مقال قانوني هام عن الثنائية الحزبية في المملكة المتحدة
أ/ عبد الله كامل محادين
الثنائية الحزبية
تعتبر أهم ما يميز النظام السياسي البريطاني، حيث يوجد حزبان رئيسيان يتقاسمان معظم مقاعد البرلمان، و يتناوبان على السلطة لحصول أحدهما على الأغلبية فيه، على الرغم من وجود أحزاب أخرى تحصل على بعض المقاعد القليلة في البرلمان.
إن انقسام البرلمان البريطاني بين تيارين رئيسين يعود في الواقع إلى ما بعد ثورة 1648. فقد كان يوجد حزبان قويان :
- حزب التوري Tory (الذي أصبح أسمه في القرن التاسع عشر حزب المحافظين) المؤيد لسلطات التاج،
- و حزب الويج Whigs (الذي سمي فيما بعد بحزب الأحرار) المؤيد لسلطات البرلمان.
هذا الانقسام في الحقيقة كان مرده أسباباً دينية، دون أن يستتبع بالضرورة اختلافاً في النظرة للقضايا الاقتصادية و الاجتماعية. و لكن مع بداية القرن العشرين و ظهور حزب العمال (حزب نقابات العمال Labor Party) الذي نشأ بمبادرة من النقابات العمالية، أخذ هذا الانقسام يستند إلى اختلاف في النظرة للقضايا الاقتصادية و الاجتماعية. فبعد النجاح السريع و الكبير الذي حققه هذا الحزب عاشت بريطانيا في ظل نظام من الثلاثية الحزبية : المحافظين، الأحرار، و العمال. و بعد فترة قصيرة من عدم الاستقرار الحكومي (بين 1922-1935، حيث عرفت بريطانيا /9/ حكومات)، عادت الثنائية الحزبية بعد خروج حزب الأحرار من حلبة المنافسة على السلطة، و بقي حزبان رئيسيان يتداولان السلطة فيما بينهما حتى الوقت الحالي هما : حزب المحافظين و حزب العمال.
II-حزبا العمال و المحافظين
يشكل حزب المحافظين و حزب العمال في بريطانيا النموذج الأمثل لنظام الثنائية الحزبية في دول العالم، على الرغم من أن نقاط الاختلاف بينهما آخذه في التناقص، حيث أصبحت تتركز حول بعض الأمور الفرعية التفصيلية، أكثر منها حول أمور جوهرية. و في هذا الصدد سوف نبين باختصار طبيعة المنضمين، و تنظيم و مبادئ كلا الحزبين.
1-حزب المحافظين
على الرغم من أن حزب المحافظين Conservatives لا يعتبر نفسه حزباً جماهيرياً، فإنه حزب ذو شعبية كبيرة، و المنضمون إليه ينتمون إلى مختلف شرائح المجتمع البريطاني، و قد بلغ عدد المنضمين إليه 1.5 مليون عضو (رقم قدر عام 1974 و لكن هذا الرقم في تناقص) موزعون على 600 تجمع محلي. و تعتبر الطبقات الوسطى الأكثر انضماماً لهذا الحزب و القاعدة الانتخابية الرئيسية له. و يسيطر هذا الحزب انتخابياً في جنوب البلاد. و فيما يتعلق بالمنتخبين (النواب) تحت راية هذا الحزب نجد قلة من النساء، في حين أن عنصر الشباب يفوق ما هو عليه الحال لدى حزب العمال، و أغلب نواب هذا الحزب و أعضاء الحكومة من خريجي الجامعات العريقة (النصف تقريباً من خريجي أوكسفورد Oxford و كامبردج Cambridge).
تنظيمياً يعقد الحزب مؤتمراً سنوياً، حيث تقوم قواعد الحزب بتسمية ممثليها (3000 ممثل) إلى هذا المؤتمر الذي يعتبر دوره محدوداً (استشارياً). من الناحية الرسمية و النظرية، يعتبر المجلس المركزي الهيئة الأساسية التي تدير حزب المحافظين. هذا المجلس يضم جميع مرشحي الحزب لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، إضافةً لأربعة ممثلين عن كل تجمع محلي : أي تقريباً حوالي 2000 عضو. عملياً، يقتصر دور المجلس المركزي على انتخاب اللجنة التنفيذية للحزب. هذه الهيئة الأخيرة التي تضم 150 عضواً تجتمع كل شهرين من أجل مناقشة الأوضاع العامة. و لكن لأنّ اللجنة التنفيذية ليست هي التي تنتخب زعيم الحزب، هذا الأخير يكون له الحرية في إتباع رأيها. فرأي اللجنة التنفيذية بالنسبة لزعيم الحزب، غير المسؤول أمامها، ليس سوى رأي استشاري. إضافةً لذلك، فإن زعيم الحزب يراقب و يسيطر من الناحية الفعلية على تسمية أعضاء اللجنة التنفيذية، و على سير أعمالها من خلال المكتب السياسي للحزب المكون من متفرغين يعينون بالاتفاق مع زعيم الحزب و يسيطرون عملياً على جميع أعمال الحزب. أما زعيم الحزب فإنه ينتخب من قبل نواب الحزب، و لذلك فهو مسؤول فقط أمامهم. و من حيث المبدأ يمكن إعادة انتخابه كل سنه، و عادة لا ينافسه على هذا المنصب أي مرشح آخر (و لكن يمكن أن يحدث استثناءات في هذا المجال : ففي تشرين الثاني 1990 الوزير السابق Heseltine الذي تربطه خلافات مع السيدة تاتشر رشح نفسه ضد هذه الأخيرة، و لكنه أجبر على الانسحاب).
فلسفياً ليس لحزب المحافظين إيديولوجيا محددة، و لكنه يدافع عن بعض المبادئ. فالمحافظون حزب واقعي يملك نظرة تنظيمية نخبوية للمجتمع. يرفض مفهوم الدولة المتدخلة، حيث يرى بأن دورها يقتصر على الحفاظ على النظام، و يعترض خصوصاً على تدخل الدولة في المجال الاقتصادي و الاجتماعي (التأميم خصوصاً). على صعيد السياسة الخارجية يعتبر المحافظون وطنيين و يتطلعون بحنين إلى السلطة و المجد الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية البريطانية.
2-حزب العمال
يعتبر حزب العمال Parti Travailliste حزباً جماهيرياً، حيث يضم حوالي /5/ ملايين عضو منضمين إليه بإحدى طريقتين : من خلال النقابات، أو بالانتساب المباشر. فحزب العمال نشأ بفعل النقابات العمالية، و لكن هذا لا يعني بأن جميع العمال و نقاباتهم منضمون إلى حزب العمال(4/5 من أعضاء هذه النقابات ينتمون إلى حزب العمال عن قناعة أو بشكل روتيني، و يبلغ عددهم حوالي 4.5 مليون عامل). أما المنتسبون مباشرة، الذين يبقى عددهم قليلاً، فأغلبهم من المثقفين و الأقليات الدينية و الملحدين من الطبقات الوسطى، و نسبة ضئيلة من المزارعين (تمثل حوالي 2% من عدد السكان الراشدين). و كما هو الحال عند المحافظين نجد ارتفاعاً في المستوى الاجتماعي و الثقافي لممثلي هذا الحزب في البرلمان.
و على الرغم من أن حزب العمال يعتبر حزباً جماهيرياً، إلا أنه كان يدار، حتى كانون الثاني 1981، بنفس طريقة حزب المحافظين. فمن الناحية النظرية الهيئة العليا في الحزب هي المؤتمر الذي يضم حوالي 1300 ممثل الذي يضم بين صفوفه خاصةً ممثلين عن نقابات العمال. مهمة هذا المؤتمر هو تحديد برنامج الحزب و انتخاب اللجنة الإدارية للحزب. هذه اللجنة الإدارية تضم 28 عضواً و هم مكلفون برسم الخط السياسي للحزب يوماً بيوم. و من حيث المبدأ يجب أن يخضع زعيم الحزب إلى توجيهات اللجنة الإدارية. و لكن لأنّه غير منتخب من قبلها و غير مسؤول أمامها يبقى لديه الحرية الكبيرة في الحركة. فكما هو الحال في حزب المحافظين، فإن زعيم حزب العمال كان ينتخب من قبل نواب الحزب، و لكن منذ مؤتمر الحزب الاستثنائي في ويمبلي Wembley المنعقد في كانون الثاني 1981 أصبح يتم انتخابه من قبل هيئة ناخبه تضم 40% من ممثلين عن النقابات و 30% من ممثلين عن الدوائر المحلية و 30% من ممثلين عن نواب الحزب.
من الناحية الإيديولوجية يعتبر حزب العمال في الأساس حزباً يسارياً، و استناداً إلى برنامجه الذي حدد عام 1918 يمكن اعتباره من أحزاب يسار-الوسط. و لكن منذ تولى توني بلير Tony Blair زعامة هذا الحزب (خاصةً ما طرحة في اجتماع الاشتراكية الدولية في باريس عام 2000) و وصوله إلى السلطة عام 1997، يمكننا تصنيف حزب العمال البريطاني بين أحزاب الديمقراطية-الاجتماعية Sociales-Démocrates. هذا الحزب، كمنافسه، متمسك بالمؤسسات الدستورية القائمة في البلاد، يرغب بدولة قوية، و يطمح لإنشاء مجتمع قوي أفضل للبريطانيين يحقق العدالة و الرحمة (برنامجه عام 1970). و يعمل على تحسين وضع الطبقات المحرومة و تحقيق نوع من المساواة…، أما بما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن حزب العمال لا يختلف عن حزب المحافظين إلا في نقاط تفصيلية محدودة متعلقة في نظرة كل منهما للوحدة الأوربية.
III-الأحزاب الأخرى
الثنائية الحزبية في بريطانيا لا تعني عدم وجود أحزاب أخرى، و إنما تعني فقط وجود حزبين رئيسيين يتداولان السلطة. فبجانب حزبي العمال و المحافظين، يوجد أحزاب أخرى ليس لها أمل في الوصول وحدها إلى السلطة، فتساند أحد الحزبين الرئيسين في تدعيم أغلبيته في البرلمان. فبالإضافة لحزب البيئة و الحزب الشيوعي اللذين ليس لهما أي وزن سياسي حقيقي، يمكن أن نميز من الأحزاب الأخرى :
1-الأحزاب الوطنية Nationalistes : الإسكتلندية Ecossais و الغالية (نسبة لبلاد الغال) Gallois و الأيرلندية Irlandais.
هذه الأحزاب ليس لها سوى وجود إقليمي كما توحي أسماؤها. و هي غير قادرة حتى على الحصول على الأغلبية في مناطقها، حيث لا تحصل سوى على عدد قليل من المقاعد في مجلس العموم (24 مقعداً في انتخابات 1992)، و بالتالي تدخل في “تحالف”، أو بالأحرى، تساند أحد الحزبين الكبيرين (فمثلاً يعتبر أعضاء حزب اتحاديي شمال أيرلندا Unionistes nord-irlandais مخلصين بشكل دائم لحزب المحافظين).
2- الحزب الليبرالي الديمقراطي Parti Libéral Démocrate
هذا الحزب ولد في عام 1988 نتيجة اندماج حزبين هما :
• الحزب الليبرالي أو حزب الأحرار Parti Libéral : هذا الحزب كان له تاريخ كبير قبيل نشأة حزب العمال في بداية القرن العشرين، حيث كان يشكل حتى هذا الوقت مع حزب المحافظين أحد طرفي الثنائية الحزبية. و قد ضعفت شعبية هذا الحزب حتى إنّه لم يحصل في انتخابات 1951 سوى على 2.5% من الأصوات و /6/ مقاعد في مجلس العموم، و لكن منذ الستينات من القرن الماضي أخذت شعبيته ترتفع حيث ينال في الانتخابات بحدود 20% من الأصوات. و مبادئ هذا الحزب تتركز حول النقاط التالية : -النضال ضد تدخل الدولة، -احترام الحقوق الأساسية للأفراد، -التضامن الاجتماعي، -الدفاع عن البيئة، -دعم نزع التسلح. و على الرغم من الشعبية المتزايدة لهذا الحزب الذي كان يحل في المرتبة الثانية في النسب المحققة في الانتخابات، إلا أنه لا يحصل سوى على عدد ضئيل من المقاعد في مجلس العموم و ذلك بسبب النظام الانتخابي.
• الحزب الاجتماعي الديمقراطي Parti Social Démocrate : هذا الحزب أنشئ في آذار 1981 من قبل شخصيات من الجناح اليميني انشقت عن حزب العمال و على رأسهم Roy Jenkins و David Owen.
منذ نشأته حاول الحزب الاجتماعي الديمقراطي التقرب من حزب الأحرار، من خلال مساندة “تحالف” مرشحين مشتركين. و في أول انتخابات عامة ظهر هذان الحزبان المتحالفان و كأنهما قوة سياسية واعدة، مما دفع ببعض المراقبين إلى التساؤل حول مستقبل الثنائية الحزبية في بريطانيا. هذا الأمر دفع بالحزبين للاندماج تحت اسم الحزب الليبرالي الديمقراطي.
هذا النظام من الثنائية الحزبية، ينجم عنه بعض النتائج التي تحكم عمل النظام السياسي الإنكليزي :
-تفادي الحكومات الائتلافية، حيث إنّ أحد الحزبين الرئيسين (طرفي الثنائية الحزبية) يملك بالضرورة الأغلبية في مجلس العموم، مما يمكنه من تشكيل الحكومة.
-الانضباط الحزبي، فمن حيث المبدأ إن ممثلي كل من الحزبين في البرلمان يصوتون وفق ما تمليه عليهم قيادة حزبهم، مما يحقق الاستقرار للحكومة و يجنبها حجب الثقة.
-الأحزاب هي السيدة في تقديم المرشحين، و المرشحون المستقلون تعتبر حظوظهم بالفوز شبه مستحيلة.
-الناخبون لا يصوتون في دوائرهم لهذا المرشح أو ذاك لاعتبارات خاصة بشخصية المرشح، و إنما يصوتون لمرشح هذا الحزب أو ذاك، أي يصوتون لبرنامج هذا الحزب أو ذاك.
-يعتبر دور الحزب الذي يملك الأغلبية في البرلمان حاسماً، بل مسيطراً، على العمل الحكومي و التشريعي.
اترك تعليقاً