نصت المادة (742) من القانون المدني العراقي على ما يلي:
(على المؤجر بعد قبضه الأجر المشروط تعجيله أن يسلم المأجور للمستأجر بالحالة التي هو عليها وقت العقد. فإذا كانت قد تغيرت بفعله أو بفعل غيره تغييراً يخل بالمنفعة المقصودة، فالمستأجر مخيراً إن شاء قبله وإن شاء فسخ الاجارة). وقد استمد المشرع العراقي حكم هذه المادة من نص المادة (642) من مرشد الحيران(1). وظاهر أن هذا النص مصطبغ بالصبغة السلبية فيما يتعلق بالتزامات المؤجر، حيث يلزم المؤجر بإجراء الاصلاحات التي يحتاج إليها المأجور وقت بدء الانتفاع(2). غير أن المادة (722) مدني عراقي عرفت عقد الايجار بأنه (تمليك منفعة معلومة لمدة معلومة. وبه يلتزم المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور). ويبدو أن المشرع عاد في هذه المادة وجعل التزام المؤجر ايجابياً خلافاً لما ورد في المادة (742) آنفة الذكر(3). وقد كان الأجدر بالمشرع العراقي بدلاً من محاولته المزج بين النظرية التي من شأنها تسليم المأجور بالحالة التي كان عليها وقت العقد، والنظرية الايجابية التي توجب على المؤجر أن يجعل المأجور بحالة تصلح للانتفاع به، أن يأخذ بما أخذت به القوانين المدنية الأخرى كالقانون المدني المصري(4). وقانون الموجبات والعقود اللبناني(5) والقانون المدني الفرنسي(6) وقوانين أخرى فيجعل التزام المؤجر ايجابياً يلزمه بتسليم المأجور في حالة يصلح معها أن يفي بما أعد له من منفعة وفقاً لما تم عليه الاتفاق أو وفقاً لطبيعة المأجور. له من منفعة وفقاً لما تم عليه الاتفاق أو وفقاً لطبيعة المأجور(7).
ويبدو أن مشروع القانون المدني العراقي الجديد قد التفت إلى هذا الموضوع في نص المادة (738) التي تقول: (أولاً: يلتزم المؤجر بتسليم المأجور وملحقاته إلى المستأجر في حلاة يصلح معها للانتفاع المقصود بمقتضى الاتفاق أو بحسب ما عد له المأجور)(8). غير أن واضع قانون ايجار العقار رقم 87 لسنة 1979 ـ كما نعتقد لم يلتفت إلى هذه النقطة الهامة في المادة الثامنة من القانون التي نصت على ما يلي: (على المؤجر أن يسلم المأجور بحالة تصلح للانتفاع به وفق العقد) والاصح في تقديرنا ـ وضع النص بالشكل التالي: (على المؤجر أن يسلم المأجور بحالة تصلح للانتفاع به وفق العقد أو وفقاً لما أعد له). وعلى هذا الأساس يتعين على المؤجر تسليم المأجور بحالة تصلح معها الانتفاع للغرض المقصود. ويتحدد هذا العرض بحسب طبيعة الشيء أو يحسب التخصيص الذي اتفق عليه المتعاقدان.
لهذا ينبغي أن يكون المأجور عند التسليم صالحاً للغرض المقصود بحسب ما هيته، فإذا كان معداً للسكن وجب أن يكون صالحاً لهذا الغرض بحيث تكون الأبواب والنوافذ ودورات المياه وكافة مرافقه صالحة لأداء الغرض منها على نحو عادي. فالمؤجر قبل بدء الانتفاع يلزم بكل الاصلاحات وينصرف ذلك إلى الشيء ذاته وإلى كل ما يعتبر من الملحقات اللازمة لجعله صالحاً لأداء ـ الغرض المقصود منه، مثل أجهزة التبريد أو خزانات المياه أو المصاعد أو السلالم أو غير ذلك مما يعد من الملحقات اللامة للانتفاع بالمأجور، وأن تعلق الأمر بتأجير أرض زراعية ينبغي أن يسلم المأجور في حالة يصلح معها للزراعة. وفي هذا الصدد يتعين عليه أن يزيل كل أثر لما قد يكون المستأجر السابق قد أحدثه بالعين. وإذا تعلق الأمر بتأجير محل تجاري، يجب أن يسلم في حالة صالحة للغرض المعد له. وكذلك الأمر إذا تم تأجير مصنع حيث يتعين أن يكون صالحاً للعمل، فتكون الآلات والأدوات صالحة لأداء الغرض المقصود.
ومثلما يجب على المؤجر تسليم المأجور صالحاً للانتفاع به وفق ما أعد له، يجب كذلك تسليمه صالحاً لأداء الأغراض المتفق عليها في العقد. فقد يتفق على تخصيص المأجور لغرض آخر فتأجير مبنى كان معداً للسكن بحسب طبيعته لاستعماله مصنعاً يجب أن يجهز بصورة يمكن معها أن يؤدي الغرض المتفق عليه. وتأجير محل كان معداً للبقالة مثلاً لكي تمارس فيه تجارة الخضروات والفاكهة يجب أن يسلم بحيث يكون صالحاً للغرض المتفق عليه، فيقوم المالك بعمل أحواض غسل الخضروات واعداد كل ما يلزم للوضع الجديد. وتأجير سيارة عادية لاستعمالها ((تاكسي)) يوجب على المؤجر أن يقوم بما يلزم لجعلها صالحة للاستعمال على النحو المتفق عليه، فيقوم باستخراج التراخيص الادارية اللازمة وتزويدها بعداد(9).
________________________
1-التي تقضي بأن (على المؤجر بعد قبضه الأجر المسمى المشروط تعجيله أن يسلم للمستأجر العين المؤجرة بالهيأة التي رأها وقت العقد، فإن كانت قد تغيرت بفعله أو بفعل غيره تغييراً يخل بالسكني فالمستأجر خير إن شاء قبلها وإن شاء فسخ الاجارة).
2- ويشبه هذا الوضع موقف التفنين المدني المصري القديم الذي كان المؤجر يلتزم بموجبه تسليم المأجور (بالحالة التي كيون عليها في الوقت المعين لابتداء انتفاع المستأجر به) د. برهام محمد عطا الله ـ الوسيط في قانون ايجار الأماكن ـ مؤسسة الثقافة الجامعية بالاسكندرية ـ 1982 ـ ص89 هـ (1).
3- يرى استاذنا د. كمال قاسم ثروت عدم وجود تناقض بين النصين، حيث ان نصوص القانون المدني العراقي جاءت منسجمة مع بعضها بما في ذلك المادتين (772، 791). د. كمال قاسم ثروت ـ 107، 110.
4- الذي نصت المادة (164) منه (يلتزم المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح معها لأن تفي بما أعدت له من منفعة، وفقاً لما تم عليه الاتفاق أو لطبيعة العين.
5- حيث تقضي المادة (547) منه أن على المؤجر (تسليم المأجور بحالة يتسنى معها للمستأجر أن يستعمله للغرض المقصود منه بحسب ما هيته، أو بحسب التخصيص الذي اتفق عليه المتعاقدان).
6- تنص المادة (1720) من القانون المدني الفرنسي على أن المؤجر (يلتزم بتسليم الشيء في حالة حسنة من جميع الوجوه).
7- د. سعدون العامري ـ المصدر السابق ـ ص239.
8- وزارة العدل العراقية ـ مشروع القانون المدين ـ 1984. ويبدو من نص المادة (738) من المشروع مدى التأثر بنص المادة (564) من القانون المدين المصري.
9- للمزيد راجع: د. توفيق حسن فرج ـ المصدر السابق ـ ص458 وما بعدها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً