الجرائم المعلوماتية والعقول الافتراضية
منصور الزغيبي
من يتأمل ساحة الإنترنت (المجتمع الكوني) يلاحظ حراكاً غير صحي بدأ يأخذ أنماطاً جديدة في الانتشار بأشكال سلبية مختلفة، فيها تجاوز لمفاهيم الأخلاق والقيم والأمن الفكري، تغذي الجرائم المعلوماتية وتوسع دائرتها، وذلك من خلال صياغة عقول الشبان والفتيات والمراهقين والمراهقات، واستخدام عواطفهم وأحلامهم وتوظيفها في ما يخدم أهدافهم من عقول افتراضية مجهولة الدوافع والأسباب، حتى أصبحت من الصعب قراءة تصرفاتهم وسلوكياتهم على أرض الواقع، وهذا أمر يحتم على المعالجة، وخصوصاً من الناحية القانونية، وتعزيز الرقابة الذاتية، ومواجهة الحسابات الوهمية التي تصنع الزيف، وتنمية الوعي المجتمعي ومواجهة الحرب القذرة بأدوات موازية لها وبل تفوقها.
في الوقت الراهن من الضروري التعمق في رصد تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، لأجل قراءة الواقع بشكل دقيق ومعرفة حجم السلبيات والإيجابيات ومعالجتها، بداية من خلال سن القوانين وتجديدها، وتجديد المفاهيم التربوية والاجتماعية، وتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية، وتحصين المجتمعات من الاختراقات والحروب المعلوماتية والإعلامية الجديدة. إن الجرائم المعلوماتية تعددت فيها الجهود من حيث التقسيم، ونجد Ulrich Sieber أحد فقهاء القانون قسّم الجرائم المعلوماتية إلى ثلاثة أقسام، وهي: تتعلق بجرائم الحاسب الآلي الاقتصادية، والثانية جرائم الحاسب الآلي التي تتعدى على الحياة الخاصة، والثالثة هي التي تهدد المصالح القومية أو السلامة الشخصية للأفراد. في العقد الأخير في مجتمعاتنا العربية أصبح يلاحظ ازدياد معدلات الجرائم المعلوماتية، وفي هذا السياق صدرت دراسة بعنوان: «شبكات التواصل والقانون 2009م»، وشارك في إعدادها بيري فيسكونتي وجنيفر آرتشي وفرناز أليمي وجيني ألن. «وأشاروا فيها إلى انتشار قضايا قانونية جديدة في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، وأن سبب بروز هذه القضايا هي نتيجة عدم وجود تشريعات قانونية جديدة تستطيع التعامل مع التداعيات القانونية الراهنة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أكثر هذه القضايا شيوعاً: اتفاقات الترخيص للمستخدم النهائي، وانتهاكات حقوق الطبع والنشر، وانتهاكات العلامات التجارية المسجلة، والقذف وتشويه السمعة، والقرصنة، والتحرش الجنسي، والحث على الانتحار.
وهذه الممارسات جميعها ناجمة عن حداثة وسائل التواصل الاجتماعي وعدم مسايرة التشريع القانوني للتطور التقني الحاصل، ومن ذلك أصبحت فجوة بين الممارسة والتشريع المقنن لها». وعلى رغم أن هذه الدراسة صدرت قبل سنوات إلا أنها ما زالت تسلط الضوء على «مساحات» التركيز نحوها، إذ إنه ضعيف.
في الفترة الأخيرة صدرت تشريعات لمواجهة الجرائم المعلوماتية ومخاطرها، لكن بحكم تطور الجرائم المعلوماتية السريع فهذا يحتم على التحديث المستمر للقوانين لأجل القضاء والحد من هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، وأخطرهم من لهم أهداف تمس الأمن على جميع مستوياته.
خلاصة القول، إن تلاقي تقنية الاتصالات والحاسب الآلي مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي أسهم في رفع معدلات الجرائم المعلوماتية، وهذا الواقع يفرض على أجهزة التحقيق والعدالة الجنائية تحديات ومخاطر كبيرة، تتطلب اتخاذ الإجراءات والتدابير الموازية لمواجهتها والحد منها، بداية من تحديث قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية وتضمينه ما يفيد وقوع المسؤولية الجنائية على ناشري الخدمات التقنية ومقدميها عن سوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وغيره من المسائل المتصلة، وحتى فاعلية القانون على أرض الواقع وقياس مدى دوره في القضاء والحد من الجرائم المعلوماتية، وحماية الشبان والفتيات والمراهقين والمراهقات من عبث العقول الافتراضية مجهولة الدوافع والأسباب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً