التقادم .. والعذر بالجهل
خالد بن محمد العنقري
التقادم هو مرور الزمان المانع من سماع الدعوى، ومن غير المتصور عقلا وشرعا أن يكون المجال مفتوحا لتحريك الدعوى القضائية أيا كان نوعها دون تقييد بزمن محدد يمنع معه سماع الدعوى، وهذا ما قرره علماء الإسلام وحدده البعض بـ20 سنة وأقل من ذلك أو أكثر، أما سماع الشهادة في الحدود فقد حدده الفاروق عمر رضي الله عنه من حين تحملها، ووصف من تقدم بها في وقت لاحق بأنه إنما يشهد على ضغن.
والتقادم يكون في عدة صور منها التقادم لاعتبار الملك كما في الحديث “من حاز شيئا على خصمه عشر سنين فهو أحق به”، والتقادم قد يكون في وقت سماع الشهادة، وسقوط العقوبة، كما يكون التقادم في تقديم الأوراق التجارية، والتقادم في التظلم من القرارات الإدارية؛ وهذا ما أهدف إلى مناقشته في هذه المقالة. الدعوى في القضاء الإداري دعوى إلغاء ودعوى تعويض فالأولى متعلقة بالقرار ذاته والثانية متعلقة بالضرر الناتج عن هذا القرار، وبالنظر إلى قضاء التعويض فإن التقادم فيه محدد بعشر سنوات من تاريخ نشوء الحق كما في المادة الثامنة من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم وهي مدة ليست بالقليلة، كما أن الإعذار فيه ممكن من حيث الظروف المانعة من تحريك الدعوى لا الجهل به، كما أن إقرار جهة الإدارة بالحق مسقط للتقادم أيضا، وفي مقابل ذلك فإن مدة التقادم في دعوى الإلغاء قصيرة المدة ولا يدخلها الإعذار.
إن قصر مدة التقادم في دعوى الإلغاء وما يسبب الجهل بها من فوات الكثير من الحقوق وحرمان المتضررين من القرارات الإدارية من حق التقاضي وهى مدة يسيرة، حيث نص النظام في مادته الثامنة على وجوب التظلم من القرار الإداري خلال 60 يوما من تاريخ العلم به أمام الجهة المصدرة له، و60 يوما أخرى للخدمة المدنية إن كان القرار متعلقا بها و60 يوما بعدها للتقدم للمحكمة الإدارية المختصة، ويضاف لذلك 60 يوما إن كان قرار الخدمة المدنية ملغيا لقرار جهة الإدارة ولم ينفذ، وتبدأ هذه الفترة من تاريخ صدور قرار الخدمة المدنية، وفوات أي تظلم عن وقته المحدد مانع لقبول الدعوى شكلا.
إن من المقرر في القضاء الإداري أن القصد من تحديد هذه المدد ليس لتفويت الحق، بل هي ضمانة لاستقرار القرارات الإدارية وما ينشأ عنها من آثار قانونية، وتركها عرضة للطعن دون قيد زمني يؤدي إلى اضطراب العمل الإداري وإرباك للحقوق الناتجة عن تلك القرارات، علما بأن التقادم مسقط لسماع الدعوى في الإلغاء ولا يمنع من سماع دعوى التعويض التي تمتاز بفترة زمنية أطول. إن تأخر الكثير من الوصول إلى المحكمة الإدارية في الوقت المحدد يجعل إلغاء القرار المتظلم منه من ضرب المحال عدا بعض الاستثناءات على القرارات السلبية والقرارات المنعدمة، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا وبحاجة ملحة: هل هذه المدة كافية لإسقاط الحق؟
وهل المواطن البسيط أو الموظف العادي ملزم بمعرفة دقائق الأنظمة القضائية ومدد التظلم القصيرة، والجواب عن ذلك في نظري أنه لا بد من إلزام جهة الإدارة ببيان المدة الزمنية للتظلم من القرار عند تبليغه ليتحقق بذلك الهدف المنشود من التقادم وضمان الحقوق المشروعة التي تسعى الدولة لحفظها من خلال ما سنته من أنظمة وأنشأت له محاكم ولاسيما أن المدد المحددة في قضاء الإلغاء لا تصل إلى حد التفريط في السعي لاسترداد الحق حال الجهل بها، ولاسيما مع مخالفتها لما استقر عليه القضاء بشكل عام، وفي الحديث «لا يسقط حق امرئ مسلم وإن قدم»، ومتى ما فرط هو بتحريك الدعوى في الوقت المحدد لرفعها وقد أعلم به فهو المفرط، والقاعدة أن المفرط أولى بالخسارة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً