الـحريـات العامـة بين التعـثر و التقـدم
اذا كان مسلسل اقرار الحريـات العامـة في الانظمة السياسية الغربيـة قد اسـتند في ظهوره الى مجموعة من الافكار و النظريـات … كمـا ذكرنا بعضها في القسم الاول و توج باعطائـها طابعـا و ضعيـا ، و ان المؤسسون الاوائـل انطلقـوا مـن فرضية الاتراجع الحريـات امام سلطة الدولة ، فان مسلـسل اقـرار الحريـات العامـة في المغرب كما في اغلب الدول النامية قد تم على اساس قلب المعادلـة الا تراجع سلطةةة الدولـة امام الحريـات ، و هكـذا نلاحظ ان المشاريع الدسـتورية التـي تقدمت بها فئة متنورة من المغاربة في حينها قد اقتربت في مهـدها و كانـت الدولة الممثلـة حينها في السلطـان عبد الحفيظ وراء هذا الاقبار ، نفس الشيء مع سلطات الحماية الفرنسية التي رفضت الاعتراف بحريـات المواطنين المغاربة ، رغم انـها من اولى الدول التي نادت بمبـادئ الحقوق و الحريـات من خلال اعلان ثورثهـا لسنة 1789 ، و كـان الاجدر ان تعمـل علـى تطبيقه فـي المغرب .
اما بعد الاستقلال ، فانه رغم اهمية اقرار هده الحريات ، فان التعديلات التي ادخلت عليها قد ضيقت نطاق هذه الحرية و اعطت للسلطات الادارية صلاحيات واسعة في التصرف و تقدير ضروف الجواز و المنع لعقد التجهات او مـصادرة الصحف او توقيفها لمدة معينة او منعها نهائيا ، بل قـد تمتـد سـلطات الادارية لراقبة الحريات بدون سند قانوني و خاصة خلال فترة الاستثناء ما بين 1965 و 1970 ، و التي استمرت عمليا الى سنة 1977 بحكـم الفـراغ الـسياسي و التوتر الذي طبع حينها علاقة الحكم بالمعارضة ، و ما استتبعه من اعتقالات و حجز للحرية الصحافية و توقيف الصحف و رقابتهـا ـ و كـذا التـشديد علـى الجمعيات و على عقد التجمعات و منعها بمجرد قرار اداري محلي او بدونه او بمجرد الممارسة دون ان يجيز لها القانون ذلك 24 ، اما ما عداها من الحريات ، كالمظاهرات و الاحتجاج بمختلف اشكاله فيبقى للسلطات الادارية المعنية اليـد الطولى و سلطة تقدير تكاد تكون مطلقة في قيامها او منعها .
و هكذا فان الحريـات العامة التي تم اقرارها غي النص الاصلي ( ظهير 15 نونبر 1958 ) و التي عادة ما تتضمنها الدساتير في مبادئـها ” الـنص علـى الحريات العامة و الفردية ، و تنظيم المواطنين غي الهيات السياسية و الاجتماعية ، و نشر الصحف و الكتب و تداولها … ” كانت ذات دلالة على تطور الديموقراطي الذي غدته حمـاسة الاستقلال ، لكنها افرغت من محتواهـا الاساسي مع التعديلات الموالية لظهير الحريات و ذلك بتضييق نطاقها سنة 1959 و 1960 ، و خاصة تعديل 10 ابريل 1973 الذي قيد تاسيس الجمعيات و عقد التجمعـات بـشرط التصريح المسبق بعد ان كان هدا الشرط مقتصرا علـى الجمعيـات الاجنبيـة و أقر إمكانية حل الجمعيات بمرسوم ، اضافة الى حلها عن طريق القضاء ، كمـا منح هذا الظهير السلطة الادارية سلطة التقدير في التصرف في كل ما من شانه الاخلال بالامن العام الذي كان الادارة فيه تأويـل واسع و فـضفاض ، اصبحت معه ممارسة بعض الحريـات ممارسة هشة خاصة عنـدما يـصبح التـصريح المسبق و كانه اذن مسبـق في عقد الاجتماعات و تنظيم المظاهرات …
و كان لظهير تعديل المسطرة الجنائية سنة 1974 دور في تكـريس التـدخل غير المبرر للسلطات الادارية في كثير من المناسابات و هو ما نعته البعض بـ القانون الجنائي للحريات العامة .
ان مجمل الحديث عن تعثر منظومة الحريات العامة هو تساؤل عن مدى فعالية قانون الحريات العامة نفسه ؟ لانه مهما كانت القوانين الجريئة فهي تظل محكومة بارادة الدولة .
لكن هذا لا ينفي بعض مظاهر التقـدم الذي عرفتـه ” الحريـات العامـة ” فـي المغرب ، ذلك انـه بمجرد اقـرارها ، فان ذلك يعني تقييد الـسلطة ،كمـا ان تشبث الدولة بهـذه الحقوق و الحريـات كما هو متعـارف عليها دوليـا ، لا يمكـن الا ان يعكس خط تقدمها .
و نعتقد انه على مستوى النصوص اصبح لنا منها ما سكفي لتنظيم العلاقة بـين الحرية و السلطة ، كميا ، لكن المطلوب هو مزيد من التحسين لتلك النصوص كيفيا ، بمعنى اخر ، الاعتراف بالحريـات العامة في قوانين الدولة لا يستتبعه بالـضرورة احترامها ، لذا يجب نقل المعركة الى ارض الواقع و طرح التساؤل الاتي : هـل يـتم فعلا احترام هذه الحريـات المعترف بها و المعلن عنها ام لا ؟ لان الحرية لكي يكون لها معنى يجب ان تنتقل الى ارض الواقع .
اترك تعليقاً