التفالس الاحتيالي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن عدم قدرة المدين على سداد الديون المستحقة علية قد تؤدى إلى إفلاسه؛ سواء كانت هذه الديون مستحقة عند تاريخ صدور حكم بات بإشهار الإفلاس أو تلك الديون التي تنشأ عن التزامات ترتبت في ذمته قبل صدور الحكم بإشهار الإفلاس؛ فإذا لم يكن بمقدور المدين الوفاء بالدين المستحق عليه؛ أٌعتبر في حكم المتوقف عن دفع مديونيته وهي إحدى الحالات التي تؤدى للإفلاس.
إن تبين أن أموال المدين لن تغطي التزاماته المستقبلية مستحقة الدفع، فإنه يكون في حالة ذمة مالية مدينة، وهي حالة تقديرية تقدرها المحكمة في ضوء ما يقدم لها من بيانات؛ حيث يغلب عليها اليقين بعدم القدرة على السداد.
هذه الحالة المذكورة أعلاه تختلف عن حالة الصلح الواقي من الإفلاس؛ الذي يشترط فيها أن يكون المدين يُواجه صعوبات مالية لا يمكنه التغلب عليها، شريطة ألا يكون في حكم المتوقف عن دفع ديونه أو أن يكون في حالة الذمة المالية المدينة، وذلك لمدة تتجاوز ثلاثين (30) يوم عمل متتالية؛ فالصعوبة المالية لا تعني التوقف عن سداد الديون المستحقة، وألا توجد حالة يقين بأن أموال المدين لن تكفي بشكل مؤكد للوفاء بالتزاماته الحالية والمستقبلية، إنما تكون الصعوبة المالية نتيجة ضائقة مالية قد يُخشى معها الوصول إلى تلك الحالات، وبالتالي يقوم المدين بطلب الصلح الواقي توقياً من وصوله إلى حالة التوقف عن الوفاء أو الدخول في حالة الذمة المالية المدينة.
إلا أن بعض أصحاب الشركات والتجار قد يمارسون التلاعب والتحايل والتدليس لافتعال وضع مالي وهمي والتظاهر بالإفلاس عن طريق الإقرار بديون غير صحيحة أو إخفاء ما يوجب القانون إظهاره، وذلك للإضرار بمصلحة الدائنين وذلك ما يسمى بالتفالس أو التفالس الاحتيالي.
يُعد متفالساً كل من قام بإخفاء دفاتره أو أعدمها أو غيرها أو أخفى جزءًا من ماله إضراراً بدائنه، أو إذا جعل نفسه مديناً بطريق التدليس بمبالغ وهمية ليست في ذمته.
إلى أن أصدرت الدولة قانون الإفلاس رقم 9 لسنة 2016 الذي ساهم بدرجة كبير في حماية حقوق جميع الأطراف من دائنين ومدينين وساعد على توفير فرص جيدة لاستمرار أعمال الشركات التي تمر بظروف مالية صعبة، وجاءت نصوصه صارمة في مواجهة مثل هذا الجرم للحد من عمليات التفالس الاحتيالي، حيث فرَق القانون في بنود عقوباته بين المُشهر إفلاسه؛ سواء كان تاجرًا أو شركة بحكم بات بالتدليس أو قبل الحكم البات أو بالتقصير.
وعليه فقد عاقب القانون بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، كل من أشهر إفلاسه، بحكم بات وارتكب أحد الأفعال التالية:
أخفى دفاتره كلها أو بعضها، أو أتلفها، أو غيرها بقصد الإضرار بدائنه.
اختلس جزءاَ من ماله، أو اخفاه بقصد الإضرار بدائنه.
أقر بديون غير واجبة عليه وهو يعلم ذلك، سواء وقع الإقرار كتابة أو شفهيًا، أو في الميزانية، أو بالامتناع عن تقديم أوراق إيضاحية من عمله بما يترتب على ذلك الامتناع.
حصل على الصلح الواقي أو إعادة الهيكلة بطريق التدليس.
قام بطريق التدليس بزيادة التزاماته أو تخفيض قيمة أمواله أو حصل على أي تسوية أخرى.
وعاقب القانون أعضاء مجلس إدارة الشركة ومديرها والقائمين بتصفيتها عقاباً صارمًا للحد من مثل هذا الجرم وذلك بالسجن لمدة لا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تزيد عن مليون (1000,000) درهم إذا ارتُكِبت أحد الأفعال التالية بعد صدور قرار نهائي بافتتاح إجراءات الإفلاس ضد الشركة؛
أخفوا دفاتر الشركة كلها أو بعضها أو أتلفوها أو غيروها بقصد الإضرار بالدائنين.
اختلسوا جزءًا من مال الشركة أو أخفوه.
أقروا بديون غير واجبة على الشركة -وهم يعلمون ذلك- سواء وقع الإقرار كتابة أو شفهيًا أو في الميزانية، أو بالامتناع عن تقديم أوراق أو إيضاحات في حيازتهم مع علمهم بما يترتب على ذلك الامتناع.
إذا حصلوا على صلح واقي للشركة أو إعادة هيكلة بطريق التدليس.
أعلنوا ما يخالف الحقيقة عن رأس مال الشركة المكتتب به أو المدفوع، أو وزعوا أرباحًا صورية، أو استولوا على مكافآت تزيد عن القدر المنصوص عليه في القانون أو في عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي.
أشار القانون إلى أن هذه العقوبة لا تنطبق على من يثبت عدم اشتراكه في العمل محل الجريمة أو يثبت تحفظه على القرار الصادر في شأنه.
أما عن جريمة التفالس بالتقصير فقد أوجد لها المشرع الإماراتي مكانًا بارزًا في القانون؛ حيث تعتبر هذه الجريمة أنها غير عمدية، إلا أنه يجب أن تكون ناتجة عن خطأ أو إهمال جسيم ويكون هذا الخطأ إما بالخروج عن واجبات التاجر الحريص الحازم أو الإخلال بأحكام الإفلاس، وعليه فقد جرَمها قانون الإفلاس وعاقب المقصر بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبالغرامة التي لا تتجاوز ستين ألف (60.000) درهم أو بإحدى العقوبتين، كل تاجر أشهر إفلاسه بحكم بات وثبت أن شهر إفلاسه كان لتقصيره الجسيم الذى تسبب في خسارة دائنه نتيجة ارتكابه أحد الافعال التالية:
أنفق مبالغًا جسيمة في أعمال المضاربات الوهمية في غير ما تستلزمه أعماله التجارية أو قام بأعمال المقامرة.
أوفى أحد الدائنين إضرارًا بالباقيين، وذلك بعد توقفه عن دفع ديونه لمدة تتجاوز ثلاثين (30) يوم عمل متتالية أو كان في حالة ذمة مالية مدينة ولو كان ذلك بقصد الحصول على الصلح الواقي أو إعادة الهيكلة.
إذا تصرف بسوء نية في أمواله بأقل من سعرها في السوق، أو لجأ لوسائل ضارة بطبيعتها أو في سياقها للإضرار بدائنيه بقصد تأخير شهر إفلاسه وتصفية أمواله أو تأخير فسخ خطة الصلح الواقي أو خطة إعادة الهيكلة.
ثم جاء القانون صريحًا مشيرًا في نصوصه بالمواد (205 ،206) إلى مدعى الإفلاس بأن ” يُعاقب بالحبس كل من قدَم بطريق الغش -أثناء إجراءات الصلح الواقي أو اعادة الهيكلة أو الإفلاس أو التصفية ديوناً صورية باسمه أو اسم غيره” وبأن “يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس (5) سنوات كل مدين أخفى عمداً كل أمواله أو بعضها أو غالى فيها؛ وذلك بقصد الحصول على الصلح الواقي من الإفلاس أو إعادة الهيكلة…”.
نتيجة لكل ما سبق؛ فإن قانون الإفلاس يشكل إحدى أهم الركائز الداعمة للاقتصاد المحلي؛ نظراً لما يوفره من حماية لكافة الأطراف المعنية (الدائن والمدين)؛ إذ إن هذا القانون قضى على ثغرات كانت موجودة فيما سبق أدت إلى تلاشي شركات كان بالإمكان إنقاذها من خلال طلب الحماية من الإفلاس، ومن ثم فتح المجال أمام إعادة الهيكلة، بما فيها إعادة هيكلة الديون وتجاوز بعض السلبيات، أو سوء الإدارة أو نقص التمويل إلخ، حيث لم يكن أمام الشركات المتعثرة سابقاً سوى طريق واحد، هو التصفية ونفاد فرص الإنقاذ.
على صعيدٍ آخر تضمن القانون عقوبات صارمة، كالسجن لخمس (5) سنوات ودفع غرامة تصل إلى مليون (1000,000) درهم، لمن يحاول استغلال القانون في الإفلاس الاحتيالي.
اترك تعليقاً