الجرائم الانتخابيَّة في القانون العراقي
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
لا شك بان الانتخابات هي الوسيلة الديمقراطية للوصول إلى الحكم و التي من خلالها يختار الشعب ممثليه لإدارة شؤونه السياسية و تحديد من يدير السلطة التشريعية و التنفيذية و قد قيل ( بطاقة أفضل من رصاصة ) هذه المقولة المأثورة شاعت و انتشرت في الأنظمة الديمقراطية وهي تعبر عن رغبة الشعوب في الخلاص من أنظمة الحكم الشمولي و ما تجره من حروب و ويلات، فالأنظمة الديمقراطية هي الأنظمة التي يكون فيها للمواطنين حرية اتخاذ القرارات السياسية وفقا لمبدأ الأغلبية في الوقت التي تبقى فيه حقوق الأقليات محفوظة و مصونة بضمانات دستورية و قانونية.
تتركز أهمية الانتخابات في كونها الممارسة التي من خلالها يعبر كل مواطن توفرت فيه شروط الناخب عن رأيه في اختيار الشخصيات التي يخولها في إدارة شؤون البلد إلا ان هذه العملية لا تخلو من ممارسات غير شرعية يلجأ إليها الراغبون في الوصول إلى الحكم لتحقيق اغراضهم ومصالحهم الشخصية على حساب إرادة الناخبين و ارتكاب جرائم تسمى (الجرائم الانتخابية) وهي جرائم حديثة في التشريع العراقي نص عليها المشرع العراقي في قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي رقم (4) لسنة 2009 وهي الجرائم التي تمس نزاهة وعدالة الانتخابات و تم تصنيفها على أساس خطورتها و مراحل حدوثها و العقوبات الجزائية إزاءها وذلك سعياً لحماية العملية الانتخابية مع السعي الى ان يكون العقاب متناسبا مع الخطورة الاجرامية للفاعل و ما تحققه الجريمة من خطورة وقد وردت تسمية الجرائم الانتخابية في قانون انتخابات مجالس المحافظات كما وردت في قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 و هي كل سلوك يشكل تجاوزا وخرقا للقواعد الانتخابية وقرر له عقاب متى كان من شأنه التأثير على حسن سير و نزاهة العملية الانتخابية و ان المصلحة التي يحميها القانون في الجرائم الانتخابية تتمثل بتأثيرها في المجتمع من حيث مساسها بكيانه المعنوي لان الانتخاب هو التعبير عن الإرادة الحقيقية في اختيار حكامه و ممثليه و تشكل العملية الانتخابية سلسلة مترابطة من الإجراءات تبدأ من تاريخ فتح باب التسجيل في سجل الناخبين و المرشحين وبعدها تأتي مرحلة الدعاية الانتخابية والتي تحدد بفترة زمنية تبدأ و تنتهي في أيام محددة و هذه المرحلة يطلق عليها تسمية المرحلة التحضيرية أو التمهيدية للانتخابات ثم يأتي دور مرحلة التصويت التي يقوم بها الناخب بالتعبير عن رأيه بكل حرية بعيدا عن كل الضغوط و المؤثرات وبعد انتهاء هذه المرحلة تبدأ مرحلة الفرز التي يتم فيها فرز الأصوات وعدها و من ثم إعلان النتائج و ان الجريمة الانتخابية يمكن ان ترافق العملية الانتخابية من بدايتها حتى نهايتها و قد تقتصر على مرحلة معينة فيها و ان كان الغالب حدوثها في جميع هذه المراحل وعلى هذا الأساس نجد ان المشرع العراقي اخذ هذه الفروض بنظر الاعتبار عند تنظيمه لهذه الجرائم، فحدد جرائم كل مرحلة بصورة مستقلة، فحدد نصاً لجرائم الحملات الانتخابية بينما نظم جرائم التصويت و الفرز في نص آخر و المرحلة التحضيرية يقصد بها الفترة التي تبدأ من تاريخ فتح القيد في الجداول الانتخابية إلى يوم الاقتراع ولذلك اعتنى المشرع العراقي بحماية هذه الجداول وذلك بالتصدي لعمليات الغش والتدليس التي تصيب عملية القيد و لا تقل أهمية عن ذلك عملية الترشيح لشغل المقاعد البرلمانية أو عضوية مجالس المحافظات أو الاقضية و قد قضت محكمة التمييز الاتحادية في قرار لها (ان مجلس المفوضين هو الجهة المختصة بتنظيم و تصديق قائمة المرشحين للانتخابات وبإمكانه قبول أو رفض طلبات الترشيح في ضوء ما يقدمه المرشح من وقائع جديدة)
و ان المشرع العراقي قد اشترط في المرشح ان يكون حسن السيرة والسلوك وعدم الحكم عليه بجريمة مخلة بالشرف و ان فقدان احد هذين الشرطين دون الاخر يكون كافياً لفقدان المرشح حقه بالمشاركة في الانتخابات، كون عضو مجلس النواب هو جزء من السلطة التشريعية التي تختص بتشريع مختلف القوانين و منها التي تضبط سلوك افراد المجتمع و تحافظ على حسن سيرتهم، لذا فان من يفقد حسن السيرة والسلوك لا يصلح ان يكون مشرعاً لتلك القوانين لان فاقد الشيء لا يعطيه و ان عملية القيد أو إدراج الأسماء في سجل الناخبين أو الامتناع عن إدراجها تشكل جريمة يعاقب عليها القانون العراقي و ان نظام الجرائم والعقوبات المتعلق بالانتخابات رقم (4 ) لسنة 2008 قد نص على ان يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و بغرامة لا تقل عن مئة الف دينار و لا تزيد على خمسمئة الف دينار كل من تعمد ادراج اسم أو أسماء أو صفات مزيفة في جداول الناخبين أو تعمد إدراج اسم خلافا لاحكام القانون أو توصل إلى إدراج اسمه أو اسم غيره دون توافر الشروط القانونية المطلوبة وثبت انه يعلم بذلك وكل من توصل إلى عدم إدراج اسم آخر أو حذفه ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و بغرامة لا تقل عن مئة الف دينار كل من رشح نفسه في اكثر من قائمة انتخابية أو مع اكثر من كيان سياسي و من الجرائم التي نص عليها القانون العراقي الجرائم التي ترتكب في مرحلة الدعاية الانتخابية حيث تعد مرحلة الدعاية
الانتخابية إحدى أهم المراحل المهمة التي تشملها العملية الانتخابية و لهذه المرحلة كما لغيرها مجموعة من الضوابط التي تنظمها و تتم هذه المرحلة في مدة زمنية محددة تبدأ من الإعلان عن بدايتها و بتعليمات
تصدر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتنتهي قبل (24) ساعة من التصويت وهذا ما نصت عليه المادة (21) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 وهناك الكثير من الخروق التي ترافق الحملة الانتخابية للكيانات و للمرشحين على حد سواء منها ما تتعلق باستخدام موارد الدولة أو تلك المتعلقة بخداع الناخبين أو غشهم أو الاعتداء على الحملة الانتخابية وجريمة الاخلال بتنظيم الدعاية الانتخابية ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة كل من اعتدى على وسائل الدعاية الانتخابية المسموح بها قانونا لاي سبب كان سواء بالشطب أو التمزيق أو غير ذلك أو كل تصرف من هذا القبيل و أسلوب التشهير ضد المرشح أو الكيان السياسي و من الجرائم الانتخابية جريمة التأثير في إرادة الناخبين و تكون من خلال جريمة الرشوة الانتخابية أو جرائم العنف و التهديد و جريمة الرشوة الانتخابية نص عليها القانون العراقي حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من اعطى أو عرض أو وعد بان يعطي الناخب فائدة لنفسه أو لغيره لحمله على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت كالوعد بالتعيين أو استخدام المال أو الوعد بمنحة أو جائزة وقد تلجأ الجهات المنافسة بالانتخابات للتأثير على إرادة الناخب باستخدام السلاح أو العنف لحمل الناخب على التصويت لشخص معين أو جهة محددة و من الجرائم الانتخابية الجرائم التي تقع إثناء عملية التصويت .
و من ابرز تلك الصور جريمة التصويت المتكرر و جريمة التصويت بانتحال شخصية أو صفة الغير و جريمة التصويت المخالف لإرادة الناخب و بعد الانتهاء من عملية التصويت هناك جرائم أخرى نص عليها المشرع العراقي و هي الجرائم التي تقع اثناء فرز النتائج و إعلانها و هي جرائم الاعتداء على صناديق الاقتراع و جريمة الاعتداء على أوراق الاقتراع وجريمة تغيير نتائج الانتخابات وقد جرم المشرع العراقي على العبث و التلاعب بصناديق الانتخاب حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من عبث بصناديق الاقتراع أو سجلات الناخبين أو أي وثائق تتعلق بالعملية الانتخابية و ان جريمة تغيير نتائج الانتخابات من اخطر الجرائم التي ترافق عملية إعلان النتائج وهذه الجريمة لا يمكن تصور وقوعها إلا من قبل القائمين على العملية الانتخابية سواء كانت هذه النتائج أولية أو نهائية وتتم هذه العملية عن طريق تغيير الحقيقة زيادة أو نقصانا و هذه الجريمة يمكن اعتبارها من الجرائم المنصوص عليها في المادة (33) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 و نجد من الضروري تعديل قانون المفوضية المستقلة للانتخابات و ان يقوم مجلس المفوضين بإحالة جميع الشكاوى التي تتضمن ارتكاب جرائم انتخابية إلى القضاء و عدم الاكتفاء بإصدار عقوبات إدارية وان يكون هناك قانون انتخابات موحد للبلد يتضمن تفاصيل انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات و الاقضية و تشديد العقوبة على جريمة الرشوة الانتخابية باعتبارها من اكثر الجرائم الانتخابية شيوعاً وان تكون هناك محكمة مختصة للنظر بالجرائم الانتخابية لما لهذه الجرائم من اثر كبير في النظام السياسي .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً