بقلم ذ خليل الإدريسي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
محام وباحث أكاديمي
بعد هذه الوقفة الموجزة عند مفهوم التواصل وأبعاده النفسية والاجتماعية، كما حددها بعض الباحثين في المجال، ننتقل إلى اقتراح بعض مستويات التواصل التي نعتقد أنها مطلوبة لوضع أي خطة لإصلاح منظومة العدالة بالمغرب. المستوى الأول: التواصل من أجل تشخيص الفساد
يقتضي أي انخراط في وضع إستراتجية لإصلاح المنظومة القضائية بالمغرب إشراك جميع المكونات المعنية في عملية تشخيص مكامن الخلل. هذه العملية التي تقتضي القيام بتحليل للبيئة المطلوب إصلاحها، وذلك اعتبارا لمجالين أساسيين هما: المحيط والداخل. هذا التحليل الذي يجب أن يشترك فيه جميع الفاعلين المعنيين بموضوع العدالة كل حسب محيطه. وندرج على سبيل المثال بعض جوانب هذا التحليل قيما يلي:
أولا: تشخيص البيئة المحيطة:
البيئة السياسية:
تعتبر التوجهات السياسية الجديدة للدولة المعبر عنها بموجب مقتضيات ومواد دستور يوليوز 2011، بمثابة الإطار العام لفكرة الإصلاح التي تستهدف مختلف مرافق المجتمع ومن أهمها قطاع العدالة. ويمكن تحديد هذه التوجهات في ورشين أساسيين هما: تنزيل أحكام الدستور على المستوى التشريعي، وتنزيل مبادئه وقيمه على المستوى المرفقي و الواقعي، وهو المعبر عنه عموما بمخطط إصلاح العدالة.
البيئة الاجتماعية:
سادت في المجتمع المغربي مجموعة من المفاهيم والسلوكات التي نجمت عن واقع الفساد الذي شهده قطاع العدالة خصوصا ومختلف القطاعات العمومية عموما، نذكر على رأسها الرشوة والوساطة والمحسوبية واستغلال النفوذ. هذه المظاهر السلبية أنتجت لنا قيما فاسدة عطلت وظيفة القضاء المتمثلة في تحقيق العدل. فوجدنا أنفسنا أمام ظلم اجتماعي أدى إلى فقدان ثقة المجتمع في مرفق العدالة والتشكيك في مدى مصداقية القانون وسيادته على جميع فئات المجتمع وطغيان ثقافة الإفلات من العقاب وسيادة المال والنفوذ.
ثانيا: تشخيص البيئة الداخلية:
من الناحية المرفقية:
يتميز واقع الخدمات العمومية في المغرب عموما بالتعقيد والبيروقراطية من جهة، والافتقار إلى الجودة والنجاعة رغم ارتفاع التكلفة (تكلفة إنتاج الخدمة) من جهة أخرى. ومن ضمن هذه الخدمات نذكر الخدمات القضائية وبالتحديد الأحكام والقرارات التي عرفت على مرور السنين بطئا وضعفا في معظمها، وهذا يعود لتداخل عدة عوامل ليست كلها مرتبطة بأداء القضاة بطبيعة الحال. فمن هذه العوامل ما يعود لضعف البنية التحتية وافتقار المرافق القضائية للتجهيزات والموارد المادية والبشرية اللازمة، ومنها ما يعود إلى ضعف أداء المكونات التي تساهم في صناعة هذا المنتوج القضائي سواء تعلق الأمر بتكوينها أو بوجود معيقات موضوعية تحكم ظروف اشتغالها.
من ناحية الموارد البشرية:
أدى ضعف نظام الولوج والتكوين لمزاولة الوظائف والمهن القضائية، وعدم وجود نظام موضوعي للتوظيف وتقييم الأداء وربط مستوى الدخل المادي بالكفاءة والمردودية في العمل، إلى فقدان الانتماء للمنظومة وانخفاض منسوب التفاني في العمل، وانتشار ثقافة التكاسل واللامبالاة والتملص وإلقاء المسؤولية على الغير بين معظم الممارسين في القطاع. وهذه حالة عامة تشهدها معظم القطاعات العمومية بالمغرب لوجود المعيقات ذاتها. إذ أضحى الفساد الإداري نمطا منظما في سلوك بعض الموظفين والمهنيين للزيادة في دخلهم من خلال أساليب غير مشروعة.
المستوى الثاني: التواصل من أجل التخطيط.
يحتاج أي مشروع للإصلاح وضع خطة إستراتيجية تقوم على المعطيات التي أفرزتها عملية التشخيص. وإذا كانت هذه الأخيرة (أي عملية التشخيص) قد تطلبت إشراك مختلف مكونات المنظومة فإنه من المنطقي أن يستمر نفس المنهاج في العمل على مستوى التخطيط. وفي ذلك تعميق للإحساس بالانتماء إلى المشروع ورفع نسبة التحفيز للعمل على إنجاحه. هذا الإشراك الذي يجب أن يكون حاضرا في إعداد إستراتيجية الإصلاح ببعديها الطويل الأمد والمستعجل.
أولا: إستراتيجية طويلة الأمد: (الإستراتيجية الشاملة)
بالنسبة إلى البيئة الخارجية:
– وضع برامج إعلامية وتواصلية مع الجمهور لإعادة الثقة في مرفق العدالة بين فئات الشعب، وترسيخ ثقافة الاحتكام إلى القانون واللجوء إلى القضاء للحصول على الحقوق أو حمايتها. (فكرة الأبواب المفتوحة، التواصل المباشر عبر الإعلام).
– وضع برامج تربوية وإعلامية للتربية على قيم العدل والإنصاف واحترام القانون وحقوق الآخرين، وتعميق الوعي بأضرار الفساد وآثار آفاته على الفرد والمجتمع. مع استعمال وسائل الإقناع (النصوص الدينية، التحليل النفسي والسيكلوجي، علم الاجتماع، التجارب الواقعية.)
– إيجاد قنوات تواصلية مع المتقاضين، ووضع آليات تضمن فعاليتها.
-وضع برامج بالتنسيق مع وسائل الإعلام لمواكبة الجمهور لأطوار ومراحل الإصلاح، مع خلق فضاءات تواصلية للتفاعل مع ملاحظاتهم وآرائهم ومقترحاتهم.
– تحفيز مختلف الفاعلين المجتمعيين للمبادرة والمشاركة في أطوار عملية الإصلاح.
بالنسبة إلى البيئة الداخلية:
– وضع ميثاق لتحديد أخلاقيات الحوار والتواصل.
– تحديد المعايير الواجب احترامها للحسم واتخاذ القرار.
– وضع الأهداف الأساسية لإصلاح منظومة العدالة.
– وضع الأهداف المرتبطة بكل مكون من مكونات المنظومة.
بقلم ذ خليل الإدريسي
محام وباحث أكاديمي
اترك تعليقاً