العاملون في الشركات الأمنية والأمن الوظيفي المفقود
محمد بن عبدالله السهلي
يعد مفهوم الحراسات الأمنية المدنية الخاصة مفهوماً حديثاً نسبياً في المملكة فرغم أن أول ظهور لشركة أمنية خاصة كان في أواخر السبعينات الميلادية تقريباً إلا انها لم تكن بذات أهمية تذكر، وبدأ التوسع في نشاط الشركات الأمنية الخاصة في منتصف الثمانينات حيث ظهر عدد من الشركات والمؤسسات المتخصصة في ذلك وكان دورها ومهامها غير معروفة لدى كثير من الناس، وكان الاستثمار في هذا النشاط محدوداً للغاية لضعف الإقبال على خدماتها، واتسم عملها بالبساطة وكان أغلب العاملين في الحراسات هم من غير السعوديين، ويطلق العامة على العاملين في الحراسات الأمنية المدنية الخاصة اسم (السكيورتي) وهو الاسم الشائع لهم حتى الآن.
إلا أن الأمور بدأت تتغير تدريجياً وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية مع تغير مفهوم الأمن في المملكة نتيجة التحولات الكبيرة التي يشهدها المجتمع وفي ظل الحوادث الإرهابية المؤسفة التي شهدتها المملكة، وفي ظل إيضاً انتشار أفكار ومفاهيم جديدة مثل مفهوم (خصخصة الأمن) وهو مفهوم حديث وسائد في الدول المتقدمة. في ظل هذه الظروف والمتغيرات بدأ مفهوم الأمن المقدم كخدمة من الشركات الأمنية الخاصة بمقابل مفهوم مقبول ومطلوب، وبدأت تزداد أهمية خدماتها وبدأ يفرض وجوده في داخل دائرة الأمن الكبرى للوطن، فزاد الطلب على شركات الحراسات الأمنية الخاصة وبلغ عددها ما يربو على أربعين شركة ومؤسسة، وبلغت الاستثمارات في هذا النشاط مئات الملايين من الريالات. وعمدت كثير من المنشآت العامة والخاصة في الاستعانة بخدمات هذه الشركات خاصة وأن دور الأمن العام يقف عند حدود الحماية الخارجية لكثرة المنشآت الذي يصعب معه توفير القدر الكافي من رجال الأمن العام بقطاعاته المختلفة عند كل المنشآت. وقد صدر قرار من وزارة الداخلية (صحيفة «الرياض» 11/3/1424ه) بإلزام أصحاب المنشآت الخاصة كالمجمعات التجارية والسكنية بوضع حراسات أمنية خاصة على منشآتها وعلى مدار الساعة. وألزمت الوزارة الشركات الأمنية أن تكون نسبة السعودة في العاملين بالحراسات 100٪ دون أي استثناءات، مما أتاح مجالاً وفرص عمل جديدة للسعوديين، حيث بلغ عدد الشباب السعوديين العاملين في الحراسات الأمنية الخاصة أكثر من 17 ألف شاب (صحيفة الوطن 26/4/1425ه) وأعدادهم بالطبع في تزايد نظراً لارتفاع حجم الوظائف في الشركات الأمنية لزيادة الطلب من قبل المؤسسات والشركات والمجمعات السكنية والمحلات التجارية الكبيرة على طلب تأمين الحراسات لمواقعها تنفيذاً لتعليمات وزارة الداخلية. لذا أصبح عمل الحراسات الأمنية الخاصة من الأعمال التي تحتضن الكثير من الشباب السعودي الباحث عن عمل شريف.
وبعد التمهيد السابق نطرح النقطة الرئيسية في الموضوع وهو واقع العاملين في شركات الحراسات الأمنية المدنية الخاصة أو ما يطلق عليهم (السكيورتي). حيث يعيش العاملون في أغلب الشركات الأمنية تحت واقع وظروف لا يحسدون عليهما حتماً. فيشير الواقع إلى أن وظائف الحراسات الأمنية الخاصة هي غالباً للأشخاص الذين لم يحظوا تحت أي ظرف كان بفرصة إكمال تعليمهم، أو الأشخاص الذين لم يجدوا عملاً مناسباً لهم، والسبب في ذلك يعود إلى تدني الرواتب بشكل لا يعقل، فمعدل الرواتب للعاملين في الحراسات يتراوح بين 1500- 3000 ريال، وهي بلا شك من أقل معدلات الرواتب التي يمكن أن يتقاضها شاب سعودي في مهن أخرى، رغم أنهم يعملون في قطاع لا يقل أهمية في حالات كثيرة عن ما يقوم به رجال الأمن العام.
ويشير الواقع المر إيضاً لأفراد الحراسات الأمنية الخاصة إلى أنهم لا يتمتعون بحقوق كثيرة أقرها نظام العمل، فبعضهم لا يتمتع بيوم راحة في الأسبوع ولا يحصلون على إجازات سنوية كافية، ولا يتمتعون بإجازات الأعياد أو حتى التعويض عنها، فلا حوافز أو بدلات للعمل خارج أوقات الدوام، ولا يخضع البعض منهم لنظام التأمينات الاجتماعية، ولا يحصلون على بدل مواجهة خطر عند مواجهة لصوص أو مجرمين وهي متوقعة تبعاً لطبيعة عملهم، ففي نظام الحراسة الأمنية المدنية الخاصة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/24 بتاريخ 8/7/1426ه تم تعريف الحارس الأمني في المادة الأولى منه بأنه (الشخص المكلف بمزاولة حراسة المنشآت للحفظ على أمن وسلامة منسوبيها وأموالها وممتلكاتها ووقايتها من السرقة والاعتداء) لذا فالخطر متوقع في عملهم، فنتمنى إقرار بدل لمواجهة الخطر.
ويشير الواقع كذلك إلى أنهم لا يتلقون في كثير من الحالات أي تدريب أو تأهيل يذكر قبل مباشرتهم لإعمالهم، فلا يحسن كثير منهم التعامل مع الحالات الطارئة والحرجة، وأخشى أن يكون السبب رغبة بعض الشركات توفير التكاليف، وذلك مخالفة صريحة جداً للمادة السادسة من نظام الحراسات الأمنية ونصها (تلتزم المؤسسة أو الشركة المرخص لها بالعمل في مجال الحراسات الأمنية المدنية الخاصة بتدريب الحراس وتأهيلهم لأداء واجباتهم وفق ما تحدده اللائحة). وأخيراً وليس آخراً يحرم بعض العاملين في الحراسات من الحصول على نسخ من العقود المبرمة معهم، وهي عقود في أغلبها تنتهك حقوقهم. لذا فهم لا يتمتعون بالأمن الوظيفي بتاتاً.
ولا نعتقد أننا ذهبنا بعيداً في وصف الواقع الذي يعيشه الكثير ولا أقول البعض من العاملين في الحراسات المدنية. ولمن أراد الاستزادة أو التوثق مما ذكرناه فنرجو منه عمل مسح ميداني واستطلاع آرائهم للتأكد من صحة ذلك. فبيئة العمل في الحراسات المدنية غير صحية فقليلاً ما نشاهد أو نسمع شخصاً يستمر في العمل في الحراسات الأمنية المدنية مدة طويلة، حيث أنه سرعان ما يبحث الواحد منهم عن عمل أفضل يوفر له دخلاً جيداً ويكفل له الأمن الوظيفي له ولعائلته ولا يبقى إلا المضطر نظراً لتدني الرواتب والعمل في بيئة تقل فيها الحقوق وتكثر الواجبات. والشركات الأمنية الخاصة هي في نهاية المطاف شركات تستهدف الربح لا غير وهو حق مشروع لا ينازع فيه أحد، ولكن استهداف الربح لا يعني أن تنتهك حقوق العاملين فيها، ولا يعني اختيار أشخاص غير مؤهلين وغير مدربين يقبلون تحت الحاجة العمل برواتب متدنية، فكيف ننتظر منهم أن يخلصوا ويتفانوا في عملهم وينتجوا في ظل انعدام الأمن الوظيفي لهم نتيجة الأوضاع غير الصحية التي يعملون تحت ظلها.
والأمر بلا شك يتطلب تدخل الجهات المختصة من وزارة الداخلية ووزارة العمل لمعالجة هذا الخلل، ومن الحلول التي يمكن أن تطرح في هذا الصدد هو فرض عقود موحدة للعاملين في الحراسات الأمنية المدنية الخاصة تتضمن الحد الأدنى من الحقوق التي لا يجوز المساس بها، وان يتم وضع حد أدنى للرواتب، وأن تلتزم الشركات الأمنية بتدريب العاملين بالحراسات وتأهيلهم التأهيل السليم الذي يتلاءم مع طبيعة نشاطها.
فلكي نضمن تقديم خدمات أمنية مدنية خاصة متميزة للمنشآت العامة والخاصة فإنه يجب أن نضمن في البداية الاهتمام بقوام هذه الخدمة وأساسها وهم أفراد الحراسات عن طريق إنصافهم وإعطائهم حقوقهم الكاملة والتي أقرها نظام العمل، فالبيئة الصحية هي السبيل لإنتاجية مثالية.
باحث قانوني٭
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً