مفهوم النظام العام
تعريف النظام العام :
لقد تنوعت التعاريف الفقهية للنظام العام تنوعا كثيرا ومرده يعود إلى سببين ، وأول سبب يعود إلى مفهوم النظام العام في بلد معين أو زمن معين ، أو في مجتمع سياسي معين ، وثاني سبب يعود إلى مدى تطبيق أو شمول نطاقه.
ولقد عرفه – جودو ليوري لا مردا ندير- “بأنه مجموعة الشروط اللازمة للأمن والآداب العامة التي لا غنى عنها لقيام علاقات سليمة بين المواطنين بما يناسب علاقاتهم الاقتصادية”.
ويتجه شراح القانون المدني منهم – كابتن بايس- إلى تحديد النظام العام ، على نحو يختلط بالمصلحة العامة والمحافظة على الدولة.
ويتجه فريق من الفقهاء إلى التأكيد على الطابع غير المحدد لفكرة النظام العام ، غير أن الجمهور يتجه إلى القول بأن النظام العام ، يمكن تحديده في عناصر المتمثلة في الأمن العام والسكينة والصحة والآداب ، وأسباب الاختلاف في تعريف النظام العام هو طبيعة في تعريف النظام العام هو طبيعة هذا النظام هل هو حالة واقعية أم فكرة خلقية أو شعورية ، وقد ذهب في هذا الصدد العلامة –هوريو- إلى أن النظام العام حالة فعلية معارضة للفوضى وترتبط بالوقائع وتتقيد مع الظروف ومجمل القول أن النظام العام هو :
مجموعة من القواعد الجوهرية التي يبنى عليها كيان الجماعة سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم خلقية.
الجوانب المؤثرة في النظام العام :
إن النظام العام الذي يقوم علية كيان الجماعة هو نظام عام يتلاءم مع طبيعة وخصوصيات المجتمع لآن قواعده مستوحاة من حياة الأفراد ومعاملاتهم وتصرفاتهم اليومية ، هذا وقد تؤثر في النظام العام بعض المؤثرات منها:
أ)- الجانب السياسي : إن المجتمعات تختلف باختلاف أنظمتها السياسية التي تحكمها فمنها ذات النظام الديمقراطي الذي يقوم على انتخاب الشعب لممثليه ، ومنها من أخذت بالنظام الملكي القائم على الوراثة ، ومنها من إنتهجت النظام الديكتاتوري الذي يقوم أساسا على من يملك القوة يملك السلطة والحكم.
ب)- الجانب الاقتصادي : تختلف المجتمعات باختلاف أنظمتها الاقتصادية فمنها من انتهجت النظام الاقتصادي الاشتراكي ، وهذا النظام تسيطر فيه الدولة على جميع أوجه حياة النشاطات الاقتصادية حيث تتوسع فيه فكرة النظام العام والقواعد الآمرة والناهية التي تنظم الاقتصاد ، خلافا لما هو عليه في المجتمعات التي أخذت بالنظام الليبرالي الحر الذي يقوم أساسا على حرية الأفراد في التجارة والملكية وتقل فيه القواعد الآمرة وتضيق فيه فكرة النظام العام.
ج)- الجانب الثقافي : تختلف المجتمعات أيضا باختلاف رصيدها الثقافي ، وهذا الأخير له الدور الهام والفعال في تقدم المجتمعات ورقيها والمحافظة على استقرار كيانها.
د)- الجانب الأخلاقي : لكل مجتمع أخلاقه وعاداته وتقاليده التي تميزه عن غيره والمستمدة من تجاربه وخصوصياته ، وللجانب الأخلاقي أيضا الدور الهام في استقرار المجتمعات وتقدمها.
هـ)- الجانب الديني : كما أن المجتمعات تختلف باختلاف دياناتها وعقيدتها التي تؤمن بها حيث أن الجانب الديني هو الذي تسير وفقه الجماعة وتقتنع به ، فهناك تمايز كبير بين المجتمعات التي تحكمها وتنظمها ديانات سماوية بين المجتمعات التي تحكمها قواعد وضعية.
و)- الجانب العرفي : إن المجتمعات تختلف باختلاف تواجدها والعادات والأعراف والسلوكيات التي حافظت عليها عبر تاريخها الطويل والتجارب المكتسبة ، والعرف : هو اطراد الأفراد على إتباع سلوك معين في حياتهم اليومية حتى تصبح العادة المتبعة ملزمة لهم ويجب عدم مخالفتها.
والعرف له قسمين :
1)- الجانب المادي : هو اطراد الأفراد على إتباع سلوك معين.
2)- الجانب المعنوي : إحساس الأفراد بإلزامية إتباع هذا السلوك وعدم مخالفته.
شرعية النظام العام : يعتبر النظام العام نظام جماعي وضعته الجماعة والتزمت به ، وهو بذلك يعبر عن الإرادة الجماعية ، فهو ينظم جميع نواحي الحياة في المجتمع-سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية ،دينية وهو ليس وليد الإرادة الفردية بل يعبر عن الإرادة الجماعية ويستمد حصانته من مدى تقبل الجماعة السائدة فيها ومن هنا تبدو شرعيته.
طبيعة النظام العام : يمكن القول أن النظام العام يستند إلى دعامتين هما :
أولا : صفة العموم : تعتبر صفة العمومية على جانب من الأهمية في تشكيل النظام العام ذلك أن تقييد الحريات عن طريق الضبط الإداري لا يمكن تحقيقه إلا قولا بأن هذا التقييد تفرضه ضرورة حفظ الجماعة من التهديد في أمنها وصحتها وسكينتها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومن هنا فإن النياتو المعتقدات ، التي لا تبرح في دخيلة الفرد ، وكذلك التصرفات التي يمارسها الفرد في نطاق ملكه الخاص ، حين لا يكون لها مظهر خارجي مهدد للعناصر التي يتألف منها النظام العام ، فإنها تخرج عن أن تكون نظاما عاما ، وهذا يكون تدخل الضبط الإداري حول ما يدور في المحال العامة ضرورة لتعلق ذلك بأمن من تدعوهم الضرورة إلى خشيان هذا المحل ، ومن هنا يتبين أن صفة العمومية كعنصر من عناصر النظام العام تمثل ركن هذا النظام الذي بانتقائه لا يصبح نظاما عاما.
ثانيا : الطبيعة المادية للنظام العام : حينما يكون هناك توجه لحماية النظام العام إنما يكون بإنقاذ مظهره المادي وذلك بحماية الجمهور من الاضطراب عن طريق إستئصال أسبابه وتخليص الأفراد منه صونا لصحتهم وتيسير الممارسة حرياتهم المكفولة قانونا ، ومن هنا يحق لهيئات الضبط الإداري تحويل الباعة المتجولين ، وكذا المتسولين.
ولقد أشار العلامة –ديكي- بأنه إذا أريد للحرية أن تمارس في الطريق وهو مخصص بطبيعته لمزاولة بعض مظاهرها أو في المحافل التي يرتادها الجمهور فإنه من الضروري أن تخضع هذه الحرية لنظام ضابط محكم ، لا يقصا منه أن المشرع يبغي كبت هذه الحرية ، ومن ثم يعتبر كل تدبير تشريعي ضابط متجها إلى كفالة النظام والسكينة والأمن في الطريق العام سائغا مشروعا.
1- موقف الفقه : عندما يكون هناك توجه لحماية النظام العام فإنما يكون لإنقاذ مظهره المادي ، أما الحفاظ على الآداب ا لعامة ، والتي تسمى بالنظام الخلقي فقد أثار جدلا في الفقه الإداري ، وذهب الفقيه – هوريو- إلى ” أن فكرة النظام العام يجب أن تحمل مدلول النظام العام المادي المحسوس ، الذي يعتبر بمثابة حالة مناقضة للفوضى ، أما الحفاظ على النظام العام الأدبي والإبقاء على هذا الوضع الذي يسود الأفكار والمعتقدات والأحاسيس فلا يقع تحت سلطات الضبط الإداري ، ومع ذلك فإن إتخذ الإخلال بالنظام العام الأدبي مظهرا خطيرا من شأنه أن يعكر هذا النظام المادي وأن يهدده تهديدا مباشرا فإن للضبط الإداري أن يتدخل لوقف هذا التهديد بوسائله المعروفة ولا جناح عليه في ذلك.
2- موقف القضاء : أما القضاء الإداري فقد اتجه إلى تسويغ تدخل الضبط الإداري في منطقة النظام الخلقي ، وأصبحت الآداب العامة التي يحرص عليها الضبط الإداري ، ليست الأخلاق الفاضلة في جوهرها الموضوعي الثابت ، بل هي الحد الأدنى الذي إذا لم يحرص عليه ، أفضى ذلك إلى انهيار الحياء الخلقي في الجماعة ، وبالتالي يترتب عليه اضطراب النظام المادي لها.
عناصر النظام العام التقليدية :
أولا : الأمن العام : ويقصد به كل ما يطمئن الإنسان على نفسه وماله من خطر الاعتداء ، ويكون ذلك باختفاء الحوادث والإضطرابات التي من شأنها إلحاق الضرر بالأشخاص والأموال ، واتخاذ الحيطة بالنسبة للحوادث التي من شأنها إحدى النتائج المتعلقة بالأمن والسلامة العامة مثل المظاهرات في الطريق العام ودرء المؤامرات والفتن الداخلية واتخاذ الإحتياطات اللازمة ضد المخاطر الطبيعية.
ثانيا : الصحة العامة : ويقصد بها وقاية صحة الجمهور من الأمراض ومقاومة جميع الآفات وكل الأسباب التي تمس بالصحة العامة والحيلولة دون انتشارها والاحتياط من كل ما قد يكون سببا للإخلال بالصحة العامة ، وذلك بالنسبة للإنسان والحيوان والأمكنة ، فللسلطة الإدارية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمراقبة الأغذية وعدم تلويث المياه ، وأن تشترط شروطا معينة بالنسبة للمحلات لاسيما الخطرة منها والمضرة بالصحة.
ثالثا : السكينة العامة : ويقصد بها المحافظة على حالة السكون والهدوء ومنع حدوث حالات لا تعتبر في حد ذاتها مخلة بالأمن والسلامة العامة ، ولكنها تخل بالسكينة وتزعج الناس مثل الضوضاء التي تقلق الراحة مثل أبواق السيارات داخل المدن وفي ساعات معينة من الليل أو أصوات الباعة المتجولين كل ذلك يستدعي تدخل الإدارة.
اترك تعليقاً