، القاهرة ، 1998 ، ص173.
7- يرى جانب من الفقه المالي أنه يوجد ثلاث نظريات لتمييز رأس المال من الدخل هي :-
النظرية الأولى :- رأس المال الثابت والمتحرك (الجاري) وقد حظيت هذه النظرية بدعم كبير وقد أعتبر رأس المال الثابت هو رأس المال كونه يقوم بإنشاء أو بتوليد الدخل أما رأس المال المتحرك فهو الدخل وهو غالباً ما يتمثل من خلال التصرف برأس المال أو بمفردات رأس المال المتحرك . وخير مثال على ذلك قضية ( in Golden Horse (New) Ltdv Thur good ) . طلب من المحكمة أن تقرر كون البيع بأثمان بخسة في منجم ذهب يعتبر بيعاً لرأس المال فالقاضي (Romer) حدد المسألة وأن تقديرها في هذا الموضوع (البيع بأثمان بخسة) يتطلب تحديدها حل رأس مال ثابت أم رأس مال متحرك .
وأجاب بشكل مختصر أن البيع اعتبر بمثابة رأس مال متحرك وأن نشوءه كان بسبب المناجم وبشكل ثانوي يعود الى رأس مال ثابت .
النظرية الثانية :- نظرية ثمار الأشجار .
هذه النظرية لا تختلف عن سابقتها (نظرية رأس المال الثابت أو المتحرك) فإن الشجرة طبقاً لهذه النظرية تمثل رأس المال والثمار تمثل الدخل (مفردات الدخل) التي تتولد وتنمو من رأس المال .
النظرية الثالثة :- نظرية تعاظم أو تزايد القوة أو القدرة الاقتصادية
وفقاً لهذه النظرية فإن الدخل يعتبر مردوداً من مردودات رأس المال وقد تمت الإشارة إلى أن تزايد أو تعاظم القدرة (القوة) الاقتصادية تعد أكثر دقة للتمييز بين الدخل ورأس المال على الرغم من أن النظريات السابقة غالباً ما يتم الاستشهاد بها من قبل القضاء الانكليزي وأخيراً فإن المسألة هي مسألة وقائع . أنظر:-
James Kirkbride and Abimbola A.olowo foyeku “ The Law and Theory of In come Tax “ Liverpool Academic Press ، 2002 ، P 65 .
-8 I . Fisher “ The Nature of capital and Income “ N.Y. 1930 ، PP105 – 115
9- د. عادل الحياري ( الضريبة على الدخل العام “) مصدر سابق ، ص10 ومابعدها .
10- Brownlee and Alen “ Economics of public Finance “ Znded، NY ، 1960 ، P244
11- د. عادل الحياري ( الضريبة على الدخل العام) مصدر سابق ، ص13 .
12- عزيز الحافظ (قياس الدخل الفردي) ، مجلة الاقتصادي ، العدد الثاني ، السنة الرابعة ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1963 ، ص69 .
13- يقصد بالدخل العيني (Income Kind) هنا السلع والخدمات التي يمكن تقويمها بالنقود وتعطي مقابلاً جزئياً أو كلياً لأحد عوامل الانتاج ومثال ذلك ما يقدم للعمال من كساء أو طعام أو هاتف أو سيارة … ألخ وهذا الدخل العيني يخضع للضريبة .
C.T.Sand ford “Ecnomic of Public finance ” pergamon press ، NewYORK، 1976 ، P89.
نقلاً عن د. محمد سعيد فرهود ود. كمال حسين ابراهيم (الزكاة وضريبة الدخل) ، معهد الإدارة العامة ، إدارة البحوث ، المملكة العربية السعودية ، 1986 ، هامش ص18 .
14- د. يونس أحمد البطريق (أصول النظم الضريبية) مصدر سابق ، ص126.
اترك تعليقاً