أسباب الطعن بالنقض الجنائي المرفوع من المتهم
لا يلزم التوقيع عليها من محام بالنقض
كانت المادة رقم (34) في فقرتها الثالثة و الرابعة من قانون حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 تنص على أنه :” يحصل الطعن بتقرير في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في ظرف سنين يوما……. و إذا كان الطعن مرفوعا من النيابة العامة فيجب أن يوقع أسبابه رئيس نيابة على الأقل، و إذا كان مرفوعا من غيرها فيجب أن يوقع أسبابه محام مقبول أمام محكمة التقض “.
و النص صريح في وجوب إيداع أسباب الطعن الجنائي موقعاُ عليه من رئيس نيابة على الأقل إذا كان مرفوعاُ من النيابة العامة،و من محام مقبول أمام محكمة النقض إذا كان مرفوعاُ من غيرها كالمتهم، أما التقرير بالطعن فلم يحدد النص المذكور ممن يوقع ، إلا أن قانون المحاماة رقم 17 لسنة1983 قد نص في مادته الرقيمة (41) على أنه : ” في غير المواد الجنائية لا يجوز التقرير بالطعن امام محكمة النقض و المحكمة الإدارية العليا و المحكمة الدستورية العليا إلا للمحامين المقيدين بجدول المحامين أمام محكمة النقض و إلا حكم بعدم قبوله……..” ، و مفاد ذلك النص أنه لا يلزم أن يتم التقرير بالطعن الجنائي – المرفوع من المتهم- من محام بالنقض، فيجوز التقرير به من المتهم شخصياُ أو ممن يوكله لهذا الغرض توكيلاُ خاصاُ أو بمقتضى توكيل عام ينص فيه على الطعن بهذا الطريق الإستثنائي ( نقض في 21/5/1962 مج س 13 ص 487 ، أما بالنسبة للطعن المرفوع من النيابة العامة فلا يشترط للتقرير به درجة معينة في المقرر، فقد نصت المادة ( 1293) من التعليمات العامة للنيابات في المسائل الجنائية على أنه : ” فإذا كان الطعن مرفوعاُ من النيابة فإن التقرير به يجوز بمعرفة أي من أعضاء النيابة ” ، و هذا ما جرت به أحكام النقض. و كل ذلك أصبح معلوماُ لدي رجال القانون من الواقع العملي بالضرورة .
ثم استبدلت الفقرتان الثالثة و الرابعة من المادة (34) آنفة الذكر بموجب القانون رقم 74 لسنة 2007 بتعديل قانون الإجراءات الجنائية و قانون حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، حيث جاء التعديل الجديد ناصاُ على أنه: ” فإذا كان الطعن مرفوعاُ من النيابة العامة فيجب أن يكون التقرير و أسباب الطعن موقعين من محام عام على الأقل ، و إذا كان مرفوعاُ من هيئة قضايا الدولة فيجب ان يكون التقرير و أسباب الطعن موقعين من مستشار بها على الأقل” ، و يستفاد من التعديل الجديد ما يلي:
1-أصبح واجباُ وفقاُ للفقرة الثالثة المعدلة سالفة الذكر توقيع أسباب الطعن من محام عام على الأقل إذا كان الطعن مرفوعاُ من النيابة العامة ، و كان النص الملغي يكتفي بتوقيعها من رئيس نيابة على الأقل، كما استحدثت ذات الفقرة شرطاُ جديداُ يستوجب التوقيع من محام عام على الأقل على تقريرالطعن أيضا ، في حين أن النص الملغي لم يكن يشترط ذلك على النحو السابق بيانه.
2-استحدث المشرع بموجب الفقرة الرابعة من المادة (34) سالفة الذكر حالة ما إذا كان الطعن مرفوعاُ من هيئة قضايا الدولة ، فأوجب توقيع التقرير بالطعن و أسبابه من مستشار بها على الأقل ، و هذا نص جديد لم يكن منصوصاُ عليه من قبل ، و يبدو أن المشرع أراد به مواجهة حالة كون المتهم موظفاُ عاماُ يمثل جهة إدارية عامة.
3-أن المشرع ألغى الفقرة الرابعة من المادة المذكورة التي كانت توجب توقيع أسباب الطعن من محام مقبول أمام محكمة النقض إذا كان الطعن مرفوعاُ من غير النيابة العامة ، و الغير هنا يشمل الشخص العادي ، فهل أصبح التوقيع على أسباب الطعن المرفوع من المتهم جائزاُ و لو من محام غير مقيد امام محكمة النقض؟ الرأي عندي أنه لما كانت المسألة الراهنة تمس إجراء من إجراءات الطعن الجوهرية التي لا يكون للطعن بدونها قائمة و لا يعتد به، فإنها بهذا الوصف تخضع في تنظيمها لنصوص حاكمة لها و ليس للاجتهاد و الإفتراضات الظنية ، و بالنظر للنصوص الحاكمة لهذا الأمر ، و كان إيجاب توقيع محام بالنقض على أسباب الطعن يجد سنده في الفقرة الرابعة من المادة (34) التي ألغاها المشرع ، فإنه إزاء ذلك الإلغاء المقصود من المشرع و إزاء عدم وجود نص آخر يوجب توقيع محام بالنقض على أسباب الطعن ، فإن الأثر المترتب على ذلك هو جواز توقيع الأسباب من محام و لو لم يكن مقيداُ أمام محكمة النقض، فالمشرع ألغى السند الوحيد لإيجاب توقيع محام بالنقض على الأسباب دون أن يعيد تنظيمه ، كما فعل بالنسبة لصفة من يقرر بالطعن و أسبابه في الطعون المرفوعة من النيابة العامة و هيئة قضايا الدولة ، و القاعدة أنه لا اجتهاد مع النص .
4-إلا إنني اعتقد أن هذه النتيجة لم تكن في حسبان المشرع ، و إنما حدثت لغياب تركيز المشرع حال صياغة المادة نظراُ للسرعة الفائقة – غير المتطلبة – في إصدار القوانين ، والإهتمام فقط بأهداف معينة يبغيها واضعوا القوانين دون نظر شامل للموضوع محل النص، و نظراُ لكون الغاء الفقرة الرابعة على النحو السابق يتنافر و يتعارض كذلك مع الحكمة من إيجاب توقيع محام بالنقض على أسباب الطعن و هي حكمة تمثل ركناُ جوهرياُ في أداء محكمة النقض لدورها الذي أنشئت من أجله، و التي أفصحت عنها محكمة النقض بقولها: ” و لكي يأتي إنشاء محكمة النقض و الإبرام بالنتائج التي تنتظرها منها البلاد ، فإنه من الضروري حتماُ أن يكون المحامون الذين سيشتركون مع محكمة النقض في درس مشكلات المسائل القانونية العويصة مختصين بقدر ما حتى تكون الدعوى قبل رفع النقض قد درست بواسطة فقيه ذي خبرة لا يرفع النقض إلى المحكمة إلا إذا كانت النقطة القانونية التي يثيرها تستحق بحثاُ على يد أعلى هيئة قضائية في البلاد ، و هذا البحث الدقيق المرغوب فيه جداُ قبل رفع النقض لكي لا تزدحم جداول المحكمة بالطعون التي لا فائدة منها أو التي ترفع دون ترو لا يكون ممكناُ إلا إذا حتم القانون على الخصوم ألا ينيبوا عنهم امام المحكمة إلا محامياُ من ذوي الخبرة القانونية الكافية التي تسمح لهم بالقيام بهذه المهمة خير قيام …” الطعن الصادرمن الهيئة العامة لمحكمة النقض- مشار إليه بمؤلف المستشار/ محمد أحمد عابدين – توقيع المحامي على صحف الدعاوى و الطعون-ص 49 ،و لأنه لا يعقل أن يتشدد المشرع في الطعون المرفوعة من النيابة العامة و هيئة قضايا الدولة باستلزام توقيع ليس فقط أسبابها بل أيضاُ التقرير بها من محام عام بالنسبة للنيابة العامة و من مستشار بالنسبة لهيئة قضايا الدولة في حين يتخاذل نهائيا فيما يتعلق بالطعون المرفوعة من المتهم على النحو المبين سلفا، فإن المشرع مدعو للتنبه لذلك و لضرورة المسارعة الى تعديل الفقرة الرابعة المستحدثة بتضمينها ما يوجب توقيع أسباب الطعن من محام مقبول لدى محكمة النقض.
أشرف سعد الدين عبده مصطفى – المحامي بالإستئناف العالي و مجلس الدولة بالإسكندرية
اترك تعليقاً