حصانة برلمانية
القاضي إياد محسن ضمد
لا يختلف عاقلان على أهمية الحصانة البرلمانية كونها توفر لممثل الشعب حماية دستورية وقانونية من ملاحقة السلطة التنفيذية في أي انتقاد أو رأي يبديه ضدها كذلك لحمايته من دعاوى يمكن ان تستهدف الكيد به وثنيه عن ممارسة دوره الرقابي والتشريعي.. لكن ان تتحول الحصانة الى كارت ذهبي يحمي مرتكب الجرائم من الملاحقة القانونية وان تستغل لتحقيق مآرب شخصية وجرمية فان في هذا الامر من الخطورة ما يستلزم الوقوف والبحث والمراجعة كونها اي الحصانة ستشكل عاملا مغريا يدفع تجار المخدرات وغاسلي الاموال للوصول الى قبة البرلمان لنيل مظلة قانونية تستظل بها جرائمهم وهي حينذاك ستتحول الى وسيلة مهمة يستغلها المناورون للإفلات من الملاحقات الجزائية.
عام 1688 ظهرت الحصانة البرلمانية في انكلترا وكانت تقتصر على حماية النائب من سطوة الملوك عما يبديه من آراء ولم تكن لتمتد الى ما يرتكبه من جرائم ايا كان نوعها وهنا يؤكد فقهاء القضاء الدستوري أن الحصانة هي حصانة للعمل وليس للأشخاص وان الحكمة منها هي حماية النائب من تسلط الحكومة وتمكينه من النقد والرقابة وإنها يجب أن تكون مقيدة بما يرتكبه النائب تحت قبة البرلمان من أفعال مخالفة للقانون وان لا تمتد الى ما يرتكبه خارج القبة من تعاطى رشى واستغلال نفوذ أو جرائم غسل أموال فالحصانة وجدت لحماية ممثل الشعب المثقف والناقد والمتصدي للسياسات الحكومية الخاطئة ولم تسن ليكون الحصول عليها سببا في وصول بعض المجرمين للمجالس النيابية.
والباحث في التاريخ البرلماني لمختلف الدول سيجد أمثلة ووقائع كثيرة لنواب اتهموا بتجارة المخدرات والاتجار بادوية فاسدة وتهريب اموال وان الاجراءات كانت لا تتخذ بحقهم الا بعد رفع الحصانة من قبل المجلس النيابي نفسه.
في العراق فان المادة 63 من الدستور تطرقت الى موضوع الحصانة القانونية للنائب في الفقرة الثانية منها حيث تضمنت نوعين من الحصانة اولهما حصانة موضوعية يعني ان النائب لا تجوز مقاضاته عما يدلي به من آراء داخل قبة مجلس النواب والنوع الثاني هو حصانة اجرائية اي يجب سلوك طرق واجراءات معينة قبل ان يمثل النائب امام القضاء وهي عدم جواز القبض عليه أثناء الفصل التشريعي الا اذا كان متهما بجناية وان يوافق الأعضاء بأغلبية مطلقة على رفع الحصانة او اذا كان متلبسا بجرم مشهود.
اما خارج الفصل التشريعي فلا يقبض عليه إلا إذا اتهم بجناية ووافق رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه او اذا تلبس بجرم مشهود. ويقينا فان ما نص عليه الدستور العراقي من حصانة للنائب فيما يبديه من اراء ونقد داخل المجلس فيه من الايجابية الشيء الكثير لانه يعطيه قوة في تمثيل الشعب والدفاع عن مصالح ناخبيه الا ان المشكلة تكمن في الحصانة الاجرائية من الملاحقة عند ارتكاب الجنايات وما يستغرقه رفعها ان رفعت من وقت طويل قد تتيح الوقت الكافي للبعض في ترتيب الاوضاع والافلات من العقاب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً