العقد الاجتماعي
— مقدمة :
يتردد مصطلح العقد الإجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي عدّة مجالات مختلفة منه، ابتداءً من ظهوره في فلسفات (سقراط وأفلاطون 400 ق.م), ومن ثمّ دراسته وبلورته بشكل “نظرية علمية” علي يد بعض علماء الاجتماع أمثال (توماس هوبز 1588-1679م),(جون لوك 1632-1704م) و(جان جاك روسو 1712-1778م)، لتظهر في ما بعد ذلك انعكاساته كرمز محرّك لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ مثل (الثورة الفرنسية 1789م).
—- نظريات تفسر نشوء (التكافل الإجتماعي) —-
— توماس هوبز :
في محاولة لدراسة نشوء المجتمعات الإنسانية، انطلق هوبز من السؤال التالي:
لماذا يجب علينا أن نخضع للسلطة؟
وللإجابة على هذا السؤال، قام هوبز بوضع نفسه في مرحلة (ما قبل المجتمع) الافتراضية ومن ثمّ قارن بينها وبين الحالة (المجتمعية)، ليستنتج بعدها الأسباب التي دعت لنشوء تلك المجتمعات والمكاسب التي تحققت منها.
وجد هوبز أنّ الإنسان في مرحلة ما قبل المجتمع (الحالة الأصلية State of Nature) يتركز اهتمامه في “المصلحة الذاتية”، ومع وجود مصادر محدودة وغياب سلطة تجبر الأفراد على التعاون، استنتج أن الحياة في مثل هذه البيئة ستكون (صعبة التحمل) وقاسية جدا، بحيث يخشى كلّ فرد على حياته من الآخر، ولا يستطيع أحدهم ضمان تلبية حاجاته ورغباته لمدّة زمنية طويلة، وعليه استنتج أن مرحلة (ماقبل المجتمع) الهمجية، تحوي أسوأ ظروف يمكن أن يعيشها الإنسان، مما يطرح وبقوة ضرورة تكون التجمعات البشرية والقوانين التي تحكمها.
رأى هوبز أن الطريق للخروج من الحالة السابقة يتم عبر الاتفاق على العيش تحت (قوانين مشتركة) والاتفاق على إيجاد (آلية لفرض القوانين) عن طريق سلطة حاكمة، ويرى هوبز بضرورة وجود “سلطة مطلقة” وإن ظهرت لديها انحرافات بسبب (غلبة العاطفة على المنطق) ولكنه تقبل ذلك، معللاً رأيه بأن (السّلطة هي الشيء الوحيد الذي يقف بيننا وبين العودة للهمجية).
— جون لوك :
استخدم لوك نفس المنهجية السابقة لهوبز، إلاّ أنه اختلف معه في كون (الحالة الأصلية State of Nature) مع انعدام القوانين فيها فأنها تحتوى على أسس أخلاقية، وبالتالي فهي (ممكنة التحمّل) ولها أمثلة واقعية، وليست “افتراضية” كما هو الحال عند هوبز.
كما أختلف لوك مع هوبز في معارضته لمبدأ “السّلطة المطلقة”، ورأى أنّ الفرد له حقّ مقاومة السّلطة “الغاشمة”، انطلاقا من مبدأ الدفاع عن النفس.
— جان جاك روسو :
خالف جان جاك روسو سابقيه(هوبز ولوك) في افتراضهما كون (الحالة الأصلية State of Nature) هي حالة مليئة بالمشاكل والظروف السيئة, بل على العكس توقع روسو أن الناس كانوا في تلك الحالة يعيشون حالة اكتفاء ذاتي وسلام في ظلّ مبادئ أخلاقية.
يرى روسو أنّ التجمّع أتى نتيجة لعوامل اقتصادية مثل الاختراعات وتطور عوامل الإنتاج وتقسيم العمل، ممّا أنشأ قيماً “جماهيرية” جديدة ناتجة عن المقارنة مثل (الخجل والحسد والفخر..) وأهمّ هذه القيم في رأي روسو هي (الملكية الخاصة)، حيث يعتبر إيجاد هذه الفكرة منحنى تاريخياً مهماً في مسيرة البشرية.
ويعود سبّب ظهور (الملكية الخاصة)، حسب روسو، إلى ظهور قيم أخرى مثل (الجشع, المنافسة, عدم المساواة…) الشيء الذي أخرج البشرية من حالتها الأصلية”الطاهرة”.
وكنتيجة للملكية الخاصة انقسم الناس إلى أصحاب أملاك وإلى عمّال لديهم، مما أوجد نظام (الطبقات الاجتماعية)، أدرك أصحاب الأملاك أنّ من مصلحتهم إنشاء “حكومة” لتحمي ملكياتهم من الذين لا يمتلكونها ولكنهم يعتقدون أنهم قادرون على الاستيلاء عليها بالقوّة، ومن ثمّ تمّ تأسيس الحكومة من خلال “عقد” ينصّ على توفير المساواة والحماية للجميع بلا إستثناء، على الرغم من أن الغرض الحقيقي من إنشاء مثل هذه الحكومة هو تكريس “اللامساواة” والتي نتجت عن الملكية الخاصة، الشيء الذي يراه روسو السبب في معاناة المجتمعات الحديثة.
اترك تعليقاً