التهرب الضريبي الدولي كعامل مساعد للتبعية الاقتصادية الدولية
إن التهرب الضريبي الدولي يساهم في خلق مجموعة من المفارقات البينية بين اقتصاد الدول النامية المستقبلة لرؤوس الأموال الأجنبية والدول المصدرة لها، الشيء الذي يؤدي إلى توسيع الفجوة بين رأسمال الدول النامية، ورأسمال الدول المتقدمة، إضافة إلى ذلك، فالتهرب الضريبي الدولي يساعد على عملية تدويل الرأسمال الدولي، هذه العملية تساعد على تعزيز مكانة وسائل الإنتاج التي تملكها الشركات المتعددة الجنسيات التي أعلنت عن ميلاد مرحلة الرأسمالية الحديثة، وهذه الشركات أضحت لا تشكل قوة تركيز وتدويل للرأسمال الاحتكاري من أجل استخلاص أقصى الأرباح، بل أصبحت وسيلة لتكريس التبعية الاقتصادية بين الدول النامية والدول المتقدمة وذلك بغية استغلال ثرواتها”.
هذه الشركات المتعددة الجنسيات تلقى دعما من دولها التي تساعدها على الاستثمار وخلق فروع لها في الدول النامية، وما ذلك إلا وسيلة لاستغلال ثروات الدول النامية، وذلك باتفاق مع دولها الأم، الأمر الذي يزيد من حجم وقوة الدولة المصدرة للرأسمال في الدولة المستقبلة لها، وبالتالي التأثير عليها من الناحية الاقتصادية والسياسية أن اقتضى الحال، وبذلك فإن عملية الموافقة على فتح أبواب الاستثمار أمام هذه الشركات يعتبر بالغ الأهمية والمسؤولية في نفس الوقت، نظرا لقوة الشركات المتعددة الجنسيات في ممارسات التهرب الضريبي الدولي، وبالتالي نفوذها في خلق تبعية اقتصادية دائمة بين دول الشمال ودول الجنوب.
والحقيقة أظهرت بأن بعض الدول الأوربية أصبحت تساهم ماليا عبر تقديم مساعدات لبعض الدول، من خلال مساعداتها على تأهيل المقاولات المتواجدة بالدول النامية، وهذا ليس من قبيل الدعم بل هي رغبة الدول المتقدمة في الاستثمار داخل الدول النامية، من خلال نقل رؤوس الأموال إليها عبر شركاتها المتعددة الجنسية.
هذه الحركية والتنقلات للشركات المتعددة الجنسيات خلق مجموعة من المشاكل في العلاقات الاقتصادية الدولية كان أبرزها انتشار التهرب الضريبي الدولي الذي امتد جذوره إلى وسط اقتصاد الدول النامية المتعتر أصلا.
إضافة إلى ذلك، فالتهرب الضريبي الدولي يؤدي إلى الاختلال في حجم التبادل التجاري بين الشركات الدولية والدول المتخلفة، نظرا لكون التهرب الضريبي الدولي يؤدي إلى الاستقرار المالي للشركات المتعددة الجنسيات مما ينعش وضعها الاقتصادي وذلك على حساب اقتصاد الدول النامية[1].
هذا الاقتصاد الذي يتميز بالضعف على مستوى دخل السكان والإنتاج واعتماد اقتصادها على الزراعة والتجارة الخارجية، بل أيضا نجد أن هذه الدول تعاني من تخلف اجتماعي أساسه سيطرة الأمية والفقر على أغلبية سكان الدول النامية.
و إذا أضفنا إلى هذه المشاكل مشكل التهرب الضريبي الدولي فالأكيد أن أزمة هذه الدول سيزيد استفحالا لتبقى النتيجة الأخيرة هي توسيع التباعد بين دول الشمال ودول الجنوب، وبالتالي التعبير عن واقع اقتصادي دولي غير متكافئ على المستوى التجاري والمالي والنقدي وهو ما يسمى باللامساواة العلائقية بين الشركات الدولية الممارسة للتهرب الضريبي الدولي والدول النامية التي تبقى فرصة لهذه الممارسات الغير شرعية.
وهكذا يمكن القول على أن التبعية الاقتصادية التي يساعد عليها التهرب الضريبي الدولي، تتأسس أيضا على التعارض والتناقض بين التوجه الرأسمالي للشركات المتعددة الجنسية وبين إستراتيجية خطط التنمية للدول النامية التي رغم ذلك تعاني من اختلال على مستوى البنيات الضريبية التي تتمثل في الاعتماد على ضرائب تقليدية دون البحث عن مصادر أخرى لتمويل الميزانية[2].
والأمر الذي يزيد من التبعية الاقتصادية هو سيادة العقلية التجارية الانتهازية التي تعتمدها الشركات المتعددة الجنسيات في تعاملها مع الدول النامية، أضف إلى ذلك عدم الاهتمام بخطط التنمية للبلدان النامية، فالشركات لا تختار المشروعات ذات الأولوية المحددة في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل تلجأ إلى إقامة مشروعات تختارها هي، والى إنتاج سلع لا تتجاوب مع متطلبات الفئة العريضة من السكان الأمر الذي يؤدي الى تعميق ظاهرة الاقتصاد المزدوج أي انقسام الاقتصاد القومي إلى قطاعين: قطاع تقليدي حديث وقطاع اقتصادي تقليدي، فضلا عن توسع القطاع غير المنظم الذي يزيد من حدة حرمان الخزينة العامة من الموارد الجبائية[3].
ولكن رغم ذاك نرى بأن الشركات المتعددة الجنسية تعطي ثمارا آخرا يتمثل في تشغيل اليد العاملة ومساعدة الدولة على تحمل بعض النفقات المتعلقة بالاستثمار، ولكن يبقى الوجه السلبي فيها هو حينما تتهرب من أداء الضرائب، فإذا كانت تحترم الضريبة في بلدها الأم وتعتبرها واجب وطني وأخلاقي وقانوني ، فلماذا لا تحترم هذا المبدأ في بعض الدول النامية حينما تتهرب من أدائها، كل ذلك جعل المجتمع الدولي يعي بواقعية التهرب الضريبي والآثار الوخيمة التي يسببها على الاقتصاد الدولي، أم الاقتصاد الوطني الأمر الذي أدى إلى وجود إرادة لهذه الدول للتصدي لهذه الظاهرة عبر مجموعة من الإجراءات الدولية والوطنية.
[1] – بالنسبة للدول النامية نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة مجموعات هناك الدول النامية الجديدة وتضم كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ، ثم هناك الدول المصدرة للبترول مثل المملكة العربية السعودية، غيران، الأمارات العربية المتحدة وبعض الدول في أمريكا اللاتينية، ثم هناك دول العالم الثالث مثل القارة الإفريقية، ومجموع حصة جميع هذه الدول لا يتعدى %20 من المبادلات التجارية الدولي، وتتكون هذه المبادلات من:
– الصادرات: أهمها المواد الأولية والمنتوجات الفلاحية
الواردات:تتميز باستيراد المواد المصنعة سواء كانت الآلات ومواد التجهيز، أو منتوجات الكترونية وميكانيكية.
وهكذا فواردات الدول النامية أكثر من صادراتها الشيء الذي يثقل ميزانها التجاري ويجعله يعاني من حالة عجز دائم، حيث تقوم هذه الدول نظرا لعدم كفاية مواردها الى اللجوء نحو الاقتراض من الدول المتقدمة، واللجوء إلى بعض المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي من أجل تدارك العجز الحاصل على مستوى الميزان التجاري.
وهكذا تجد هذه الدول نفسها عوضا من الخروج من التخلف والتبعية الاقتصادية ، تعاني من اللامساواة الاقتصادية، ومن تعميق التبعية ولجوءها الى خلق علاقات اضطرارية غير متكافئة مع الدول المتقدمة.
فاطمة الحمدان بحير: السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادلات التجاري الدولية، مرجع سابق، ص: 115.
[2] – نجد المغرب باعتباره دولة نامية يعاني من عدة مشاكل تعيق التنمية الاقتصادية بالنسبة إليه، ومن بين هذه المشاكل نجد اختلاف تنوع البينة الضريبية بالنسبة اليه، وعدم ملائمتها مع الواقع الاقتصادي، فرغم نهجه سياسة الإعفاءات وتشجيع الاستثمار، إلا أن اعتماده على الضرائب غير المباشرة منذ الاستقلال الى اليوم شكل نوع من عدم التوازن بين الموارد المالية لضرائب الأخرى، وهذا عكس ما نجده في بعض الدول النامية = =الأخرى، حيث تمثل الضرائب المباشرة لهم اكبر حصة من الموارد الجبائية، ويرجع سبب هذا المشكل الى الحجم غير المقنن للاقتصاد في بنية الناتج الداخلي، الإجمالي ثم الى عدم التحكم في وعاء الضرائب غير المباشرة(ضريبة الشركات التي تكون موضوع غش وتهرب ضريبي، ثم الضريبة على الدخل التي تعتمد على المداخيل والأجور)، أضف على ذلك الصعوبات المرتبطة بالتقاطعات الجبائية، وإنشاء قاعدة معطيات جبائية منتظمة. وبذاك تصل حصة الضرائب غير المباشرة في الموارد الجبائية الى 46% في سنة 1003 مقابل 47،3% سنة 1993، أما الضرائب المباشرة فقد سجلت ارتفاع ملموس في المداخيل الجبائية وبخصوص الرسوم الجمركية سجلت انخفاضا مستمرا ابتداء من سنة 1995 نتيجة تفعيل الاتفاقيات الدولية للتبادل الحر مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول التي عقد معها المغرب اتفاقيات ثنائية تهدف الى التخفيض من الضرائب والرسوم الجمركية أو إلغاء بعضها
– المغرب الممكن، تقرير الخمسينية، خمسين سنة من التنمية البشرية وآفاق سنة 2025 مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء 2006، ص: 151.
[3] – بالنسبة للمغرب يمثل القطاع غير المنظم بنسبة 39% من الشغل غير الفلاحي، وهي المجال الحضري حوالي 71،6% من الوحدات الإنتاجية.
المغرب الممكن، تقرير الخمسينية، مرجع سابق، ص:173.
اترك تعليقاً