التكييف الشرعي للاسم التجاري في القانون المصري
إن معرفة طبيعة الاسم التجاري هي أساس الحكم الشرعي و مبناه ومبرره و كلما تحددت صفة و طبيعة الموضوع أمكن إلحاق الحكم الشرعي المناسب .
و لقد عرفت مفاصل الاسم التجاري و ما في حكمه على وجه التفصيل و جرى بحث الموضوع في الأطر التي تحكمه ا، التي يدخل هو مفرد في موضوعها سواء في ذلك الجانب القانون باعتباره المنظم للواقعة أو الفقه الإسلامي باعتباره الجهة المطلوب منها الحكم الشرعي ليكون البديل المشروع في الواقعة محل البحث.
و سوف نوضح طبيعة الاسم التجاري في أمرين يؤول إليهما غيرهما و ينبني الحكم الشرعي على و فقهما :ء
الأول : هو إثبات أن الاسم التجاري في مفهوم الفقه الإسلامي يعتبر حقاً.
ثانياً : أنه يعتبر منفعة.
الأول / الاسم التجاري حق :
يفهم من تعريف الاسم التجاري – السابق – من أنه ( الاسم الذي ارتضى التاجر التعامل بوساطته ليميز منشأته عن نظائرها ) أنه في حقيقته عبارة عن علاقة تنشأ بين هذا الاسم التجاري المتضمن لسلع معينة و بين الجمهور ، جسد هذه العلاقة جهد التاجر و اجتهاده في تمييز سلعته و تجويدها بحيث اكتسب الاسم التجاري سمعة وشهرة جعل الإقبال عليه كبيراً و تعارف جمهور الناس أو جمهور منه على صلاحيته و جودة ما يشير إليه هذا الاسم دون غيره.
و لا ريب أن صاحب الاسم التجاري لم يكتف بإطلاق اسم مجرد لسلعته أو بضائعه و إنما ضمن هذا الاسم صفات ميزته عن غيره من الأسماء و السلع و لايتحقق ذلك غلا بنوع إتقان يعرف به و يتفرد عما سواه أو ينافس به غيره من الأسماء الجيدة السمعة و لولا ذلك الاتقان ما كان لهذا الاسم ميزة على غيره و لكان اسماً مجرّداً لا قيمة له فلا سمعة وشهرة حقيقية يخشى عليها حتى تطلب حمايتها بل إن الاسم التجاري رديء السمعة يهبط بسعر السلعة عند إرادة بيعه و قد يكون ذلك سبباً في خسارة كبيرة و لذلك يعمد راغب الشراء غلى اتخاذ اسم تجاري جديد و في هذا إشارة إلى أن الاسم التجاري طيب السمعة له قيمة ذاتية .
ومن جانب آخر فإن التاجر الذي نجح في إيجاد اسم تجاري له سمعة و شهرة قد بذل جهداً ذهنياً و أموالاً و وقتاً و ليس بالقليل حتى بنى هذا الاسم و أزله منزلة مقبولة لدى الكافة أو جمهور الناس.
و لا شك أن جهده هذا قد ساعده فيه استشاريون و مختصون ليضمن أحسن المواصفات لسلعته ، و أفضل طرق ترويج هذه السلعة وتسويقها و هذا لا ريب كلفه أموالاً طائلة أخصها و أهمها ما بذله من دعاية لازمة لترويج الاسم التجاري.
و قد أصبحت الدعاية اليوم من مستلزمات العمل الناجح لتزاحم الأصناف المتماثلة و المتشابهة إلى حد كبير يكاد حد التطابق في المواصفات .
فما لم يصاحب الاسم التجاري بيان و ترغيب بأساليب متعددة فغن السلع الجيدة تبور و تضيع قيمتها في غمرة الدعايات المؤازرة لأسماء تجارية أخرى مشابهة أو قد تقل عنها جودة.
فالدعاية للاسم التجاري لإيجاد السمعة والشهرة و لحماية هذه السمعة بعد تحققها و لذا فإن التاجر محتاج إلى الاستمرار في الدعاية و الإعلان بين الفينة والأخرى كي يأمن استمرار اسمه التجاري في الأذهان حياً و مرغوبا بعيدا عن المنافسة التي قد تستبدل به غيره.
و لا ريب أن هذا بذل مادي ضخم موضوعه وسببه الاسم التجاري أو بمعنى اصح موضوعه السمعة و الشهرة التي يمثل الاسم التجاري وعاءها و عنوانها.
و لا يخفى أن الدعاية و الإعلان لا تعني بالضرورة واقعاً حقيقياً يمثل الاسم التجاري بالمواصفات التي تحملها عنه هذه الدعاية فقد تكون دعاوي ليس لها في الواقع وجود و هذا غش و تدليس لا ينفي المصلحة ويرفعها و لكنه يشوب هذه المصلحة بنوع غش و خداع ينبغي كشفه و حماية أصحاب المصالح المشروعة الجادين في أسمائهم التجارية منه و حماية جمهور الناس من مثل هذه الدعايات الموهمة غير الواقع .
و على كل الأحوال فإن العرف الجاري و التجربة المتكررة بين الناس تجعل للاسم التجاري الذي يعبر عن واقع حقيقة إذا صحبته دعاية كافية رجحنا على الاسم التجاري الذي يعبر عن زيف و خداع و إن ضخمت دعايته فالبقاء للأصلح في أسواق الناس.
فالاسم التجاري – و الحال هذه – له واقع ملموس، كما أن له قيمة ذاتية مستقلة عن السلع التي يمثلها و يحتويها.
و إلى جانب ذلك فإن للاسم التجاري هدفاً و أغراضاً يحققها أخضها ة و أهمها أنه يحفظ السلع من التقليد والتزييف
و يوجد ارتباطاً و صلة و انطباعاً معيناً بينه و بين الجمهور هذا الارتباط الذي ينتج ما نسميه السمعة و الشهرة التجارية و لا شك البتة أن هذه السمعة في حقيقتها و واقعها مصلحة فعلية بالنسبة للتاجر من جانب و لعامة الناس المتعاملين من جانب آخر .
فأما مصلحة التاجر : فإنه قد بذل من جهده وفكره و أمواله الشيء الكثير في سبيل هذا الاسم ليضمن لبضائعه رواجاً وسمعة ونجاحاً فمن مصلحته الخاصة أن يتحقق له ذلك و بالتالي فمن مصلحته أو من حقه أن يحمي جهده و أفكاره و أمواله أو بمعنى آخر أن تحفظ قيمة اسمه التجاري فلا يتعرض للتقليد أو التزييف كما تحفظ سمعته من التشويه.
و المصلحة ها هنا هي عنوان الحق و الدالة عليه أو هي في الحقيقة الحق ذاته .
و أما المصلحة العامة : فغن من مصلحة أفراد المجتمع عامة و من حقهم أن يحصلوا على البضائع التي تحمل الموصفات الجيدة التي يحتاجونها و يرغبون فيها. فمن حقهم – و الحال هذه – أن يُحمى هذا الاسم التجاري المرغوب دفعاً للغش و التزييف و هذا كله مرجعه عند التحقيق إلى مصلحة المجتمع ذاته ، إذ من المصلحة الاجتماعية أن تخلو أسواق الناس من السلع الرديئة و المغشوشة و تسوده السلع الجيدة و يمكّن أفراده من الحصول على البضائع ذات السمعة والشهرة التي تعبر عن حقيقة الجودة والصلاحية.
و من هذه الناحية يجب على الدولة أن تقر هذا الواقع وتحميه فهو يمثل مصلحة اجتماعية عامة و لا يكون لها ذلك إلا مصلحة التاجر صاحب الاسم التجاري المقبول ، فهو السبب الفعلي في وجود هذه المصلحة و هو بالتالي المكّن شرعاً من التصرف فهو في كل ذلك صاحب حق و لا شك .فإذا كان هذا كلّه من شأن الاسم التجاري . فغنه لا ريب يعتبر في قواعد الشرع و مقاصده حقاً شرعياً تجب حمايته، ومنع الاعتداء عليه و ترتيب الآثار الشرعية لصاحبه كاملة شانه شان الأعيان المملوكة.
و قد أثبتنا سابقا أن الحقوق أموال و هي من هذا الجانب يجري فيها الملك و الاختصاص مادام محلها مالاً أو له تعلق بالمال وكان قابلاً للتجزيء .
فالاسم التجاري من هذا الوجه مال يجري فيه الاختصاص و الملك .
الثاني / الاسم التجاري منفعة :
تبين من تفصيل الموضوع سابقا بما لا مجال لتردد فيه أن للاسم التجاري منفعة يشكل الاسم التجاري عنوانها و وعاءها و تنسب المنافع حينئذ للاسم التجاري و هذه المنافع أشبه بمنافع العيان و لكنها منافع ايجابية نامية و قد تستمر في نموها و توسيع رصيد عملائها و قد يضمر ذلك تبعاً لعوامل خارجية و ذاتية : من قوة الدعاية لها و تطوير سلعها و إجادة تصنيعها و إتقانها و تحسين الخدمات المقدمة و ما إلى ذلك.
فنمو منافع الاسم التجاري يعتمد على مدى الجهد الذهني المبتكر و الجهد المالي و النشاط العملي المبذول و كلما كانت الجهود المبذولة مركزة و فعالة كلما كان ثبات الاسم التجاري ورسوخه و نماؤه و انتشاره كبيراً. ولذا فإن مجال التنافس فيه كبير في سبيل تقديم الأفضل في جانبي الإبداع الفكري و الحضاري. و هذا يشير إلى أن حقيقة الاسم التجاري إنما هو منفعة في مفهوم الفقه الإسلامي فيسري عليه ما يسري على منافع الأعيان سواء بسواء .
لكن مع ملاحظة أن منافع الأعيان محدودة ثابتة مرتبطة بأعيانها لا تستوفي دونها. في أن منافع الاسم التجاري منفصلة عن مصدرها و هو صاحب إنتاجها و إبداعها بدلالة تصور إمكان بيع الاسم التجاري منفرداً عما يمثله من بضائع ، وقد يستخدم لترويج نوع آخر من السلع و ينفصل عن صاحبه و مبدعه لينتقل إلى آخر و يرتبط به.
و من جانب آخر : فإن الاسم التجاري بما له من شهرة وسمعة لا يمثل في حقيقته المادة المصنعة أي لا يمثل محل الاتجار و عينه فهي المادة المصنعة هي بمثابة مصدر هذه الشهرة و منبعها و لا يبعد القول بان الشهرة والسمعة ثمرة هذه العين و هي ثمرة غير محسوسة أو بمعنى اصح منفعة غير محسوسة و تأخذ هذه الثمرة قيمتها باعتبار مواصفات متميزة و مميزة لهذه العين عن غيرها .و على هذا فإن الاسم التجاري صفة معنوية مستقلة نتجت عن عين هي مادة تجارية بذل التاجر في سبيل إتقانها وتسويقها جهده فكرياً و ماديا ، فهي و الحال هذه ثمرة منفصلة و مستقلة عن مصدرها استقلالا مادياً و هي إن كانت ثمرة ومنفعة إلا أنها تختلف عن منافع الأعيان التابعة والمرتبطة بمثل العقارات و المنقولات من حيث إن مصدر منافع الأعيان هي ذات الأعيان فحسب في حين أن مصدر منافع الاسم التجاري الجهد الذهني و المادي المبذول في هذه الأعيان.
و لما كان الاسم التجاري مصدره الجهد الذهني و المادي المنسوب لصاحبه كان وجوده نسبياً في السلع من النوع الواحد و كان ذلك أدعى للتنافس و الإبداع مما يكسب الاسم التجاري المتميز شهرة وسمعة حقيقية .و هذا مما يحقق مقاصد الشارع في توفير الأصلح لمعايش الناس و هذه مصلحة معتبرة شرعاً فإذا تعرف الناس و توافقوا على تفضيل اسم تجاري على آخر كان هذا بمثابة مصلحة مستندها العرف.
و لما كانت المصلحة منفعة – كما قررنا سابقاً – و المنفعة مال متقوم على رأي جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية والحنابلة و متأخري الحنفية ، و هي كذلك أموال متقومة على رأي متقدمي الحنفية إذا ورد العقد عليها تحقيقاً لمصلحة الناس فإذا كان ذلك كذلك فيمكن القول أن الاسم الجاري يعتبر مالا في الفقه الإسلامي لا ريب .
و إذا كان الاسم التجاري منفعة و مالاً متقوماً صلح أن يكون محلاً للملك لأن الناس تعارفوا على تموله و تقويمه و اعتباره حتى جرى العرف بالاعتياض عنه بمقياس مدى ما فيه من منفعة متحصلة من استخدام مصدره.
فعين الاسم التجاري ليس مقصودا لذاته بقدر ما هو مقصود من تحصيل منافعه كما قال العز بن عبد السلام : ( إن المنافع هي المقصود الأظهر من جميع الأموال) إذ لا يمكن أن تحاز المنافع إلا بطريق حيازة أعيانها و مادام العرف قد جرى بين الناس بالاعتياض عن الاسم التجاري فهو – والحال هذه – يمثل قيمة مادية لأن الناس لا يعتاضون مالا قيمة له و ما له قيمة فهو مال لأنه كما قال الشافعي : ( لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها و تلزم متلفه و إن قلت لا يطرحه الناس ) فما يتموله الناس و لا يطرحونه فهذا منهم دليل على ماليته و منعته ولذا رأينا قولهم : ( إن ما لا منفعة فيه ليس بمال فلا يقابل به ) فكل ما فيه منفعة فيه قيمة و بقدر المنفعة تكون القيمة أي المالية فالمنفعة مناط القيمة سواء في ذلك الأعيان أو المنافع أو الأمور المعنوية.
ومن جانب آخر فإن الجمهور كما رأينا يرى أن الملك علاقة معتبرة شرعاً بين المالك و المملوك و هذه العلاقة علاقة اختصاص ، أو هو صفة شرعية يمنحها الشارع من يستحقها . والمال وصف شرعي كما قال الشاطبي : ( المال ما يقع عليه الملك و يستبدل به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه)
فالمال ها هنا وصف شرعي أو اعتبار من الشارع بوجود هذه العلاقة و ما تستتبعه من حق التصرف و منع الغير من الاعتداء عليه.
و يترتب على ذلك أن هذا الاعتبار الشرعي له دور في مالية الشيء بل لولاه ما اعتبر الشيء مالاً ، فكل ما يعتبره الشارع من هذا الوجه هو مال سواء أكان عينناً أو منفعة أم حقاً.
فمدار المالية عند فقهائنا لا على كون الشيء من الأعيان قال البهوتي ( إن المال ما فيه منفعة مباحة )
فقد يكون عيناً لا منفعة فيه فليس هو بمال حينئذ ، وقد يكون غير عين تصحبه منفعة فيعتبر مالاً إذا كانت المنفعة محترمة شرعاً و متقومة عرفاً و يمكن إحرازها و لا يحتم الفقهاء في تحقق ملك المنفعة ملك العين و غنما يعتبرون إمكان الحيازة كافياً في تحقق الملك .
فإذا جرى الملك في الأعيان أو المنافع اعتبر المحل مالاً : ( فإن جريان الملك في الأعيان يستلزم ماليتها مادام الانتفاع به مباحاً شرعاً . وجريان الملك في المنافع يستلزم ماليتها شرعاً أيضاً على الراجح في الفقه الإسلامي المقارن و المعاوضة أساسها الملك ) وهي جارية عرفاً في الاسم التجاري و ما في حكمه كالابتكار الذهني و قد بيّن الشيخ علي الخفيف صفة المالية و مناطها فقال : ( و من الفقهاء من صرح بأن المالية ليست إلا صفة للأشياء بناء على تمول الناس و اتخاذهم إياها مالاً و محلاً لتعاملهم و لذلك لا يكون إلا إذا دعتهم الحاجة فمالت إليه طباعهم و كان بالإمكان التسلط عليه و الاستئثار به و منعه من الناس و ليس يلوم لذلك أن يكون مادة مدخرة لوقت الحاجة بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسوراً عند الحاجة غليها غير متعذراً و ذلك متحقق في المنافع فإذا ما تحقق ذلك فيها عدت من الأموال بناء على عرف الناس و تعاملهم ) ، ( فالمنفعة تعتبر أساساً للقيمة المالية و لو كانت ترفيهية يسيرة الشأن كما في تغريد بلبل أو تصويت ببغاء ).
و على هذا كله يمكن القول مع الاطمئنان : أ ن الاسم التجاري منفعة ومال من جانب و هو حق في ذات الوقت من جانب آخر و لما كانت الحقوق أموالاً يجري فيها الاختصاص و الملك ما دام محلها مالاً أو له تعلق بالمال و يقبل التجزيء فإن الاسم التجاري من هذا الوجه مال و منفعة و حق .
التصرف بالاسم التجاري
إن التصرف بالاسم التجاري – وما في حكمه – يبني على الكلام في التكييف الفقهي الشرعي له و قد استقر الرأي و أطمأنت النفس تماماً إلى القول بأن : الاسم التجاري حق و منفعة و مال يجري فيه الملك … و مادام ذلك كذلك فإن الأصل أن تسري فيه و تجري عليه جميع التصرفات الجارية في الأعيان.
لكن لما كان موضوع الاسم التجاري و الحكم الشرعي فيه مستجداً احتاج توثيق الحكم فيه إلى أمرين : تأصيله و تكييفه أو بيان طبيعته من جهة و إثبات إمكان تطبيق هذا التأصيل على فروع المسألة من جهة أخرى فإذا التقيا و تضافرا تأكد الاطمئنان في سلامة الحكم في أصل المسألة و من هنا كانت الحاجة إلى بيان مدى قبول الاسم التجاري لإجراء التصرفات عليه . بعد أن عرفنا تكييفه أمراً ملحاً.
فبناء على التكييف السابق نستطيع القول : إن جمهور الفقهاء على جواز بيع الاسم التجاري و إجراء التصرفات عليه بمثل ما تجري عليه الأعيان سواء بسواء مع ملاحظة أمرين :
1ء اختلاف طبيعة الأعيان عن المنافع والحقوق.
2ء أن يكون الاسم التجاري يعبر عن واقع حقيقي لا صوري خالياً عن الكذب و التزييف.
و بيان ذلك يتضح في جانبين أساسين يجمعان شتات الموضوع و يسوغان القول بجواز إجراء التصرفات على الاسم التجاري. وهذان الجانبان هما : كون الاسم التجاري حقاً ، و كونه مالاً .
الجانب الأول ء الاسم التجاري حق :
فقد أثبتنا فيما سبق أن الاسم التجاري في حقيقته مصلحة وحق و قد رأينا اتجاه جمهور الفقهاء إلى اعتبار العلاقة الاختصاصية المباشرة بين التاجر و الاسم التجاري بحيث يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن هذا الاسم التجاري تجاه الآخرين و في ذات الوقت يمتنع على الآخرين الاعتداء على هذا الاسم ، حتى يكون الاعتداء عليه اعتداء على حق مالي متقرر مادام الاسم التجاري يمثل منفعة ذات قيمة في عرف الناس و العلاقة إذا كانت على هذا الوجه تكون في فقه الشرع علاقة حق عيني فيكون الاسم التجاري حقاً عينياً ومالياً إذ الحقوق أموال كما نص عليه المالكية سواء أكانت مالية أو غير مالية مع استثناء الحقوق التي لا تقبل التجزيء .
الجانب الثاني – الاسم التجاري مال :
إن الاسم التجاري مال لما فيه من منفعة كبرى هي أهم منافع المتجر بل إن المتجر دون هذا الاسم و الشهرة والسمعة التي تجلب الجمهور لا معنى لها و لا قيمة تجارية حقيقية فيه .
و لقد ثبت هذه المنفعة و تأكدت من تعارف الناس و التجار منهم على سبيل الخصوص على اعتبار القيمة والمنفعة في هذا الاسم التجاري فقبلوا التعاوض فيه و المعاوضة أساس الملك و الملك مال عند المالكية و نظراً لما فيه من قيمة فهو مال عند الشافعية و الحنابلة.
و بالنظر إلى كل من هذين الجانبين سواء كانا مجتمعين أو منفردين تصلح كلها أن تكون محلاً للملك فيجزي فيها – في خصوص الاسم التجاري – جريانه في غيرها من الأعيان فالملك يحقق دون النظر إلى كون محله عيناً أو منفعة أو أمراً معنوياً مادام بالإمكان حيازته و استيفاؤه أو الاختصاص به إذ الاختصاص يقوم مقام الحيازة فيما لا تقبل طبيعته الحيازة المادية كالديون و إذا كان ذلك كذلك فإن الاسم التجاري يجري فيه الملك و الاختصاص فيجوز التصرف فيه بالبيع و الهبة والوصية و ما إلى ذلك كما يجري فيه الإرث ويلزم كما يلزم ضمانه عند التلف و في الجملة يجزي فيه ما يجزي في الأعيان إذ حاله من حالها فحكمه حكمها مع مراعاة طبيعة كل منهما.
هذا هو الحكم في أصل الموضوع أما فروعه وتطبيقاته فينبغي أن يراعى فيها ما يشترط لصحة التصرف فيها من شروط.
فيراعى في بيع الاسم التجاري أن لا يترتب على هذا البيع غرر من شأنه إبطال العقد و إفساده فبيع الاسم التجاري يلزمه بيع مضمونه فيما يدل عليه من جودة و إتقان ومواصفات للسلع المشمولة في وعائه فإن انفصلت الجودة و الإتقان عن ذات الاسم التجاري كان ذلك تدليساً و غشاً لما يوقعه من توهم الجودة و لما يوقعه من تغرير و تدليس للناس في إقبالهم على ذات السلع بناء على معهودهم في هذا الاسم التجاري الذي يستوعبها . فإن البيع في هذه الحال عقد باطل لما فيه من غرر في المثمن و هو الاسم التجاري .
أم إذا انتقل الاسم التجاري مع ما يدل من جودة بضائعه و ثبات صفاته المعهودة لدى المتعاملين معه فإن تغيير صاحب الاسم التجاري لا غير من الأمر شيء فقد انفصل الاسم بمزاياه و شهرته إلى غيره فلا يترتب على هذا تدليس أو تغرير. يستوي في ذلك أن يكون محل البيع الاسم التجاري و ما يستوعبه من سلع و ملحقاتها أو بيع الاسم التجاري منفرداً مع اشتراط أن ينشىء المشتري مضموناً جديداً من السلع لهذا الاسم بذات المواصفات و الجودة المعهودة من ذي قبل . فإذا لم يكن ذلك فيجب أن يعلن التاجر أو الجهة المسؤولة للناس كافة : أن الاسم التجاري المعهود لم يعد يمثل ما كان داخلاً في مشتملا ته و وعائه و أن المشتملات قد تغيرت من حيث المواصفات و الأنواع فإن فعل ذلك ارتفع اللبس و الغرر.
شبهة وردها:
قد يقال : إنه مادام الاسم التجاري كما تقرر هو حق عيني مالي متقرر فينبغي ليصح أن يمكّن صاحبه من سلطات الملك الثلاث و هي : الاستعمال ، الاستغلال ، و التصرف .
و لا شك أن الاسم التجاري لا يمكن لصاحبه من أن يستعمله استعمالاً شخصياً فإذا تخلف عنصر من عناصر سلطة الملك الثلاث فلا يصح اعتباره محلاً للملك .
فيُـرد على هذا : بأن ( الملك في جوهره علاقة اختصاصية أو حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة كما يقول الإمام القرافي في فروقه ، والإمام السيوطي في نظائره ذلك هو مناط الملك ،و أما السلطات فآثار الملك لا عينه ، والشأن في الملك أن تكون له هذه الآثار لكن ثبوت هذه الآثار جميعها ليس مناطاً لثبوت الملك نفسه فالملك يثبت بإحداهما مادام قد تحقق مناطه و هو الاختصاص . ألا ترى إلى حق المرور هو حق متقرر لمنعة عقار على عقار آخر يثبت لصاحبه سلطة الاستعمال فقط دون الاستغلال ؟ و الوقوف عليهم للسكنى يثبت لهم حق الاستعمال كذلك دون الاستغلال ؟و هذا لا ينفي أن يكون لهم حق في ملك المنفعة على هذا الوجه)
( فلا أثر إذاً لتخلف ثمرة من ثمرات الملك على ثبوت معنى الملك نفسه فإذا كان الشأن في الملك أن تثبت سلطاته الثلاث جميعاً، لكن ذلك ليس من مستلزماته) و على هذا فلا ريب أن الاسم التجاري يثبت فيه حق الملك فيما له من سمعة و شهرة وقيمة و إن تخلف أحد سلطات الملك فيه مادام تخلفها راجعاً إلى طبيعتها و هذا لا يهدم الملك ولا ينقصه.
اترك تعليقاً