الدعوى الجزائية عن جريمة غصب الأموال
يقصد بالدعوى الجزائية : وهي الوسيلة التي من خلالها يستطيع المجتمع عن طريق القضاء محاسبة فاعل الجريمة الذي عكر أمنه وسلامته وعرض مصالحه للخطر وتبدأ الدعوى الجزائية بالشكوى وتنتهي غالباً بالعقوبة ، أو هي عبارة عن مجموعة من الاجراءات التي يحددها القانون للوصول الى الحقيقة وتحقيق العدالة ، وتطلق على الدعوى الجزائية تسمية الدعوى العامة وهي تهدف الى ملاحقة المجرم واحالته الى المحكمة للاقتصاص منه بسبب ما ألحقه من ضرر بالهيئة الاجتماعية .
وقد حدد قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي الوسائل التي تحرك الدعوى الجزائية بها وهي الشكوى والاخبار، فقد أعطى القانون للمتضرر من اي جريمة او من يقوم مقامه قانونا او اي شخص علم بوقوعها بتحريك الدعوى الجزائية بشكوى تحريرية او شفوية تقدم الى قاضي التحقيق او المحقق او الى اي مسؤول في مركز الشرطة او اي عضو من اعضاء الضبط القضائي أو بإخبار يقدم الى اي منهم من الادعاء العام مالم ينص القانون على خلاف ذلك، والمتضرر في الدعوى الجزائية قد يكون شخصا طبيعيا او شخصا معنويا او قد يكون من وقع عليه الضرر شخصيا او يكون واقعا على شخص آخر شريطة ان يكون قد لحقه ضرر من هذه الجريمة ،ويقصد بالشكوى هي ابلاغ المجني عليه او وكيله للجهات المختصة عن جريمة معينة طالبا مباشرة الاجراءات القانونية ضد مرتكبها ، او هي الشكوى العامة التي يحق لكل شخص سواء كان مجني عليه او متضرر من الجريمة أم فردا عاديا علم بوقوعها ان يقدم شكوى ويحرك الدعوى الجزائية ، وهي تختلف عن الشكوى المقصودة في المادة(3) من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي يقصد بها الشكوى التي تقدم من المجني عليه او من يمثله قانوناً .
فالمادة (3) حددت الجرائم التي لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى من المجني عليه أو من يمثله قانونا أو بناء على طلب من جهة مختصة أو بأذن خاص . وبموجب ذلك يمكن للمجني عليه في جريمة غصب الأموال ولمن تضرر منها أو لمن علم بالجريمة أن يحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية أو تحريرية الى الجهات المختصة التي تم ذكرها سابقاً الا اذا كان المجني عليه زوجا للجاني او احد أصوله او فروعه ولم تكن هذه الأشياء محجوزا عليها قضائيا او إداريا او مثقلة بحق لشخص آخر، فإنها لا تحرك إلا بناء على شكوى تقدم من المجني عليه .
فالمشتكي هنا هو من ارتكبت الجريمة ضده او ضد ماله او عرضه او من خوله القانون حق الشكوى، اما المخبر فهو كل من يتولى الاخبار عن الجريمة وهو شخص لا علاقة له بالجريمة . والاخبار عن الجريمة يعني إبلاغ السلطات المختصة عن وقوع جريمة سواء اكانت الجريمة واقعة على شخص المخبر أو ماله او شرفه او على شخص الغير او ماله او شرفه وقد تكون الدولة او مصالحها او الملكية الاشتراكية هي محل الاعتداء ، والاخبار يمكن ان يكون شفويا او تحريريا وعلى الجهات المختصة عند تلقيها الاخبار عن وقوع جريمة ان تحرك الدعوى الجزائية اذا كانت الجريمة من الجرائم التي لا تحتاج تقديم شكوى من المجني عليه ،وتتميز الشكوى عن البلاغ هو ان الشكوى لاتصدر الا من المجني عليه او وكيله اما البلاغ فانه يمكن ان يصدر من اي فرد ، ويستطيع المجني عليه في جريمة غصب الأموال تقديم الشكوى والسير في الدعوى الجزائية في اي وقت يشاء لان المشرع العراقي لم يأخذ بالتقادم في الدعوى الجزائية او تقادم العقوبة بإستثناء بعض الحالات التي تم ذكرها في بعض القوانين ومنها المادة السادسة من اصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ والمادة 378 من قانون العقوبات النافذ وقانون رعاية الاحداث المرقم 76 لسنة 1983م النافذ .
ويقصد بالتقادم هو مرور الزمان او مضي المدة التي يحددها القانون من تاريخ وقوع الجريمة او من تاريخ آخر إجراء تم في الدعوى دون القيام بأي إجراءات اخرى للسير فيها .
أما اذا كان المجني عليه في جريمة الغصب هو زوج للجاني او احد اصوله اوفروعه وأراد استعمال حقه بالشكوى فيجب ان يقدم الشكوى خلال ثلاثة اشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة او زوال العذر القهري الذي يمنعه من تقديم الشكوى، لان حق الشكوى ليس مطلقاً في أي وقت كما في الجرائم الاخرى التي لم يرد ذكرها في المادة (3) من اصول المحاكمات الجزائية فهذا الحق قيد بمدة ثلاثة أشهر من يوم العلم بالجريمة او زوال العذر القهري الذي حال بينه وبين تقديم الشكوى فاذا مضت المدة ولم يقدم الشكوى سقط حقه فيها ، كما يسقط الحق في الشكوى في حالة وفاة المجني عليه مالم ينص القانون خلاف ذلك ولا ينتقل هذا الحق لورثته اما اذا قدمت الشكوى من قبل المجني عليه قبل وفاته فذلك لا يؤثر على الدعوى الجزائية او السير فيها كون المجني عليه أظهر رغبته بالمطالبة باتخاذ الاجراءات الجزائية ضد المتهم كما يستطيع الورثة الاستمرار بالمطالبة بالحق المدني ، كما يحق للمجني عليه من جريمة غصب الاموال اذا كان زوجا او احد فروع او اصول الجاني ان يتنازل عن الدعوى الجزائية عندما يرى مصلحته تتعارض مع السير في الدعوى .
يقصد بالدعوى المدنية : هي الدعوى الناشئة عن الجريمة ،أي ان لكل من لحقه ضرر مباشر مادي او أدبي من أية جريمة أن يدعي بالحق المدني . ويكون للمضرور من جريمة غصب الأموال الحق في أن يقيم دعواه المدنية امام المحاكم الجزائية تبعا للدعوى العامة او امام المحاكم المدنية للمطلبة بالتعويض عن الضرر .ونظرا لوجود محاكم مدنية تختص بنظر دعاوى الحق العام ومحاكم مدنية تختص بنظر دعاوى الحق الشخصي، فالاصل ان ترفع كل دعوى من هذه الدعاوى امام المحكمة المختصة، فترفع الدعوى الجزائية امام المحكمة الجزائية والدعوى بالحق المدني امام القضاء المدني، ولما كان الحكم في الدعوى الجزائية يستلزم البحث في اثبات او نفي الجريمة ولما كانت هذه الجريمة بذاتها هي اساس الدعوى المدنية فقد اجاز المشرع للمدعي المدني ان يضم دعواه المدنية الى الدعوى الجزائية .
لقد بيًن قانون أصول المحاكمات الجزائية نوعية الضرر الناشيء عن الجريمة التي يمكن للمدعي بالحق المدني المطالبة به وهو ان يكون الضرر مباشراً سواء كان ماديا ام معنويا ويجب ان يكون هذا الضرر قد اصاب المتضرر شخصيا وان يكون الضرر حالا وليس احتماليا وان يكون هناك علاقة بين الضرر الحاصل والجريمة كما يجب ان يكون معين او قابلا للتعيين وان يكون قد اصاب مصلجة مشروعة محمية قانونا ، فضلا عن ذلك لابد للمحكمة الجزائية حتى تحكم بالتعويض ان تقضي بثبوت التهمة على المدعي عليه المتهم وان تكون عناصر الجريمة متكاملة، اما اذا تبين للمحكمة ان الجريمة التي تولد الضرر عنها لم تقع من المدعى عليه (المتهم) فينبغي على المحكمة ان تقضي ببراءة المتهم وبعدم اختصاصها في نظر الدعوى المدنية .
وقد أجاز القانون للمتضرر من جريمة غصب الأموال أو من أي جريمة اخرى ان يدعي بالحق المدني (التعويض عن الضرر) ضد المتهم بالجريمة والمسؤول مدنياً عن فعله امام المحاكم الجزائية اثناء النظر في تلك الجريمة وكما ورد في قانون أصول المحاكمات الجزائية (لمن لحقه ضرر مباشر مادي او ادبي من اية جريمة ان يدعي بالحق المدني ضد المتهم والمسؤول مدنيا عن فعله مع مراعاة ما ورد في المادة التاسعة بعريضة او طلب شفوي يثبت في المحضر اثناء جمع الادلة او اثناء التحقق الابتدائي او امام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية في اية حالة كانت عليها حتى صدور القرار فيها ولا يقبل ذلك منه لاول مرة عند الطعن تمييزا) .
كما ورد نص مماثل في القانون المصري (يجوز رفع الدعوى المدنية مهما بلغت قيمتها بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجنائية لنظرها مع الدعوى الجنائية) ويتبع في نظر الدعوى المدنية امام المحكمة الجزائية اجراءات قانون اصول المحاكمات الجزائية، وللمتضرر من جريمة الغصب الخيار في ان يرفع دعواه للمطالبة بالحق المدني تبعا للدعوى الجزائية امام المحكمة الجزائية التي تنظر في الجريمة او يرفعها امام المحكمة المدنية، فإذا اختار المتضرر المطالبة بالحق المدني امام المحاكم المدنية فيكون القانون الواجب التطبيق هو القانون المدني وقانون المرافعات المدنية .وقد أورد المشرع العراقي في القانون المدني العراقي عدة مواد خاصة بالمسؤولية المدنية التي تقع على الغاصب نتيجة ارتكابه جريمة غصب الأموال، فأعطى الحق للمغصوب منه سواء كان المغصوب منقولا أو عقارا أن يسترده عيناً أن بقى المغصوب على حاله وان مصاريف نقله ورده تقع على عاتق الغاصب دون الإخلال بالتعويض عن الإضرار الأخرى التي يسببها الغصب للمغصوب منه كفوات المنفعة .
أما إذا هلك المغصوب فقد نص القانون المدني العراقي على ما يلي:- (يضمن الغاصب إذا استهلك المال المغصوب أو أتلفه أو ضاع منه أو تلف كله أو بعضه بتعديه أو بدون تعديه ) . يتضح من هذه المادة ان الغاصب يلتزم برد مثل المغصوب اذا كان مثليا وبأداء قيمته ان كان قيمياً . كما ورد في القانون المدني العراقي ( اذا تغير المغصوب عند الغاصب فالمغصوب منه بالخيار ان شاء استرد المغصوب عينا مع التعويض عن الاضرار الاخرى وان شاء ترك المغصوب ورجع على الغاصب بالضمان) .
وفي حالة رفع المتضرر دعواه بالحق المدني امام المحكمة المدنية والدعوى الجزائية امام المحكمة الجزائية فعلى المحكمة المدنية ان تستأخر النظر في الدعوى المدنية لحين الفصل في الدعوى الجزائية لان للحكم الجزائي حجية على الدعوى المدنية واذا اراد ان يرفع دعواه بالحق المدني امام المحكمة الجزائية التي تنظر بجريمة الغصب ولم تصدر حكم بات فيها، فله ذلك على ان يبطل دعواه امام المحكمة المدنية
اما في حالة كون مرتكب جريمة غصب المال غير اهل للتقاضي كأن يكون صغير او مصاب بعاهه عقلية فعلى المتضرر ان يطالب من هو مسؤول عنه بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من تلك الجريمة ، وفي هذه الحالة يحق لمن يمثل المجنون الرجوع عليه بما دفعه عنه من تعويضات للغير نتيجة للضرر الذي أحدثه فيهم .
د. حامد جاسم الفهداوي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً