إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تعد الدعاية الانتخابية من أهم الإجراءات الممهدة للمشاركة في العملية الانتخابية باعتبارها وسيلة تعريف المواطنين بالمرشحين وبرامجهم السياسية. فخلال هذه الفترة يعمل المرشح أو الحزب على إبراز خططه المنشودة بهدف الحصول على أصوات الناخبين للفوز بالمنصب أو المركز المرشح له. ولذلك تعمد الدول على تضمين تشريعاتها الانتخابية النصوص التي تكفل تحقيق مبادئ المساواة في الدعاية بين جميع المرشحين وحياد السلطة المشرفة على العملية الانتخابية ومشروعية الوسائل والأساليب المستخدمة في الدعاية الانتخابية.
وتعرّف الدعاية الانتخابية بأنها: “الأنشطة الاتصالية المباشرة وغير المباشرة التي يمارسها مرشح أو حزب بصدد حالة انتخابية معينة بهدف تحقيق الفوز بالانتخاب عن طريق الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الهيئة الناخبة”. وفي ضوء هذا التعريف يمكن القول أن الدعاية الانتخابية تهدف إلى أمرين:
الأول: إظهار المرشح وتحسين صورته أمام الهيئة الناخبة.
الثاني: طرح البرنامج الانتخابي وجعله المنفذ الوحيد لإقناع الناخبين والفوز بأصواتهم.
وبما أن استخدام الدعاية الانتخابية من قبل المرشحين يمكن أن ينطوي على مخالفات قانونية تؤثر على نتائج الانتخاب يتعلق بعضها بتنظيم الدعاية كالمساواة في استخدام هذه الوسائل أو تجاوز الأوقات المحددة لها، أو عدم استخدام الأماكن المخصصة للدعاية، أو ما يتعلق منها بالتمويل المالي للدعاية كتجاوز حدود الإنفاق المسموح به، أو تلقي دعم من جهات محظورة، أو عدم وجود ميزانيات حسابية توضح حجم النفقات والإيرادات، أو إذاعة أخبار كاذبة حول أحد المرشحين، أو إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية، أو تعريض الوحدة الوطنية للخطر؛ لكل ذلك عمد المشرّع إلى إحاطة عملية الدعاية الانتخابية بسور من القيود والضوابط لتوفير أكبر قدر من الضمانات، سواء للمرشح نفسه أو منافسيه من المرشحين الآخرين.. وتضمن هذه القيود في ذات الوقت سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة بين المرشحين. وهذا الأمر يتم من خلال تحديد الأفعال غير المشروعة التي تشكّل خروجاً على المبادئ العامة الحاكمة للحملة والدعاية الانتخابية من مساواة وحياد ونزاهة ومشروعية. وهو ما سارت عليه الغالبية العظمى من التشريعات الانتخابية في العالم التي اهتمت بتنظيم الدعاية الانتخابية، ومنها التشريع السوري في القانون رقم 5 لعام 2014 الذي حدد الإطار العام للعلاقة بين المرشحين أنفسهم، وبين الدولة، وبيّن أشكال السلوك التي تشكّل جرائم معاقب عليها أثناء الدعاية الانتخابية، والتي في ضوئها يمكن تصنيف جرائم الدعاية الانتخابية على النحو التالي:
أولاً- جرائم الدعاية خارج النطاق الزمني:
سمح المشرّع السوري للمرشحين بعد قبول طلباتهم بشكل نهائي القيام بأعمال الدعاية الانتخابية وخلال فترة محددة، ومن خلال إخضاعها لضوابط معينة؛ فقد جاء في التعليمات التنفيذية للقانون رقم 5 لعام 2014 بالمادة 45 أنه يحظر على المرشح القيام بالدعاية الانتخابية قبل إعطائه إشعار قبول ترشحه.
ونصت المادة 47 من ذات التعليمات على أنه توقف الدعاية الانتخابية قبل أربع وعشرين ساعة من التاريخ المحدد للانتخابات، ولا يجوز لأي شخص أن يقوم بعد توقف الدعاية الانتخابية بنفسه أو بوساطة الغير بتوزيع منشورات أو غير ذلك من وسائل الدعاية. ويلاحظ أن المشرّع لم يفرض في قانون الانتخابات عقوبة على مخالفة هذه المحظورات وبالتالي يطبق على المخالف أحكام المادة 756 من قانون العقوبات، وتكون العقوبة الحبس التكديري، والغرامة حتى مائة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويتجلى الركن المادي لهذه الجريمة بقيام الجاني بفعل تحت مفهوم الدعاية الانتخابية، بغض النظر عن الوسيلة أو الأسلوب المستخدم فيها. ويستوي في تجريم هذه الأفعال أن ترتكب قبل الدعوة إلى الانتخاب أو خلال المدة المحددة للدعاية. ولكن بتجاوز الأوقات المسموح بها أو بعد انتهاء الفترة المحددة للدعاية. ويقوم الركن المعنوي فيها من خلال توافر القصد العام المتمثل بعلم الجاني بالمواعيد المحددة واتجاه إرادته إلى النتيجة والقبول بها.
ثانياً- جريمة عدم الالتزام بالأماكن المخصصة للدعاية الانتخابية:
نصت المادة 108من قانون الانتخاب أنه:
أـ يعاقب بالغرامة من خمسين ألف ليرة سورية إلى مئة ألف ليرة سورية وبإزالة الضرر كل من يلصق البيانات والصور والنشرات الانتخابية خارج الأماكن المخصصة لها.
بـ ـ تكون العقوبة بالغرامة من مئة ألف الى مئتي ألف ليرة سورية إذا كان الإعلان عن طريق الكتابة على الجدران وبإزالة الضرر.
من هنا نجد أن المشرّع حرص على تخصيص أماكن محددة ومتساوية للمرشحين ليمارسوا دعايتهم الانتخابية فيها. ويتم تحديد هذه الأماكن من قبل السلطات الإدارية المختصة في كل مدينة والتي تأخذ بعين الاعتبار مدى حيوية هذه الأماكن وكفايتها لجميع المرشحين عند التحديد والاختيار والمحافظة على المظهر الحضاري والجمالي للمدن.. ولأن ترك الأمر للمرشحين ورغباتهم سوف يجعل من الأبنية والطرقات والساحات العامة محل تنافس وسباق من أجل استغلالها في مجال الدعاية.. ولذلك وضع النص السابق من قبل المشرّع لمواجهة هذه الأفعال التي تشكل خروجاً على الضوابط والأحكام المنظمة للدعاية الانتخابية.
ويتمثل الركن المادي في هذه الجريمة بوضع إعلانات أو نشرات أو ملصقات الدعاية الانتخابية في غير الأماكن المخصصة لوضعها والتي يحظر القانون ممارسة الدعاية فيها؛ فوضع الملصقات على دوائر الدولة أو دور العبادة يتحقق بها الركن المادي، سواء كان المرشح هو الفاعل أو من يعملون لصالحه. ولا يقوم الركن المادي عند وضع ملصقات الدعاية على الأبنية الخاصة إذا تم بموافقة أصحابها، أما إذا كان بغير ذلك فيجب إزالتها ودون اعتبار تلك الإزالة من قبيل التمزيق أو الاتلاف أو الاعتداء على حق الدعاية. ويكفي لقيام الركن المعنوي فيها علم الجاني قبل وضع الإعلانات أنه يضعها في مكان محظور وذلك بموجب المادة 54 من القانون، والعقوبة المقررة لهذه الجريمة بحسب المادة 108 هي:
أـ يعاقب بالغرامة من خمسين ألف ليرة سورية إلى مئة ألف ليرة سورية وبإزالة الضرر كل من يلصق البيانات والصور والنشرات الانتخابية خارج الأماكن المخصصة لها.
ب – وتكون العقوبة بالغرامة من مئة ألف إلى مئتي ألف ليرة سورية إذا كان الإعلان عن طريق الكتابة على الجدران وبإزالة الضرر.
ثالثاً- جريمة عدم الالتزام بالضوابط المحددة لوسائل الدعاية الانتخابية:
يهدف المرشح من وراء دعايته الانتخابية اجتذاب جماهير الناخبين إليه ودفعهم للتصويت لصالحه، وهذا الأمر يتم من خلال العديد من الوسائل الانتخابية التي من الصعب حصرها في شكل أو أسلوب أو نمط معين بالنظر للتطورات الحاصلة في مجال الدعاية والإعلان. ولذلك تعمد التشريعات الانتخابية إلى وضع مجموعة من الضوابط والقيود التي تكفل عدم إساءة المرشحين لحقهم في الدعاية والخروج عن الغاية المنشودة منها؛ كاستخدام العبارات والشعارات التي تحمل دلالات دينية أو طائفية، أو استخدام الرموز والشارات الخاصة بالدولة ومؤسساتها العامة في منشوراتهم الدعائية؛ فقد جاء في المادة 50 من قانون الانتخاب أنه:
“يلتزم المرشحون من الأفراد والأحزاب السياسية مع عدم الإخلال بحقهم في الدعاية لبرامجهم بما يلي:
ب: المحافظة على الوحدة الوطنية وعدم تضمين الدعاية الانتخابية أي دلالات مذهبية أو طائفية أو أثنية أو قبلية.
جـ: عدم تضمين الدعاية الانتخابية ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة”.
وتكون العقوبة المقررة على من يخالف تلك المحظورات هي العقوبات بالنصوص الواردة في قانون العقوبات باعتبارها الأشد والأولى بالتطبيق، وذلك بموجب المادة 116 منه.
رابعاً- جريمة تدخل رجال السلطة العامة في الدعاية الانتخابية:
تعمل الدول الديمقراطية ما في وسعها من أجل تحقيق المساواة بين المرشحين في الدعاية الانتخابية، فتتحاشى كل إجراء يعد من جانبها تفضيلاً لمرشح على آخر، وتؤكد هذا النهج بأساليب عملية من ضمنها عدم السماح لرجال السلطة العامة بالتدخل لصالح مرشح أو ضده في عملية الدعاية الانتخابية. وعند مخالفة الموظف لهذا المحظور يكون عرضة للمسؤولية الجزائية فضلاً عن المسؤولية التأديبية؛ فقد جاء في قانون الانتخاب بالمادة 53 أنه:
“يمنع بأي شكل من الأشكال تسخير أو استخدام الوظيفة العامة أو المال العام في الحملة الانتخابية للمرشح ولا تدخل في ذلك الأمكنة التي تضعها الدولة ووحدات الإدارة المحلية تحت تصرف المرشحين والأحزاب السياسية”.
فالجهة المكلفة الإشراف على تنظيم الانتخابات ملزمة بواجب الحياد النابع في الأصل من واجبات الوظيفة العامة والذي يفرض على الدولة أو الجهات التابعة لها عدم الخروج عن مبدأ الحياد ومحاباة مرشح على آخر، والتأثير بالرأي العام لصالحه.. لذلك نجد أن المشرّع السوري كرّس هذا المبدأ في قانون الانتخاب بالمادة المشار إليها أنفاً؛ فلا يجوز مثلاً لرجال الشرطة والأمن حمل أو ارتداء أي شعار انتخابي لمرشح أو قائمة، حيث ينحصر دور تلك الأجهزة في العملية الانتخابية في تنفيذ القانون والحفاظ على الأمن والنظام.
ويكون الفاعل عند ارتكاب هذا المحظور عرضة للعقاب بموجب المادة 321 من قانون العقوبات، حيث يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.
خامساً- جريمة التمويل والإنفاق غير المشروع في الدعاية الانتخابية:
تكلف الحملات الانتخابية نفقات كبيرة لتنوع وسائلها وكثرة أساليبها. وهذه النفقات تختلف باختلاف نوع الانتخاب وحجم الدائرة الانتخابية ودرجة المنافسة فضلاً عن تفاوت الموارد بين مرشح وآخر. ولاشك أن تباين المراكز المالية بين المرشحين من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص الدعائية بينهم، مما دفع الكثير من المشرعين إلى تنظيم وضبط مسألة الإنفاق في الحملات الانتخابية، حيث قد يلجأ بعض الأشخاص أو القوى إلى استخدام أموال طائلة لدعم مرشح أو حزب معين، فضلاً عن خطورة التمويل الخارجي إذا كان من جهات معادية للدولة على المجتمع وسير العملية الانتخابية ونزاهتها. لذلك قرر المشرّع السوري في المادة 54 من قانون الانتخاب أنه:
“يحظر على المرشحين أو الأحزاب السياسية تمويل نشاط الحملة الانتخابية من أي مبلغ نقدي أو مساعدات عينية أو هبات أو تبرعات أو مساعدات من مصدر خارجي أو أجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر تحت طائلة المساءلة القانونية” .
وعاقب مرتكب هذه الجريمة في المادة 115 بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة تعادل ثلاثة أمثال المبلغ الممول من مصدر خارجي أو أجنبي أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادة /54/ من هذا القانون. ويتجلى الركن المادي لهذه الجريمة بقيام الجاني بتمويل حملته الانتخابية من أية جهة لا يسمح القانون بتلقي التمويل منها، سواء كانت شخصاً طبيعياً أو معنوياً أو حتى منظمات دولية، أو قبول مبالغ تزيد على المبلغ المحدد في القانون لتمويل الحملة الانتخابية مهما كانت قيمة هذا التجاوز، أو عدم تقديم المرشح كشوفات مصرفية ومحاسبية عن نفقات الحملة الانتخابية للجهات المختصة الإشراف على الانتخابات، أو القيام بذكر بيانات غير صحيحة في هذه الكشوف.
وفي الختام نجد أن اهتمام المشرّع بتنظيم الدعاية الانتخابية من حيث الزمان والمكان والشكل والموضوع والإنفاق، إنما الغاية منه هي ضمان نزاهة الدعاية وموضوعيتها وتحقيق المساواة بين المرشحين، وليس تقييد حرية المرشحين في الدعاية الانتخابية.. وهو ما يصب في مصلحة المواطن سواء كان ناخباً أو مرشحاً والعملية الديمقراطية التي تشهدها البلاد اليوم.
اترك تعليقاً