توضيح قانوني للتهديدات الأمريكية للمحكمة الجنائية الدولية
ا/ حسام الحوامدة
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي تبدي معارضة فعلية للمحكمة الجنائية الدولية الجديدة. وتعود معارضة الولايات المتحدة للمحكمة إلى فترة اعتماد قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية (قانون روما الأساسي) في العام 1998, حيث كانت الولايات المتحدة واحدة من 7 دول فقط صوتت ضد اعتماد قانون روما الأساسي وبحسب ما ورد ينبع أحد الأسباب الرئيسية لعدم دعم اعتماد القانون الأساسي من رفض المجتمع الدولي منح مجلس الأمن الدولي (الذي تشكل الولايات المتحدة الأمريكية عضواً دائماً فيه يتمتع بحق النقض) الإشراف على الحالات التي تنظر فيها المحكمة, مفضلاً عوضاً عن ذلك نائباً عاماً مستقلاً يتخذ مثل هذه القرارات – مع مراعاة الإجراءات الوقائية وضمانات المحاكمة العادلة.
لكن في 31 ديسمبر/كانون الأول 2000, وقع الرئيس كلينتون على قانون روما الأساسي, في خطوة إيجابية لمصلحة المحكمة. بيد أن موقف الولايات المتحدة شهد تغيراً هائلاً منذ تسلم الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس بوش مهامها في العام 2001. وفي 6 مايو/أيار 2002, اتخذت حكومة الولايات المتحدة خطوة غير مسبوقة في التراجع عن توقيعها على قانون روما الأساسي وبدأت حملة عالمية لإضعاف المحكمة والعمل على إفلات جميع المواطنين الأمريكيين من العقاب الصادر بموجب الولاية القضائية للمحكمة.
وتعتقد منظمة العفو الدولية أن بواعث القلق الأمريكية من أن المحكمة الجنائية الدولية ستُستخدم للقيام بملاحقات قضائية نابعة من دوافع سياسية ضد المواطنين الأمريكيين لا أساس لها من الصحة على الإطلاق. فالإجراءات الوقائية وضمانات المحاكمة العادلة واسعة النطاق الواردة في قانون روما الأساسي تكفل عدم نشوء هذا الموقف أبداً.
وتتضمن هذه الصفحة معلومات حول جزأين من الحملة الحالية التي تخوضها الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية: اتفاقيات الإفلات من العقاب وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1422.
فاتفاقيات الإفلات من العقاب التي وقعتها الولايات المتحدة
تتصل الولايات المتحدة الأمريكية حالياً بالحكومات في شتى أنحاء العالم طالبة منها إبرام اتفاقيات غير قانونية تتعلق بالحصانة من العقاب. وتنص هذه الاتفاقيات على أن الحكومة المعنية لن تسلم أو تنقل مواطني الولايات المتحدة المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية, إذا طلبت منها المحكمة ذلك. ولا تقتضي الاتفاقيات من الولايات المتحدة الأمريكية أو الدولة الأخرى المعنية إجراء تحقيق, ولا إذا توافرت أدلة كافية, مقاضاة مثل هذا الشخص في المحاكم الأمريكية. وفي الواقع سيستحيل على المحاكم الأمريكية في حالات عديدة أن تفعل ذلك, لأن القانون الأمريكي لا يتضمن بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون روما الأساسي.
وفي 1 يوليو/تموز 2003, أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن سحب المعونات العسكرية التي تقدمها إلى 35 دولة عضو في قانون روما الأساسي رفضت التوقيع على اتفاقية حصانة من العقاب مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2004، ذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك، بسحبها المعونات الاقتصادية من الدول التي أبقت على رفضها التوقيع على اتقاقيات الحصانة. وسحب هذه المعونات من شأنه أن يهدد ويقوض جهود مكافحة الإرهاب وبرامج عمليات السلام، ومبادرات مكافحة تهريب المخدرات، وعمليات التفاوض من أجل الحقيقة والمصالحة، والتعليم والتوعية بفيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز. كما يتهدد أيضاً دول مثل الأردن وأيرلندا، وقبرص، وبيرو، وإكوادورن فنزويلا وجنوب إفريقيا.
وتزعم الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الاتفاقيات قانونية وتتماشى مع المادة 98 من القانون الأساسي. بيد أن منظمة العفو الدولية أُنجزت تحليلاً قانونياً يبين أن اتفاقيات الحصانة من العقاب التي تعقدها الولايات المتحدة لا تندرج ضمن ما جاء في المادة 98, والدول التي تبرم مثل هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية تنتهك الالتزامات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي.,.
كذلك أجرى الخبراء القانونيون للاتحاد الأوروبي تحليلاً للاتفاقيات وتوصلوا إلى الخلاصة ذاتها أي “إن عقد اتفاقيات مع الولايات المتحدة – بحسب صياغتها الحالية – يتعارض مع الواجبات المترتبة على الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بقانونها الأساسي…” وقد أصدر الاتحاد الأوروبي مبادئ توجيهية تحللها منظمة العفو الدولية في الوثيقة المعنونة المحكمة الجنائية الدولية : ضرورة اتخاذ الاتحاد الأوروبي خطوات أكثر فعالية لمنع الأعضاء من التوقيع على اتفاقيات الإفلات من العقاب مع الولايات المتحدة
قرارا مجلس الأمن الدولي 1422 و1487
هناك استراتيجية أخرى تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في ضمان إفلات المواطنين الأمريكيين من العقاب من خلال مجلس الأمن الدولي. ففي يوليو/تموز 2002, أصدر مجلس الأمن الدولي بضغط هائل من الولايات المتحدة الأمريكية القرار 1422. ويسعى هذا القرار إلى منح حصانة دائمة من التحقيق أو المقاضاة من جانب المحكمة الجنائية الدولية إلى رعايا الدول التي لم تصادق على قانون روما الأساسي, عندما يشارك هؤلاء الأشخاص في عمليات تقوم أو تُصرِّح بها الأمم المتحدة. وفي يونيو/حزيران 2003, جدد مجلس الأمن هذا القرار لمدة عام آخر في تصويت لـ 12 ضد صفر (القرار 1487). وقد أدلت دول عديدة بتصريحات شديدة اللهجة ضد القرار ودعماً للمحكمة الجنائية الدولية في نقاش علني جرى قبل اعتماده..
وتدعو منظمة العفو الدولية مجلس الأمن إلى عدم تجديد هذا القرار مرة أخرى عندما ينتهي مفعوله في 30 يونيو/حزيران 2004.
في 23 يونيو/حزيران 2004، سحبت الولايات المتحدة محاولتها لتجديد مشروع القرار 1487 لسنة أخرى. وذلك على ضوء التسريبات الخاصة بالاعتداء على السجناء في العراق وعلى ضوء معارضة الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان أمام الرأي العام، لمشروع للتجديد، وقد رفض ثمانية أعضاء ، على الأقل، من مجلس الأمن دعم مشروع التجديد. وقد انتهت مدة مشروع القرار 1487 في 30 يونيو/حزيران 2004، منهيناً بذلك فترة الحصانة التي يتمتع بها مواطنو الدول غير الأطراف عند مشاركتهم في عمليات حفظ السلام التي أقامتها الأمم المتحدة أو سمحت بها. غير أن الولايات المتحدة قد هددت بأنها سوف تواصل جهودها للحصول على اتفاقيات حصانة مع دول منفردة. كما أن هناك خطر من أن تسعى الولايات المتحدة من الحصول بالمثل على إعفاء قضائي للمحكمة الجنائية الدولية في حالات أفراد عن طريق منع أي عمليات حفظ سلام لا تحتوي على مثل هذه الحمايات بالنسبة لمواطني الدول غير الأطراف
اترك تعليقاً