الثورة العربية الكبرى – فى مسألة القضاء’
عندما نتحدث عن الثورة العربية الكبرى نتحدث عن حراك ثورى يجتاح المنطقة العربية هذا الحراك الثورى نختزله فى كبرى الثورات العربية وهى ثورة الشعب المصرى هذا الشعب الذى ثار وإنتفض ضد الحكم الإستبدادى قامت ثورته بغية الديموقراطية والعدالة الإجتماعية قامت هذه الثورة لإقصاء كل ما هو مستبد وبالتالى نحن نتحدث عن الثورة العربية الكبرى بروح مصرية لأن شعبنا المصرى يشارك الشعوب العربية فى كونها تحكم حكما مستبدا .
أيضا تحدثنا سابقا عن أن الثورة قامت لتقصى آلية الإستبداد هذه الآلية التى تحدثنا عن بعض عناصرها التى تؤبد الإستبداد كإحاطة المستبد بسلطة بوليسية وأيضا أن تكون هناك سلطة للإعلام للترويج والترهيب للمستبد ومن المستبد وفى مقالتنا اليوم نتحدث عن آلية أخرى وربما تكون على قدر كبير من الأهميةوهى آلية القضاء .
وقبل الخوض فى هذه الآلية لابد لنا من إيضاح عدة أمور متعلقة فى مابين الإستبداد والقضاء أهما هو العلاقة بين الإ^ستبداد والقضاء فالقضاء هو الحصن الحصين الذى من شأنه حماية الفرد فى المجتمع من أى ظلم يتعرض له فهو النصير للشعب من ظلم الآخر حتى ولو كان هذا الآخر سلطان جائر وقد حددت المواثيق الدولية للدولة الحديثة دولة المؤسسات هذه الدولة التى تفصل ثلاثة سلطات رئيسية فى الدولة بعضها عن بعض حتى تمارس فيها كل سلطة سلطتها بعيدا عن السلطة الأخرى وأهم من ذلك بإستقلالية تامة عن السلطة الأخرى فإذا كانت المؤسسات الثلاث الرئيسية أو بمعنى آخر السلطات الثلاث هى السلطة التنفيذية وهى السلطة التى تقوم بتسيير أمور الشعب من خلال دواوينها الحكومية فتكون السلطة الثانية هى السلطة التشريعية وهى السلطة المرتبطة بالجماهير الشعبية والتى تقوم بإنتخاب ممثليها فى برلمان ( مجلس للشعب أو للأمة ) هذه السلطة هى التى تقوم بسن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبة هذه السلطة حتى لو أدى الأمر إلى إسقاطها أما السلطة الثالثة أوالمؤسسة الثالثة هى السلطة القضائية وهذه السلطة هى الحكم بين أفراد الشعب حتى لايجور أى فرد على الآخر وأيضا هى سلطة حكم بين الشعب والسلطة التنفيذية حتى لاتجور هذه السلطة على أفراد الشعب كل هذا يتم بعقد إجتماعى تصدر بشأنه القوانين المنظمة إنسانيا وإجتماعيا العلاقة بين الشعب والدولة وما دام هذا العقد الإجتماعى قد توافق عليه عموم هذا الشعب أصبح هذا العقد هو المصدر لهذا الشعب لسن وإصدار القوانين والتى يتولى مجلس هذا الشعب إصدارها .
إذا هناك سلطة تحكم وسلطة تراقب وسلطة تحقق العدل وكل منهم مستقل عن الآخر فما شأن هذه السلطات بظاهرة الإستبداد ؟
قبل الخوض فى الإسترسال فى الإجابة نود التوضيح أن المجتمع الإنسانى قد أضاف سلطة رابعة على نفس القدر من الأهمية والتأثير وهى سلطة الإعلام والصحافة والتى تقوم بنقل نبض الجماهير الشعبية فى علاقتها بهذه السلطات وهى السلطة المخولة بكشف المستور من التعدى على الحقوق الشعبية وتكون جرس إنذار لباقى السلطات حتى لايتم التجاوز .
نعود مرة أخرى للإجابة على السؤال السابق لكى تمارس هذه السلطات كامل دورها فى إدارة شئون الدولة لابد لها قبل أن تمارس أن تكون هذه السلطات تعترف كل منها بالآخر أى أن تتم هذه العملية من خلال حياة ديموقراطية سليمة هذه الحياة الديموقراطية تكون قد تأصلت من خلال العقد الإجتماعى الذى أقره الشعب وهو دستور البلاد الناظم لنظامها السياسى ولابد أن يكون لهذا الدستور حرمته وإحترامه من كافة طوائف الشعب فى حالة أن يكون الشعب هو واضع هذا الدستور من خلال قواه الإجتماعية المكونه لهذا الشعب وفى حالة أى خلل فى لهذا العقد الإجتماعى بمعنى أن يتم إسقاط أى مكون إجتماعى لم يشارك بحفظ حقه الدستورى بوضع هذا الحق فى الدستور أصبح هذا الحق منقوصا الأمر الذى يتبعه مباشرة الجور على حق مكون إجتماعى هذا الحق التى تم إقصائه يصب فى دعم حق آخر لمكون آخر يستلب الحق المنقوص وعندما نتحدث عن المكون الإجتماعى نتحدث عن كافة القوى الإجتماعية بدءا من الفلاحين والعمال والمهنين بكافة طوائفهم وأصحاب الأعمال أيضا بكافة طوائفهم ومن هنا نقول أن نظام الدولة هو الممثل فى عقدها الإجتماعى أى ممثل فى دستور الدولة المدنية الحديثة وهنا لابد من الإشارة إلى الدستور هو المحدد لأى نظام سواء كان ملكيا أو جمهوريا وأن الحق الدستورى هو الحافظ للشعب من إستبداد الملك أو الرئيس فى الممالك الحديثة الدستورية تمارس الؤسسات الثلاث سلطتها ديموقراطيا بعيدا عن الملك الذى يملك ولايحكم طالما هناك مؤسسات تحكم وهذا أيضا يندرج فى النظام الجمهورى فلابد للرئيس أن يكون حكما بين السلطات أو المؤسسات الثلاث لا أن يكون حاكما لها وإذا جار ملكا أو رئيسا على الدستور يكون قد جار على الشعب بأكمله لأنه فى هذه الحالة قد طغى على العقد الإجتماعى الناظم والحاكم للعلاقة بين من يملك أو يرأس وبين الشعب .
هنا يصنع المستبد سواء ملكا أو رئيسا فبالنسبة إلى الممالك العربية فهى ممالك قد حكمت بعيدا ‘ن أى حياة دستورية فجميعها تملك الأرض وماعليها فهذه الممالك مازالت بعيدة كل البعد عن الحياة الدستورية وبالتالى عن الدولة المدنية الحديثة فحكم هذه الممالكة حكما مطلقا يجمع فيه الملك كل السلطات بين يديه .
أما فى حالة الجمهوريات والتى تكون بموجب كونها تعدت النظام الملكى المستبد كون شعبها قد قام بثورته لتغيير هذا النظام وتحول إلى نظام الدولة الحديثة وهو النظام الجمهورى والذى بموجبه يتم الفصل بين السلطات , وكون أن يقوم رئيس فى وقت ما بالعبث بالدستور بعيدا عن وفى غياب القوى الإجتماعية الشعبية يكون هذا الرئيس قد إنفرد بالحكم وأصبح مستبدا وفى هذه الحالة يقوم كل رئيس مستبد بعملية قهر أولية لقوى إجتماعية فاعلة على إثرها يخضع له الشعب الذى كان يتمثل فى هذه القوى المقهورة سنده وعضده ومن ثم يفرض سيطرته السياسية على الشعب من خلال ترأسه لحزب حاكم يقوم بداية بعملية تزوير للإنتخابات بإستخدام قوته البوليسية ثم يأتى بممثلى شخصيين له فى البرلمان بدلا من ممثلى الشعب ثم يمنحه هذا البرلمان سلطته فى سن وإصدار القوانين وبالتالى يكون قد أقصى السلطة التشريعية وبمقتضى ذلك يقوم بتغيير الدستور وكما قلنا سابقا بعيدا عن القوى الشعبية وينصب نفسه حكما لكل السلطات بما فيها السلطة القضائية والذى يكون قد أخضع قبله السلطة التشريعية وهى السلطة الأقوى شعبيا وهنا يطرح سؤالا هل يستطيع القضاء النأى بنفسه بعيدا عن جور الحاكم نجيب بنعم وأن فى مصر قضاه معظمهم مثال للأمانة التى فرضت عليهم والشرف المنوط بهم بكونهم ظل الله على الأرض وقد تعرض البعض منهم بالإبعاد بسلطة الرئيس فيما عرف بمذبحة القضاء ونتيجة هذا الإبعاد قد تم إستئناس نفر من القضاء يحكم بما يملى عليه بعدما أخضع غريزته للخوف من الحاكم ثم إستمرئ البعض هذا الإستئناس طالما وجد فيه ضالته من التقرب من الرئيس حتى يكون من أصحاب الحظوة ولكون الرئيس هنا أصبح مستبدا فهذا الإستبداد لايولد ولادة طبيعية فلابد أن يكون هناك دافع قوى لهذا الإستبداد هذا الدافع يمكن الرئيس من إستبداده بمعنى آخر يمكن الرئيس /ن أن يكون رئيسا دوما دون تحديد لفترات رئاسية فالرئيس نفسه فى حالة إستبداده يقوم بخدمة من هو صاحب يد عليا عنه وصاحب اليد العليا هنا يكون طرفا خارج اللمعادلة الإجتماعية الداخلية الذى قام الرئيس بإخضاعها وبالتالى يكون هذا الطرف خارجيا ومهيمنا ولاعبا أساسيا فى المنطقة ومهيمنا على مقاليد الأمور فيها وهو الممكن لهذا الرئيس لفرض سيطرته الإستبدادية وهو الممول له لتقويةعناصر الإستبداد بمعنى آخر أن يكون طرفا خارجيا قد قام بصنع هذا الرئيس المستبد ليكون أداة له فى الهيمنة الإقليمية .
هذه الهيمنة التى تملى على نظام هذا الرئيس تكون نتاج إحتياج الطرف المهيمن لوكيل يستطيع من خلاله قضاء كافة مصالحه فى المنطقة وبالضرورة تكون هذه المصالح خاضعة لمنظومة الإقتصاد العالمية التى تدار بمنظومة عالمية نستطيع إطلاق لقظ الإمبريالية العالمية عليها وفى هذه الحالة تكون الأنظمة المستبدة أنظمة تابعة لأنظمة أكثر إستبدادا منها فالنظام المهيمن والنظام التابع له المسيطر يشتركان سويا فى عملية نهب منظمة لمقدرات الشعوب الخاضعة للإستبداد وفى هذه الحالة وعودة إلى بدء تكون القوى المهيمنة هى القوى التى تعمل على صناعة آلية الإستبداد فهى القوى التى مكنت الرئيس وأمدته بالفكر والمادة لصناعة نظام أمنه المكلف بحراسته وحراسة نظامه وهى القوى التى تعمل على إخضاع الماكينة الإعلامية المحلية بالرغبة والرهبة أن تكون أداة لتأليه الرئيس ونظامه وهى القوى التى تعمل على التآلف بين الوكيل الأساسى والوكلاء الفرعيون لهذه القوى لتنظيم عملية إستلاب القوى الشعبية المحلية من هنا كان لابد من وجود شريك يقوم بعملية التشريع وسن القوانين لتنظيم عملية الإستلاب فكان لابد من الإستعانة بالقضاء أو القضاه المنتدبون فى السلطة التنفيذية لشرعنة هذه العمليات وأن عملية الإنتداب هذه قد جعلت من القضاه المنتدبون أن يكونوا أسرى لدى السلطة التنفيذية وبهذه الحالة أصبح القاضى يتنازل تدريجيا عن كونه حكم عادل وأصبحت أحكامه غالبا ما تكون لصالح الجهة الإدارية والطرف الآخر المغبون هنا هو أحد أفراد الشعب حتى أصبح الشعب بكامله ينال الغبن من إخضاع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية الأمر الذى ساهم فى سريان منظومة الفساد داخل الجسم الإدارى بإستغلال القضاء ( الإدارى ) فى تنحية أصحاب الخبرة والكفاءة وتمكين السلطة التنفيذية من وضع عناصر فاسدة تدين أولا وأخيرا بالولاء لرئيسها ولا تملك لا الخبرة ولا الكفاءة وتقوم هذه العناصر بتسيير الجهاز الحكومى طبقا لرغبات أولى الأمر حتى أصبح هذا الجهاز مترهلا من كثرة فساده ,
وإذا كان هذا يتم فى أحد منظومتى القضاء والتى تتصل مباشرة بالسلطة التنفيذية فأن المنظومة الأخرى قد تم التسرب إليها بنفس الطريقة وعن طريق الإغراءات المالية الناتجة عن الإستشارات القضائية وطريق الوعود بمكان داخل منظومة السلطة التنفيذية فيما بعد سنالتقاعد وعن طريق تحييد القضاء بجعله عنصرا فاعلا فى العملية الإنتناجية نتيجة إستمالته نحو إستملاك أراضى الدولة سواء زراعية أو عقارية وبالتالى أصبح القاضى الحكم العدل يأخذ دوره فى دواوين السلطة التنفيذية حتى يتمكن من إدارة نشاطه الجديد سواء فى الإستثمار فى البنية الزراعية أو العقارية وبالتالى أصبح القاضى مضاربا فى السوق وحتى فى البورصة وهنا تم إقصاء حياديته وبالتالى أصبح حكمه العادل تشوبه صورة القاضى المنحاز لتجارته أو لمهنته البديلة ومن هنا أصبح القضاء أسيرا لدى السلطة التنفيذية وبالتالى أصبح القضاء والذى نشرف به وعن طريق فئة منه إمتهنت حرفة أخرى غير القضاء بجانب القضاء تعمل لدى رأس النظام وبالتالى أصبح القضاء يعمل على تأبيد النظام وهنا السؤال هل يستطيع القضاء النزيه تطيهر نفسه فالقاضى هو الحصن الحصين للجماهير الشعبية فهل يستطيع ؟
لقد قامت الثورة العربية الكبرى ولابد من وجود تضحيات كبرى حتى تستطيع الثورة إنجاز قدرتها على التغيير وأن أهم عنصر فى التغيير هو وضع القضاء فى محله الصحيح ولابد للقضاء أن يبعد عن نفسه شبهة الإتجار فى الأراضى والعقارات والمضاربات حتى يستعيد مكانته ويبعد عنه ثقافة الخضوع لقوانين السوق والتى جعلت من القضاء أن يتنازل عن نزاهته وحياديته وألصقت بالقضاء سبة الشراكة فى الفساد الإدارى .
* بقلم د. محمود حافظ *
اترك تعليقاً