جريمة الإرهاب في التشريع العراقي و القوانين المقارنة
المحامية: منال داود العكيدي
تلافى معظم فقهاء القانون وضع تعريف للارهاب واكتفوا ببحث مفهومه وعناصره او سرد خصائصه وصوره وبرغم ذلك فقد حاول جانب من الفقه وضع تعريف جامع ومانع له فكان ان ظهرت العديد من التعاريف التي تضم بعضا من عناصره والتي من الممكن ان تكون اساسا لتحديد مفهوم هذه الظاهرة وابعادها ، وبصورة عامة فقد برز اتجاهان لتعريف الارهاب يقوم الاتجاه الاول على الاساس المادي لهذه الظاهرة والتي تركز على السلوك او النشاط المادي المكون لجريمة الارهاب او سلسلة الافعال المتكونة منها فذهب انصار هذا الاتجاه الى الاكتفاء يتعداد الاعمال او النشاطات التي تعد اعمالا ارهابية كالقتل والاغتيال والخطف واحتجاز الرهائن وغيرها .
ويرى الكاتب بروس بالمر( إن الإرهاب قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه , يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة, وبطريقة موضوعية من دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل مثل الأفراد, وأعضاء الجماعات السياسية, وعملاء دولة من الدول).
ان هذا الاتجاه في تحديد مفهوم الارهاب يكتنفه القصور لانه يتجاوز احد اهم اركان الجريمة وهو الباعث الدافع لارتكابها .
ويذهب مناوؤا هذا الاتجاه الى القول بانه لا يمكن حصر الجرائم الارهابية كون ان التعداد الحصري يؤدي الى خروج الكثير من الجرائم من دائرة الجريمة الارهابية وهذا خطا كبير كون انه لا يمكن التنبؤ بما سيجلبه التطور العلمي والتكنولوجي من اساليب جديدة وطرق مبتكرة وصور اخرى تندرج ضمن مفهوم الجريمة الارهابية ، لذلك فان جانب من الفقه فضل تعداد الصفات العامة لجريمة الارهاب دون محاولة التعداد الحصري لها ومن هذه الصفات هي : ان الاعمال الارهابية تتصف بالعنف غير المشروع او التهديد به ويقول الكاتب (يورام دينستن) : (أنا اعتبر الإرهاب على انه عمل عنف غير قانوني) .
كما ان هذا العنف غير المشروع يجب ان يؤدي الى احداث رعب او رهبة او تخويف وهذا هو دور الاداة او الوسيلة المستخدمة لتنفيذ جريمة الارهاب فضلا عن ان هذا العنف يجب ان يكون منسقا او منظما ذا طبيعة مستمرة وبناء عليه فان فعل الاغتيال الذي لايكون جزءا من عنف منظم مستمر لا يندرج تحت مفهوم الجريمة الارهابية .
وبرغم محاولات انصار الاتجاه المادي في تطويره الا انه ظل بعيدا عن اساس جريمة الارهاب والذي يتمثل بالطابع السياسي للجريمة الارهابية ومع ذلك نجد ان دولة كالولايات المتحدة الامريكية تبنت هذا التفسير حيث انها وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للامم المتحدة المتعلق بجريمة الارهاب وطرق معالجته ذهب وفدها الى اقتراح تعريف ظاهرة الارهاب على انها (كل شخص يقتل شخصاً أو يسبب له ضررا ً جسدياً بالغا,ً أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا, أو يشارك شخصاً قام, أو حاول القيام بذلك) .
اما لجنة القانون الدولي فقد عرفت جريمة الارهاب في المادة ( 19 ) من المشروع المقدم من قبلها الى الجمعية العامة للامم المتحدة على انه : (هو كل نشاط إجرامي موجهٌ الى دولة معينة ويستهدف إنشاء حالة من الرعب في عقول الدولة أو أي سلطة من سلطاتها وجماعة معينة منها).
ووجهت الى هذا التعريف انتقادات منها انه ركز على النشاط المادي لجريمة الارهاب وانها اي اللجنة لم تحدد المقصود بالنشاط الاجرامي بل اكتفت باعطاء امثلة توضح ان المقصود من النشاط الاجرامي هو الاعتداء على الارواح والاموال او كلاهما مها وكذلك فان التعريف توسع ليشمل صناعة الاسلحة والحصول عليها وحيازتها والامداد بها وكذلك الذخائر والمواد المتفجرة التي تساعد الارهابي على القيام بالنشاط الاجرامي لجريمة الارهاب .
وقدمت لجنة القانون الدولي في نفس الدورة عدة امثلة للنشاط الاجرامي المكون لجريمة الارهاب منها : ( الافعال غير المشروعة التي من شانها احداث الموت او الالم الحسي الشديد الموجه ضد رئيس الدولة او احد افراد اسرته او معاونيه او الاشخاص المكلفين بالوظائف العامة على ان يوجه العدوان ضدهم بصفتهم العامة ، وكذلك الافعال الغير مشروعة التي تستهدف تحطيم او اتلاف الملكية العائدة للدولة او المال العام ، واي فعل غير مشروع اخر من شانه ان يعرض حياة الرهائن للخطر او اعمال العنف التي تستهدف الاشخاص الذين يتمتعون بالحماية الدولية او الديلوماسية ) .
اما الاتجاه الثاني في تحديد مفهوم جريمة الارهاب فيقوم على اساس الغاية او الهدف الذي يسعى اليه الارهابي من خلال عمله ولكنهم اختلفوا في تحديد طبيعة ذلك الهدف فمنهم من ذهب الى ان الهدف من الارهاب هو سياسي واخرين ذهبوا الى انه هدف ديني وطائفة ثالثة قالت انه هدف فكري ، الا ان الاتجاه السائد في تحديد الركن المعنوي لجريمة الارهاب يتمثل في غاية الارهاب ذاته وهو استخدام الرعب والفزع لتحقيق غايات سياسية .
بينما يرى جانب من الفقه ان من الامثل التركيز على عناصر اخرى في التعريف منها استخدام الوسائل القادرة على احداث الرعب والفزع بقصد تحقيق الهدف ايا كانت صورته سياسيا او دينيا او عقائديا او عنصريا وهذا سيخرج الجريمة السياسية من اطار جريمة الارهاب اذا ان الاولى قد تحدث من دون اللجوء الى العنف ، ويذهب الدكتور امام عطا الله الى تعريفه على انه (.. فالإرهاب على ذلك هو الأسلوب, أو الطريقة المستخدمة والتي من طبيعتها إثارة الرعب, والفزع بقصد الوصول الى الهدف النهائي) وسواء كان هذا العنف المنسق صادر من فرد ام مؤسسة ام حتى دولة فالمهم هو اجتماع عناصر الجريمة المذكورة انفا .
اما بالنسبة للمشرع العراقي فانه لم يتناول الارهاب باعتباره جريمة قائمة بذاتها وانما تناولها باعتباره عنصرا من عناصر بعض الجرائم مثل جريمة التامر لتغيير مبادئ الدستور او الاعتداء على النظم الاساسية للدولة او الاعتداء على الموظفين والمواطنين ، حيث نصت المادة (200/2) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969(يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس كل من حبذ أو روج أياً من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادىء الدستور الأساسية أو النظم الأساسية الاجتماعية أو لتسو يد طبقة اجتماعية على غيرها من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أي وسيلةٍ أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك).
وورد في المادة (365) (يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من اعتدى أو شرع في الاعتداء على حق الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة) .
ثم عاد المشرع العراقي وصحح مساره وسار على نهج القوانين الدولية في اعتبار جريمة الارهاب جريمة مستقلة فاصدر قانون مكافحة الارهاب رقم ( 13 ) لسنة 2005 كضرورة من ضرورات تعزيز الامن الوطني وحماية المنظومة السياسية والاجتماعية وهو كذلك لم يخرج عن سياق التعريفات الواردة في الوثائق الدولية من حيث انه قام ببيان طائفة من الافعال التي تعتبر من قبيل الافعال الارهابية من دون ان يبين ماهية الوصف الحقيقي لمفردة الارهاب حيث نص في المادة الاولى من القانون المذكور اعلاه على ان الجريمة الارهابية هي : (كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فردا أو مجموعة أفراد او جماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني او الاستقرار او الوحدة الوطنية او إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس او إثارة الفوضى تحقيقا لغايات إرهابية ).
وهو لايمكن ان يعد تعريفا لمفردة الارهاب بل هو مجرد بيان لعناصر جريمة الارهاب وتعداد لمجموعة من الافعال التي تندرج تحت نطاقها فقط الامر الذي يستدعي من المشرع العراقي تحديدا اكثر لمفهوم هذه الجريمة كي تتسع لما سيقع ضمن نطاقها من احداث في المستقبل ولتلافي التوسع في الاجتهاد والتفسير.
اترك تعليقاً