الجرائم الالكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي حدود الشكوى والعقوبة والنقص التشريعي في القانون العراقي
المحامي أحمد فاضل المعموري
.أن التطور العالمي ودخول التقنية الالكترونية والشبكة العالمية (الانترنيت) والحاسوب الالي والخدمات المرتبطة به في حياة الناس قرب من المسافات البعيدة وجعل العالم قرية صغيرة وإمكانية التواصل في ظل وسائل الاتصال الحديثة والبث الرقمي فائق الجودة ووسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك ,تويتر ,تانغو ,جات, فايبر ,….) وهذا مما ساعد حركة الانتشار الاجتماعي عالمياً مما أدى والى تمادي المتطفلين والمجرمين واصحاب النيات السيئة والمغرضة من المباشرة في استخدام هذه التقنية الالكترونية بالاعتداء بجرائم الكترونية منها(جرائم التهديد والاحتيال وجرائم الابتزاز المالي وجرائم التشهير والمقامرة والاستغلال الجنسي ,والجرائم المتعلقة بالصور الفاضحة أو الاعتداء على حرية الحياة الخاصة , أو تطفل أو ازعاج أو الدخول عمداً بدون تصريح أو اعتراض دون وجه حق ما هو مرسل أو استخدم عبارات أو صور أو أصوات أو أية وسيلة أخرى تنطوي على القذف والسب ,……) باستخدام تقنية اجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات أو سائل التواصل الاجتماعي وهي تتعدى بأثارها القانونية والشرعية الى اثارها الاجتماعية والمادية والمعنوية والنفسية على حياة وحقوق وحريات المواطنين العراقيين ,وتعدى ذلك الى سمعة وشرف الشخص المعتدى عليه أو المعتدى عليها في هذه الجرائم .
وأن الجرائم المعلوماتية التي اصبحت حالة الاعتداء واضحة وبينة ومستمرة وتحتاج الى تشريع خاص يحدد ويعاقب الافعال الجرمية التي تنتهك حقوق وحريات بعض المواطنين وتمس بسمعة وكرامة وحياة واعراض الناس وتشكل جرائم وفق طبيعة الاعتداء وخصوصية المجتمع العراقي .
ومن خلال إعطاء وصف أو تعريف بسيط للجريمة الإلكترونية التي عرفها قانون المعلوماتية المقترح على أساس الاتفاقية العربية وقانون الجرائم الامريكية واتفاقية بودابست والاتحاد الدولي للاتصالات دون وجود تعريف واضح في مشروع القانون الخاص المقترح , وتعريف الجريمة الالكترونية بأنها جناية أو جنحة ترتكب ضد فرد أو جماعة بدافع جرمي ونية الإساءة لسمعة الضحية أو جسده أو فكره او ماله أو حياته ، سواءً كان ذلك بطريقة مباشرة ام طريقة غير مباشرة باستخدام وسائل الاتصالات الحديثة الانترنيت , ومع تزايد الانفتاح العالمي في مجتمع متحول من النظام الاجتماعي الطبيعي الى النظام الاجتماعي المنفتح على العالم والاكثر تطوراً وسرعة واندماجاً بالعالم الخارجي والمجتمعات الداخلية المحلية بتقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي المتاحة والمباحة وبحرية مطلقة دون قيود او ضوابط أو قوانين واضحة تحدد نطاق العقوبات الجرمية في حالة انتهاك الخصوصية أو الحقوق والحريات. واليوم نلاحظ كثير من هذه المواقع تستخدم (التشهير والابتزاز والاحتيال والسب والقذف ) والتعرض بتشويه سمعة وكرامة الانسان بسبب أو دون سبب للشخص الطبيعي أو الشخص المعنوي من أفراد أو مؤسسات للتأثير على مكانتهم الاجتماعية أو العائلية وانتهاك الخصوصية أو التنكيل بهم لغرض الابتزاز أو الاساءة الشخصية او تحقيق أهداف اخرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة وكلها محرمة بحكم الشرع والقانون. وعندما نتوسع في مفهوم السياسة الجنائية في الدولة العراقية فأنها تأخذ بالعقيدة الجنائية (لا عقوبة ولا جريمة الا بنص, ولا عقوبة الا على الفاعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ,…)المادة (19/ثانياً )من الدستور العراقي لسنة 2005. ونص المادة (1)(لا عقاب على فعل أو امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ,ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية لم ينص عليها القانون). قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969 المعدل هذه المواد القانونية والمبادئ الدستورية هي الحاكم النافذ في تجريم المتهم بنص القانون الجنائي.
وعلى الرغم من أن مفاهيم ومبادئ الدستور والقانون لها الأعلوية في الحكم القضائي العراقي ولكن في نفس الوقت لا يمكن ان تترك مثل هكذا جرائم دون إجراءات وعقوبات رادعة من المنتهكين للأفعال الجرمية أو الاشخاص المتهمين بحجة عدم وجود نصوص تشريعية تجرم الافعال المنتهكة لسمعة واعراض وكرامة الناس والا كانت هناك فوضى اجتماعية .
عندما نأخذ المقاصد والغايات والهدف من هذه الاعتداءات المتكررة بعد تحريك الشكوى الجزائية والخاصة بالمشتكي أو المتضرر من الاعتداء في محكمة تحقيق قضايا النشر والاعلام واثبات الشكوى بالطرق القانونية المتعارف عليها وإمكانية ندب الخبراء في القضايا الفنية م (69) الاصولية وللقاضي ان يستفيد من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية(104) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979والآدلة والبراهين المتحصلة من الجريمة المرتكبة من قبل المشكو منه بعد ان يفاتح من الوزارات المختصة والتي يراها ضرورية من وزارة الاتصالات للحصول على معلومات الشبكة العالمية(شبكة الانترنيت) والخبراء والفنين والتقنين أو مفاتحة مواقع التواصل الاجتماعي من خدمة المشتركين لغرض استكمال اجراءات التحقيق من قبل القاضي المختص لتكون هذه وسيلة ردع اولية للمتهم .
أن قاضي التحقيق لا يستطيع رفض الشكوى التي قدمها المشتكي والا كان القاضي ممتنع عن احقاق الحق وفق القانون حيث يعتبر قاضي التحقيق قاضي احالة للقضية وليس قاضي موضوع يرجح بالأدلة او يقارن أو يمحص هذه الادلة المعروضة عليه بعد أن يستعين بقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 أو قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية أو قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 الذي يخص الصحف والمجلات وتستند عليه محكمة النشر والاعلام على الرغم من جدلية قواعد الاختصاص وهي من النظام العام وفق قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23)لسنة 1971 المعدل والنافذ من المادة (53) منه , فيما ينشر على مواقع الانترنت الوهمية بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي, وكل هذه النصوص يستطيع القاضي استنباط دليل وقرائن لإحالة المتهم للمحكمة المختصة وفق القانون دون منع سير العدالة عن اخذ مجراها في قضايا الاتهام والاحالة بعد اثبات الشكوى بالطرق العادية ودون تعطيل القضاء او التنصل من المسؤولية والا كان القاضي ممتنع عن احقاق الحق وفق م(30) من قانون المرافعات المدنية رقم (83)لسنة 1969 النافذ .
وعلى مجلس القضاء الاعلى تعميم توجيه الى محاكم الاستئناف في محافظات العراق كافة للترويج عن الشكاوى الخاصة بجرائم مواقع التواصل الاجتماعي الوهمية وعدم رفض الشكوى من قبل المحاكم احقاقاً للعدل وابقاء ساحة القضاء محلا للخصومة العادلة والوحيدة في المجتمع واقامة الشكوى وتحريكها واحالتها حسب الاختصاص الوظيفي ,استثناءً من الاختصاص المكاني حيث هناك محاكم في العراق لا تقوم بتحرك هذه الشكاوى بحجة أنه لا يوجد نص تشريعي وهذه من الاخطاء الفادحة في مسيرة القضاء العراقي ويتحمل وزرها رئيس السلطة القضائية وهو رئيس مجلس القضاء الاعلى من خلال دوره الريادي في مجال اصلاح الخلل الجنائي الحاصل في تطبيق ونقص النص القانوني والحث على تسريع وتشريع وإصدار قانون (جرائم المعلوماتية )وكذلك يتحمل هذه المسؤولية البرلمان العراقي بحكم الدستور بالمادة (61/اولا) (تشريع القوانين الاتحادية) ويتحمل المسؤولية رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء اللذان هما اصحاب الاختصاص الاصيل في تشريع القوانين بحكم الدستور العراقي لسنة 2005 المادة (60/اولا ) .
ان عدم وجود نص تشريعي او نقص في قانون العقوبات العراقي لا يمنع القضاء العراقي من الاستعانة بالمبادئ القانونية وتحريك الشكوى الجزائية والاستمرار بها واثباتها وفق الادلة والقرائن من ان الاسماء المستعارة والحسابات الوهمية التي يستخدمها بعض الاشخاص أو من ينوب عنهم في دول مجاورة لغرض ارتكاب جرائم القذف والسب والابتزاز والتشهير وكلها تمثل جرائم الكترونية مخلة بالآداب والنظام العام والحقوق والحريات ويجب أن تكون هناك اجراءات رادعة بالقضية لتشكل هذا الاجراءات خوف دائم ورعب في نفوس المجرمين للمستقبل والنيل منهم بعد اقرار قانون (جرائم المعلوماتية )حتى لو استمرت القضية فترة زمنية في دور التحقيق ولحين اقرار قوانين رادعة بحق المتهمين الذين ينتهكون سمعة واعراض وكرامة الناس أو الجرائم الاخرى الشخصية أو المالية على الرغم ان مشروع قانون جرائم المعلوماتية في صيغته المقترحة قد ابقى على محكمة قضايا النشر والاعلام لمدة ثلاث سنوات بعد اصدار القانون وبعدها تنتقل وحسب الاختصاص المكاني للجرائم وكذلك الاخذ بالقوانين الجزائية والاجرائية النافذة مع القانون المقترح .
أن عدم وجود قانون خاص بجرائم المعلوماتية وانما هناك صيغة مشروع قانون مقترح لم يرى النور بسب الخلافات بين السلطات التشريعية والتنفيذية في اختلاف الرؤى والتصورات حول تضمينه عقوبات رادعة وقاسية وتضمينه مواد لا تدخل في موضوع جرائم المعلوماتية من تجارة المخدرات والاتجار بالبشر والتي تحتاج الى قوانين خاصة وليس مواد مدمجة بالقانون وسبق وتم تشريع قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية رقم (78)لسنة 2012 والذي تضمن الكثير من البنود التي تهتم بالتوقيع الالكتروني, والمستندات الالكترونية والعقود الالكترونية والعقود التجارية والمالية الالكترونية والتحويل المالي الالكتروني وهي اكثر خطورة وضرر على حياة الشعب العراقي وتمس بالاقتصاد الخاص والعام وجرائم الاحتيال المالي وتم تمرير هذا القانون دون ضجة إعلامية وافتعال سياسي ولا توجد عقوبات لكل هذه المحاور والمواد القانونية التي تمس بمالية وحقوق الاشخاص الطبيعية والمعنوية وهنا سؤال يثار عن الغاية من تشريع هكذا قانون وتمريره دون ضجة او افتعال سياسي وهو خالي من العقوبات الرادعة بحكم القانون الخاص ؟.
ان حرية التعبير عن الرأي مكفولة بالدستور العراقي والتي هي حريات مصانة وغير قابلة للتقيد بحجة حماية المجتمع من الانتهاكات والجرائم لأنها تمثل مساس بالقيم والتعبير عن الرأي في ظل نقل المعلومات والانتقاد الحر وحرية نقل المعلومات عبر الشبكة العالمية (الانترنيت )والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات حق مكفول بالدستور دون المساس بالقيم والاعراف والحقوق والانتهاكات التي تشكل جرائم واضحة توجب العقاب …
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً