عدم وجود إجراءات حاسمة أدى إلى تفشي المماطلة في السداد
قطع التيار الكهربائي وإيقاف المستأجر ليس الحل القانوني لإلزام المستأجر بدفع الإيجار
محمد عبدالله السهلي ٭
لا أعتقد أننا سنأتي بجديد حين نقول إن مماطلة المستأجرين في دفع الإيجار أو إخلاء العقار المؤجر هي ظاهرة متفشية في سوق العقار السعودي، ويعود السبب الرئيسي في تفشيها – من وجهة نظرنا – إلى عدم وجود إجراءات حاسمة وفورية لتحصيل الحقوق الثابتة بموجب عقد الإيجار. فالوضع يشير إلى أنه وعند حلول موعد سداد الإيجار أو انتهاء العقد، يتم مخاطبة المستأجر عن طريق مكتب العقار المؤجر ويمنح مهلة أو أكثر للشكوى، وحين لا يجد نفعاً يحال الموضوع إلى المحكمة الشرعية المختصة بالنظر في النزاع، ومن الممكن أن لا يحضر المدعى عليه (المستأجر) الجلسة الأولى والثانية، والنتيجة إطالة المستأجر لبقائه في العقار المؤجر، وبعد أن يصدر الحكم ضده تبدأ المماطلة من جديد من قبل المستأجر مع الحقوق المدنية.
ونظراً لأن أي ظاهرة تستفحل وتطفو على السطح فإن من الطبيعي التدخل للتنظيم والمعالجة من قبل الجهات المعنية، فقد نشر في صحيفة «الرياض» بتاريخ 20 رمضان 1425هـ خبراً يشير إلى أن (إمارة منطقة الرياض تتخذ إجراءات جديدة ضد مستأجري العقارات المماطلين في الدفع لحفظ حقوق الملاك) ومن هذه الإجراءات أن المستأجر إذا امتنع عن سداد ما عليه بموجب عقد الإيجار أو رفض إخلاء العقار بعد انتهاء عقد الإيجار يوقف حالاً حتى ينفذ ما نصت عليه بنود العقد، وقبل ذلك إذا تلكأ المستأجر عن الحضور وظهر عدم تجاوبه فيحضر بالقوة الجبرية وتستخدم معه كافة الوسائل بما في ذلك فصل الخدمات من كهرباء وماء.
ورحب الكثير بهذه الإجراءات باعتبار أنها آلية فعّالة وتضع حداً لمماطلة المستأجرين في دفع الإيجار أو إخلاء العقار المستأجر بعد انتهاء عقد الإيجار مما يحفظ حقوق ملاك العقار، من خلال ما تضمنته هذه الإجراءات من جزاءات الإيقاف وفصل الكهرباء والماء دون اللجوء إلى القضاء، ولكن يجب أن نتساءل هل هذه الإجراءات نظامية (قانونية)؟ وعن مدى شرعية تطبيقها؟
من المبادئ المتفق عليها في القانون الإداري أن السلطات التنفيذية في الدولة مقيدة في عملها وتصرفاتها بمبدأ المشروعية، والذي يعني أن أعمال السلطة الإدارية وقراراتها لا تكون صحيحة ومنتجة لآثارها القانونية إلا بقدر مطابقتها للقانون (النظام). ومبدأ المشروعية يستلزم مراعاة تدرج القاعدة النظامية (القانونية) بحيث لا تخالف القاعدة القانونية الأقل مرتبة للقاعدة القانونية التي تعلوها ومن ثمَّ يكون التصرف صحيحاً. وفي المملكة يكون تدرج القواعد القانونية على النحو التالي (قواعد الشريعة الإسلامية ثم النظام الأساسي للحكم ثم الأنظمة الصادرة بمراسيم ملكية ثم اللوائح والقرارات الإدارية).
ومن المبادئ في القانون الإداري أن السلطات التنفيذية لها (امتياز التنفيذ المباشر) ويعني حقها في أن تقوم بتنفيذ قراراتها وأوامرها في مواجهة الأفراد ولو بالقوة الجبرية دون الحاجة للالتجاء إلى القضاء للحصول على إذن التنفيذ، وهذا الامتياز غير مطلق بل هو مقيد بحالتين وهما:
1 – حالة وجود نص نظامي صريح.
2 – حالة الضرورة القصوى كحالة الإخلال بالأمن العام والضرورة تقدر بقدرها.
لذا نرى أن الإجراءات التي يمكن أن تصدر من الجهات التنفيذية كـ (الشرطة) وما تتضمنه من جزاءات بإيقاف المستأجر إذا امتنع عن السداد أو إخلاء العقار المؤجر وفصل خدمات الكهرباء والماء، غير نظامية للأسباب التالية:
إن إيقاف أي شخص بدون حكم قضائي أو نص نظامي صادر عن السلطة التنظيمية (التشريعية) إجراء غير قانوني، وفقاً لمنطوق المادة (36) من النظام الأساسي للحكم «توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام»، كما أن إيقاع عقوبة فصل الخدمات من كهرباء وماء مخالفة للمادة (38) من النظام الأساسي للحكم والتي تنص على أن «العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نص نظامي».
إذا كان للسلطات الإدارية بما فيها أقسام الشرط يجوز لها استخدام القوة المادية لإجبار الأفراد على تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم وعلى احترام الأنظمة واللوائح والقرارات، فإن القوة المادية ليس المقصود بها توقيع العقاب على مخالفة الأفراد لها، فهذه من اختصاص السلطة القضائية، ولكن المقصود بالقوة المادية هي العمل على منع وقوع الأفعال التي تكون إخلالاً بالنظام العام، ولا يجوز استخدامها إلا في حالة الضرورة وبالقدر اللازم لتحقيق استتباب النظام العام.
والنتيجة أن القرار أو التصرف الإداري الصادر بهذه الإجراءات يكون غير نظامي لمخالفته مبدأ المشروعية، لذا يكون القرار قابلا للإلغاء من قبل ديوان المظالم ويكون للمتضرر نتيجة للإيقاف أو فصل الخدمات المطالبة بالتعويض عن ما أصابه من أضرار جراء تنفيذ القرار.
لذا لإضفاء النظامية على الإجراءات المشار إليها وجعلها مطابقة للنظام، وهي بالفعل حلول جيدة لمعالجة ظاهرة المماطلة من قبل المستأجرين، ينبغي اللجوء إلى أمرين، الأول: بما أن القضاء ممثل بالمحاكم الشرعية هي الجهة المختصة بالنظر في جميع المنازعات المتعلقة بالعقار بموجب أحكام نظام المرافعات الشرعية، فإنه يجب تسريع إجراءات النظر في دعاوى الإيجارات واختصار المواعيد، وأن يكون تنفيذ الأحكام القضائية من الجهات المختصة مشمولاً بالنفاذ المعجل.
والأمر الثاني إصدار نظام من السلطة التنظيمية (مجلس الشورى ومجلس الوزراء) أو إصدار لائحة تنظيمية من مجلس الوزراء بصفته السلطة التنفيذية، يتضمن تنظيماً لعقود ومسائل الإيجار في المملكة وأن يشتمل على نصوص واضحة تتضمن جزاءات أو إجراءات في حال مماطلة المستأجر في دفع الإيجار أو إخلاء العقار بعد انتهاء عقد الإيجار، وتخويل السلطة التنفيذية كالإمارات أو أقسام الشرط تنفيذها دون الحاجة إلى عرض النزاع على القضاء، وأن يقتصر الأمر على مسائل المماطلة في تنفيذ بنود العقد الصحيح وغير المتنازع حوله، أما مسائل النزاع حول صحة عقد الإيجار وما اشتمل عليه من مواد كقيمة الإيجار والتعويض فيجب عرضه على المحكمة الشرعية والحصول على حكم قضائي للتنفيذ.
٭ باحث قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً