الحقيقة وراء قول القانون لا يحمي المغفلين
بقلم : المحامي جمال الخطاطبه
منشور بتاريخ 2009-07-23
كثيرا ما يردد الناس مقولة مشهورة تعودنا على سماعها ويرددونها في مواقف معينة تنطوي على تقصير احد الاشخاص بحقه او تهاونه به او عدم اتباع ما اوجبه عليه القانون وهذه العبارة هي القانون لا يحمي المغفلين .
في الحقيقة ان هذه العبارة قيلت او تقال في غير مكانها فهي عبارة تنطوي على فلسفة قانونية تعني ان الحماية للمراكز القانونية والمصالح الخاصة ليست مطلقة ،معنى ذلك انه حتى يسبغ القانون حمايته للمركز والمصالح الخاصة لا بد من نهج سلوك معين مفترض من قبل الاشخاص واتخاذ واجب الحيطة والحذر في التصرفات القانونية واتباع اجراءات وشكليات معينة حتى تكون الحماية القانونية ممكنة ومتوفرة فهناك بعض التصرفات القانونية تتطلب شكل معين حتى يوفر القانون الحماية لها ومنها على سبيل المثال شرط التسجيل في الدوائر المختصة كبيع العقارات والسيارات والتي رتب القانون بطلانها اذا ما فقدت هذا الركن الشكلي وهو التسجيل ، وبعض التصرفات تتطلب الكتابة حتى يحميها القانون كالقرض او الدين فكتابة الدين او توثيقة بمستند رسمي او عادي يعطي الدائن السند القانوني لتحصيل حقه من المدين حتى لو لجىء المدين الى الانكار كما ان القانون قد وضع مدد معينة يحمي خلالها الحقوق والمراكز القانونية وانه بتفويت هذه المدد لا تتوفر الحماية القانونية لها , لذلك فان عدم اتخاذ القدر اللازم من الحذر وعد الالتزام بالاجراءت والشكليات التي يتطلبها القانون فانه اي القانون لا يقدم الحماية لهذه الحقوق والمراكز مما يؤدي الى ضياعها .
وفي التطبيقات القانونية فان القانون في الواقع يؤمن الحماية للمغفلين من استغلال ضعفهم وحالتهم النفسية والعقلية وقلة خبرتهم وصغر سنهم وعدم ادراكهم من المستغلين الذين يتربصون بهم لسرقة اموالهم او الاستيلاء عليها بطرق ملتوية ، وقد اسبغ المشرع الاردني هذه الحماية من خلال تبنيه لقواعد قانونية يستطيع من خلالها الحفاظ على اموال وممتلكات الافراد ومن ضمنهم ذوو الغفلة من الاستيلاء عليها ومن هذه القواعد :
عيوب الرضى : والمتمثلة بالاكراه والتغرير والغبن والغلط والتي نظمها المشرع الاردني وبين احكامها في القانون المدني الاردني المواد 135-156
اهلية التعاقد : والتي وضع فيها المشرع الاردني الاحكام المتعلقة بتصرفات الصغير غير المميز ورتب البطلان على تصرفاته وبين الاحكام المتعلقة بتصرف الصغير المميز والدائرة بين النفع والضرر او النافعة نفعا محضا او الضارة ضرر محضا وحكم تصرف الصغير الماذون له وحكم تصرفات الولي والوصي في عقود الادارة واعمال الحفظ والصيانة واستيفاء الحقوق والنفقة على الصغير وحكم التصرفات التي لا تدخل في اعمال الادارة كالبيع والرهن والقرض والصلح واستثمار النقود وبين القواعد التي تنطبق على المجنون والمعتوه والسفيه وذو الغفلة وحكم التصرفات القانونية التي تصدر عنهم من حيث صحتها او بطلانها وبين مدى صحة هذه التصرفات اذا كانت نتيجة استغلال او تواطؤ .
تبني المشرع لنظرية البطلان في العقود اذا انعدم محل العقد او سببه فاشترط ان يكون لكل عقد محل يضاف اليه ورتب البطلان فيما اذا كان محل العقد باطلا وقت العقد واوجب ان يكون المحل في عقود المعاوضات المالية معينا تعينا نافيا للجهالة بالاشارة اليه او الى مكانه او ببيان اوصافه المميزة له وذكر مقداره ورتب البطلان على عدم التقيد بذلك واشترط ان يكون المحل قابل لحكم العقد وان لا يكون مخالفا للنظام العام او الاداب او منع الشارع التعامل به واوجب ان يكون سبب العقد موجودا وصحيحا ومباحا وغير مخالف للنظام العام او الاداب وان يكون للعقد منفعة مشروعة لعاقديه
كما ان المشرع الجزائي الاردني قد فرض العقاب على المحتالين والمتكسبين لحماية الاشخاص والمجتمع من الاستغلال وذلك من خلال الجزاءات المفروضة في قانون العقوبات في جرائم الاحتيال وذلك بحمل الغير على تسليم مالا منقولا او غير منقول او اسناد تتضمن تعهد او ابراء او استخدام طرق احتيالية من شانها ايهام الاشخاص بوجود مشروع كاذب او امر لا حقيقة له او احداث الامل عند الغير بحصول ربح وهمي او بتسديد المبلغ او بوجود سند دين غير صحيح او سند مخاصة مزور او تصرف في مال منقول او غير منقول مع علمه انه ليس له صفة التصرف به او اتخذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة ، و تحدث عن حالة استغلال احتياج شخص دون الثامنة عشرة من عمره او معوق نفسيا او عقليا واستغلال ضعفه او هوى في نفسه للاستيلاء على نقود او اسناد تتضمن اقراضه نقدا او استعارة اشياء او تنازل عن حقوق او اوراق تجارية وغيرها واورد النص على عقوبة من وهب او افرغ او رهن امواله او تسبب في ذلك بقصد الاحتيال على دائنيه او باع او نقل اي قسم من امواله بعد صدور حكم يقضي عليه بدفع مبلغ من المال او دين قاصدا الاحتيال على دائنيه ، والنص على عقوبة جرائم التزوير واساءة الائتمان والاختلاس واصدار شيك لا يقابله رصيد وغيرها والتي تتضمن منح الحماية للاشخاص بغض النظر عن ثقافتهم او مركزهم الاجتماعي او وضعهم الصحي .
من كل ما سبق يتين لنا ان القانون وجد لحماية المصالح الخاصة للافراد والجماعات والاشخاص المعنوية وانه بهذه الحال جاء لحماية افراد المجتمع من مظاهر الاستغلال والضعف الانساني ومن بينهم ذوو الغفلة ولهذا فانني وبدافع شخصي مني ارغب بشطب كلمة (لا) من العبارة الشائعة لتصبح الجملة الصحيحة :
(( القانون يحمي المغفلين))
اترك تعليقاً