“شيك بدون رصيد” الحاجة الحقيقية إلى تطوير النظام القضائي والتنفيذي
المرتبطون بمجالات الأعمال المختلفة لا يدهشهم الكمّ الهائل من القضايا المعروضة أمام الجهات المختصة للنظر في مشكلة – أو جريمة – إصدار (شيك بدون رصيد) أو (برصيد لا يغطي قيمة الشيك) أو (إصدار شيك ثمّ إيقافه من الصرف)… إلخ، كلّ تلك الحالات تُعدّ مخالفة لنظام الأوراق التجارية، لأن الشيك من الناحية القانونية هو أداة وفاء بالمبلغ لا يتطلب من المستفيد سوى تقديمه للصرف أو إيداعه في حسابه الخاص، إلا أننا كثيراً ما نشاهد هذه الحالات أو كثيرا مما يشابهها:
ـ إحدى المؤسسات تواجه مشكلةً مالية فتؤخر رواتب موظفيها ومطالبات مورديها وعملائها، ومع تزايد الضغوط يتمّ صرف الرواتب والمستحقات بشيكات بدون رصيد.. ليستمرّ برنامج المماطلة أشهراً طويلة، يسرح خصمهم طليقاً ويستمتع بأموالهم.. وهم ملتزمون بإجراءات النظام.. فلا يحصلون على حقوقهم ولا ييأسون منها.
ـ مساهمة متعثرة لفترات طويلة.. وحين تزداد المطالبات على المستثمر، يصرف للمساهمين شيكات بدون رصيد حتى يتخلص من ضغطهم وإلحاحهم، ويطلب منهم بكلّ استخفاف التوجّه إلى الجهات المعنية.
ـ مستأجرُ عقار، أو مشترٍ لسلعة، أو صاحبُ دين، أو شريكٌ يصفّي حصةَ شريكه.. وكلّ ذلك يتمّ بالوسيلة الأسهل (شيك بدون رصيد).. ثمّ يدخل الطرفُ الذي كانت لديه (ثقة) بالورقة المالية في قضايا تستمرّ أعواماً وأعواماً.
مختصرُ قصةِ رجل أعمالٍ سعودي: (نذكر القصة كمثال واقعي، وليس لغرض علاجها بشكل خاص).
اتفقتُ مع مؤسسة مقاولات تحملُ رخصة استثمار أجنبي وسجلا تجاريا، بغرض إنشاء مبنى في مكة المكرمة وفقَ عقدٍ مفصّل وواضح، ودفعتُ الدفعةَ الأولى مقابل (شيكات) توقعتُ أن تكون ضماناً كافياً لحفظ حقوقي ولم أعلمْ حينها عدم صحة ذلك نظامياً، ولمْ يلتزمْ المقاول بالعمل وِفق العقد المتفق عليه ورفض إعادة المبالغ غير المستحقة له وألغى عنوانه وهواتفه.. عندها توجهتُ إلى البنك لصرف الشيكات وإذا بها (بدون رصيد)، فقدمناها لوزارة التجارة وِفق النظام، وحصلنا على موعد جلسة للنظر في القضية مع المستشار القانوني بعد سبعة أشهر من تاريخ تقديم المستندات (ولمْ يمكن تقديم الموعد لأن المستشارين ينظرون عدداً كبيراً جداً من القضايا)، وطُلب منا إبلاغ الخصم والحصول على توقيعه على البلاغ ليحضر إلى موعد النظر في القضية بعد سبعة أشهر.. وقدْ كان هذا الأمرُ وحده كفيلاً أنْ نحظى بسخرية كبيرة!!
لم تقف المشكلة عند هذا الحدّ لأن الخصم لا عنوان له، فتعين علينا أن نذهب بخطابٍ موجه من وزارة التجارة إلى مدير عام الشرطة يطلب التعاون في البحث عن الخصم وإيجاده ليوقع على بلاغ الحضور، ومِن مدير عام الشرطة تمّ تحويل الخطاب إلى فرع الشرطة المعنية المشغولين بكثير من المشكلات، ولذا تمّ توجيهنا إلى عُمدة الحي الذي قصارى جهده ووعوده أن يُرسل مندوباً إذا استطعنا إحضارَ الخصم في مكان محدّد.. ليشهد مندوب العمدة ضدّ الخصم إذا رفض تسلم البلاغ والتوقيع عليه!!
هنا قررنا التوقف عن المتابعة لأنّ هذا التتابع في الأحداث تسبّب لنا في تكاليف أكبر، وضياع أوقات أطول، وبطبيعة الحال فالمشروع متوقف وأموالنا ليست بأيدينا والمقاول يعرف ذلك جيداً.. ومِن تجارب من سبقونا – وبحسبةٍ منطقية – عرفنا أنّ القضية ستستغرق عامين تقريباً لا نضمن بعدها حقوقنا.. ويكون الخصم خلالها قدْ نفّذ عدة عملياتٍ مماثلة، وسافر إلى بلده، أوْ أعلن إفلاسه ونقلَ ممتلكاته باسم طرفٍ أو نشاطٍ آخر.
إلا أننا وكمحاولات أخيرة.. أرسلنا خطاباً إلى الإمارة نطلب منعَ المستثمر من السفر إلى أنْ يتمّ النظر في قضيتنا، وقدْ تمّ تحويل الأمر إلى جهاز المباحث الذين قاموا مشكورين بالمتابعة ثمّ أعادوا المعاملة إلى وزارة التجارة وِفق النظام. وفي خطواتٍ لا نعرف هلْ ستفيدنا أمْ لا؟ لأننا لم نحظَ بأي تجاوب.. قمنا بمخاطبة الهيئة العامة للاستثمار، ووزارة التجارة مرة أخرى، ووزارة العمل – المستثمر استخرج فيزاً ثمّ قام ببيعها مخالفاً النظام.. وكما ذكرنا فنحن لا نعرف مصيرَ أيٍ من هذه المخاطبات.
لماذا نطرح هذه القضية؟
هنا ينتهي مختصر قصة المستثمر التي ما زالت قائمة وأملك نسخة كاملة من جميع وثائق قضيته.. وأبدأ طرح هذا الموضوع بعد الإشارة إلى ثلاثِ نقاطٍ مهمة:
الأولى: ليس الغرض تقديم شكوى ضدّ جهة قضائية أو تنفيذية محددة، بلْ ولا مجرد الانتقاد، لأننا نعلم أن كلّ الجهات وأغلب القائمين عليها يبذلون قصارى جهودهم في ظلّ الأنظمة والتوجيهات والإمكانات والموارد المتاحة لهم، ونعتقدُ جازمين أنّ جميع أجهزة الدولة – وعلى رأسها وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة التجارة ووزارة العمل – تعمل في ظلّ تحديات حقيقية ليس أقلها كبر حجم دولتنا المباركة وعدد سكانها المتزايد. إلا أننا تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين ننطلق إلى مرحلةٍ اقتصادية وعالمية واعدة.. تتطلبُ منا الطموح إلى الأفضل والمطالبة بالتغيير والمساهمة في صنعه.
الثانية: الهدف الرئيس من هذا الطرح يتجاوز إيجاد حلٍ لمشكلةِ مستثمرٍ ونوعِ قضيةٍ ما مثل (الشيكات بدون رصيد).. إلى التوجّه العام لحلّ مشكلة مؤرقة هي: طول فترات النظر والبتّ في القضايا عموماً، والقضايا التجارية والمرتبطة بالمستثمرين خصوصاً.. لأنّ ذلك بكلّ تأكيد يضرّ المصالح الاقتصادية للدولة، ويُعوق تحقيق خطط وتوجهات قادتها وطموحات وآمال مواطنيها في المرحلة المقبلة.
الثالثة: لفترة زمنيةٍ أقمتُ في بلد جاذبٍ للاستثمار.. وواجهتُ مشكلة (شيك بدون رصيد) بقيمة تعادل 4500 ريال تقريباً فقط، وعندما قدمت البلاغَ للشرطة تمّّ توقيف صاحب المؤسسة وحبسه خلال ثلاثة أيام فقط، ولمْ يخرجْ حتى تمّ دفع المبلغ. وواجهتُ مشكلةَ نصبٍ من محترفٍ يقدم خدمات وهمية ويختفي تماماً.. ومع أنّ المبلغ لم يتجاوز 40 ألف ريال سعودي تقريباً، إلا أنني خلال شهر كانت تأتيني الاتصالات من الشرطة تفيدني أنّ الموضوع قيد المتابعة والتحري وتوصيني بعدم القلق.. ثمّ جاءني اتصال هاتفي بعد أقلّ من خمسة أسابيع مِن جهاز المباحث يُفيد أنهم عملوا كميناً محكماً وتمّ القبض على المحتال الساعة الثانية ليلاً بعد استدراجه بطريقةٍ كنت أظنها لا تحصل إلا في الأفلام، وعلي مقابلة القاضي غداً في المحكمة للمتابعة.
مما يعني أننا – في دولتنا المباركة – لا نطالبُ بشيء بعيدِ المنال، بل نحن نواجه تحدياً قدْ تغلبت عليه غالبية الأسواق المتقدمة ذات النظام الواضح والعملي والكفاءات المخلصة والفاعلة.. لذا فمِن حقنا في بلدنا الكريم أنْ نطمحَ ونطالبَ بالوصول إلى هذا المستوى من النظام والدقة والسرعة لمواكبة التطور الاقتصادي في ظل العولمة وتقنية المعلومات وعصر المعرفة.
(الشيك بدون رصيد) جريمة وفق نصّ النظام
لقد شكّلتْ جريمة (شيك بدون رصيد) وما زالتْ تشكل خطراً يتمثل في ضياع الحقوق وعدم الوفاء بالالتزامات المالية أوْ حفظها من الاستغلال والتحايل مِن قِبل المتحايلين، ويؤدي إلى فقدان الثقة بهذه الورقة التي تقوم مقام النقد في المعاملات التجارية. وتتضح مشكلة الشيكات دون رصيد بشكل أكبر حين النظر إلى طبيعة الشيك من الناحية القانونية، حيث يُعدّ الشيك (أمرٌ – غير معلّقٍ على شرط – بوفاءِ مبلغٍ من النقود)، وبالتالي فإنّ عدم الوفاء بقيمة الشيك بسبب عدم توافر رصيد كاف، يُعدّ استغلالاً ونوعاً من أنواع الإخلال والاحتيال على الوفاء بالحقوق، يعاقب عليها القانون.
لقد نصّ نظام الأوراق التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/37 وتاريخ 11/10/1383هـ على تجريم إصدار شيكات بدون رصيد وفرضِ عقوبات بدنية ومالية على مرتكب هذا الفعل، ونظام الأوراق التجارية مستمدٌ من النظام الموحّد الذي أقرّ دولياً في مؤتمري جنيف عامي 1930 و1931م. وقد ورد في المادة 118 وما بعدها من نظام الأوراق التجارية المعدلة بمرسوم ملكي رقم م/45 وتاريخه 12/9/ 1409هـ ما ينصّ تفصيلاً على صور هذه الجريمة وعقوباتها.. وليس هذا مكان سرد النظام، حيث يمكن الاطلاع عليه بكل يُسر مِن خلال موقع وزارة التجارة والصناعة على الإنترنت.
وقدْ وضعتْ الجهات المختصّة إجراءات إضافية لمواجهة مثل هذه الجريمة، ومِن بينها مثلاً شطب السجل التجاري لمن يُصدر بشكل متكرر شيكات بدون رصيد، والصرف من أرصدة المحكوم ضده إذا امتنع عن تنفيذ الأحكام المعتمدة، والتحفظ على مقرّ مؤسسة أو شركة التاجر المخالف… إلخ.
وأصدرت وزارة الداخلية تعميماً برقم 16/98628 وتاريخ 17/12/1415هـ، يفيد أن قضايا الشيكات دون رصيد تعدّ من القضايا التي يُعمّم عنها جنائياً. وكان سمو الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية قد وجّه تعميماً لإمارات المناطق والأمن العام وهيئة التحقيق والادعاء العام أجاز فيه ملاحقة الأشخاص الذين يصدرون (شيكات من دون رصيد) جنائياً للقبض عليهم في حال تعذّر إحضارهم بالطرق العادية بعد أن يصدر بخصوص قضاياهم قرار نهائي من مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية.
ولكنْ بالرغم مِن هذا النظام الواضح إلا أنّ قضايا الشيكات بدون رصيد هي القضايا التي تعجّ بها وزارة التجارة وتنتقل بشكل أو بآخر إلى جهات قضائية متخصصة أخرى .. فقد بلغ عدد الشكاوى المقدمة لوزارة التجارة خلال الأعوام الماضية – وفق تصريحات الصحف – أكثر من 30 ألف شكوى في الرياض وحدها، ويبلغ عدد القضايا في مدينة جدة 20 ألف قضية (شيك بدون رصيد) سنوياً، بينما بلغ عدد القضايا المرفوعة لدى اللجان القانونية في عدد من الغرف التجارية أكثر من 3300 شكوى.. مع وجود أكثر من 55 ألف قضية (إصدار شيك بلا رصيد) لا تزال عالقة من فترات متفاوتة.. بحجمٍ وقيمةٍ إجمالية تقدّر بالمليارات، وهذه الظاهرة آخذة في التزايد.. فما سبب المشكلة؟
عاملان يُسهمان في تزايد الظاهرة
إنّ حقيقة المشكلة التي تسببتْ في تزايد وكثرة قضايا (شيك بدون رصيد) ليستْ في فقدان النظام أو عدم وجود عقوبات للمخالفين، وإنما المشكلة تكمن في أمرين:
الأمر الأول: طول إجراءات النظر والبتّ في القضايا بسبب البيروقراطية وأسباب أخرى.
والأمر الثاني: التهاون في تطبيق العقوبات وعدم تنفيذ أحكام النظام التي تصدر بحقّ المدانين بهذا الجرم من قبل الجهات التنفيذية بسبب كثرة الأعباء في الدرجة الأولى.
لقد سبق وحذرتْ الغرف التجارية من سلبيات هذه الجريمة باعتبارها الجهة الأكثر ارتباطاً بمجالات الاستثمار وأعرفها بما يضرّ الحركة التجارية، وشدّدت على أن يتمّ التعامل مع (الشيك دون رصيد) على أنه جريمة ينبغي التنفيذ الفوري للعقوبة على مرتكبها دونما الرجوع إلى إجراءات طويلة، كون الجريمة هنا ثابتة بالدليل والبرهان ولا تحتاج إلى تحقيق، وطالبتْ بضرورة العمل على إصدار نظام يحدّ من إصدار الشيكات مِن دون رصيد، التي أصبحت تمثل تحدياً كبيراً أمام الاقتصاد السعودي.
مشكلة “إجراءات” لا مشكلة “نظام”
إن المخوّل بنظر قضايا (شيك بدون رصيد) هي وزارة التجارة والصناعة، من خلال مستشارين متخصصين في الإدارة القانونية لنظر هذه القضايا وإصدار الأحكام فيها من خلال تحديد جلسات تجمع الخصوم، وأحكامهم نافذة، وهناك مدة شهر للاستئناف والاعتراض على الحكم مِن قبل المدعى عليه.. وهذه الإجراءات حالياً تستغرق فترات لا تقل عن بضعة أشهر على أحسن حال..
وهناك دعوة قديمة جديدة (يبررها التخصّص وكثرة أعباء وزارة التجارة) إلى إحالة جميع النزاعات المالية والتجارية إلى المحاكم الشرعية لتكون مِن اختصاص وزارة العدل فقطْ.. مع العلم أنّ الجلسات أمام وزارة التجارة أسرع من التقاضي أمام المحاكم الشرعية بسبب كثرة القضايا العالقة وآلية العمل المتبعة.
وهناك قرار قديم أطلّ برأسه حديثاً بعد دراسة مستفيضة من هيئة الخبراء.. لتفعيل نظام المحاكم التجارية بما يتوافق مع أحكام الشريعة، حيث يتمّ نقل اختصاص المنازعات التجارية بكافة أشكالها إلى المحاكم المتخصصة التي تراعي سرعة الفصل في القضايا وحفظ الحقوق الخاصة والعامة.. ويعوّل الجميع على أنّ هذا سيحقّق مصالح كثيرة بوجود نُظم عدلية تجارية متخصصة تشجع القطاع الخاص على التوسّع والاستثمار.
إلا أننا هنا نريد أن نؤكد أن التغيير المطلوب لن يتمّ بمجرد نقل صلاحيات هذا النوع من القضايا من جهة إلى جهة أخرى أكثر تخصصاً، التغيير لا بدّ أن يطول جوهر الإجراءات المتبعة بغضّ النظر عن الجهة المعنية بالنظر فيها، ويطول القيادات والإدارات وآلية اتخاذ القرارات والعمل والمتابعة.. إن الأنظمة في حاجة ماسة للتطوير الواسع وتعديل الإجراءات بما يضمن سرعة التنفيذ.
إننا يجب أن نعترف وبصراحة.. أنّ إجراءات التقاضي الحالية تؤدي إلى تفاقم الجريمة، وأنه مطلوب إعادة التفكير والتخطيط لإيجاد حلول حقيقية لدعاوى الحقوق خصوصاً.. حيث يُمكن أن تُعالج من خلال محاكم سريعة (متخصصة) أوْ أقسام خاصة، حتى لو استدعى الأمر أن تُستقطع ممنْ يُحكم عليهم مبالغ إضافية لتغطية تكاليف القضاة وغيرهم، ويكون في ذلك عبرة لمن تسوّل له نفسه بالعبث بحقوق الآخرين.
وحين نتحدث عن الإجراءات المتبعة للنظر والبتّ في القضايا، فإننا لا نغفل أيضاً جزئيات النظام التي تحتاج إلى المراجعة والتطوير مثل: التفريق بين الشيك الصادر مقابل عمل مشروع أو عمل فاسد وغير مشروع، والتفريق بين الساحب حسنَ النية والساحب سيئ النية، وهل القضية أمنية أو عدلية.. ناهيك عن التكامل بين الجوانب الشرعية والقانونية في قضايا الأوراق المالية، ودور وعقوبات المستفيد في حالات مختلفة.. فهذه أمور تتطلب التخصص والإلمام، ولدينا بفضل الله من القضاة والمستشارين من يمكن أن يقدموا الكثير.
قدْ يكون الوضع الراهن الذي أدى إلى كثرة القضايا المنظورة وتعطيلها فترات طويلة.. ناتج مِن قلة الكوادر ونقص الإمكانات المادية، أو قدْ يكون لأسباب إدارية منها الهيكلة وانعدام الحوافز وسوء الربط بين الجهات القضائية والجهات التنفيذية، أو قدْ يكون بسبب التغييرات التي طالتْ كلّ شيء وأصبحتْ تتطلب قيادات إدارية وفنيةٍ من نوع جديد.. وقد يكون بسبب كلّ ذلك.. وهذا بالضبط ما يجب تحديده ومعالجته جذرياً من قبل المسؤولين، لأننا نثق برغبة المسؤولين والعاملين – في الجهات الحكومية كافة – في المشاركة في النهضة الاقتصادية النوعية الكبرى لوطننا الغالي، وفي تحويل طموحات القادة وخططهم وتوجيهاتهم إلى واقع يحكي النجاح والتميز.. وبأنهم أقدر الناس على تحديد مكامن الخلل وتجاوزها بالاستفادة مِن المستشارين والمتخصصين وتجارب الدول الأخرى في هذا الشأن.
الأضرار الناتجة من تنامي هذه الجريمة
1- فقدان الثقة التجارية في معاملات السوق اليومية: حتى أصبح الشيك غير مقبول إلا إذا كان مصدقاً من البنك المسحوب عليه، وأصبح في السوق ممارسات شبه يومية مُتعمدة لارتكاب هذه الجريمة ومخالفة النظام دون أدنى احترام للقانون والعرف التجاري والمصداقية التي يجب أن تحرص عليها جميع أطراف التعاملات التجارية. لأنّ جريمة الشيك لا تزال مجرد قضية حقوقية لها جانب مالي يُعطي المستفيد الحقَّ في رفع دعوى مطالبا بقيمة الشيك, أمّا من الناحية الجنائية فإنّ من يرتكب هذه الجريمة ما زال بعيداً عن السجن والعقوبات التي يتمّ تطبيقها في أغلب دول العالم.
2- العبء المُلقى على الجهات القضائية والتنفيذية: إن العبء الكبير الملقى على عاتق إمارات المناطق ومحافظاتها والشرطة في المدن الرئيسية كافة والمباحث وغيرهم من الأجهزة الأمنية والحقوقية.. إضافة إلى العبء الكبير الملقى على عاتق وزارة التجارة والغرف التجارية والمحاكم وغيرهم من الجهات المعنية الممثلة في لجان ومكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية.. هذه الأعباء قدْ فاقتْ حقيقةً الإمكانات المتاحة وأدّتْ إلى تراكم عددٍ ضخم من القضايا تفوق طاقات الكوادر المتفرغة للفصل في القضايا وتنفيذ العقوبات.. إلا أن الأمر لن يقف عند هذا الحدّ.
فإن الدولة تعيش طفرة اقتصادية بفضل الله، وتشهد زيادة متنامية في عدد السكان وتضاعف الأنشطة التجارية بشكل كبير، وسيترتب على ذلك تزايد القضايا.. وهذا يتطلب إعادة النظر في الأنظمة وآليات التنفيذ الحالية لتواكب متطلبات المرحلة في فضّ المنازعات التجارية بصورة أسرع، وسدّ الثغرات التي يستغلها المتحايلون، ووضع مدة زمنية للبتّ والتنفيذ في القضايا.
3- الأثر السيئ في الحركة والمكانة الاقتصادية للدولة: وهو أمر يحتاج إلى دراسة ميدانية من جهات متخصصة، لذا فمن المهمّ أن تسعى الجهات المعنية شركة سمة للمعلومات الائتمانية وغيرها إلى بيان حجم وأثر إصدار الشيكات دون رصيد وتبعاته الخطيرة على الاقتصاد.
4- البعد الدولي للموضوع: إن هناك معايير دولية للأوراق التجارية تهدف إلى حماية المتعاملين باعتبار أن الأوراق التجارية من أدوات السوق التي يتمّ استخدامها يومياً، ولذا يجب أن تبقى في إطار القانون الذي يحكمها وليس التعامل اليومي المليء بالتجاوزات. ودولتنا المباركة هي إحدى الدول التي وقّعت على الاتفاقات الدولية – وخصوصاً معاهدة جنيف للأوراق التجارية – وبالتالي فهناك التزام دولي بتطبيق مضمون تلك المعاهدة وغيرها مما يُعطي الحماية للشيك بوصفه أداة وفاء.
5- ضياع الحقوق وعدم الوفاء بالالتزامات المالية: (إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وإن أحد أكبر الآثار السلبية المباشرة لجرائم (شيكات بدون رصيد) ضياع الحقوق المالية، وما يترتب على ذلك من مشاعر السخط والاستياء التي تصيب أصحاب الحق.. وما قدْ ينشأ عن ذلك من سلوكيات خاطئة وجرائم أكثر سوءاً. وهذا الضرر يجب أن يكون المعيار الحقيقي لأي عملية تطوير في الإجراءات والأنظمة مستقبلاً.. بمعنى أنّ على الجهات المعنية أن تعمل لتحقيق هدف واضح هو إعادة جميع الحقوق لأصحابها خلال أسرع وقت.. ومعاقبة المخطئين حتى لا يتكرر منهم الوقوع في الجرم نفسه.
العقوبات القانونية لجريمة “شيك بدون رصيد” والتعامل مع المخطئين
إن الأحكام والعقوبات في قضايا الشيكات من دون رصيد تصدُرْ ولا تُنفذ في كثير من الأحيان.. أو تُنفذ بعد وقتٍ طويل ومتابعة مضنية.. وهذا جوهر ما يجب أن يتغير، حلّ القضية يتطلب أن نركز على الأسباب وليس على العقاب.
يعتقد البعض أن النظام في حاجة إلى سنّ عقوبات جديدة على الأشخاص الذين يصدرون (شيكات بدون رصيد)، وأن العقوبات الحالية غير كافية للحدّ من هذه الجريمة. والواقع أنه يكفي أن نطالب بضرورة تطبيق العقوبات الجنائية التي أقرّها النظام السعودي (الحبس والغرامة المالية) على من يرتكب هذه الجريمة، وتعديل وإضافة بعض العقوبات لتطبّق في حقهمْ إذا لم يلتزموا بالتنفيذ الفوري للأحكام الصادرة عليهم، كأن يتمّ الحجز على ممتلكاتهم لسداد المبالغ المستوجبة عليهم، وحرمانهم من الحصول على سجلات تجارية وممارسة أنشطتهم القائمة، وحرمانهم من حقوقهم المدنية، ومنعهم من السفر خارج البلاد إلا بعد سداد جميع المبالغ المستحقة عليهم الناشئة من إصدار شيكات من دون رصيد.
إن هذه الجريمة يدخل فيها حقان: الحقّ المالي الخاص والحقّ العام، لذا يجب مراجعة الإجراءات والعقوبات القانونية التي تُطبّق على مَن أخطأ، ولا بدّ من تفعيل عقوبة السجن وعدم الاكتفاء بفرض الغرامة فقط. وهذا مرتبط بما سبقت الدعوة إليه من الحاجة إلى تطوير إجراءات الفصل في منازعات الأوراق التجارية وتسريع مواعيدها وتنفيذ أحكامها.
إن الدلائل تشير إلى أنّ مِن يُقدم على هذه المخالفة متعمداً يصرّ عليها في ظلّ تهاون الجهات المختصة معه، وغالباً فإن مَن يمارسون حالات النصب والاحتيال لا يستقيمون وذلك لأنهم لمْ يقابلوا القوة التي تردعهم، لذا نطلب حماية التعامل بالأوراق التجارية والتصدي الصارم لكل مَن يحاول العبث بها، ولنْ يحصل ذلك إلا بتطبيقٍ حازم لنظامٍ شديد يسري على الجميع مِن دون أي استثناءات. حتى يوقف تلك الشريحة من ضعاف النفوس الذين استغلوا الوضع الحالي واستمرؤوا التلاعب بالشيكات.
نعتقد أنه يجب أيضاً ابتكار عقوبات فعّالة مثل السماح بتبادل المعلومات عن الأشخاص الذين اعتادوا إصدار شيكات من دون رصيد على مستوى الجهات العامة والمستثمرين، والتشهير بالمتورطين في هذه الجريمة (مؤسسات أو أفراد) في وسائل إعلام محددة، وعدم الاكتفاء بالتشهير داخل الغرف التجارية وعلى نطاق ضيق جداً مثلما حدث أخيرا حين استعانت وزارة التجارة والصناعة بالغرف التجارية الصناعية في المناطق والمحافظات للتشهير بـ 43 مواطناً حرروا شيكات بدون رصيد وصدرت بحقهم أحكام من مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية. لا بدّ من وجود قائمة سوداء بأسماء هؤلاء الأشخاص وتكون متاحة لكل الجهات العامة والخاصة والجمهور، على أن يتم تحديث بياناتها أو الإلغاء وفق ضوابط مشددة.
لا بدّ أن يتم إصدار أحكام رادعة على مَن تتكرر أسماؤهم في المحاكم من المحتالين ليكونوا عبرة لغيرهم، والتعاون مع مؤسسة النقد لتجميد أرصدتهم الخاصة فوراً وبلا تأجيل، ومنعهم من السفر والتنقل داخلياً أو خارجياً، وحبسهم فترات طويلة كافية بردّ عقولهم إلى رؤوسهم، وتغريمهم مبالغ مالية كبيرة تناسب حجم الجرم وعدد مرات تكرار الجريمة.. ولا شكّ أن كلّ ذلك يتطلب تفعيل الأحكام وسرعة البتّ فيها ووجود جهاز تنفيذي لديه الإمكانات والصلاحيات الكافية.
ثلاثو مقترحات – قصيرة المدى – للإسهام في حلّ المشكلة
الاقتراح الأول يهدف إلى علاج الوضع الحالي فوراً بلا تأخير: تعيين فريق عملٍ مشترك عالي المستوى بصلاحيات وإمكانات واسعة يضمّ متخذي قرار من (وزارة الداخلية) و(متخصصين مِن وزارة التجارة)، ينبثق منه فريقُ عمل بين (فرع وزارة التجارة) وبين (إدارة الشرطة) في كلّ منطقة من مناطق المملكة.. هذه الفرق تهدف إلى حلّ جميع القضايا المعلقة والبتّ فيها والتأكد من تنفيذ عقوباتها قبل نهاية العام الجاري الذي ما زلنا في بدايته. إن هذا الاقتراح كما سيضمن ردّ الحقوق لأصحابها وحلّ القضايا العالقة من سنوات ومعاقبة كلّ مجرم، فهو أيضاً سيمنح الجهات المعنية فرصةً كافية لتستردّ أنفاسها وتقوم بالتخطيط والتغيير والتطوير اللازم في إجراءاتها.
الاقتراح الثاني إطلاق حملة توعوية تحذيرية ضدّ هذه الجريمة: يجب أن يتمّ التصدي لهذه المشكلة بناء على القناعة بحجم الأضرار التي تخلفها في الاقتصاد الوطني، وهذه الحملة تزيد من القناعة المشتركة وتلقائياً تزيد الجهود المشتركة على جميع الأصعدة لتطوير الأنظمة وضمان تنفيذ العقوبات. لذا نرى أنه من النافع جداً تبنّي حملةٍ رسمية برعاية الجهات المعنية كافة (الأمنية والقضائية والبنكية) للتحذير من الشيكات بدون رصيد، وليكُن شعار هذه الحملة: (الشيك بدون رصيد جريمة توجب العقوبة الفورية)، ويصاحبها بدء مرحلة جديدة من التعامل تجاه المحتالين الذين تجرأوا على انتهاك النظام.
الاقتراح الثالث أن يستفيد جهاز الشرطة من التجارب الناجحة: رغم ضخامة أعباء الشرطة وتفاني منسوبيها في حفظ الأمن والحقوق.. إلا أنها تبقى الجهة التي نعوّل عليها لردع المخالفات المالية وحماية مصالح الأفراد والمؤسسات في دولتنا الكريمة. لذا فمن المهم جداً أن تقوم الشرطة برصد التجارب الناجحة – عالمياً وإقليمياً – ودورها في مواجهة هذا النوع من الجرائم، ومِن ثمّ الاستفادة من تطبيقها محلياً.
مشروع تطوير القضاء (فكرة الحلول طويل المدى)
لقد فرح الجميع بالموافقة على “مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء” وتخصيص سبعة مليارات ريال تطوير القضاء في جميع جوانبه الشرعية والإدارية والمالية.. ونعلم أن هذا المشروع ما هو إلا استشعار من خادم الحرمين للمسؤولية الملقاة على عاتقه, ولذا وجه بما يخدم مصالح الناس ويحلّ مشاكل عديدة يعاني منها المواطنون والمقيمون والمتعاملون مع هذه البلاد. واستبشر الجميع أن هذه السابقة التاريخية ستنقل القضاء – بتوفيق الله – لأرقى المستويات وستُسهم في إحداث نقلة حقيقية في أداء دوائره كافة.. لعلم الجميع أن تطوير القضاء يُعدّ حجر الزاوية في مسيرة التطوير الشامل التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين لتحقيق انتعاش اقتصادي ومكانة متميزة لدولتنا المباركة.
وفرح الجميع أيضاً بأمر توقيع مشروع (الخطة الاستراتيجية لتطوير مرفق القضاء) بين وزارة العدل وبين (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن)، ولا سيما وقدْ أعلنت وزارة العدل أنها ستطبق الخطة الاستراتيجية على مدى 20 عاماً ابتداء من العام الحالي 1430هـ.. وهو ما يشعرنا بضخامة الأمل المعقود على هذا الجهد المبارك ـ بإذن الله ـ. وإنه لمن الفخر بمكان أن يكون هذا التعاون بين وزارة العدل وبين هذه الجامعة العريقة بمكانتها الرائدة وقيادتها المتميزة.. غير أننا نتمنى أن يتجنب هذا التعاون مُنزلق الانشغال وانتظار الخطط النظرية على حساب الإنجاز والعمل، وينصرم الوقت لا سيما إذا كان المشروع ليس من صميم عمل القائمين عليه، وحين تخرج الخطة تكون بيانات الواقع قد تغيرت بشكل كبير.
وحتى نكون أكثر صراحة آملين أن تتسع قلوب وصدور القيادات المعنية لأفكارنا.. نقول: نعم.. لقد خطت الوزارة خطوة مهمة في هذا المجال وإنْ كانت جاءت متأخرة جداً عن وقتها، ولكنها في مرحلة تغيير مهمة.. لذا نطالب بأن تجد توجيهات خادم الحرمين طريقها إلى التطبيق بشكل أسرع. بين الأمر الملكي الصادر عام 1426هـ والذي تضمن الموافقة على الدراسة الصادرة من لجنة التنظيم الإداري المتعلق بقطاع القضاء, وبين عام 1430هـ الذي دُشّن مع مطلعه توقيع مشروع (الخطة الاستراتيجية لتطوير مرفق القضاء والتوثيق).. أربع سنوات تقريباً كان يجب أن يكون الإنجاز فيها أكبر من ذلك بكثير.. لا سيما أنّ أهمّ جانب في الموضوع وهو حلّ قضايا الناس المتأخرة ما زال مكانه.. وسيبقى مكانه حتى ينتهي إعداد الخطة، وحتى تظهر جدوى الخطة التنفيذية.. (وفي حال ظهر أثناء الإعداد ما يستوجب تطبيقه في سرعة “ستقوم الوزارة بالعمل به”) ونعلم أن الوزارة تعلم أن – التعطيل الحاصل حالياً في القضايا – مما يستوجب تطبيقه بسرعة.
إن النقلة المأمولة تتطلب الكثير من الوقت والجهد والدعم على جميع المستويات.. ولكنّ خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ قد صدر القرار وقد تمّ تخصيص ميزانية المشروع.. وبقي أنْ نرى الرجال الذين عهدناهم صادقين مخلصين باذلين أنفسهم لخدمة الوطن وخدمة المسلمين من منسوبي وزارة العدل وغيرها.. بقي أن يبذلوا قصارى الجهود ويضاعفوا الكفاءات ويحرصوا على الإنجاز لتحقيق الأمر الأكثر أهمية: حلّ القضايا المتعطلة وردّ الحقوق لأصحابها. آملين أن يحرصوا أيضاً على الاستفادة من جميع الجهات ذات العلاقة والأفراد الذين يمكن أن يسهموا في التطوير مثل المحامين ورجال الأعمال والمستشارين والمستفيدين, وهذا ما سمعنا أنه قد بدأ بتوفيق الله تعالى.. لأنّ كلّ مواطن مطالب بأن يسهم في مسيرة التطوير بما يستطيع من فكر وجهد وغير ذلك.. ولذلك كان هذا الموضوع.
كلمة أخيرة.. والطموح الذي نتمناه من الجهات الحكومية كافة
إنّ أنظمة القضاء في المملكة تُعدّ من أفضل الأنظمة العدلية في العالم، إلا أنّ الصعوبات الظاهرة حالتْ دون تحقيق الهدف من هذه الأنظمة مثل قلة أعداد القضاة والمستشارين وعدم حصولهم على التأهيل الكافي، فيما يتعلق بالنواحي التجارية، إضافة إلى تشعّب وتطوّر أنواع النزاعات والجرائم في الأعمال التجارية ما أدى إلى تعدد الجهات التي يتمّ التعامل معها، وعدم توحيد هذه الإجراءات في جهة واحدة وانخفاض درجة الوضوح والشفافية للأنظمة المعمول.
إنّ السرعة في الإجراءات والقوة في التنفيذ والالتزام بحفظ وأداء الحقوق نحتاج إليه على كلّ صعيد. فبلادنا تعيش انتعاشة اقتصادية مباركة، وتجتذب استثمارات كبرى برؤوس أموال داخلية وخارجية، وحتى نؤمّن لبيئة الأعمال مصداقيتها وعدالة معاملاتها يجب أن نعيد صياغة الأنظمة ونؤمِّن لها القوة التنفيذية التي تعطي الأنظمة معناها وجدواها. ولا يستطيع عمل كلّ ذلك سوى الرجال الصادقين في كل جهة معنية، الذين نؤمل أن يرفعوا لواء المبادرة ويسارعوا إلى تطوير الأنظمة والإجراءات بما يوصلنا إلى حل جذري للقضايا المعلقة كافة.. كيف لا وهم أعرف الناس بما يجب أن يتخذ ويعدل لتحقيق التغيير نحو الأفضل.
إننا نأمل من هيئة الخبراء المحترمين ومجلس الشورى الموقّر أن يكون لهم دور مهم لتبني مشروع قانون جديد يعالج هذه الظاهرة خصوصاً.. ويسهم في تسريع وتطوير جميع أنظمة وإجراءات الجهات المعنية عموماً.. فهؤلاء الخبراء هم الأقدر على رصد الحجم الحقيقي للظاهرة، وإيجاد حلول عملية وفعالة لخدمة الدولة والمواطنين.. وتقديم مشروع عملي إلى القيادة الرشيدة يُسهم في ضخّ الدماء القيادية – الشابة المطّلعة على التجارب الناجحة – في منظومات الأجهزة القضائية والتنفيذية للإسهام في تطوير الإجراءات بإبداعٍ يضمن أقلّ التكاليف وأفضل النتائج، ويعجل بتطبيقات الحكومة الإلكترونية وغيرها من الحلول الجذرية.
إنّ الأسواق المثالية قد تجاوزت العراقيل الحكومية لتعمل كشريك لرجال الأعمال والمستثمرين فنجحت، حيث يعلم موظفوها أن بقاءهم مرهون بخدمة المراجعين من عامة المواطنين, ومن الرجال الذين يسهمون في تعزيز المكانة الاقتصادية للبلد بشكل خاص، وتضرب بيد من حديد على كلّ من تسول له نفسه عرقلة المستثمرين ورجال الأعمال، أو السعي وراء مصالح شخصية على حساب النظام والدولة.
إننا جميعاً مطالبون بتغيير الواقع غير المشجّع لتنمية الأعمال والاستثمارات، والذي حوّل رواد الأعمال إلى مضاربين في سوق الأسهم والعقارات، بدلاً مِن أن يكونوا منتجين بُناة ويقدموا قيمةً مضافة لأنفسهم وبلادهم وللاقتصاد الوطني. إن مجتمعنا يعيش تطورات كبيرة في التعاملات التجارية شملت جميع نواحي الحياة وانفتاحاً اقتصادياً على العالم أجمع.. والكثير من روّاد الأعمال يحبون وطنهم ويرغبون الاستثمار فيه والتضحية بالكثير من أجله.. ولكن ليس على حساب رزقهم وكرامتهم.
إنني أؤكد في آخر هذا المقال الموسّع.. أننا لا نهدف إلى الإساءة إلى أي جهةٍ أو التقليل من جهودها الكبيرة والملموسة والمباركة.. بل نُطالب ونعاون قدرَ استطاعتنا لتحقيق تغيير إيجابي أفضل، ولذا فإنْ ورد أي خطأ غير مقصود فأنا أعتذر مسبقاً.. وأرجو أنْ يجتمع تركيزنا جميعاً على إحداث التغيير المنشود.
نموذج يوضح الواقع والمأمول..
الطريقة الحالية في التعامل مع قضايا الشيكات دون رصيد
1) يجهز المدعي أوراقه لتقديم الشكوى في ملف علاقي أخضر، ثمّ يحصل على موعد جلسة أولى مع المستشار القانوني للنظر في القضية بعد خمسة أشهر على المتوسط.
2) يستلم المدّعي نسخاً من بلاغ موعد الجلسة الأولى ليقوم بإيصاله بنفسه إلى الخصم (المدعى عليه) وتوقيعه منه أو من المرتبطين به نظاماً للتأكد من إعلامه بالموعد.
(غالباً: المدعى عليه لا يعير بلاغ الحضور أي اهتمام، يتعمد أن يتخفى أو يتهرب، أو يقابل المدعي بشكل غير مؤدب، وفي النهاية لا يحضر إلى الجلسة).
3) إذا لمْ تستطع الوصول إلى خصمك، تحصل على خطاب إلى مدير عام الشرطة، ليقوم بتوجيهك إلى الفرع المعني، لينسقوا معك ومع العمدة إمكانية الوصول إلى الخصم بغرض الحصول على توقيعه.
4) إذا تمّ إبلاغ الخصم بموعد الجلسة الأولى.. وجاء الموعد ولمْ يحضر الخصم، يتم تحديد موعد جلسة ثانية بعد ثلاثة أشهر على المتوسط، وعليك إبلاغ الخصم بنفس الطريقة السابقة.
5) إذا تمّ إبلاغ الخصم بموعد الجلسة الثانية.. وجاء الموعد ولم يحضر الخصم.. يتم تحديد موعد جلسة ثالثة بعد شهرين على المتوسط.. وعليك إبلاغ الخصم بنفس الطريقة السابقة.
6) إذا تمّ إبلاغ الخصم.. وجاء موعد الجلسة الثالثة ولم يحضر، يتمّ الحكم عليه غيابياً. وتحول القضية إلى الجهات التنفيذية لاتخاذ ما يلزم من القبض عليه أو مخاطبة مرجعية عمله أو غيرها من الإجراءات التي تستغرق ثلاثة أشهر في المتوسط ليمكن تفعيلها.
7) يمكن للخصم الاستئناف والطعن في الحكم الغيابي.. لتتحول القضية إلى جهات أخرى، وتبدأ رحلة أخرى من المطالبات تستغرق عامين على المتوسط.
8) إذا لمْ يمكن القبض على الخصم يحصل المدعي على أمر قبض، ليتربص بالخصم عسى أن يجده وتمسكه الدوريات، وهذا طبعاً فيه صعوبة ويأتي على حساب وقت ومصالح المدعي.
(غالباً: جهاز الشرطة مشغول بالعديد من المشكلات.. وإذا تمّ إرسال دورية إلى منزل أو عمل المدعى عليه وهو غير موجود أو مسافر.. أو إذا تمت مراقبته من قبل أفراد المباحث ولم تتمكن منه لتهربه بضعة أيام.. تقف الأمور عند حاجز مسدود لعدم التفرع وعدم القدرة على تسخير المزيد من الإمكانيات، وعدم وجود جهة ذات سلطة تنفيذية رادعة ترجع إليها هذه القضايا)
9) إذا لمْ يتم ذلك يُطلب من إدارة الحقوق المدنية للتعميم على الخصم (المدعى عليه)، وتبدأ سلسلة المراجعات التي قد تمتدّ إلى سنوات بلا أي قيمة للتعميم.
جميع هذه الخطوات تبدأ بالشرط (إذا) فإذا انتفى البند المذكور بعد أداة الشرط.. تغيرت المعادلة وتضاعفت الجهود المطلوبة والمدة المتوقعة لإنهاء هذه الخطوة.. وقد تقف القضية تماماً عند إحدى هذه المراحل. وقد يختار المدعي أن يأخذ حقوقه بالمواجهة المباشرة والعنف مع الخصم، وتتحول القضية من قضية (شيك بدون رصيد) إلى قضية جنائية فيها القتل والضرب وغير ذلك.
ويمكن أيضاً أن تُختصر الكثير من الأوقات أو تزيد المماطلة.. إذا كان أحد الطرفين يعرفُ مَن يساعده بالحقّ أو الباطل..
الطريقة المقترحة للتعامل مع قضايا شيكات دون رصيد
1) يقدّم المدعي أصل وإثباتات قضيته إلى مستشار جهة قضائية متخصصة، ويبتّ المستشار مبدئياً في صحة مستندات الدعوى، ويحدد موعداً للنظر بحضور الطرفين خلال مدة لا تزيد عن 30 يوماً.
2) يتمّ التوصل إلى المدعى عليه وإبلاغه بالموعد من قبل جهة تنفيذية ترتبط مباشرة بالجهة القضائية.
3) في حالة عدم حضور المدعى عليه للموعد وبلا عذرٍ قاهر وموثّق لدى الجهة الرسمية، يتمّ توقيع عقوبات أساسية لمدة شهر مثل: (منع من السفر، إيقاف كافة التعاملات التجارية، تجميد كافة الحسابات البنكية الشخصية والاعتبارية، أمر بالتوقيف الفوري) إلى حين النظر في القضية والبتّ فيها.
4) يُنظر في القضية فوراً عند حضور الخصم، وإذا تمّ إدانة المدعى عليه، أو ثبت تلاعب المدعي، يُعاقب وفق النظام، ويُلزم بدفع غرامة مالية تعود مباشرة لخزانة الجهة القضائية والتنفيذية التابعة لها.
5) إذا لم يتمّ التوصل إلى المدعى عليه، يتم اتخاذ الحكم غيابياً، ويوقع عليه عقوبات التشهير والحبس والغرامة والإدراج في لائحة سوداء لدى كافة الجهات الرسمية وخاصة وزارة التجارة ومؤسسة النقد وسائر البنوك. وتُكلف الأجهزة المعنية بمطاردته لحين إيقافه.
اترك تعليقاً