المذهب الإرادي
هو مذهب ألماني النشأة يطلق من أن الدول تتمتع بالسيادة ولا تخضع لسلطة أعلى منها وبالتالي فإن القانون الدولي ما هو إلا مجموعة القواعد التي تنسق بين إرادات هذه الدول، فلذلك فإن الرضا المستمد من إرادة الدول الصريحة هو أساس التزام الدول بأحكام القانون الدولي العام.
وقد انقسم أنصار المذهب الإرادي في تطبيق فكر الإرادة إلى اتجاهين:
أحدهما يستند إلى إرادة كل دولة على حدة والآخر يستند إلى إرادات الدول مجتمعة.
أولاً- نظرية الإرادة المنفردة:
ويطلق على هذه النظرية اسم “التقييد الذاتي للإرادة” أو “نظرية التحديد الذاتي” لأن الدول لها سيادة ولا يوجد سلطة أعلى منها وبالتالي فإن الدولة هي التي تلتزم بالقانون الدولي بإرادتها المنفردة دون أن يجبرها أحد على ذلك، وعندما تتعارض إرادة الدولة مع القانون الدولي العام فيجب أن يزول الأخير لأن الدولة في مركز أسمى من كل المبادئ القانونية.
نقد:
1- تنافي هذه النظرية المنطق لأن مهمة القانون وضع الحدود على الإرادات فكيف يستمد القانون صفته الملزمة من إرادة المخاطبين بأحكامه.
2- بما أن الدولة تلتزم بالقانون بإرادتها فهي تستطيع التحلل من ذلك بإرادتها أيضاً وفي ذلك انهيار للصفة الإلزامية للقانون الدولي العام.
ثانياً- نظرية الإرادة المشتركة:
نشأ القانون الدولي العام وفقاً لهذه النظرية نتيجة توافق إرادة الدول على ذلك وبالتالي يستمد صفته الإلزامية من إرادة جماعية مشتركة تفوق في السلطة الإرادة الخاصة أو المنفردة للدولة.
نقد:
1- إرادة هذه النظرية التحايل بخلق سلطة أعلى من إرادة الدولة حيث يمكن أن تجتمع إرادة الدول مرة أخرى للتحلل من إلزام القانون الدولي.
2- هذه النظرية لا تفسر لنا سبب التزام الدول التي تدخل حديثاً في الجماعة الدولية بقواعد القانون الدولي مع أنها لم تشترك بإرادتها في خلق القانون الدولي.
الفصل الثاني : المذهب الموضوعي
تبحث هذه المدرس عن أساس القانوني خارج دائرة الإرادة الإنسانية، فأساس القانون وفقاً لهذا المذهب تعينه عوامل خارجة عن الإرادة ورغم اتفاق أنصار هذه المدرسة على ذلك إلا أنهم اختلفوا حول تحديد العوامل الخارجية المنتجة للقواعد القانونية إلى مذهبين.
أولاً- مذهب تدرج القواعد القانونية:
ويلقب بالمدرسة النمساوية، وبحسب هذا المذهب لكل نظام قانوني قاعدة أساسية يستند إليها ويستمد منها قوته الإلزامية، فالقواعد القانونية لا يمكن تفسيرها إلا بإسناده إلى قواعد قانونية أخرى تعلوها وهذه بدورها تستند إلى قواعد أعلى منها وبالتالي يكون القانون على شكل هرم يقبع في قمته قاعدة أساسية تستمد منها كافة القواعد قوتها الإلزامية وهي قاعدة قدسية الاتفاق والوفاء بالعهد وهي أساس الالتزام بأحكام وقواعد القانون الدولي.
نقد:
1- يقوم على الخيال والافتراض لأن القاعدة الأساسية هي مفترضة لم تفصح المدرسة النمساوية عن مصدر ولا عن قوتها الإلزامية أو سبب وجودها.
2- إذا سلمنا بوجود القاعدة الأساسية فلا بد أن تستند بدورها إلى قاعدة أعلى منها وهو ما لم يقدمه أنصار هذا المذهب.
ثانياً- مذهب الحدث الاجتماعي:
ويلقب بالمدرسة الفرنسية، وتتلخص أفكارها أن أساس كل قانون بصفة عامة والقانون الدولي خاصة هو في الحدث الاجتماعي حيث يفرض قيود وأحكام تكتسب وصف الإلزام نتيجة حاجة المجتمع الدولي إليها ونتيجة الشعور العام بحتميتها من أجل المحافظة على حياة الجماعة وعلى بقائها، فالقانون تبعاً لذلك، أساس الحياة الاجتماعي فهو ليس صادراً عن نظام وليس تعبيراً عن إرادة بل هو نتاج اجتماعي وواقعة محددة ذاع الشعور بوجودها، ومن هنا لا يعتبر أنصار هذا المذهب أن المشرع هو الذي يخلق القاعدة القانونية الداخلية أو الدولية، بل يقتصر دوره على كشف القواعد القانونية التي تنشأ نتيجة التفاعلات الاجتماعية التي تطلبها حاجات المجتمع وتطوراته والتي لم يتم تكوينها تلقائياً دون تدخل إرادات الأفراد أو الدول.
نقـد:
1- أساسه فلسفي، حيث لا يمكن أن يكون الحدث الاجتماعي أساس القانون لأن الجماعة الإنسانية سبقت القانون في الوجود.
2- القواعد الاجتماعية تختلف عن القانونية من حيث أسبقية الأولى في الوجود عن الثانية، ومن ثم لا يمكن أن تعد أساساً للواجبات التي تتحدد عن طريق القواعد القانونية الوضعية.
3- لا يمكن أن يستمد إلزام القاعدة القانونية أساسه من الإحساس بلزومها للمجتمع وإنما يرجع إلى حتمية توقيع الجزاء على من يخالف هذه القاعدة.
ومن خلال ما تقدم نرى الخلاف الكبير بين الفقهاء حول أساس القوة الإلزامية للقانون الدولي العام، لكن الرأي الغالب كان يرجح المذهب الإرادي والذي يقوم على رضاء الدول عامة صراحة أو ضمناً بالخضوع لأحكام القانون الدولي العام وهذا ما أبدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي. ولكن هذا الرأي يضعف من الأساس الذي يقوم عليه القانون حالياً.
كما أن وجود بعض القواعد التي لم توافق عليها الدول أو تسهم في إنشائها يجعل من الصعب الحديث عن إرادة مفترضة للدول مما يضعف الأساس الذي يستند إليه القانون الدولي ويؤدي إلى التشكيك في وجوده ويعرضه للهدم.
وأياً كان الرأي فإن هذا الموضوع يخرج من إطار القانون الوضعي ليدخل في دائرة البحث ضرورات الحياة وحاجاته والحاجة إلى وجود قواعد تنظم علاقات الشعوب بين بعضها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً