ظهرت في الآونة الاخيرة حالات عديدة لأطفال حديثي الولادة وجدوا على قارعة الطريق وقد زادت هذه الحالات بسبب الحروب وتداعياتها، ومنها تلك المتصلة بالإهمال و اللامبالاة نتيجة سوء التغذية والتطبيب التي تؤدي في غالب الأحيان إلى وفاة الطفل، ومنها على الخصوص المرتبطة بالأعمال الإجرامية الصرفة الرامية إلى سلب حياة الطفل لتحقيق مصالح ثانوية.
وتبقى أهم جريمة تقترف في حق الطفل الوليد هي جريمة القتل العمد التي يراد من ورائها تحقيق نتائج غير قانونية ترتبط غالبا في مهدها بارتكاب جرائم أخلاقية.
وقد حاول جانب من الفقه وضع تعريف قانوني لمفهوم القتل العمد ، فمنهم من اعتبره ” الاعتداء الإرادي و الباغي على حياة إنسان بفعل إنسان آخر،
و منهم من عرفه بأنه “صدور فعل أو ترك من إنسان بقصد إزالة حياة إنسان آخر بغير حق و يؤدي ذلك إلى وفاته ، أما تعريف القتل الذي وضعه المشرع العراقي في إطار المادة 405 من قانون العقوبات العراقي فهو ” من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت“، أو كما عبر عنها القانون الفرنسي هي أن القتل هو” إزهاق الروح المرتكب إراديا”.
وبالرغم من كون جل التشريعات المقارنة تعتمد نفس مفهوم القتل ، الذي يقتضي أن يكون محل الجريمة إنسانا على قيد الحياة ، وأن يرتكب في حقه فعلا غير قانوني يؤدي إلى إزهاق روحه ، و بأن يكون هذا السلوك صادرا عن شخص آخر، فإن القليل من هذه التشريعات من خصص لجريمة قتل الطفل بشكل عام و الطفل حديث الولادة بشكل خاص مقتضيات قانونية خاصة في منظوماتها الجنائية ،
و من ذلك نذكر قانون العقوبات اللبناني الذي نص على تشديد عقوبة قتل الطفل الذي لم يكمل خمس عشرة سنة من العمر.إذ أن غالبية التشريعات اعتبرت جريمة قتل الأطفال حديثي الولادة مثلها مثل باقي الجرائم المرتكبة ضد الإنسان البالغ. بحيث أنها لم تفرد لها أي نص قانوني خاص وهذا ما سار عليه قانون العقوبات المصري .
ويقصد بمفهوم حداثة الولادة حسب بعض الفقهاء تلك المدة الزمنية الواقعة بين فترة الولادة و فترة ما قبل إتمام الطفل سنته الأولى من العمر،بينما هناك من اعتبر الطفل حديث الولادة متى ارتكبت جريمة القتل في حقه بعد ولادته بفترة زمنية قصيرة جدا.
وتنقسم السياسات الجنائية بشأن جريمة قتل الأم لوليدها إلى اتجاهين أساسيين، اتجاه يأخذ بالعذر المخفف للعقوبة في حق الأم اعتبارا للباعث وراء إقدامها على ارتكاب هذه الجريمة بدافع اتقاء العار و التستر على الفضيحة ، إذ يمثل هذا الاتجاه ،
قانون العقوبات العراقي في المادة 407 وقانون العقوبات السوري في مادته 537، و قانون العقوبات اللبناني في المادة 551 , بينما الاتجاه الثاني فإنه لا يشترط لقيام الجريمة المذكورة سوى نية إزهاق الروح دونما تطلبه في ذلك توفر القصد الجنائي الخاص الذي قوامه اقتراف الجريمة بغرض التستر على الفضيحة ،
صفة الجاني: أن صفة الجاني هي أم الطفل الوليد، بحيث استثنت غيرها من الإعفاء بما في ذلك أقاربها مهما كانت درجة قرابتهم من جهتها أو من جهة الوليد المجني عليه. كما أن صفة الأم التي أشارت إليها هذه المقتضيات لا تنطبق على الأم بالتبني أو الأم المرضعة للوليد وذلك تطبيقا لقاعدة عدم جواز التوسع في تفسير النص الجنائي.
وجدير بالذكر أن المجني عليه لا يهم جنسه سواء كان ذكرا أو أنثى، و أيا كانت عليه حالته الصحية، ولو كان يعاني من أمراض أو عاهات خطيرة تحد بشكل كبير من فرص بقائه على قيد الحياة. قد لا تنحصر صفة الفاعل على الأم التي تقدم على قتل وليدها، و إنما يمكن أن تنصرف هذه الصفة إلى الغير كذلك، إذ قد يكون هذا الغير إما قريبا من ناحية القرابة الدموية للطفل حديث الولادة المجني عليه بنفس درجة قرابة الأم له كالأب الذي يزهق روح وليده لسبب من الأسباب،
و إما أن يكون هذا الغير بعيدا عن الأسرة وإما قتل أب الطفل الضحية لا يستفيد مثل الأم من ظروف التخفيف التي قررها القانون الجنائي لفائدتها للمبررات التي سبق شرحها، وذلك مهما كان دوره في تنفيذ جريمته في حق الابن، سواء كان فاعلا أصليا فيها أو مساهما أو مشاركا. و اعتبر التشريع العراقي قتل الاب لابنه جريمة عادية .
القتل بسبب الفقر:
إن سبب القتل في هذه الحالة يعود إلى فقر الأب و خشيته من عدم القدرة على الانفاق على أولاده ، فالأب هنا و تجنبا لذلك يقوم بقتل ابنه الوليد بالرغم من كون هذا الفعل متعارضا مع القيم الإسلامية السمحة.
القتل بسبب جنس الوليد:
و يعود سبب القتل في هذه الحالة إلى كون الوليد أنثى ، بحيث كان الآباء في عهد الجاهلية يقومون بقتل المولود الأنثى و ذلك بدفنها حية فور ولادتها، إذ كانوا يعتبرون أنه إذا ما رزقوا بمولود أنثى فإن الحظ السيئ سيخيم عليهم ، و بأن آلهتهم التي كانوا يعبدونها ستغضب عليهم . كما كانوا يعتقدون أنه إذا أزداد فراشهم أنثى سيعتبرون ناقصي الفحولة،الشيء الذي قد يؤثر سلبا على مكانتهم الاجتماعية داخل قبائلهم.
وأخيرا لابد من حملة توعية شاملة يكون الغرض منها زيادة الوعي بمفهوم الحماية المقررة للأطفال وكذلك محاولة إيجاد الحلول المناسبة للعوائل التي تعاني من الفقر والجوع والجهل.من اجل الحد من هذه الحالات التي أخذت في الانتشار.
اترك تعليقاً