التعريف بالمسؤولية المدنية في القانون المغربي و أركانها
المسؤولية المدنية هي التزام شخص بتعويض عن ضرر الحقه بالغير، سواء كان هذا الالتزام محددا في نصوص او غير محدد، وهي عقدية إذا وقع الإخلال بعقد قائم بين المخطئ والمتضرر، وتقصيرية وهي موضوع عرضنا هذا – وتقوم إذا وقع الإخلال
بالتزام قانوني عام، يوجب عدم إلحاق ضرر بالغير سواء كان هذا الإخلال عمدا كمن يرمي حجرا على شخص عمدا فيصيبه بجروح، او غير عمد، كمن يجري فيعثر ويمسك بشخص بجواره ليتفادى السقوط فيمزق ثيابه او يسقط شيئا كان يحمله الشخص في يده فيتكسر، وقديما قال فقهاء الشريعة الإسلامية ” العمد والخطا في أموال الناس سواء” اي ان المتسبب في الضرر يضمن سواء كان فعله عمدا او خطا.
والمسؤولية المدنية تقوم في كلتا الحالتين، اي سواء كان الفعل مقصودا او غير مقصود، فقد نص الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود على ان ” كل فعل ارتكبه إنسان عن بينة واختيار ومن غير ان يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير، الزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، اذا اثبت ان ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر، وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر”.
ونص الفصل 78 من نفس القانون على ان “كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي او المادي الذي أحدثه لا بفعله فقط، ولكن بخطاه أيضا، وذلك عندما يثبت ان هذا الخطا هو السبب المباشر في ذلك الضرر” .
من التدقيق في الفصلين السابقين يتبين ان المشرع المغربي على غرار الشريعة الإسلامية، الزم كل من تسبب في الضرر سواء بخطإه او بفعله العمدي، ان يعوض المتضرر عما احدثه له من ضرر .
الفصل الثاني :
أركان المسؤولية التقصيرية من التدقيق في الفصلين المشار اليهما أعلاه يتبين ان أركان المسؤولية التقصيرية ثلاثة وهي :
1) الخطا –
2) – الضرر –
3) – العلاقة السببية بين الخطا والضرر
البحث الأول : الخطا :
الخطا هو الركن الأول والاهم في المسؤولية التقصيرية، وهو الإخلال بالتزام قانوني عام، مع ادراك هذا الإخلال من طرف المخطئ. والخطا سواء كان بالفعل او بالترك يوجب المسؤولية .
فالخطأ بالفعل هو الخطأ الإيجابي أي عندما يقوم المخطئ بعمل مخالف للقانون والاعراف واللوائح، كمن يقتل شخصا او يتلف مال غيره، وكل جريمة تنشا عنها مسؤولية تقصيرية متى نتج عنها ضرر للغير .
والخطأ بالترك او الخطأ السلبي، يقوم اذا ترك المخطىء ما كان يجب عليه فعله، كأن يحفر شخص حفرة على حاشية الطريق، ويهمل الإشارة اليها او اضاءتها ليلا لينبه المارة اليها فيسقط فيها شخص – ويصاب بجروح او ان يوقف سائق عربته اختياريا او اضطراريا على قارعة الطريق، ولا يضع علامة العطب أمام وخلف العربة بمسافة محددة فتصطدم بها عربة أخرى، فان كلا من الشخصين يكون مسؤولا عن الاضرار التي احدثها للغير بسبب تركه ما كان يجب عليه فعله، وكذلك مالك منزل يتركه يتآكل ولا يقوم بصيانته والمحافظة عليه فيسقط نتيجة القدم فيصيب أشخاصا في ابدانهم او أموالهم فان مالك المنزل يكون مسؤولا عن هذه الأضرار، (الفصل 89 من قانون الالتزامات والعقود ) .
والخطأ السلبي أوسع من الخطأ الإيجابي في الحياة اليومية، ذلك ان الخطا الإيجابي ينشا عن كل مخالفة للأعراف والعادات والقوانين والتقاليد متى تسببت هذه المخالفات في احداث ضرر للغير، لان كل شخص ملزم بان يتخذ ما من شانه ان يمنع الضرر والأذى عن الغير، والا كان مسؤولا عن هذا الضرر .
والخطاء بدوره، يتكون من عنصرين :
الأول : عنصر مادي او موضوعي وهو الفعل الضار ويسمى اصطلاحا بالتعدي .
الثاني : عنصر معنوي وهو ادراك الشخص للخطا الذي ارتكبه ويسمى ايضا التمييز .
1) التعدي :
التعدي هو الإخلال بالتزام قانوني عام، سواء كان محددا في نصوص او غير محدد، وهو ايضا الانحراف عن سلوك الشخص العادي في تصرفاته .
ولكن ما معيار هذا الانحراف ؟ ومن هو الشخص العادي الذي يجب ان يتخذ مثالا ومقياسا لكل شخص وقع به الخطا حتى نتمكن من مساءلته ؟ الواقع ان هناك خلافا كبيرا بين الفقهاء في تحديد المعيار الذي يجب ان يقاس به هذا الانحراف، اهو معيار شخصي ينظر فيه الى الشخص المعتدي ؟ ام هو معيار موضوعي ينظر فيه الى الاعتداء نفسه بقطع النظر عن الشخص الذي قام به ؟ ، فاذا اعتمدنا على المعيار الشخصي، كان علينا ان ننظر الى الاعتداء من خلال الشخص المعتدي، فنبحث هل الفعل الذي قام به يعتبر بالنسبة اليه انحرافا عن السلوك العام القويم ام لا ؟ والحقيقة انه بالاعتماد على المعيار الشخصي نكون امام عدة معايير تختلف باختلاف الاشخاص وتتعدد بتعددهم، ذلك ان سلوك الشخص الذكي الحاذق يختلف عن سلوك الشخص الغبي البليد، كما ان سلوك الشخص الحذر اليقظ يختلف عن سلوك الشخص المتهور المهمل، فاي انحراف من الشخص الذكي اليقظ يعد تعديا يستوجب مسؤولية بينما نفس الانحراف من الشخص المتوسط الذكاء او الغبي لا يعد تعديا، وبالتالي فلا مسؤولية عليه، وفي الاعتماد على هذا المعيار اي المعيار الشخصي ضرر على المعتدى عليه وضياع لحقوقه .
ولنفرض ان شخصا واحدا تعرض لاعتدائين بنفس المستوى من شخصين احدهما ذكي متبصر والثاني غبي مهمل، فان المتضرر يستحق تعويضا عما لحقه من ضرر بسبب تعدي الشخص الذكي، بينما لا يستحق تعويضا من الشخص البليد المتهور، لان ما قام به هذا الاخير لا يعد تعديا بالنسبة اليه يوجب مسؤوليته .
هذا بالإضافة الى ان هذا المعيار يتعدد حسب تعدد الأشخاص ودرجات ذكائهم ويقظتهم وسلوكهم في الحياة، وهو امر يصعب معه حصر حالة كل شخص على حدة .
كما ان الاعتماد على المعيار الموضوعي، اي النظر الى التعدي في حد ذاته بقطع النظر عن الشخص المعتدي، فيه ضرر كبير على أولئك المعتدين الذين يتمتعون بمواصفات عقلية بسيطة متخلفة. وقد استقر الفقه ثم القضاء من بعده على الاعتماد على المعيار الشخصي، ولكن باتخاذ الشخص المتوسط في الحياة لا الشديد الذكاء والحذر واليقظ، ولا الغبي المتهور المهمل، وهو الشخص العادي الذي اطلق عليه “رب الأسرة” وهو شخص عادة يكون متبصرا ومحافظا على مستقبل أسرته وسلامتها، من غير ان يتمتع بذكاء حاد وحذاقة مرموقة فكل شخص وجد في نفس ظروف هذا الشخص الخارجية لا الداخلية، لان الظروف الداخلية تختلف باختلاف الأشخاص من حيث الجسم والجنس والمزاج – وارتكب عملا فيه انحراف نقيسه بهذا الرجل الذي اذا ما وجد في مثل ظروفه، هل ينحرف هذا الانحراف ام لا ؟ وهل يقوم بما قام به هذا الشخص المعتدي ام لا ؟ فاذا كان في مثل ظروفه وانحرف بالنسبة لهذا الشخص يعد مسؤولا، واذا لم ينحرف لا يعد مسؤولا، لنضرب لذلك مثلا ما دامت مناظرتنا هذه حول حوادث السير : شخص يسوق سيارة ليلا فيدوس احد المارة ويتسبب له في جروح، فينبغي ان ننظر الى سلوك هذا الشخص في ظروفه الخارجية لا الداخلية من حيث كونه متوتر الأعصاب او ضعيف البصر، او مرهقا بكثرة العمل” لان رب الأسرة النموذجي الذي اخترناه مقياسا لا يتصف بواحدة من هذه الصفات واذا كان في حالة منها فانه يمتنع عن السياقة، وننظر هل كان السائق يسير بسرعة غير متلائمة مع الزمان والمكان الذي يجتازه وهل الطريق واضحة الرؤية ام لا ؟ وهل يتوفر على فرامل؟ وهل استعمل الفرامل فعلا في الوقت المناسب فاذا تبين ان السائق فعل كل هذه الاحتياطات وهي الاحتياطات التي يمكن للرجل العادي ان يقوم بها، فان ما قام به هذا السائق لا يعد انحرافا يوجب مسؤولية .
وان لم يفعل بعضها او لم يقم باي منها فان فعله هذا يعد انحرافا يستوجب – مسؤوليته وهكذا نرى ان المعيار الشخصي معيار مرن يحقق العدالة للطرفين اكثر من المعيار الموضوعي .
2 ) الإدراك :
نص الفصل 177 اعلاه ” كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار ” فالبينة اذن وهي ادراك الشخص للعمل الذي يقوم به ويعرف انه فعلا يقوم بعمل فيه ضرر للغير، فاذا انعدم هذا الادراك انعدمت مسؤولية المعتدي وقد اكد هذا الاتجاه الفصل 96 من نفس القانون فقد نص على ان القاصر عديم التمييز لا يسال مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله” ويطبق نفس الحكم على فاقد العقل بالنسبة الى الاعمال الحاصلة في حالة جنونه .
وبالعكس من ذلك يسال القاصر عن الضرر الحاصل بفعله اذا كان له من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج اعماله ” .
فالادراك او التمييز هو مناط الخطا وبالتالي مناط المسؤولية التقصيرية تقوم بقيامه وتنعدم بانعدامه .
وقد سوى المشرع المغربي بين القاصر الذي يقل عمره عن 12 سنة وبين فاقد العقل اذا ارتكب هذا الاخير خطا وهو في حالته هذه، وذلك لانعدام التمييز لدى كل منهما .
فالقاصر غير المميز او المجنون لايسال كل منهما عن الاخطاء التي يرتكبها وذلك لعدم امكان نسبة الخطا لكل منهما، لانعدام ادراكه، لكن اذا كان المتضرر لايمكنه مقاضاة القاصر غير المميز او فاقد العقل، فان باستطاعته مقاضاة المسؤول عن رقابة كل منهما، سواء كانت الرقابة قانونية كالاب او الوصي او المقدم او كانت اتفاقية كمراقبي مختلي العقل، او المعلمين او معلمي الحرف اثناء وجود المتسببين في الضرر تحت رقابتهم .
مسالة فاقد التمييز مباشرة
تميل بعض التشريعات الحديثة الى مساءلة عديم التمييز وفاقد العقل عن الاخطاء – التي يرتكبها كل منهما في حالة عدم امكان مساءلة غيرهما وكان المتسبب في الضرر مليئا والضحية فقيرا وهم يعتمدون في هذا المعيار الموضوعي ومن هذه التشريعات .
1) التشريع المدني الالماني : فقد نصت المادة 829 منه على انه ” من لا يكون مسؤولا عن ضرر وقع منه يجب عليه مع ذلك اذا لم يمكن الحصول على تعويض ممن تجب عليه رقابته ان يعوض هذا الضرر بقدر ما تقضي به العدالة مع مراعاة الظروف وعلى الاخص مركز الطرفين ” .
2) التشريع السويسري : فقد نص الفصل 54 من قانون الالتزامات السويسري على انه ” يجوز للقاضي ان يحكم على عديم التمييز باصلاح كل او بعض الضرر الذي وقع منه ” .
3) القانون المدني الايطالي : فقد نصت المادة 2047 منه في فقرتها الثالثة على انه “عند عدم استطاعة المضرور الحصول على تعويض ممن تجب عليه رقابة عديم التمييز يجوز للقاضي على اساس الظروف الاقتصادية للطرفين ان يحكم على عديم التمييز، بتعويض عادل” .
ومن التشريعات العربية التي اتجهت هذا الاتجاه. التشريعين المدنيين المصري والسوري فقد نص الفصل 164 من القانون المدني المصري المطابق تماما للفصل 165 من القانون المدني السوري على انه ” يكون الشخص مسؤولا عن اعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز .
ومع ذلك اذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من هو مسؤول عنه او تعذر الحصول على تعويض من المسؤول جاز للقاضي ان يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصوم” ومن الجدير بالذكر ان كلا من المدنيين المصري والسوري جعل من التمييز هو بلوغ 7 سنوات كاملة .
ومن الملاحظ ان النصوص المشار اليها اعلاه تنص في اغلبها على التعويض العادل ومركز الخصوم، ومعنى هذا، التعويض يجب ان يكون اقل من التعويض العادي فاذا ما ارتكب شخص مميز ضررا ضد شخص اخر بنفس درجة الضرر الاول فان المتضرر يحصل على تعويض من الشخص الراشد اكثر من التعويض الذي يحصل عليه المتضرر من عديم التمييز ذلك ان التعويض المحكوم به على فاقد التمييز هو تعويض استثنائي والاستثنائي يجب الا يتوسع فيه .
ومما ينبغي ملاحظته ان حالة عديم التمييز هذا اي الذي ليس له وصي او مقدم تكاد تكون منعدمة في تشريعنا، ذلك ان لكل قاصر مقدما او وصيا وخاصة اذا ورث مالا فانه يقام له مقدم لتدبير امواله ومراقبة احواله وبالتالي يكون مسؤولا عن الاخطاء التي يرتكبها في الظروف العادية اي في الاحوال التي يكون تحت رقابته .
الركن الثاني
الضرر :
الضرر هو الركن الثاني من اركان المسؤولية التقصيرية ذلك انه لا مسؤولية تقصيرية اذا ما ارتكب شخص مخالفة للقانون ولم يحدث ضررا للغير كمن يقود ليلا سيارته بدون انارة او من يسوقها في اتجاه ممنوع، او من يسوق ناقلة بدون رخصة السياقة فهؤلاء الاشخاص قد ارتكب كل منهم مخالفة للقانون وبالتالي ارتكب خطا الا ان هذا الخطا لم يتسبب في احداث ضرر للغير وبذلك ينتفي الركن الثاني من اركان المسؤولية، وبالتالي تنتفي المسؤولية التقصيرية، والضرر قد يكون ماديا اي يصيب المتضرر في ماله كمن تمزقت ملابسه او تحطمت سيارته نتيجة اصطدام او احترقت بضائعه المنقولة على متن ناقلة او اصيب في جسمه بجروح تستدعي علاجه، وتوقيفه عن العمل وقد تصل الى موت شخص نتيجة حادثة فيتضرر ورثته الذين تحت كفالة بفقد معيلهم وقد يكون الضرر معنويا اي يصيب المتضرر في عاطفته او شعوره كمن يفقد عزيزا عليه او تهان كرامته او يصاب بتشويه في جسمه وان كان التشويه يحدث ضررا ماديا ومعنويا يستحق عليه المتضرر تعويضا وسنتكلم عن كل منهما في بحث خاص .
البحث الاول :
الضرر المادي :
الضرر المادي هو الاخلال المحقق بمصلحة للمتضرر ذات قيمة مالية ولا يعتد بالضرر الا اذا توفر فيه الشرطان الاتيان .
1) ان يكون الضرر محققا .
2) ان يصيب حقا او مصلحة مالية للمتضرر .
1) ان يكون الضرر محققا .
ان مسؤولية المخطئ كما رأينا اعلاه لا تقوم، الا اذا وقع للمتضرر ضرر، لذلك نقول ان الضرر يجب ان يكون محققا وهو اما ان يكون قد وقع فعلا كالشخص الذي تعرض لحادثة سير اودت بحياته فيتضرر ورثته من جراء ذلك، وهذا الضرر تحقق وقد وقع فعلا كمن تعرض لحادثة واصيب بجروح، الا ان هذه الجروح لم تشف بعد ولم تستقر لمعرفة هل تركت عجزا جزئيا دائما للضحية ام لا ؟ فهذا ضرر محقق الوقوع وهو ما يسمى بالضرر المستقبل الا انه لم يحدد بعد ذلك كمن يحرق متجره فيهرع رجال المطافئ لمكان الحريق ويطفونها فبعضها اتت عليه النيران وبعضها اغرقته مياه رجال الاطفاء كما انه من الممكن ان يصاب مبنى المتجر باضرار نتيجة الحريق فهذه اضرار محققة الا انها لم تحدد بعد .
اما الضرر المحتمل وهو الضرر الذي قد يقع وقد لا يقع فلا تعويض عليه فالشخص الذي توفي ابنه في حادثة سير فيطالب بتعويض مادي عن الضرر الذي اصابه من جراء وفاة ابنه القاصر الذي كان منتظرا منه ان يدرس ويحصل على منصب عال يذر عليه ارباحا يتمكن بواسطتها من مساعدة ابيه على تكاليف الحياة، او ورثة مقتول يطلبون تعويضا ماديا عما كما ينتظر ان يعود عليهم من نفع مادي لو ان موروثهم بقي على قيد الحياة وتحقق احتمال ترقيته الى منصب اعلى فهذه كلها اضرار محتملة قد تحقق وقد لا تحقق وبالتالي يجب استبعادها – .
2) ان يصيب الضرر مصلحة مالية للمتضرر :
يشترط لقيام المسؤولية التقصيرية ان يكون الضرر قد اصاب مصلحة مادية للمتضرر وهناك فرق بين الحق المالي والمصلحة المالية، فالمصلحة المالية اوسع من الحق المالي واشمل ذلك ان الحق المالي هو المتعلق مباشرة بحقه في الحياة وحقه في المحافظة على املاكه واستغلالها، فالشخص الذي يصاب باضرار جسمانية يكون قد اصيب في حقه في المحافظة على سلامة جسمه، ومن اصيب في ماله كمن احرقت داره او تهدمت بفعل الغير يكون قد تضرر في حق مالي، وقد يصيب الضرر شخصا اخر بالتبعية باصابة هذا الشخص يصاب شخص اخر نتيجة لاصابة الشخص الاول فاذا ما قتل شخص فانه يصاب في حياته ويصاب اولاده وزوجته في حقهم في النفقة بوفاته، لانهم فقدوا فيه معيلهم .
اما المصلحة المالية فهي الاخرى تصيب شخصا اخر بسبب الضرر الحاصل لشخص اخر، فشركة التامين التي تؤمن رب معمل عن الحوادث التي يتعرض لها عماله بسبب العمل ويصاب احد هؤلاء العمال بحادثة تؤدي بحياته، فان شركة التامين المؤمن القانوني تضطر لدفع مبالغ تعويض، او ايراد لورثة الضحية الهالك ولها الحق في الرجوع على المتسبب في الحادثة، والذي اضطرها الى دفع مبالغ التعويضات، فان الشركة في هذه الحالة تصاب في مصلحة مالية، وكذلك الدولة لما تضطر لاحالة موظف على التقاعد بسبب الجروح التي اصيب بها نتيجة تعرضه لحادثة، فان من حق الدولة ان ترفع دعوى على المتسبب في الضرر لاسترجاع الصوائر المدفوعة (الفصل 28 من قانون التقاعد المدني) .
وهكذا نرى ان الضرر سواء اصاب حقا ماليا او مجرد مصلحة مالية فان المتضرر يستحق تعويضا عما لحقه من ضرر اما اذا كانت المصلحة المالية غير محققة او غير محققة الاستمرار فانها لا تعوض كمن يقيم دعوى ضد المتسبب في ضرر شخص اودى بحياته يطلب تعويضا من المتسبب في الحادثة عما لحقه من ضرر بسبب وفاة المتوفى بدعوى انه كان يساعده في معاشه او انه كان يقدم له بعض المساعدات بين الحين والاخر فان هذا الشخص لم يصب في مصلحة مالية محققة الاستمرار، او فرض وقوعها .
وكذلك يجب ان تكون المصلحة المالية مشروعة فالخليلة التي ترفع دعوى ضد المتسبب في وفاة خليلها تطلب التعويض عما لحقها من اضرار بسبب وفاته لان لها مصلحة في بقاءه حيا اذا كان ينفق عليها باستمرار، فان دعواها لا تسمع لعدم مشروعية علاقة الخليلة بالمتوفى .
الحرمان من فرصة :
هناك حالة لم تبلغ درجة الحق ولا درجة المصلحة المالية وتسمى الحرمان من فرصة وهي حرمان شخص من المشاركة في مباراة او مسابقة او اية فرصة اخرى قد يحصل فيها على نتائج حسنة .
فهل يعتبر هذا الحرمان ضررا لحق بالشخص او لا ؟ وهل يستحق عليه المحروم تعويضا ؟ ولنضرب لذلك امثلة :
طالب اراد ان يتقدم لامتحان لشغل وظيف، او لامتحان دراسي وقدم الاوراق الضرورية وقبل طلبه وبينما هو في طريقه الى مقر الامتحان اصيب بحادثة سير استدعت نقله الى المستشفى وعلى الاقل اخرته عن موعد الامتحان او المباراة وتسببت في منعه من المشاركة فيه فهل هذا الشخص يستحق تعويضا ممن تسبب له في الحادثة ومنعه من المشاركة في الامتحان ؟ واعتقد انه اذا – كانت فرصة النجاح في الامتحان غير محققة اذ انه قد ينجح وقد لا ينجح فان فرصة المشاركة في الامتحان كانت محققة وانه حرم منها بسبب الحادثة لذلك لا ارى مانعا من اعطائه تعويضا عن حرمانه من فرصة المشاركة في الامتحان، وقد جرى القضاء المصري على منح تعويضات عن الحرمان من الفرصة، كعدم المشاركة في الامتحان او فصل الموظف او احالته على التقاعد تعسفا قبل وصوله درجة اعلى كان يستحقها لو بقي في وظيفته، واعتقد انه لا ضرر على القضاء المغربي في ان يمنح من حرم من فرصة المشاركة في الامتحان تعويضا يعادل الضرر الذي حصل له والمجهود الذي بذله في التهيء اليه لا بسبب عدم نجاحه ولكن بسبب حرمانه من المشاركة فيه، وكحرمان الطالب من المشاركة في الامتحان حرمان فرس المشاركة في سباق الخيل بسبب الحادثة التي تعرض لها او بسبب التاخير الذي حصل له وفوات المباراة عليه، وكذلك حرمان التاجر او المقاول فرصة المشاركة في سمسرة او مناقصة كانت تعود عليه بارباح او شارك فيها ونالها الا انه يجب ان يكون التعويض عن الحرمان من فرصة المشاركة لا عن عدم الفوز بالامتحان او بالمناقصة او المسابقة لان هذه غير محققة الوقوع ولقاضي الموضوع كامل الحرية في تقدير التعويض الذي يستحقه المحروم حسب ما ضاع عليه من وقت في التهيء الى الامتحان والانقطاع اليه، او في الوقت الذي اضاعه المقاول في السفر الى مكان المناقصة .
لكن، ما الحكم في مثالنا الاول اذا اصيب الطالب وهو في طريقه الى مركز الامتحان ونقل الى المستشفى ثم حدث ان الغت الامتحان الجهة المنظمة له، او اجلته الى فرصة اخرى، فهل نقول ان سبب حرمان الطالب من فرصة المشاركة في الامتحان راجع الى المتسبب في الحادثة او راجع الى الجهة المنظمة للامتحان ؟ الحقيقة ان سبب عدم المشاركة لا يرجع الى الحادثة ولكنه يرجع الى الادارة، المنظمة للامتحان لانه على فرض ان الطالب وصل سليما الى مركز الامتحان فانه لا يشارك فيه لالغائه او تاجيله، وكذلك الشان فيما يخص الفرس او التاجر او المقاول اذا ما الغيت المسابقة او السمسرة فان المتضرر لا يستحق تعويضا عنها من طرف المتسبب في الحادثة لان العلاقة السببية تبين خطا المتسبب والنتيجة التي هي حرمان المرشح من فرصة المشاركة غير موجودة .
الضرر الادبي :
الضرر الادبي او المعنوي هو الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله او في مصلحة مالية ولكنه يصيبه في عاطفته وشعوره .
فالشخص الذي يتعرض للاهانة او السب او القذف من طرف اخر فانه يصاب بضرر معنوي وكذلك الشخص الذي يصاب بفقد عزيز عليه، كمن يفقد ولده الصغير او اخاه، او الابن الراشد البالغ الذي يفقد اباه او امه كل هؤلاء اصيبوا باضرار مادية ومعنوية في نفس الوقت ومن الفعل الواحد فالشخص الذي يتوفى نتيجة حادثة سير ويترك اطفالا صغارا تحت كفالته، فان هؤلاء الاطفال اصيبوا بضرر معنوي بسبب وفاة والدهم وبضرر مادي بسبب وفاة معيلهم وكذلك الشخص الذي يصاب باضرار جسمانية تترك له تشويها في خلقته، فانه يصاب باضرار مادية بسبب المبالغ المالية التي انفقها في العلاج او الكسب الذي فاته بسبب توقفه عن العمل نتيجة اصابته بالجروح ويصاب باضرار معنوية من جراء الالام التي عاناها بسبب الحادثة ومن جراء التشويه الذي اصيب به والذي يصاحبه طول حياته .
واذا كان يصعب تقدير التعويض عن الضرر المعنوي فان هذه الصعوبة لا تحول دون منح هذا التعويض، ويجب ان لا تكون في صالح المتسبب في الضرر لانه لا يمكن ان ينتفع شخص من خطاه والتعويض عن الضرر المعنوي كالتعويض عن الضرر المادي يجب ان يكون كاملا، اي يجب ان يكون جابرا لكسر الشيء الذي وقع للمتضرر، لا تعويضا رمزيا فقط .
وقد سوى المشرع المغربي في التعويض بين الضرر المادي والضرر المعنوي اذ نص الفصل 78 المشار اليه اعلاه، على ان ” كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي او المادي الذي احدثه”، ومن ثم لم يبق اشكال في منح التعويض المعنوي .
انتقال الحق في التعويض عن الضرر :
لما يتعرض شخص لضرر مادي بالشروط المبينة اعلاه يصبح له الحق في المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي لحقته من المتسبب في الضرر وله ان يحول هذا الحق الى غيره بعوض او بغير عوض، ولورثته في حالة وفاته قبل ان يقيم الدعوى ان يقيموا الدعوى ضد المتسبب في الحادثة لطلب التعويض عن الاضرار المادية التي لحقت بموروثهم في ماله وهي السيارة التي تحطمت بسبب الحادثة، والتي تدخل في التعويض المادي للضحية لانها تتعلق بماله وتدخل في الذمة المالية له وبالتالي في تركته وتقسم بين الورثة حسب قواعد الارث كما ان لهم اي لورثته ان يطلب كل منهم تعويض الضرر الذي لحقه بسبب وفاة الهالك سواء كان الضرر الذي لحق به ماديا او معنويا وللورثة ان يواصلوا الدعوى التي كان مورثهم قد اقامها بسبب الضرر الذي تعرض له قبل وفاته والتعويض المحكوم به في هذه الحالة ما دام المتضرر قد حدد مبلغه قبل وفاته فانه يدخل في الذمة المالية للهالك ويدخل ضمن تركته، ويقسم بين الورثة حسب قواعد الارث لا للمتضررين فقط، ذلك ان هناك ورثة غير متضررين من وفاة الهالك، كالعم او ابنه عندما يكون احدهما هو الوريث الوحيد للضحية الهالك، اذ ان العم او ابنه لا يعد متضررا من وفاة الهالك وبالتالي لا يستحق تعويضا ما دام لم يثبت انه كان تحت كفالة الضحية وباستمرار، وهناك متضررون غير ورثة كاخوة الضحية عند وجود ابيه او فروعه بشرط وجود الذكر بالاضافة الى انه من حقهم ان يواصلوا الدعوى التي اقامها مورثهم اذا لم يبث فيها اذا تبين ان سبب وفاته يرجع الى الجروح التي اصابته بسبب الحادثة وفي هذه الحالة يواصلون الدعوى التي كان قد اقامها قيد حياته كما ان من حقهم ان يتدخلوا ليطالبوا بتعويض الضرر الذي لحقهم بسبب وفاته، وهذا التعويض يعطى حسب الضرر لا حسب الارث .
اما في الضرر المعنوي فان الورثة لا يستطيعون ان يقيموا دعوى بطلب التعويض عن الضرر المعنوي الذي لحق مورثهم ما دام هو لم يقم هذه الدعوى قيد حياته ذلك ان الضرر المعنوي ضرر شخصي لاحق بالمتضرر وحده، وهو الذي من حقه ان يطالب به ويحدد الضرر الحاصل له بسببه .
رقابة المجلس الاعلى ركن الضرر :
ان تقدير الوقائع المتسببة في الضرر، ومقدار التعويض الممنوح لتغطية الضرر مسالة واقع لا رقابة للمجلس الاعلى فيها على المحكمة. ولكن تكييف تلك الوقائع من حيث كونها تكون ضررا ام لا وهل الضرر محقق او محتمل وما الضرر المعنوي الذي يجب تعويضه؟، فانها مسائل تخضع المحكمة في تقديريها لرقابة المجلس الاعلى .
اترك تعليقاً