الحكمة من تجريم إفشاء المعلومات أو الأسرار
لقد كانت الحكمة من تجريم إفشاء الأسرار تكريساً لواجب أخلاقي تقتضيه مبادئ الشرف والأمانة ، وقد تضمنت كافة القوانين والشرائع واجب الحفاظ على الأسرار وتجريم إفشائها ليس فقط لحماية صاحب السر ومكانته ومركزه وشرفه بل وأيضا لصيانة المصلحة العامة في المجتمع وعدم تعريض سمعة المهن والمراكز السامية النبيلة للاهانة أو لعدم الثقة والاحترام كالطب والمحاماة والقضاء والوظائف وغيرها ، فإذا لم يجد المريض مثلا طبيبا يركن إليه ويودعه سره أو لم يجد المتهم محام يطمئن إليه ويصارحه بسره وإذا لم يجد المسؤول موظف أمين يأتمنه على أسرار الوظيفة أو الجهة المسؤول عنها لأدى ذلك إلى المس بحقوق الإنسان والإضرار بالمجمتع ككل .
ولاننسى أن نشير هنا وبحكم أننا في مجتمع مسلم وشريعتنا هي القرآن أن من ضمن أخلاق المهنة في الاسلام المحافظة على سمعة الوظيفة وأسرارها ، فحفظ السر في الإسلام فضيلة وقد ورد في السنة النبوية العديد من الآثار والأحاديث التي تدل على ذلك منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذو نعمة محسود ، وإذا كان حفظ السر فضيلة فلمن حافظ على أسرار الناس أجر عظيم ، وأن الله يستره في الدنيا والآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلك ” من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ” .
* أسرار الوظيفة :
الأسرار الوظيفية منها ما يتعلق بالأشخاص ، ومنها ما يتعلق بالأعمال ، فما يتعلق بالأشخاص كالظروف الشخصية للموظفين التي يعلم بها المدير أو المسؤول أو بعض الزملاء ، وما يتعلق بالعمل مثل قيمة العرض الذي تقدمت به الشركة في عطاء معين ، أو ما يدور في الاجتماعات الخاصة بالجهة.
* من هم الأشخاص الملزمون بعدم إفشاء المعلومات أو الأسرار .
لا يرتكب جريمة إفشاء الأسرار أي شخص بل الشخص المؤتمن عليها ، وقد نصت المادة 236 من قانون العقوبات الليبي على أن ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل موظف عمومي يخل بواجبات وظيفته أو يسيء استعمالها بأن يفشى معلومات رسمية يلزم بقاؤها سرية ، أو يسهل بأي طريق كانت الوصول إلى الإفشاء بها ) .
وهذا لا يعني أو يفهم منه أن الملزم بكتمان الأسرار هو الموظف العام فقط بل أن هناك فئات أخرى ملزمة قانوناً بذلك طبقاً للقوانين أو اللوائح التي تنظم أعمالهم ومن ذلك الأطباء طبقا لقانون المسؤولية الطبية ، والقضاة طبقا لقانون القضاء ، والعاملين بالمصارف طبقاً لقانون المصارف ، وأفراد الشعب المسلح طبقاً لقانون الخدمة في الشعب المسلح ، وأفراد الأمن والشرطة طبقا لقانون الشرطة ، أفراد الحرس البلدي طبقا لقانون الحرس البلدي .. الخ .
وكقاعدة عامة جميع الأشخاص الذين يطلعون بحكم وضعهم أو وظيفتهم أو مهنتهم على أسرار قد تتصل بأدق تفاصيل الحياة الشخصية والمهنية والفنية والمالية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين .
جريمة إفشاء الأسرار أو المعلومات في القانون الليبي
كما سبق أن أشرنا فأن إفشاء أسرار الوظيفة مجرم بموجب أحكام المادة 236 من قانون العقوبات أي أنه يشكل جريمة جنائية .
وقد شدد المشرع العقوبة إذا كان إفشاء الأسرار يتعلق بأمن الدولة ولمصلحة عملاء الحكومات الأجنبية أو الحصول عليها لغرض التجسس المواد ( 171 – 174 ) من قانون العقوبات .
بالإضافة إلى ذلك فأن واجب عدم إفشاء أٍرار الوظيفة والتكتم في أمورها يعتبر من أهم الواجبات التي نص عليها في العديد من التشريعات المعمول بها في الجماهيرية سواء كانت قوانين أو لوائح من ذلك : –
1- ما نص عليه في المادة 76 / ز من قانون الخدمة المدينة رقم 55 لسنة 76 و. ر من أنه يجب على الموظف أن يكتم الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويظل هذا الواجب قائماً ولو بعد ترك الخدمة .
2- ما نص عليه في المادة 69 / و من اللائحة الإدارية للشركات والمنشآت المملوكة للمجتمع من أنه يجب على المنتج أن يكتم الأمور التي يطلع عليها بحكم عمله في الشركة أو المنشأة إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويظل هذا الواجب قائماً ولو بعد انتهاء العمل بالشركة أو المنشأة .
3- ما نصت عليه لائحة أعضاء هيئة التدريس غير الوطنيين بجامعات الجماهيرية في المادة / 30 بأن يلزم عضو هيئة التدريس بعدم إفشاء المعلومات والبيانات السرية التي يطلع عليها بسبب وظيفته ويبقى هذا الالتزام قائماً حى بعد انتهاء سريان عقده دون إذن الجهة التي يعمل لديها .
4- ما نصت عليه المادة 84 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أن الموظفون والمستخدمون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم في أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها ، ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم .
كذلك ما نصت عليه المادة ( 1845 ) من نفس القانون بأنه ( لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به فقط منع ارتكاب جناية أو جنحة إلا أنه قد ورد استثناء على هذه المادة في المادة ( 186 ) حيث نصت على أنه استثناء من حكم المادة السابقة يجب على الأشخاص المذكورين فيها أن يؤذوا الشهادة عن تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها لهم ، على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم .
5- ما نصت عليه المادة ( 13 ) من قانون المسؤولية الطبية رقم 17 لسنة 1997 م من أنه لايجوز إفشاء أسرار المريض التي يطلع عليها بسبب مزاولة المهنة إلا للجهات القضائية وفقاً للقانون .
6- ما نصت عليه المادة ( 61 / 7 ) من قانون الأمن والشرطة من أنه يجب على عضو هيئة الشرطة أن يكتم الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويظل هذا الواجب قائم ولو بعد ترك الخدمة .
ولاشك أن واجب عدم إفشاء الأسرار والمعلومات الذي يلزم به الموظفين بالدولة بكل فئاتهم ومستوياتهم ملزم به موظفي الجهاز بل أنهم ملزمون به أكثر من غيرهم نظرا لما منح لهم من صلاحيات بالقانون رقم 3 لسنة 1375 و . ر بشأن إنشاء وتنظيم جهاز المراجعة المالية وعلى الأخص ما نص عليه في المادة العاشرة .
وقد أراد المشرع من تقرير هذا الواجب المحافظة على الصالح العام أو المحافظة على مصالح الأفراد الخاصة الذين تتعلق بهم هذه الأسرار ، فبحكم وظيفة الموظف فإنه يطلع على أمور وأسرار يتعلق بعضها بمسائل تمس المصلحة العامة للدولة كالأسرار العسكرية والاقتصادية والسياسية ، وبعضها يتعلق بمصلحة الأفراد وحياتهم الخاصة ، وفي الحالتين الموظف ملزم بعدم إفشاء هذه الأسرار أو المعلومات ويبقى هذا الواجب قائماً حتى بعد انتهاء خدمة الموظف العام في الجهة التي يعمل بها .
وكما سبق أن أشرنا أن هذا الواجب يزول إذا فقد الموضوع سريته أو صار معروفاً بطبيعته ، أو لإلغاء الأمر الذي فرض هذه السرية أو سمحت السلطات المختصة بإفشاء السر أو أذن صاحب السر بإفشائه أو إذا كان من شأن إذاعة السر منع ارتكاب جريمة .
بقى أن نشير في نهاية حديثنا إلى أن مخالفة الموظف لهذا الواجب أعني واجب عدم إفشاء المعلومات أو الأسرار التي يطلع عليها بحكم أعمال وظيفته يعرضه للمسألة التأديبية وكذلك للمسألة الجنائية إذ أن إفشاء الأسرار جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات .
اترك تعليقاً